( تابع . . . 4 ) : - في الأمور التي تجوز إجازتها والتي لا تجوز تفصيل في المذاهب ( 1 ) .
ومنها : أنه يكره للمسلم أن يكري نفسه أو ولده لكافر إلا إذا لم يكن مختصا به كالخياط الذي يخيط للمسلم والكافر فإنه لا يكره . هذا ولا يحل للمسلم أن يضع نفسه تحت يد الكافر في الخدمة كخدم البيوت والمراضع فإنهم لا يحل لهم وإن فعلوا تفسخ الإجلرة ويكون لهم أجر المثل .
الشافعية - قالوا : الأمور التي يصح استئجارها والتي لا يصح تقدم معظمها في الشروط وبقيت أمور : .
منها : أنه لا تصح الإجارة على الطاعات التي تجب لها كالصلاة فرضا كانت أو نفلا إلا أنه يصح الإجارة على الإمامة على أن يكون الأجر في مقابل إتعاب مفسه بالحضور إلى كوضع معين والقيام بها في وقت معين لا على أداء الصلاة .
ومثل ذلك ما يتعلق بالصلاة كالخطبة فإنه لا تصح الإجارة على نفس أدائها وإن كانت تصح على القيود الخاصة التي يتقيد بها الخطيب من الحضور إلى المكان ونحوه وتصح الإجارة على الحج كما تقدم في بابه .
ومنها : أنه لا تصح الإجارة على التدريس إلا إذا عين المسائل التي يريد دراستها وكذا لا تصح الإجارة على زيارة القبور ولو قبر النبي A للدعاء عنده .
ومنها : أنه تصح الإجارة على قراءة القرآن لحي أو ميت ويحصل له الثواب سواء قرأ بحضرته أو أهدى له ثواب القراءة كأن يقول : اللهم اجعل ثواب هذا لفلان وهل يحصل ثواب القراءة للقارئ أيضا أو لا ؟ خلاف : فبعضهم يقول : إنه يثاب يقول : إن كل عبادة كان الحامل عليها أمرا دنيويا لا ثواب فيها للفاعل .
ومنها : أنه تصح الإجارة على كل مسنون كالأذان والإقامة . وعلى ذكر الله تعالى كالتهاليل ( العتاقة ) إذا كان فيها كلفة يستحق عليها الأجر ولا يصح الإجارة على أن يرفع صوته بها .
ومنها : أنه تصح الإجارة على تعليم القرآن على المعتمد ويقدر تعليم القرآن بالزمن وبتعيين محل العمل مثال ذلك اسئجار الدواب مثلا فإنه يمكن ضبط منافعها بيان محل عملها فأما عملها فهو سيرها أو ركوبها وأما محله فهو المسافة التي يقع فيها ذلك السير والركوب فلك أن تقدر المنفعة بمحل العمل وهو الركوب والسير كأن يستأجرها لتركبها إلى بلد سواء عملت يوما أو أقل أوأكثر ولك أن تقدر المنفعة كأن تستأجرها يوما فأكثر .
ومن ذلك ما يفعله الناس في زماننا من تأجير السيارات ( الأتومبيلات ) بالمسافة أو الساعة فإنه جائز في كل من الحالين .
أما إذا كان لا يمكن ضبط المنفعة بتعيين محل العمل فإنه يجب تقديرها بالزمن فقط كتعليم القرآن فإن عمل المعلم لا يمكن تقدير المسافاة التي يقع فيها فيقدر بالزمن خاصة كأن يستأجيره لعمله شهرا بكذا أو ليعمله سورة خاصة بكذا أما تعيين المنفعة ببيان محل العمل والزمن معا فإنه لا يصح كما إذا قال له : خط لي هذا الثوب في هذا النهار فإن عمل الخياط غرز الإبرة ومحله نفس الخياطة الحاصلة وهي التي تقدر عليها الأجرة فلا يصح حينئذ تقديره بالزمان لأن الزمان قد لا يفي بالعمل فيوجد النزاع .
نعم إن كان الغرض من ذكر الزمن الإسراع فإنه يصح . واعلم أن الاستئجار لمجرد الخياطة باطل لأنها عمل مستقل على قطع لبثياب . أما الاستئجار على الخياطة وقطع القماش وقطع ( التفصيل ) فإنها صحيحة .
ومنها : أنها تصح الإجارة لإرضاع الصبي ةتقدر بالزمان كأن يستأجرها لترضع ولده مدة كذا بكذا من النقد أو غيره ويشترط تعيين الطفل الذي يريد إرضاعه بالرؤية أو الوصف على المعتمد كما يشترط تعيين مكان الإرضاع سواء كان بيت المستأجر أو المرضعة .
ويصح استئجار المسلمة والكافرة والحرة والأمة كما يصح أن تباشر التعاقد بنفسها أو بواسطة زوجها وعليها أن تعمل ما يزيد في اللبن وأن تمتنع عن كل ما يضر بالصبي فإن كان يضره أن يطأها زوجها فإنها تمنع منه وإلا فلا . فإذا لم تفعل وتغيلا لبنها أو قل ثبت الخيار للمستأجر فإن شاء فسخ العقد وإن شاء أقره .
ومنها : أنه يصح إجارة العين مدة تبقى فيها غالبا فيؤجر الدار ثلاثين سنة والدابة عشر سنين والثوب سنة أو سنتين بحسب حاله وللمستأجر أن يستوفي المنفعة بنفسه وله أن يتنازل عنها لغيره فإذا استأجر دارا فله أن يؤجرها لغيره بشرط أن يكون مثله في الاستعمال فلا يصح له أن يسكن حدادا أو نجارا إذا لم يكن هو كذلك لما في إسكانها من الضرر ما لم يشترط أن يسكن من يشاء . وإذا اشترط المالك أنه لا يجوز للمستأجر إسكان غيره فسد العقد .
وأما المحل المستأجر فإن كان معينا فإنه لا يصح اسبداله بغيره فإذا استأجر هذه الدار ليسكنها فإنه لا يجوز للمالك أن يسكنه دارا غيرها فإذا شرط استبدالها في العقد فإنه يصح .
هذا واعلم أن كل شيء يمكن الانتفاع به شرعا مع بقاء عينه مدة الإجارة فإنه يصح تأجيرها فلا تصح إجارة الملاهي كالزمارة والدربكة أما بقية الطبول فيصح استئجارها .
الحنابلة - قالوا : تنقسم الأشياء التي يمكن عليها عقد إجارة إلى ثلاثة أقسام : .
مالا يصح لمخالطة شرط من الشروط المتقدمة وما يصح بدون كراهية وما يصح بكراهية .
القسم الأول : ما يصح بلا كراهة وهو أمور : .
منها : أنه استئجار المرضعة بإذن زوجها وللزوج الاستمتاع بها وقت فراغ ويصح إجارة الوالدة لإرضاع ولدها بأجرة معلومة ولو بطعامها وكسوتها وإن لم يعين الطعام والكسوة وإذا استؤجرت للرضاع فلا تلزمها الحضانة إلا إذا نص عليها . وبشرط لصحة الإجارة للرضاع شروط : .
الأول : رؤية الطفل المرتضع ولا يكفي وصفه لأن الرضاع يختلف باختلاف كبره وصغره ونهمته وقناعته .
الثاني : معرفة مدة الرضاع لأنه لا يمكن تقدير الرضاع إلا بالزمن فإن العمل وهو السقي لا يمكن تعيينه .
الثالث : معروفة مكان الرضاع هل عند المرضعة أو في منزل المستأجر لأنه يختلف سهولة وصعوبة .
ويجب على المرضعة أن تأكل وتشرب ما بدر لبنها ويصلح لبنها ويصلح به وللمستأجر أن يطالبها بذلك كما يجب عليها أن تجتنب كل ما يضر بالصبي .
ويجوز للمسلمة أن ترضع الطفل الكتابي بالأجرة وهل لها أن ترضع المجوسي ( الوثني ) خلاف .
ومنها : أنه يجوز استئجار الدابة بعلفها أو بأجر معين مع علفها بشرط صاحب الدابة ذلك مع بيان نوع العلف أو فول أو نحوهما وكقدح وهكذا . وبعضهم يقول يصح مطلقا من غير بيان .
ومنها : أنه يجوز استئجار الدابة ( المولودة ) فيجوز لها أن تأخذ الأجرة على ذلك . ولو من غير شرط .
ومنها : أنه يجوز الإجارة على حصد الزرع بجزء مشاع منه كربعه وخمسه وهكذا كما تجوز الإجارة على جني النخل بجزء من ثمره أما نفض الزيتون ( هزه ) ببعض ما يتساقط منه فإنه لا يصح لجهل بالباقي وللعامل أجر مثله .
أما جني الزيتون كله بجزءمشاع كسدسسه مثلا فإنه يصح .
ومنها إجارة الوقف فإنها تصح لأن منافع الوقف مملوكة للوقوف عليه ثم إن كان المؤجر ناظرا بأصل الاستحقاق بمعنى أن الواقف لم يعين ناظرا بل وقف على شخص وعلى هذا يكون ذلك الشخص الموقوف عليه نظرا للوقف إذا لم يشترط ناظرا يكون المستحق هو للناظر فإن كان ذلك فإن الأجرة تبطل بموته .
وإذا كان المستأجر قد دفع أجرة مقدما فإنه يأخذها من تركه المؤجر أما إذا كان المؤجر ناظرا بشرط الواقف فإن الإجارة لا تفسخ بموته ويشترط أن تكون مدة الإجارة معلومة في الوقف وفي الملك كما يشترط أيضا أن بغلب على الطن بقاء العين سليمة في مدة الإجارة وإن طالت حتى ولو كان المتعاقدان أو أحدهما مرمان يظن موتهما قبل انقضاء مدة الإجارة ولا فرق في ذلك بين الملك والوقف .
ومنها : أنه يصح تأجير العين مضافة إلى الزمان المستقل فإذا أجرت أرضا في سنة أربع تبتدئ سنة خمس فإنه يصح سواء كانت العين مشغولة وقت العقد برهن أو إجارة أو لم تكن مشغولة ما دام يمكن تسليمها وقت الإجارة .
وإذا كانت الأرض مشغولة ببناء أو بغرس شجر للغير ونحو ذلك مما لا يمكن إخلاء الأرض منه فإنه لا يصح تأجيرها إلا بإذن صاحب البناء أو الشجر فإن كانت مشغولة ببنات لا يدوم أو بمنقولات يمكن إخلاؤها منها كاجرن أو أثاث المنازل فإنه يصح تأجيرها مطلقا . هذا والمنافع التي لحدثها المستأجر على العين تكون مملوكة له .
ومنها : أنه يص للمستأجر أن يؤجر العين التي استأجرها لغيره لأن المنفعة أصبحت مملوكة له فيجوز أن يستوفيها بنفسه أو بنائه بشرط أن يكون مثله أو أقل منه في استعمال تلك العين . فإذا استأجر منزلا ليسكن فيه فإنه لا يصح له أن يؤجره لحداد ( أو صباغ ) أو نحو ذلكويصح تأجير العين لمؤجرها بأجرة زائدة أو أقل أو مساوية .
فإذا استأجر زيد من عمرو دارا فلزيد أن يؤجرها لعمرو صاحبها بهذه العشرة أو بأزيد منها أو بأقل . بشرط أن لا يكون الغرض التحابل على الربا كأن يؤجره منه بعشرة لأجل ثم ستأجرها منه بخمسة مقبوضة كبيع العينة المتقدم في كتاب البيوع فإن ذلك لا يصح هنا .
ومنها : أنه يجوز أخذ الأجرة على الحمام كما تقدم في الشروط وما يأخذه الحمامي يكون أجرة السطل والمئزر والمكان ويدخل الماء تبعا لأنه لا يصح إجارة الماء استقلالا ويحرم على من يدخل الحمام أن يستعمل ماء أكثر من العادة ولا يلزم تعيين الأجرة فيه كغيره من المباحات المتعارفة كركوب السفينة وحلق الرأس ونحو ذلك فإنه لا يلزم فيه تعيين الأجر كما تقدم .
ومنها : إجارة الحلي فإنها بأجرة من جنسه ومن غير جنسه .
القسم الثاني : مالا تصح إجارته وهو ماخالف الشروط المتقدمة وبقيت أمور : .
منها : أن يقول للخياط إن خطت الثوب فلك درهم وإن خطته غدا فلك نصفه لأنه لا جزم بشيء فيوجد التنازع بخلاف ما إذا استأجر سيارة أو دابة على إن رده اليوم بخمسة وإن رده غدا فبعشرة فإن ذلك يجوز لأنه عين لكل زمن عرضا فلا جهالة فيه ولا نزاع .
ومنها : أنه لا يجوز إجارة عين إلا بخمسة شروط : .
الأولى : أن يقع التعاقد على نفع العين الذي يمكن اسيفاؤه دون إجزاء تلك العين فلا تصح إجارة الطعام للأكل لأن الانتفاع إنما هو باستهلاك أجزاء الطعام لا بشيء آخر ومثله إجارة الشمع ليوقده لأنه يستهلك نفس العين . وكذا إجارة حيوان يأخذ لبنه أو صوفه أو يره فإنه لا يصح لأن المنفعة لا تقع إلا باستهلاك نفس العين المتولدة من الحيوان وإنما صح تأجير المرضعة لأنها يحصل منها عمل كوضع الثدي في فم المرضع وإمساكه بين يديها واحتمال ما يترتب على إرضاعه من ألم في بعض الأحيان ونحو ذلك فهي مستأجرة لهه المنافع واللبن غير معقود عليه مستقلا وأيضا فإنه أجير لحاجة الناس إليه ضرورة وكذا لا يصح استئجار شجرة لأخذ تمرها ونحو ذلك .
الشرط الثاني : معرفة العين المؤجرة بروؤية إن كانت لا تضبط بالصفات كالدار والحمام . فمن أراد أن يستأجر دارا فلا تصح إجارتها إلا بعد معلينتها ومثلها الحمام .
أما إن كانت العين يمكن ضبطها بالصفات فإنه يصح تأجيرها بدون رؤية كالأراضي الزراعية فإنه يكتفي فيها بوصفها وذكر حدودها ونحو ذلك . وهل يصح إجارة الحمام مطلقا أو تصح مع الكراهة والجواب أن الكراهة فيه تنزيهية .
الشرط الثالث : القدرة على التسليم فلا تصح إجارة الحمل الشارد كما لا يصح بيعه ولا إجارة مشاع لغير شريكه لأنه لا يقدر على تسليمه إلا أن يؤجر الشريكان معا أو يؤجر أحدهما بإذن الآخر .
الشرط الرابع : اشتمالها على المنفعة المعقودة عليها فلا تصح إجارة عين لغرض من الأرغاض وهو غير موجود فيها فلا تصح إجارة الأخرس ليعلم العلم وذلك ظاهر .
الشرط الخامس : كون المنفعة مملوكة للمؤجر أو مأذونا له فيها كالبيع .
ومن الأشياء التي لا تصح إجارتها ذكور الحيوانات التي تستأجر لإحبال إناثها فلا يحل استئجار ثور ليحبل بقرة ولا حملا ليحبل ناقة وهكذا لأن المقصود من ذلك إنما هو منيه وهو محرم لا قيمة له فلا يصح الاستئجار عليه فإذا احتاج شخص إلى ذلك ولم يجد من يعطيه فإنه يصح له فإنه يصح له أن بدفع الأجرة ويكون الإثم على من أخذها ولكن لا بأس أن يدفع هدية بعد العمل بدون تعاقد ومنها لأنه لا تصح الإجارة على فعل قربة إلى الله تعالى كالحج والصلاة والآذان والإقامة وتعلين القرآن والفقه والحديث وإنما يصح الأخذ عليه على أنه جعالة لا أجرا كما يجوز أخذه بلا شرط على أنه يصح الوقف على الطاعات التي يتعدى نفعها للغير كالآذان وتعليم القرآن ونحوه والإمامة والقضاء والفتيا فيجوز لمن يقوم بهذه المصالح أن يأخذ الموقوف عليه من ذلك كما يجوز له أن يأخذ مرتبا عليها ( رزقا ) لا بعنوان كونه أجرا ولا يخرجه أخذ ذلك عن كونه قربة .
ولا يصح أن يصلي أحد عن آخر فرضا ولا نافلة في حياته وبعد مماته وتصح الإجارة على تعليم الخط والحساب والشعر المباح وشبهة كما تصح الإجارة على خدمة المساجد .
وأما القسم الثالث المكروه فهو إجارة الحجام فإنها وإن كانت صحيحة إلا أنه يكره الأكل من كسبه )