- الوكالة بالبيع والشراء من الأمور التي يكثر وقوعها بين الناس فلذا أفردنا في مبحث خاص كما فعل بعض المؤلفين ولها أحكام مفصلة في المذاهب ( 1 ) .
_________ .
( 1 ) ( المالكية - قالوا : يتعلق بالوكالة بالبيع والشراء أمور : .
أولا : إذا وكل شخص آخر على أن يبيع له سلعة معينة ولم يصرح في التوكيل بأنه وكله في قبض ثمن المبيع فإن كان العرف والعادة في مثل ذلك أن الوكيل لا يقبض الثمن فإنه لا يصح له قبضه وإذا قبضه وإذا دفعه له المشتري لا تبرأ وللموكل أن يطالب المشتري بالثمن .
أما إذا كانت العادة جارية على أن الوكيل الذي يتولى البيع قبض الثمن أيضا فإنه يكفي أن يثبت أنه وكيل على بيع السلعة فقط وثبت ذلك فإن عليه أن يقبض الثمن ولو سلم المبيع ولم يقبض الثمن ضمنه .
أما إذا لم تجر العادة بقبض الثمن ولا بعدمه فإن على الوكيل قبض الثمن أيضا وإن لم ينص عليه في التوكيل ولكن قبض الثمن من توابع البيع .
وهذا كله إذا وكله على بيع سلعة معينة كما قلنا . أما إذا وكله على بيع السلع فإن له قبض الثمن والمطالبة به على أي حال .
وإذا وكله على أن يشتري له سلعة فاشتراها ولكن الوكيل اشترط على البائع أنه غير ملزم بدفع الثمن والذي يدفع هو الموكل فإن الوكيل في هذه الحالة لا يصح له قبض السلعة التي اشتراها لموكله . أما إذا اشترى السلعة ولم يشترط براءة ذمته دفع الثمن فإن عليه أن يقبض السلعة ويكون هو الملزم بدفع الثمن .
ثانيا : إذا وكل شخص آخر وكالة غير مقبوض على أن يشتري له سلعة غير معينة كأن قال : اشتر لي جملا فاشتراه له ثم وجد بع عيبا لم يعلم به الوكيل حال شرائه فإنه يجب على الوكيل أن يرده لصاحبه بذلك العيب سواء كان من العيوب الخفية أو من العيوب الظاهرة .
أما إذا كان عالما به حال الشراء فليس له رده ويكون ملزما به دون الموكل إلا إذا رضي الموكل به فإذا عين الموكل السلعة كأن قال له : اشتر لي جمل فلان ثم وجد به عيبا فليس له رده وعليه أن يخبر موكله بذلك فإن شاء ده وإن شاء قبله الوكيل مفوضا له رد السلعة ولو عينها الموكل فيجوز له الرد ويجوز له القبول .
وإذا كان العيب قليلا يغتفر مثله عادة وكان في الشراء فائدة للموكل كما إذا اشترى له ناقة مقطوعة الذنب ولكن رخيصة فليس له الخيار .
ثالثا : إذا وكله وكالة غير مفوضة على أن يبيع له سلعة فباعها لآخر ثم ظهر بها عيب فإن المشتري يرجع على الوكيل ما لم يعلم المشتري يرجع على الوكيل ما لم يعلم المشتري بانه وكيل أو يحلف وكيل وفي هذه الحالة يرجع المشتري على الموكل .
أما إذا كان وكيلا مفوضا فإن للمشتري أن يرجع عليه أو على الموكل سواء علم بانه وكيل مفوض أو وكيل فقط أو لم يعلم .
رابعا : وإذا وكله على شراء سلعة فإنه يجب عليه أن يشتري له سلعة لائقة به فإذا قال : اشتري لي جبة من الجوخ وجب عليه أن يشتريها من الصنف اللائق بحاله مالم يعين له الثمن كأن يقول له : اشتر لي جبة يسعر كذا فإذا عين . فبعضهم يقول : يشتري له بالسعر وإن لم يكن لاثقا به . وبعضهم يقول : لابد من شراء اللائق به .
خامسا : إذا وكله أن يبيع له سلعة فلا يخلو إما أن يعين له الثمن الذي يبيع به أولا يعين فإذا عين له الثمن فباع بأقل منه فإن للموكل الخيار فب إمضاء هذا البيع ورده فإذا أمضى البيع أخذ الثمن الذي باع به وإذا رده أخذ سلعته إن كانت قائمة .
أما إذا فاتت فإن الوكيل يكون ملرما بدفع نقص الثمن الذي سماه ولافرق في هذه الحالة بين أن يكون فرق الثمن يسيرا أو كثيرا .
أما إذا لم يعين له الثمن الذي يبيع به فباع بأقل من الثمن المثل فإن كان فرق الثمن يسيرا يمكن وقوعه عادة بأن كان يساوي نصف العشر فأقل فإن البيع ينفذ وليس للموكل الخيار .
أما إذا كان الفرق أكثر من نصف العشر فللموكل الخيار بين رد البيع وإمضائه على الوجه المتقدم .
سادسا : إذا وكله على أن يشتري له سلعة فلا يخلو إما أن يعين له الثمن الذي يشترى به أو لا يعين .
فإذا لم يعين له الثمن كانت هذه الصورة كصورة ما إذا وكله بالبيع وهو أنه إذا اشترى له بزيادة عن ثمن المثل فإن كانت الزيادة يسيرة فلا خيار له وإي كانت كثيرة له الخيار .
أما إذا عين الثمن الذي يشتري به فإن له أن يشتري بزيادة يسيرة في هذه الحالة بخلاف حالة البيع فإذا وكله على أن يشتري له فرسا بعشرين جنيها مثلا فاشتراها بزيادة جنيه فليس للموكل الخيار في قبولها أو ردها لأن الجنبه هو نصف عشر العشرين .
أما إذا اشتراها بزيادة جنيهين مثلا فإن له الخيار في إمضاء الشراء ورده ومعنى رده في هذه الصورة أن الوكيل يكون ملزما به ما لم يكن مشترطا الخيار .
ويشترط في إمضاء الشراء ألا يكون قد اشترى سلما فإن كان الوكيل قد دفع نقدا على أن يأخذ بها قمحا يعد شهرين مثلا فليس للموكل أن يرضى بذلك في حالة المخالفة بل عليه أن برفض .
وذلك لأنه بمجرد مخالفة الوكيل أصبح الثمن دينا في ذمته فإذا أجار الموكل هذا الشراء فقد برأه من الدين في مقابلة المسلم فيه الذي لم يقبضه وهو دين فيلزم من ذلك فسخ الدين وهو باطل على أنه يلزم في هذه الصورة بيع الطعام قبل قبضه أيضا وذلك لأن القمح يلزم الوكيل بمجرد المخالفة فإذا رضي الموكل بذلك فيكون الوكيل قد باعه إياه قبل قبضه وهو باطل أيضا .
سابعا : إذا وكله على أن يشتري له من سوق معين وفي زمان معين فخالفه واشترى من غير ما عينه له فإن كانت أسعار السلع تتفاوت بالنسبة للأسواق أو الأزمنة كان للموكل الخيار في القبول والرد وإن كانت لا تتفاوت فلا خيار له .
ثامنا : إذا وكله أن يبيع له سلعة ربوية بمثلها كما إذا قال له : بع هذا القمح بفول فخالف في ذلك وباعه بأرز مثلا كان للموكل الخيار في إجازة البيع ورده بشرطين : .
الأول أن يكون المشتري جاهلا بمخالفة الوكيل بما أمره به موكله فإن كان عالما بهذه المخالفة فسد العقد ابتداء وذلك لأنه يكون قد أقدم على شراء شيء وهو عالم بأنه يجوز أن يتم له أولا يتم وهذا مفسد للبيع في الأمور الربوية لأنه يكون داخلا على الخيار في الأمور الربوية وهو مبطل وهذا يقال : إنكم أجزتم للموكل الخيار في اجازة البيع ورده إذا خالف الوكيل في بيع ربوي أو شرائه والجواب أن هذا الخيار ليس مشترطا في الأصل بل هو خيار حكمي جر إليه الحكم وهو المخالفة أما الذي يبطل فهو الخيار الذي ثبت بالشرط من أول الأمر كأن يشترط الخيار أو يكون عاما به كما في الصورة الأولى .
هذا والأمور الربوية هي الأصناف التي يحرم فيها ربا الفضل المذكورة في مباحث الربا وهي كل ما كان طعاما مدخرا مقتاتا كالقمح والشعير والأرز ونحوها أو كان ذهبا أو فضة .
الشرط الثاني : الا يلتزم الوكيل أو المشتري ما نقص عن الثمن الذي سماه الموكل في حالة التوكيل بالبيع كما إذا قال له : بع هذه السلعة بعشرين فباعها بخمسة عشر ثم التزم للموكل بنقص الثمن وهو خمسة فإنه في هذه الحالة لا يكون للموكل خيار .
ومثل ذلك ما إذا التزم له الوكيل بالزيادة على الثمن في حالة التوكيل يالشراء كما إذا قال له : اشتر لي سلعة بعشرة فإشتراها بخمسة عشر ثم التزم الزيادة وهي الخمسة فإنه لا يكون للموكل خيار في هذه الحالة .
تاسعا : لا يجوز للوكيل أن يشتري السلعة التي وكل على بيعها ولو عين له الموكل الثمن الذي يبيع به لأنه يحتمل أن يشتريها غيره بثمن أكثر من الذي عينه له نعم يجوز له شراؤها إذا أذنه موكله بذلك أو انتهت رغبات الناس في هذه السلعة الى ثمن معين كما إذا عرضها للمبيع في الأسواق التي تباع فيها وانصرف التاس عنها .
وكذلك لا يجوز للوكيل أن يبيع لمن كان له عليه ولاية حجر لصغر أو لسفه أو لجنون أو رق فلا يجوز أن يبيع لإبنه الصغير أو الكبير والمجنون أو نحوهما وذلك لأنه هو الذي يتولى عنهما القبول فكأنه باع لنفسه أما زوجته وولده الرشيد فإنه يجوز أن يبيع لهما بشرط عدم المحاباة فإن حاباهما بأن باع لهما ما يساوي بذلك الثمن ثم ارتفع ثمنها وصار عشرة وعلم الموكل فليس مطالبته بالفرق .
الحنفية - قالوا : يتعلق بالوكالة على البيع والشراء أمور : .
أولا : أنه إذا وكله على شراء شيء أو بيعه فلا بد أن يكون ذلك الشيء معلوما ولو بوجه حتى يتمكن الوكيل من تنفيذ أمر الموكل فإن كان مجهولا جهالة تامة فإن التوكيل باطلا إلا إذا كانت الوكالة عامة .
وبيان ذلك أن الوكالة على البيع والشراء إما أن تكون عامة أو خاصة والموكل على شرائه أو بيعه إما أن يكون معلوما أو يكون مجهولا جهالة تامة أو يكون مجهولا جهالة يسيرة فإذا كانت الوكالة عامة - كما قال له - : ( وكلتك على أن تشتري لي ما رأيت ) أو ( أن تبيع من مالي ما رأدت ) فإنه يصح أن يشتري له ما يشاء من ماله ما يشاء بدون تعيين .
أما إذا كانت الو كالة خاصة والجهالة فاحشة فإن الوكالة لا تصح وذلك كما إذا قال له : اشتر لي ثوبا أو دابة فالثوب والدابة مجهولان جهالة تامة ويعبر الفقهاء عن ذلك بجهالة الجنس وهو أن يذكر شيئا يشمل أجناسا ولم يبين واحدا منها ( كالدابة والثوب ) فإذا قال له : وكلتك على أن تشتري لي دابة لا يصح لأن الدابة في اللغة اسم لكل ما يدب على الأرض من حيوان وإنسان وقد خصها العرف بالخيل والبغال والحمير وعلى كل حال فهي تشمل أجناسا كثيرة فإذا حملت على المعنى العرفي كانت شاملة للخيل والبغال والحمير فالجنس الذي يريد شراؤه مجهول إذا يحتمل أنه يريد الخيل أو البغال أو الحمير ( وليس المراد الجنسي المنطقي وهو المقول على كثيرين مختلفين بالحقيقة ) بل المراد ما يكون تحته أصناف فالخيل مثلا جنس عند الفقهاء لأن تحتها أصنافا كثيرة منها عربي ومنها مسكوفي ومنها مضمرة إلى غير ذلك من أصناف الخيل وكذا البغال والحمير فإنها أجناس لأنهما تشمل أصنافا كثيرة .
ومثل الدابة الثوب فإن فيه جهالة الجنس لأن الثوب يشمل أجناسا مختلفة كل جنس تحته أصناف كثيرة فهو يشمل : القماش والحرير والصوف والكتان والقماش يشمل : ( المدارسي والمقصورة والشاش الإسلامبولي والهندي ) إلى غير ذلك والحرير يشمل ( القطني والألج والحرير الهندي ) وغير ذلك ومثل ذلك الصوف والكتان فكلها أجناس عند الفقهاء لأن تحتها أصنافا كثيرة فإذا لم يبين الجنس الذي يريده الموكل كانت الوكالة باطلة حتى ولو ذكر الثمن .
أما إذا كانت الجهالة يسيرة فإن الوكالة الوكالة تصح وذلك كما إذا قال له : وكلتك على أن تشتري لي حمارا أو بغلا أو فرسا ) فإن الوكالة تكون صحيحة - لأنه وإن لم يكن فيه بيان شاف - ولكن جهالته غير فاحشة ويعبر الفقهاء عن ذلك بجهالة النوع وهو أن يذكر عبارة تشمل أصنافا كصيرة لم يبين واحدا منها فالمراد بالنوع الصنف فإذا قال له : وكلتك على شراء فرس فقد وكله شراء نصف مجهول لأن الفرس أصنافا كثيرة كما ذكرنا آنفا : فعدم تعيين واحد منها فيه جهالة للنوع ( أي الصنف ) ولكن هذه الجهالة يسيرة وذلك لأن الوكيل قادر على تحصيل غرض الموكل وذلك بأن ينظر إلى حاله ويشتري ما يليق به .
وهناك قسك آخر وهو الجهالة المتوسطة وذلك كما إذا قال له : اشتر لي دارا بثمن كذا فإنه وإن لم يبين الجهة التي يشتري فيها ولا عدد حجرها مثلا ولكن الثمن يجعلها ملحقة بالمجهول جهالة يسيرة .
أما إذا لم يذكر ثمنا ولا صفة كانت ملحقة بجهالة الجنس وبعضهم يقول : إن ذكر الثمن لا يجعل جهالتها يسيرة بل لابد من ذكر الجهة يترتب عليها اختلاف كثير في الثمن والرغبة .
والحاصل أن جهالة الشيء الموكل على بيعه أو شرائه تنقسم إلى ثلاثة أقسام : جهالة الجنس وجهالة النوع والجهالة المتوسطة .
وقد عرفت تعريف كل واحدة منها مع أمثلة . فإذا ذكر الموكل لفظا بين به جنس الموكل وعليه ونوعه وصفته فإن الوكالة تصح بلا نزاع وذلك كأن يقول : وكلتك على شراء فرس أدهم مسكوفي أو نحو ذلك .
أما إذا لفظا يدل على أجناس مختلفة فلم يبين جنسه فلا يصح التوكيل قطعا وذلك كأن يقول : وكلتك على شراء ثوب حتى ولو ذكر الثمن .
أما إذا ذكر لفظا يدل على انواع مختلفة ولم يبين النوع الذي يريده . وإذا ذكر لفظا يدل على أنواع مختلفة باختلاف أحوال الناس فتارة مجهولة والمبنية يسيرة - كالدار - فإنها تدل على دور متعددة لأنها تشمل الدار الكبيرة والمبنية بالحجر باللبن المحروق وغيره . والموجودة في بلد كذا أو جهة كذا . أو شارع كذا . إلى غير ذلك فإذا كان في قربة ولا تختلف دورها كثيرا في بنائها واتساعها وموقعها فإن الجهالة تكون يسيرة وتلحق بجهالة النوع إلا أنه لا بد فيها من ذكر الثمن كأن يقول : وكلتك على دار بكذا .
أما إذا كان في مدينة يختلف حال الدور فيها باختلاف الموقع وتفاوت بنيانها اختلافا كثيرا فإنه لا بد من ذكر الأوصاف المميزة لها وإلا كانت ملحقة بجهالة الجنس فلا تصح الوكالة .
ثانيا : إذا اشترى الوكيل لموكله سلعة ثم ظهر بها عيب ولم يردها الوكيل إلى صاحبها كان ملزما بها إلا إذا قبلها الموكل على عيبها .
وإذا هلكت في يد الوكيل قبل أن يلزمه الموكل بها هلكت على الموكل وهل للموكل أن يرد السلعة المعينة قبل أن يستلمها من الوكيل ؟ .
الجواب : ليس له ذلك لأن ردها من حقوق الوكيل ما دامت في يده . فإذا مات ينتقل إلى وراثه فإذا لم يكن له وارث انتقل حق الرد إلى الموكل . أما إذا استلم الموكل السلعة فقد أصبح هو صاحب الحق في ردها بالعيب لأن الوكالة تنتهي السلعة وليس للوكيل حينئذ ردها إلا إذا أمره موكله بذلك فإنه يصح .
وإذا وكله على أن يبيع له سلعة وظهر للمشتري أن عيبا فإن للمشتري أن يردها على الوكيل إلا إذا سلبت عن الوكيل أهلية التصرف كأن جن أو حجر فإنها ترد في هذه الحالة على الموكل .
( يتبع . . . )