( تابع . . . 3 ) : - في الأمور التي تجوز إجازتها والتي لا تجوز تفصيل في المذاهب ( 1 ) .
وحكم الوجه الرابع وهو أن يقول له خذها فاكرها فيكريها أن كل ما يتحصل من الكراء للمالك ويكون له أجر المثل فيما عمله فإذا تعاقد مع شخص ليحمله من بلد إلى آخر ومشى خلفه كان له أجر المثل على التعاقد وعلى المشي الذي مشاه وما يتحصل من الأجر للمالك لأن العامل في هذه الحالة يكون قد أجر نفسه إجارة فاسدة . هذا كله بعد الشروع في العمل أما قبله فتعين فسخ العقد وإنما فسدت الإجارة في هذه الأوجه للجهالة بقدر الأجرة .
أما إذا قال له خذ دابتي الذي واحتطب عليها ولك نصف الذي تجيء به فإنه يصح بشرطين : .
الأول : أن يكون القدر الذي يجيء به من الخطب معروفا في العرف كأن تجري العادة بأن هذه الدابة تنقل قنطارين في اليوم أو يسترطا ذلك كأن يقولا نقسم كل قنطارين مما تنقله .
الثاني : أن لا يحجر المالك على العامل كأن يقول لا تأخذ نصيبك إلا بعد أن يجتمع الحطب في مكان كذا فيصح بهذين الشرطين لانتفاع جهالة هنا محققة فإنه لا يدري بكم يبيع الحطب الذي يجيء به فالثمن مجهول تماما .
وهل السفينة والحمام والربع ونحو ذلك من الأشياء الثانية مثل الدابة في ذلك ؟ والجواب أن بعضهم يقول إنها مثلها فإذا قال العمل في سفينتي أو في حمامي أو في داري أو لنا ولك نصف ما يتحصل من ريعها فإن ما يتحصل يكون لمالكها وللعامل أجر مثله .
وبعضهم يقول إن السفينة والدار والحمام ونحو ذلك من الأعيان الثابتة التي لا يتولى العامل مؤنتها يكون لمالكها وللعامل أجرة مثله سواء قال اعمل عليها أو اكرها وسواء عمل عليها بنفسه أو أجرها لغيره . والثاني أصح .
الحادي عشر : أن يبيع شخص لآخر نصف سلعة معين على أن يبيع المشتري النصف الثاني فلا يصح أن يقول شخص لآخر بعتك نصف داري هذه بمائة على أن تتولى بيع نصفها الثاني وإنما تمتنع هذه الصورة إن لم يعين محل البيع أو عين بلدا تبعد عن البلد الذي فيها العقد أكثر من ثلاثة أيام .
أما إذا قال له أن تبيع لي النصف الثاني في هذه البلدة التي حصل العقد أو في بلد قريب منها فإنه يصح وذلك لأنه في الحال الأولى يكون قد اشترى معينا وهو نصف الدار ولم يتمكن من قبضة إلا بعد بيع النصف الثاني في بلد يبعد عن محل العقد أكثر أيام وذلك ممنوع .
أما في الحالة الثانية وهي إذا كان محل البيع في البلد أو في بلد يصح تأجير القبض إليها بأن كانت مسافتها ثلاثة أيام فأقل فإنه يصح ولكن يشترط في هذه الحالة أن يجعل العاقدان للبيع أجلا معلوما بأن يقول على أن تبيع لي النصف الثاني بعد شهر مثلا حتى في المسألة بيع وإجارة .
أما البيع فلأنه قد باع نصف الدار بثمن معلوم .
وأما الإجارة فلأنه قد اجره على أن يبيع له الثاني في وقت كذا وذلك جائز لأنه يصح أن يجتمع البيع والإجارة في عقد واحد .
أما إذا لم يؤجلا فيجتمع في المسألة بيع وجعالة فكأن قال بعتك النصف بمائة على أن يكون هذا البيع جعلا لبيع النصف الثاني وهو ممتنع وذلك لأنك التأجيل بعين الإجارة إذ الجعالة يفسدها التأجيل .
وإذا باع شيئا مكيلا أو موزونا أو معدودا كأن أعطاه عشرين إردبا من القمح وباع له إردبين منها بجنيه وسمسرة على بيع باقيها في خمسة أيام فيكون له نصف أجرة السمسرة فيرد نصف الإردب الذي جعل في مقابل السمسرة ويحتمل أن يبيعها في آخر يوم من العشرة أو بعد العشرة فلا يريد شيئا فقد ترددت أجرة السمسرة وهي الإردب بين كون بعضه إجارة وبعضه سلفا يرده غير جائز .
وإذا اشترط المشتري إنه باع النصف الثاني لا يرد شيئا من الأجرة فإنه يصح . فتحصل من ذلك أنه لا يجوز أن يبيع شخص لآخر سلعة بثمن معين وأجرة سمسرة على بيع النصف الثاني إلا بثلاثة شروط : .
الشرط الأول : أن يعين محل البيع بأن يكون في بلد لا تبعد عنه أكثر من ثلاثة أيام .
الثاني : أن يجعل لبيع النصف الثاني أجلا .
الثالث : أن يكون المبيع مثليا لا يعرف فإذا تحققت هذه الشروط صح لأنه يكون بيع وأجرة وهو جائز وإلا فلا .
وأما القسم الثاني وهو الجائز فهو أمور : منها الأجرة على الإملمة مع الأذان فإنها جائزة بخلاف الأجرة على الصلاة وحدها فإنها لا تجوز كما تقدم .
ومنها : الأجرة على تعليم القرآن والعلم والصنعة ونحو ذلك فإنها تجوز بشرط أن يعرف المعلم الشخص الذي يريد أن يتعلم .
ومنها إجارة المراضع : فيصح أن يستأجر شخص مرضعة لابنه وتسمى ( ظئرا ) بشرط أن يعين الولد الذي يريد إرضاعه فإن كان غائبا فينبغي أن يذكر سنة . أما إذا كان حاضرا فينبغي رؤيته وإن جربته المرضع لترى قوة رضاعه يكون حسنا .
وإذا استؤجرت المرضع بإذن زوجها فإنه يمنع من وطئها سواء أضر بالصغير أو لم يضر .
وبعضهم يقول : إنه لا يمنع من وطئها إلا إذا أضر بالصغير فإن وطئها على القول الأول يكون لأب الصغير فسخ الإجارة .
وكذلك يمنع الزوج من السفر من بلد أهل الرضيع وإذا سافر الأبوان من بلد الظئر لزمهما دفع الأجرة كالملة وإلا تركا الصبي لترضعه في محل العقد .
أما إذا أجرت نفسها بغير إذن زوجها فله كل ذلك ويفسخ الإجارة .
وليس للمرضعة أن ترضع ولدا آخر بعد التعاقد على إرضاع معين ولو لم يضر بالأول فإن فعلت فسخت الإجارة . وليس عليها أن تحضن الصغير لأن الإرضاع لا يستلزم الحضانة وبالعكس .
وإذا استأجرها لإرضاع صغيرين فمات أحدهما فسخت الإجارة وكذلك تفسخ الإجارة بسبب ظهور حمل المرضع بأن كانت حاملا وقت العقد ولكن لم يظهر حملها ثم ظهر في أثنائه . وهل تفسخ إن خيف الضرر على الرضيع أو تفسخ مطلقا ؟ خلاف فبعضهم يقول : مجرد ظهور الحمل كاف في جواز الفسخ وبعضهم يقزل : لا بل يفسخ إن خيف وهل يجب على أهل الصغير الفسخ إن خيف الضرر أولا يجب ؟ إذا خافوا عليه الموت يجب عليهم الفسخ وإلا فلا يجب وكذلك تفسخ إجارة المرضع إن مرضت مرضا لا تقدر على إرضاع الصغير وإذا فسخت الإجارة فللمرضع حساب ما أرضعت .
وإذا كان أب الصغير قد أعطاها الأجرة مقدما فأكلتها فلا تطالب بدفعها . وإذا فسخت الإجارة فلا تلزم المرضع أن تحضر غيرها محلها في إرضاع الصغير .
ومنها : أنه يجوز للمالك أن يستأجر العين الذي أجرها من المستأجر فإذا استأجر محمد دارا من خالد فإنه يصح لخالد أن يستأجر تلك الدار من محمد بنفس القيمة التي أجر بها أو أكثر أو أقل بجنسها أو بغير جنسها فإذا استأجرها فإذا بجنيه ذهب فله أن يؤجر لمالكها بجنيه كذلك أو بجنيه ونصف كما أن له أن يؤجرها له بإردب من القمح أو بثوب من القماش وهكذا وإنما الممنوع ما يوجب التهمة .
وذلك كما أجر له داره بجنيهين شهريا وأجل له الأجرة فلا يستلمها إلا بعد سنة ثم استأجرها منه بجنيه واحد على أن يدفع له الأجرة فورا فإن في هذا شبهة وهو أنه فعل ذلك لبقرضه بفائدة .
ومثل ذلك ناظر الوقف فإنه لا يجوز له أن يستأجر ما أجره لغيره لأن فيه تهمة أنه فعل ذلك ليستولي على العين وينتفع بها فأجرها بأجرة زهيدة للغير ليأخذها منه بذلك .
ومها : لأنه يجوز أن يستأجر دابة أو دارا إلى مدة معينة بأجرة معلومة بشرط أنه إن استغنى عنها أثناء هذه المدة سلمها لصاحبها وحاسبه لقدر المدة التي استعملها فيها إن كانت دارا أو المسافة التي قطعتها بها إن كانت دابة .
هذا وإن كانت المنفعة التي باعها المالك مجهولة فيه لعدم بيان المدة إلا أن الجهالة فيها يسيرة فإن المعتاد أن الذي يستأجر شيئا من ذلك إنما يعمل حسابه فلا يستغني عنه غالبا وإن استغنى عنه فإنما يستغني عنه في أخريات المدة فيتغفر تسهيلا للتعامل . ولكن يشترط أن لا يدفع المستأجر للمالك الأجرة لأنه إن دفعها له يحتمل أن يرجع بعضها إن لم يستوف المدة ويحتمل أن لا يرجع إن استوفاها . فيكون تارة أجرة وتارة سلفا وهو ممنوع .
ومنها : أنه يجوز للمالك أن يؤجر الشيء الذي استأجره مدة تلي مدة الإجارة فإذا أجره داره سنة ولم تنته جاز له أن يؤجرها مدة أخرى تبتدئ بعد نهاية السنة لا فرق في ذلك بين أن يؤجرها للمستأجر الأول أو لغيره .
ومنها : أنه يجوز للمالك أن يبيع أرضا على أن تبقى نتفعتها أو أكثر أو أقل ويسلمها للمشتري بعد نهاية تلك المدة . فللمشتري في هذه الحالة أن يؤجرها قبل أن يستلمها على أن تبتدي مدة الإجارة عند نهاية مدة المنفعة التي اشترطها البائع . ولكن يشترط لجواز تأجيرها أن يغلب على تأجيرها وما لا يصح تأجيره فلا يصح دفع أجرته مقدما طبعا .
أما ما يغلب الظن بقاؤه فإنه يصح دفع الأجرة مقدما وإذا احتمل الأمران على السواء فقيل يجوز العقد لا النقد وقيل لا يجوز .
وللبائع أن يشترط الانتفاع بسلعته التي باعها عام فأقل إذا كانت دارا ونحوها والانتفاع بها مدة طويلة واو سنين إذا كانت أرضا أما إذا كانت حيوانا فإنه لا يصح أن يشترط الانتفاع به أكثر من ثلاثة أيام .
ومنها : أنه يجوز أن يستأجر شخص أرضا على أن يبنيها مسجدا مدة السنين فإذا انقضت المدة ردم البناء وأخذ الثاني انقاضه وتعود الأرض ملكا لصاحبها ولا يجبر أحدهما على بقاء ما يخصه . ومنها : أنه يجوز الاستئجار على طرح ميتة ونحوها من النجاسات كالمواد البرازية وإن كان فيه مباشرة للنجاسة .
ومنها : أنه يجوز إجارة المبنية بناء جديدة وأرض مأمونة الري مدة طويلة إلى ثلاثين سنة . وأما الدار القديمة فإنه يصح تأجيرها مدة يظن معها بقاؤها سليمة .
وأما الأرض التي ريها غير مؤمون فإنه يجوز العقد دون دفع الأجرة كما تقدم هذا في الملك وأما في الوقف فإنه لا يصح تأجيره في الدور ونحوها أكثر من سنة سواء كانت موقوفة على معين كفلان وأولاده أو لا كالفقراء . وأما الأرض فإنه لا يصح تأجيرها أكثر من ثلاث سنين سواء كان المؤجر الناظر الأجنبي أو المستحق إن كانت على معين .
أما إذا كانت موقوفة على غير معين كالفقراء فإنه يصح تأجيرها إلى أربعة سنين دون زيادة . فإن كان المستأجر ممن يؤول الوقف يصح أن يؤجرها له زما طويلا كعشر سنين ونحوهما لأن الوقف يرجع إليه .
وإذا وجدت ضرورة تقتضي مد زمن الإجارة أكثر من المدة التي تقدمت كما إذا تهدم الوقف . وليس له ريع يبنى منه فإنه يصح للناظر أن يؤجر ليبني بها ولو طال الزمن كأربعين عاما .
ومنها : أنه يجوز أن يبيع شخص لآخر سلعة بمائة مع أنها تساوي مائة وخمسين على أن أن يتجر المشتري في ثمنها فيكون الثمن محموع أمرين : المائة والاتجار ففيه إجارة وبيع إنما يشترط بصحة ذلك شروط : .
أحدهما : أن يكون الثمن معلوما .
ثانيهما : أن يحضر المشتري الثمن ويشهد عليه لينتقل من دين في ذمته إلى أمانة عنده وإلا كان سلفا جر نفعا يتهم بتأخيره ليزيده بربح التجارة .
ثالثها : أن تكون المدة التي يريد له فيها معلومة كسنة مثلا .
رابعها : أن يعين النوع الذي يتجر فيه لأن التجارة تتفاوت بتفاوت السلع في الصعوبة والسهولة .
خامسها : أن يكون ذلك النوع موجودا في زمن الأجل .
سادسها : أن يكون العامل مديرا يتصرف في السلع بأن يشتري ويبيع ولا يكون محتكرا بمعنى أنه يجمع السلع ولا يبيعها إلا إذا ارتفعت أثمانها لأن ذلك يؤدي إلى البيع في زمن مجهول فيدخل الجهل في الثمن لأن الثمن مجموع الأمرين كما عرفت : المائة والعمل .
سابعها : أن لا يتجر له في الربح لأن الربح مجهول .
ثامنها : أنه يلزم أن يشترط المشتري الذي يريد أن يتجر في الثمن على البائع أن الثمن إذا تلف منه شيء يدفع البائع غيره حتى لا يكون له وجه في ادعاء أن المشتري لم يتجر في كل الثمن بل اتجر في بعضه فلم يستلم الثمن كاملا في هذه الحالة فإذا اشترط ذلك وتلف بعض الثمن ولم ينشأ البائع تكتمله بل رضي أن يتجر له المشتري في الباقي فإنه يصح ولا يلزم بالتكلمة لأن الغرض من الشرط دفع النزاع من البائع ومتى رضي فقد انتهى الأشكال .
ومنها : أنه يجوز استئجار طريق في دار أو غيرها للمرور فيها . ومنها : أنه يجوز استئجار مجراة تصب فيها مياه المرحاض .
وكذلك استئجار مجراة يصب فيها الماء الذي يسقي الزرع أما شراء نفس الماء فإنه لا يجوز سواء كانت مدة شرائه قليلة أو طويلة على المعتمد .
ومنها : أنه يجوز إجارة المنقولات كالأواني والدلاء والفؤوس .
وأما القسم الثالث : وهو المكروه فأمور منها : إجارة الحلي فإنها مكروهة سواء كان ذهبا أو فضة وعلة الكراهة أن الله تعالى لم يجعل له زكاته في إعارته فيكره أن يأخذ عليه أجرا .
ومن ذلك تعلم أن الذي تكره إجارته هو الحلي المباح الاستعمال أما المحرم فإن الزكاة واجبة فيه فتمنع إجارته فإذا استأجر رجل حليا فإن الإجارة لا تصح وبعضهم يرى كراهة إجارته سواء كان استعماله حلالا أو ممنوعا .
ومنها : أنه يكره لمن استأجر دابة ليركبها أن يؤجرها لمثله في الخفة والإهانة ولا ضمان عليه إن ضاعت بلا تفريط أو ماتت أما أجرها ليحمل عليها شيئا فإنه لا يجوز له أن يؤجرها لغيره عليها مثل ذلك .
ويجوز كراء الدابة بعلقها أو طعام صاحبها أو بهما معا سواء انضم لذلك نقد أو لا ليركبها أو ليطحن بها زمنا نحو شهر إذا كانت مسافة الركوب أو قدر الطحن معروفين في العادة بأن كان الركوب في البلد وما قاربها الطحن للقمح ونحوه لا الحبوب الصبغة كالترمس .
ومنها : الأجرة على تعليم الفقه والفرائض فإنها الغرض نشر العلم الديني وأخذ الأجرة عليه ومكروه في الجملة فلذا كانت مكروهة .
ومنها : استئجار من يقرأ القرآن بتطريب ونغم لا يخرجانه عن وضعه فإن استئجار مكروه والمراد من يقطع صوته بالأنغام لا من يجود القرآن .
بالصوت الحسن أما ما يخرج بالقراءة عن وضعها فإنه يحرم استئجاره وحرم قراءة القرآن بالشاذ وهو ما زاد على العشرة على الرلجح وبعضهم يقول ما زاد على السبعة .
( يتبع . . . )