ثالثا : إذا وكله على أن يشتري له سلعة ولم يعطيه ثمنها فاشتراها الوكيل له من ماله ودفع ثمنها فإن للوكيل حبس هذه السلعة وعدم تسليمها للموكل إلا إذا دفع ثمنها فإن له حبسها بطريق الأولى وذلك لأنه في حالة دفع الثمن قد يتوهم أنه بالثمن لموكله فلا يصح له حبس عنه أما في حالة عدم الدفع فلا يتوهم التبرع .
وإذا هلكت السلعة في يد قبل أن يحبسها عن موكله فإنها تهلك من مال الموكل فعليه أن يدفع ثمنها .
ومثل ذلك ما إذا دفع الموكل له ثمن السلعة لشتريها فضاع منه الثمن فإنه يضيع على الموكل لا على الوكيل نعم إذا اشترى سلعة ثم أعطاه الموكل ثمنها ليدفعه إلى البائع فققد منه الثمن قبل يعطيه للبائع فإن الوكيل يكون ملزما به وكذلك إذا هلكت السلعة في يد الوكيل بعد حبسها عن الموكل فإنها تهلك على الوكيل وليس له أن يطالب الموكل بثمنها سواء كانت قيمة السلعة متساوية مع ثمنها أو لا .
وبعضهم يقول : إن السلعة في هذه الحالة كالمرهون . فإن تهلك بالأقل من ثمنها وقيمتها بمعنى أنها تقوم وقت هلاكها فإن كانت قيمتها تساوي ثمنها بأن كان ثمنها عشرة ولم ينقص عن ذلك ولم يزد عند هلاكها فالأمر ظاهر .
أما إذا زادت قيمتها عن ثمنها خمسة كانت الخمسة حقا للموكل فيطالب بها الوكيل وإن نقضت خمسة كانت حقا للوكيل فيطالب بها الموكل . مثلا إذا وكله بشراء جمل فاشتراه له بخمسة عشر ولم يدفع الموكل الثمن ولم يرض الوكيل بإعطائه الجمل قبل دفع الثمن ثم مات بعد ذلك في يد الوكيل . ففي هذه المسألة رأيان : .
أحدهما : أن الجمل هلك بثمنه على الوكيل فلا يطالب الموكل بشيء سواء زادت الجمل أو نقصت .
ثانيهما : أنه ينظر إلى ثمن الجمل وقيمته عن ثمنه بحيث أصبح يساوي عشرة فإن الوكيل يحسب عليه عشرة فقط ويرجع على الموكل بالخمسة .
أما إذا كانت قيمته هلاكه قد ارتفعت إلى عشرين فإنه بخمسة عشر ويرجع الموكل على الوكيل بالخمسة التي زادت .
رابعا : إذا اشترى الوكيل السلعة بثمن معجل ثم أجله له البائع بعد الشراء فإن للوكيل الحق في مطالبة الموكل بالثمن حالا .
أما إذا اشتراها بثمن مؤجل من أول الأمر فليس له مطالبة الموكل بالثمن حالا .
خامسا : إذا أراد شخص أن يتعاقد مع آخر في سلم فإنه يصح له أن يوكل عنه من يدفع للمسلم إليه ( البائع ) رأس مال السلم ( الثمن ) أما المسلم فإنه لا يجوز له أن يوكل عنه غيره في قبض رأس مال السلم وذلك لأنه مجرد أن يقبض الوكيل رأس المال ( الثمن ) فإنه يصير المسلم فيه ( المبيع ) في ذمته فيكون مسؤولا عنه مع أن الثمن يعطي إليه ولا يجوز أن يبيع الإنسان ماله بشرط أن الثمن لغيره وبذلك يكون التوكيل باطلا ويكون الوكيل هو المتعاقد ( المسلم إليه ) فيكون رأس المال مملوكا له والمسلم فيه دينا في ذمته فإذا أعطى رأس المال من وكله كان في ذمته .
وفي الصورة الأولى الجائزة وهي ما إذا وكل رب السلم ( المشتري شخصا ليدفع عنه رأس مال المسلم ( الثمن ) فإنه لا يصح للوكيل أن يفارق المسلم إليه البائع قبل أن يدفع له رأس المال فإذا فارقه بطل العقد . وإذا كان الموكل حاضرا وفارق المجلس قبل القبض . هل يبطل العقد أو لا ؟ رأيان فبعضهم يقول : إن الوكيل نائب فإذا حضر الأصيل فلا يعتبر النائب . وبعضهم يقول : إن الوكيل وإن كان نائبا في أصل العقد ولكنه في التصرف في الحقوق فلا عبرة بحضور الموكل ولا بمفارقته ما دام الوكيل حاضرا .
ومثل السلم الصرف فإنه يجوز لكل من العاقدين أن يوكل عنه من يستلم العين التي يتبادلانها بشرط ألا يفارق الوكيل صاحبه قبل العقد .
سادسا : إذا وكله على أن يشتري له شيئا بعينه كفرس فلان أو ثوره أو غير ذلك فإنه لا يجوز للوكيل أن يشتري ذلك الشيء عند غيبة موكله .
أما إذا كان موكله حاضرا فإن له أن يشتريه لنفسه لأن له أن يعزل نفسه عن التوكل رأسا بحضرة موكله ويكون حرا . أما في حالة غيبة موكله فإنه لا يجوز له عزل نفسه فلا يصح أن يشتري لنفسه ما أمره موكله بشرائه له وإلا كان مغررا وذلك لا يجوز . نعم إذا قال له اشتر لي كذا بعشرين فاشتراه لنفسه بخمسة وعشرين أو قال له اشترلي بورق فاشتراه بذهب فإنه يجوز لأن في مخالفة لأن في مخالفة الموكل عزلا ضمنيا للوكيل .
ومثل ذلك ما إذا وكله على أن يزوجه امرأة بعينها فإن للوكيل أن يزوجها لنفسه وذلك لأن النكاح لا بد من إضافته إلى الموكل فإذا أضافه الوكيل لنفسه فقد عزل نفسه لمخالفته مقتضي التوكيل .
وإذا وكله على أن يشتري شيئا غير معين كأن قال له اشتر لي ما رأيت فهذه تحتمل ثلاث صور : .
الصورة الأولى : أن ينسب الثمن إلى مال أحدهما أحدهما وفي هذه الحالة تكون السلعة لصاحب المال سواء كان الوكيل أو الموكل .
الصورة الثالثة : أن لا ينسب الثمن إلى مال أحد كالصورة الثانية ولكن الوكيل لم ينو عند الشراء أن تكون السلعة له أو للموكل ووافقه الموكل على ذلك وفي هذه الحالة رأيان : .
الرأي الأول : أن تكون السلعة لمشتري ( الوكيل ) مطلقا سواء دفع ثمنها من ماله أو من مال الموكل .
الرأي الثاني : أن تكون للذي دفع الثمن من ماله .
سابعا : إذا ادعى الوكيل أنه اشترى حيوانا كفرس فهذه المسألة تحتمل صورا : .
الصورة الأولى : أن يكون مأثورا بشراء ذلك الحيوان بعينه والحيوان حي لم يحدث فيه عيب وفي هذه الحالة يكون القول للوكيل سواء أخذ ثمنه أو لا بعد أن يحلف وذلك لأنه أخبر عن شيء يملك فعله في أي وقت ما دام وكيلا .
الصورة الثانية : أن يكون الحيوان قد هلك أو حدث به عيب . وهذه تحتمل وجهين : .
الوجه الثاني : أن لا يكون قد فقد الثمن وفي هذه الحالة يكون القول للموكل .
الصورة الثالثة : أن يكون مأمورا بشراء حيوان غير معين والثمن مفقود وفي هذه الحالة يكون القول للوكيل سواء كان حيا أو ميتا .
الصورة الرابعة : أن يكون الحيوان غير معين والثمن غير منقود وفي هذه الحالة يكون القول للموكل لما فيها من جهة التهمة للوكيل فإنه يحتمل أن يكون قد اشتراه لنفسه فلما رأى الصفقة خاسرة قال إنه اشتراه للموكل .
ثامنا : إذا قال شخص لآخر بعني هذا الثور لفلان فباعه إياه ثم أنكر المشتري أن فلانا أمره بالشراء حقيقة .
تاسعا : إذا وكله على أن يشتري له سلعتين معينتين ولم يسم ثمنا فاشترى له إحداهما بقدر قيمته أو بزيادة يسيرة يتعغابن فيها الناس فإنه يصح أما إذا اشتراها بزيادة فاحشة فإنه لا يصح وذلك لأن الوكيل على شراء شيء لا يجوز له أن يشتري بغبن فاحش .
وإذا وكله على بيع شيء فخالفه فإن كانت المخالفة في خير فإنها تنفذ كما قال له بع هذا الفرس بعشرين جنيها فباعها بخمسة وعشرين بشرط أن يبيع بالنقد أي بحيث لو باعها بورق فإنه لا يصح ولو كانت مصلحة للموكل .
الحادي عشر : لا يجوز لوكيل أن يبيع السلعة الموكل على بيعها لنفسه أو لمن له عليه ولا ية بسبب الحجر لصغر أو جنون أو سفه أو لمن لا تقبل شهادته كابنه الكبير وأبيه فهؤلاء الأنواع الثلاثة لا يجوز للوكيل أن يبيع سلعة موكله لهم كما أن يبيع سلعة موكله لهم كما لا يجوز ان يشتري له سلعة منهم لتهمة المحاباة فضلا عن أن البيع والشراء من نفسه أو ممن له عليه ولاية يستلزم أن يكون البائع والمشتري واحدا والمعروف أن عقد البيع لا يكون إلا بين اثنين . فإذا أذنه الموكل أن يبيع لمن لا تقبل شهادته فإنه يصح أن يبيع لهم أو يشتري منهم بثمن المثل كما لا يجوز له أن يبيع لهم بأزيد ويشتري منهم بأنقص بلا خلاف فإن باع أو اشترى منهم بغبن فاحش فإنه لا يصح قولا واحدا وفي الغبن اليسير خلاف ( والغبن الفاحش هو الذي لا يتغابن الناس فيه عادة أي لا يخدع بعضهم فيه بعضا . وقدره بعضهم في عروض التجارة بما زاد على نصف العشر وفي الحيوان بما زاد على العشر وفي العقار بما زاد على الخمس ) فذلك هو الغبن الفاحش وما عداه فهو يسير .
أما إذا أذنه الموكل بأن يبيع لنفسه أو لابنه الصغير ففيه رأيان : .
أحدهما : أنه لا يجوز لأن العاقد في هذه الحالة يكون واحدا .
ثانيهما : انه يجوز ( ويظهر أن الذي يقول بعدم الجواز لعلة كون العقد واحدا لا يمنع أن يبيع الوكيل السلعة لأجنبي ثم يشتريها منه ثانبا لأنه في هذه الحالة يكون البائع غير المشتري ) .
الثاني عشر : يجوز للوكيل أن يبيع السلعة الموكل على بيعها بيعا مطلقا والكثير فلا يسأل عن الغبن سواء كان فاحشا أو يسيرا عند أبي حنيفة . اما صاحباه فيقولان انه يجوز أن يبيع بغير ثمن . المثل وقد رجح بعضهم قول الإمام وبعضهم رجح قول صاحبيه وعليه الفتوى .
أما إذا وكله على أن تشتري له سلعة فإنه لا يجوز لوكيل أن يشتريها بأكثر من ثمن المثل بحسب العرف والعادة بالإجماع فإذا أشترى على خلاف العادة والمعروف أو اشترى بغير النقود نفذ شراؤه على نفسه وكان ملزما بالثمن الذي أخذه من مال موكله .
واعلم أنهم قسموا الذين ينصرفون في البيع والشراء إلى أقسام .
الأول : الأب والجد والوصي إذا باعوا أو اشتروا مال القاصر أو المحجور عليه وهؤلاء ليس لهم أن يبعوا أو يشتروا بحسب العرف والعادة ويغتفر لهم الغبن اليسير .
الثاني : الوكيل بالبيع المطلق والمضارب وشريكا العنان وهؤلاء يجوز لهم أن يبعوا كما يحبون ونفذ تصرفهم ولو غبنوا غبنا فاحشا عند أبي حنيفة أما صاحباه فقد عرفت رأيهم في ذلك آنفا وقد عرفت أن شراء هؤلاء لا ينفذ إذا كان بحسب العرف والعادة باتفاق .
الثالث : المريض مرض الموت إذا كان عليه دين يستغرق جميع ماله وهذا إذا باع منه شيئا فإنه يجن أن يكون بحسب العرف والعادة ولا ينفذ تصرفه إذا غبن فيه سواء كان الغبن فاحشاء أو يسيرا والمشتري بالخيارإما أن يرد السلعة لأو يكمل مانقص من ثمنها فإن مات وترك وصيا وباع وصيه بالمال لسداد دينه فإنه يعفى في بيع الوصي عن الغبن اليسير في هذه الحالة .
أما إذا باع الوصي لمن لاتقبل له شهادته وحاباه ولو يسيرا فإنه لا يصح .
الرابع ( الوصي ) وهو لا يجوز له أن يبيع مال اليتيم أو يشتريه لنفسه إلا إذا كان فيه خير لليتيم وتقدر الخيرية بزيادة الثلث فيجوز له إن يشتري ما يساوي عشرة بخمسة عشر ويبيع له ما يساري خمسة عشر بعشر وإلا فلا .
الخامس : ( الكاتب ) و ( العبد ) المأذون بالتجارة وهذان لهما أن يبيعا وأن يشتريا على خلاف العرف والعادة عند أبي حنيفة فلو باعا ما يساوي عشرة بواحد فإنه يصح أما صاحباه فيقولان أنه لا يجوز أن يبيعا على خلاف المعروف .
الثالث عشر : إذا وكله أن يبيع له سلعة يتجر فيها فباعها بثمن مؤجل فإنه يصح أما إذا وكله على أن يبيع له إردبا من القمح ليدفعه في الخراج المطلوب منه فورا فإنه لا يصح أن يبيعه بثمن مؤجل وكذا في كل سلعة قامت القرينة على الاحتياج إلى ثمنها على أنه يشترط في البيع بثمن مؤجل ألا تطول مدة الأجل طولا يخالف العادة في مثل ذلك وإلا لم ينفذ بيعه .
الشافعية - قالوا : ينعلق بالوكالة بالبيع والشراء أمور : .
أولا : إذا وكله على أن يشتري له شيئا فعليه أن يبين صنفه . فإذا قال وكلتك على شراء دار فيجب أن يبين جهتها كأن يقول في بلد كذا في حارة كذا أو شارع كذا ما لم يكن الغرض من الشراء التجارة فإنه لا يشترط بيان النوع لأن المقصود للموكل أن يشتري له ما فيه ربح في أي جهة كان وعلى أي صفة وجد فيطفي أن يقول له اشتر ما فيه ربح .
ثانيا : إذا وكله على شراء معين فيجب على الوكيل أن يتبع ما أمره موكله فإذا قال له اشتر لي فلان ناقة بثمن كذا فإنه يتعين ولا يجوز للوكيل الخروج عنه وإذا وكله على أن يبيع له سلعة بثمن مؤجل إلى أجل معين كشهر أو شهرين فإنه يصح وعلى الوكيل أن يتبع ما أمره به موكله فإن خالف ذلك بأن باع بثمن حال أو بأجل انقض من الأجل الذي عينه له موكله فإنه يصح بشرطين : .
الأول : ألا ينهاه الموكل عن البيع الحال أو يكون فيه ضرر على الموكل كنقص في الثمن .
الثاني : ألا يعين له المشتري فإن عينه كأن قال له بع لفلان بثمن مؤجل فإنه لا يصح أن يخالفه أما إذا قال له بع بثمن مؤجل ولم يحدد الأجل فإنه على الأجل المتعارف في بيع هذه السلعة فإن لم يكن فيه عرف بين الناس فعلى الوكيل أن يتبع ما فيه مصلحة موكله .
خامسا : لا يصح لوكيل أن يبيع سلعة موكله لنفسه أو لابنه الصغير أو السقيه أو المجنون وذلك لأن عقد البيع يجب أن يكون بين اصنين أحدهما موجب كأن يقول بعت كذا والآخر قابل وهو الذي يقول قبلت ( وهنا الشخص واحد ) لأنه إما أن يبيع لنفسه أو يبيع لمن هو ولي عنه وهذا لا يصح . نعم إذا حدد الموكل الثمن ووكل عن ابنه الصغير أو المجنون أو السفيه من يقبل عنه البيع ورضي موكله الأصلي بذلك فإن البيع يصح .
أما البيع لولده الكبير ( البالغ الرشيد ) ولأبيه وإن علا فإنه يصح في الأصل وبعضهم يقول : يصح لوجود التهمة فإن صرح الموكل بالبيع لهما فإنه يصح بلا خلاف .
ثالثا : إذا قال له وكلتك على أن تبيع هذه السلعة بما شئت أو بما تراه فإن له أن يبيعها بغير نقد البلد ( بالعملة المستعملة في البلاد الجنبية ) وليس له أن يبيع بغبن فاحش أو بثمن مؤجل .
وإذا قال له بعها بكم شئت فإن له أن يبيع بغبن فاحش وليس له أن يبيع بثمن مؤجل أو بغير نقد البلد وذلك لأن ( كم ) للعدد فيشمل القليل والكثير فهو أذنه في أن يبيع بأي ثمن وليس فيه تصريح له بالبيع إلى أجل أو بغير البلد .
وإذا قال له بعها كيف شئت فله بيعتها بثمن مؤجل وليس له بيعها نغبن فاحش أو نقد البلد وذلك لأن ( كيف ) للحال فيشمل الثمن الحال والمؤجل فهو المصرح لا بالغبن ولا بمخالفة نقد البلد .
رابعا : إذا وكله وكالة مطلقة فليس له أن يبيع أو يشتري إلا بثلاثة شروط : .
الشرط الأول : ألا يتعاقد إلا بثمن فيه مصلحة الموكل فلا يبيع السلعة إلا بثمن المثل أو أكثر ولا يشتري إلا بثمن المثل أو أقل فإذا غبن في بيعه غبنا فاحشا فإنه لا يصح .
( يتبع . . . )