السادسة : تصح إجارة الأرض للبناء عليها ولغرس الشجر فيها فإذا استأجر شخص من آخر أرضا فارغة مدة معينة ليني عليها دكانا فإنه يصح فإذا مضت المدة يهدم بناءه ويسلمها خالية وإذا استأجرها لغرس فيها شجرا فأثمر الشجر وانتهت المدة وبقي الثمر فإن الشجر يبقى على الأرض بأجر المثل ويصح أن يأخذ المالك الشجر والبناء بقيمته بسبب البناء بمعنى البناء والشجر يدفعا المالك فإن كانت الأرض تنقص قيمتها بهدم البناء أو بقلع الشجر فإن المالك يتملكها بقيمتها جبرا على المستأجر وإلا فالمستأجر مخير في أن يقلع أو يعطيها للمالك بالقيمة المذكورة ولهما أن بتفقا على أن يبقى الشجر أو البناء على المستأجر وتبقى الأرض على ملك صاحبها بدون إجارة بل تكون عارية وتمون منفعتها شركة بينها فلو أجراها لثالث تقسم الأجرة بينهما على تقدير الأرض بلا بناء وعلى تقدير البناء بلا أرض فإذا كانت أجرة الأرض فارغة تساوي عشرة وكانت أجرة البناء خمسة أخذ كل منهما نصيبه على ذلك الغرض وقد عرفت حكم البناء والغرس غي أرض الوقف فيما تقدم .
القسم الثالث : مما يصح تأجيره الحيرانت فبصح أن يستأجر دابة ليركبها أو ليحمل عليها متاعه ونحو ذلك من الأغراض المقصودة للعقلاء كالطحين والحرث أما أسنئجارها لمجرد الزينة أو لإبهام الناس أنه فرسا أو نحو ذلك فإنه لا يصح كما تقدم .
وتعلق بها أمور أحدها : أنه يلزم بيان من يركبها فإذا لم يبين فسدت وتنقلب صحيحه بركوبها فعلا سراء ركبها المستلأجر أو أركبها غيره لأن الراكب تعين عند المؤجر بعد العقد وهذا هو المطلب إذا لا يلزم التعيين ابتداء . وإذا قبدها المستأجر براكب خاص بأن قال : أركبها أنا وفلان فركبها غبره فإنه يكون غاصبا وعليه ضمانها إذا عطبن ولا أجر عليه سواء سلمت أو عطبت كما تقدم لأن منافع المغصوب لاتضمن .
( ثانيها ) : وإذا أستأجرها للحمل فسمى نوعا كا القمح مثلا فإن له أن يحمل عليها مثله أو أخف كا الذرة أو الشعير ولبس له أن يحمل أثقل كا الملح مثلا .
( ثالثها ) : إذا أردف خلفه شخصا آخر وكانت الدابة تطبق حمل الاثنين عادة فإن كان كبيرا يمكنه أن يستمسك وحده بدون من يستند إليه وعطبت الدابة يضمن النصف سواء كان الذى أردفه خفيفا في الوزن أو ثقيلا إذا لاعبرة بالوزن .
أما إذا كانت الدابة لاتطيق حمل الاثنين فإنه يضمن الكل فإذا أردف صغيرا لا يستمسك بنفسه فإنه بضمن يقدر ثقله .
( رابعها ) : إذا أستأجرها ليحمل عليها مقدارا معينا فحمل عليه أكثر منه فعطبت كان عليه ضمان ما يقابل الثقل الذي زاده فإذا اتفقا على أن تحكل عشرة فحملها خمس عشرة فعطبت كان عليه قيمة ثلث عطبها وعليه الأجر فأما الضمان في مقابل ما زاد في الثقل الموجب لعطبها وأما الأجر فهو في مقابلة الحمل الذي بين مقداره . فلم يجتمع الضمان والأجر هذا إذا كانت الدابة تطيق الكل لأنه حملها ما لا تطيق . ( خامسها ) : إذا اتفقا على حمل شيء معين ثم حملها صاحبا بيده أكثر منه فعطبت فلا ضمان على المستأجر لأن صاحبا هو الذي باشر فعل ما به عطبها وحده .
أما إذا اشترك معه المستأجر في وضع الحمل عليها كأن على المستأجر ضمان ربع ما عطيت منها وذلك لأنه مأذون في النصف الثاني فيه شاركه فيه صاحبه فيكون عليه الربع فإذا اتفقا على أن تحمل ثمان كيلات فحملها ست عشر كيلة فإن وضع الزيادة صاحبها فلا شيء على المستأجر وإن اشترك معه في وضع الزيادة كان علبه الربع وهو ما يقابل أربعة من الزيلدة وعلى صاحبها أربعة تهدر طبعا .
وإذا كان المحمول كالقمح مثلا موضوعا في وعاءين ( جوالين ) فوضع المستأجر عليها واحدا ومالكها واحدا ثم عطبت فلا ضمان على المستأجر سواء وضع الحمل هو أولا أو ثانيا لأنه يجعل ما وضعه هو ماكان مستحقا بالعقد وبعضهم يقول : إذا وضع المستأجر الحمل الثاني يضمن الجميع .
سادسا : إذا وضع عليها شيئا زائدا على ماسماه وسلمت الدابة فإنه لا يلزم المستأجر بدفع شيء سوى ما سماه وإن كان لا يحل له أن يضع عليها شيئا زائدا على ما سماه وذلك لأنه في هذه الحالة يكون غاصبا ومنافع الغضب لا تضمن كما تقدم .
سابعا : إذا ضرب المستأجر الدابة فعطبت بها فإن عليه الضمان إلا إذا استأذن صاحبها فأذنه فضربها في الموضع المعتاد فإنه لا ضمان عليه .
وبعضهم يقول : إنه لا ضمان لضرب الدابة أثناء السير لأنه مستفاد بالعقد وهذا الخلاف وقع في ضرب الولي للصبي والأب فبعض الحنفية يقول لا ضمان عليه .
وبعضهم يقول : يضمنان بالضرب مطلقا إذا عطب الصبي لأن التأديب لا يتوقف على الضرب إذ يمكن زجره وعرك أذنيه ونحو ذلك وقد اتفقوا على عدم جواز ضرب الإنسان المستأجر للخدمة فإذا ضربه زجره وعطب كان عليه الضمان لأن الإنسان الكبير يؤمر وينهي ويفهم فلا معنى لضربه بخلاف الدابة والصبي والصحيح أن الضرب الخفيف الذي لا يترتب عليه ضرر للحيوان ويحمله على السير فإنه مأذون فيه بشرط سلامة الحيوان فإذا ترتب على الضرب عطب كان ضامنا .
ومثل دابة الغير دابة نفسه فإنه لا يحل ضربها ضربا يترتب عليه عطبها فإنه فعل فإنه يخاصم ويؤدب على ذلك ويملك مخاصمته كل أحد . وله أن بفعل ما يحتاج إلى التأديب والزجر فقط ويمنع من ضرب الحيوان على وجهه على أي حال فإن فعل فإنه يخاصم لذلك .
ثامنها : إذا استأجره وعليه سرج فنزعه فعطب كان عليه الضمان وكذلك إذا استأجره بدون سرج فوضع عليه السرج فإن كان مثل هذا الحمار لا يحتمل هذا السرج عادة كان علي الضمان وإلا فلا .
تاسعها : إذا عين عين له المالك طريقا فسلك غيرها واختلف الطريقان بعدا ووعورة كان عليه الضمان وإذا سلم الحمار فللمالك الأجر المسمى بقطع النظر عن اختلاف الطريق فلا يصح أن يقول له قد سلكت طريقا شاقا أو بعيدا لأن المقصود واحد وهو الوصول إلى جهة معينة فمتى سلم الحيوان لا يظهر تفاوت إنما يظهر التفاوت حال هلاكه .
القسم الرابع : إجارة الآدمي وهي نوعان : .
الأول : استئجار الصناع وقد عرفت في الشروط أنه لا بد من بيان العمل كالصياغة والصبغ والخياطة فلا بد أن يعين ويبين لونه الذي يريده ونحو ذلك فإذا استأجر صانعا ليعمل له عملا في داره كالمنجدين والنجارين والخياطين الذين يدعون إلى المنازل لأداء ما يطلب منهم عن صانعهم فعملوا عملا وتركوه في يد المستأجر ففسد أو هلك فإن لهم أجورهم .
فإذا استأجر خياطا ليخيط له ثيابا في داره فقطعها ( فصلها ) وأعد الخيط الذي يخيطها به ثم تركها في المنزل وانصرف فجاء لص فسرقها فإنه لا يستحق أجر على ( التفصيل ) لأنه مستأجر على الخياطة وقد سرقت الثياب فلا أجر له وإذا استأجر خبازا ليخبز له فاحترفق الخبز فاحترق في ( الفرن ) قبل إخراجه فلا أجر له وإن سرق لص الخبز من الخباز فلا أجر له ولا ضمان وقيل عليه ضمانه .
وإذا استأجر عمالا لحفر بئر وبائها بالطوف ففعلوا ثم انهارت فلهم أجرهم وإذا انهارت قبل بنائها بالطوف فلهم أجر نما عملوا .
النوع الثاني : استئجار الآدمي للخدمة وهو جائز يالنسبة للرجال بعضعم بعضا بلا كراهية إنما لا يصح للإنسان أن يستأجر أبويه ولو كافرين وإذا عمل الأب فله أجره ومثل الأبوين الجد والجدة . وإذا استأجر ابنة أو المرأة ابنها فإنه لا يصح وما عدا ذلك فإن استئجار جائز فتصح إجارة الإخوة وسائر الأقارب .
وبعضهم يقول : لا يصح استئجار العم والأخ الأكبر لما في ذلك من الإذلال الذي لا يليق ولهذا قالوا يكوه أن يؤجر المسلم نفسه لخدمة الكافر وإن كان جائز بخلاف العمل في السقي والزرع والتجارة ونحو ذلك فإنه يصح أن يؤجر له نفسه بلا كراهة لعدم المهانة في نحو ذلك .
ويجوز للمرأة أن تؤجر نفسها لخدمة الرجل التأكل هي وعيالها بشرط أن لا تختلي معه فإن الخلوة الأجنبية حرام ويكره للرجل أن يخلو بها .
ولا يجوز للمرأة أن تؤجر نفسها لخدمة بيت زوجها لأن ذلك مستحق عليها أما إذا أجرها فيما ليس من جنس خدمة البيت كزرع حديقة أو رعي ماشية فإنه يجوز . وللمرأة أن تستأجر زوجها للخدمة أو لرعي الغنم وله أن بفسخ إجارتها ولا يخدمها .
النوع الثالث : إجارة المراضع والقياس عدم جوازها وإنما جازت استحسانا وذلك لأنك قد عرفت مما مضى أن الإجارة إنما ترد على استهلاك المنفعة لا على استهلاك العين والإجارة هنا ترد على استهلاك اللبن كمن استأجر بقرة ليشرب لبنها وإنما استثنى المراضع لحاجة الناس إلى هذا ولمصلحة الصغير وتصح أجرتها بطعامها وكسوتها ولها عند النزاع كسوة وطعام الوسط . ولزوجها أن يطأها وهي مرضعة في بيته لا في بيت المستأجر إلا إذا رضي المستأجر بأن يخلو بها في بيته .
وللزوج أن يفسخ إجارتها مطلقا سواء كان يتعير بتأجيرها أم لا .
وللمستأجر أم يفسخ الإجارة بحيل المرضعة ومرضها وفجورها ظاهرا لا يكفرها لأنه لا يضر بالصبي . وعليها أن تفعل مع الصبي ما جرت به العادة من غسل ودهن وتنظيف ثياب ونحو ذلك ولا يلزمها شيء من نفقات ذلك وأجرتها على الوالد الصبي إن لم يكن له مال وإلا ففي ماله .
القسم الخامس : استئجار الثياب والحلي والأمتعة والخيام ونحو ذلك فللإنسان أن يستأجر ثوبا ليلبسه أياما معلومة فإن فعل فله أن يستعمله بما قضت به العادة والعرف بالنسبة لحالة الثوب فغن كان قيما فلا يصح أن يلبسه بالليل ولا أن ينام بل يستعمله قياما أعد له فإن نلم فيه فتخرق عليه ضمانه وإذا ألبسه لغيره فضاع أو تخرق كان ضامنا له .
أما إذا اشترط أن ينصبها في داره فنصبها في جهة أخرى في البد نفسها فلا ضمان عليه إذا كانت الدار مماثلة لداره . أما كانت مكشوفة تنزل فيها الشمس أو المطر فيضر القماش فإنه يضمن .
وإذا استأجرت المرأة حليا معلوما إلى الليل لتلبسه ثم حبسته أكثر من يوم وليلة تكون غاضبة عليها الضمان وهذا إذا طلب منها ولم تدفعه لأصحابه . أما إذا حفظه بأن وضعته في مكان لا يلبس فيه عادة فإنه لا ضمان عليها .
هذا ومما ينبغي التنبه له أن كل عين مستأجرة من حيوان أو متاع أو دار إذا فسدت بحيث لا يمكن الانتفاع بها سقط الأجر عن المستأجر من حين فسادها وعليه أجر مانتفع به مما مضى فإذا كان ساكنا بمنزل ثم تخرب في خلال الشهر فخرج منه عليه أن بدفع أجر الأيام التي قضاها من الشهر وإن اختلفا فيها فقال الساكن : إنها عشرة وقال المالك : إنها عشرون يحكم في ذلك حال المنزل والذي يشهد له من علامات الخراب يعمل بقوله .
وأما الأعيان التي لا يصح استئجارها باتفاق فمنها نزو الذكور من الحيوانات على إناثها فلا يحل لأحد أن يؤجر ثوره ليحبل بقرة غيره ولا يؤجر حمارة الغير وهكذا لأن إحبال الحيوان غير مقدور عليه فلا يصح تأجيره .
ومنها : الاستئجار على المعاصي مثل الغناء والنوح والملاهي كاستئجار بعض الفارغين من الشبان لبقوموا بأناشيد سخيفة ويتبادلون في مجلس الخمور والمحرمات فإن استئجارهم كبيرة لا يحل لمسلم أن يفعلها وهو الذين يسمونهم ( كشكش ) ومثل استئجار الأشخاص العاطلين لضرب الناس وإيذائهم بالسبب فإنه كبيرة لا يحل لمسلم أن يفعلها وهي إجارة باطلة لا يستحقون عليها أجرا وأما إجارة المغنين فإن كان الغناء مما يجوز فإنها تصح وإلا فلا وقد تقدم في باب الوليمة في الجزء الثاني من الكتاب .
أما الإجارة على الطاعات فأصول مذهب الحنفية تقضي أنها غير صحيحة أيضا لأن كل طاعة يختص بها المسلم لا يصح الاستئجار عليها ولأن كل قرية تقع من العامل إنما تقع عنه لا عن غيره فلو لم يكن أهلا لأدائها لا تنفع منه فلا يصح له أن يأخذ عليها أجرا من غيره ويستدلون بحديث روي عنه عليه السلام : " اقرؤوا القرآن ولا تأكلوا به " وقد عهد عمر إلى عمرو بن العاص : " وإن اتخذت مؤذنا فلا يأخذ على الأذان أجرا " هذا هو أصل مذهبهم وهو بظاهره عام يشمل كل الطاعات فكان من حقه أن لا بعض الطاعات للضرورة فاجازرا أخذ الأجرة على تعليم القرآن خوفا من ضياعه ومثله تعليم العلم . والأذان والإمامة والوعظ خوفا من تعطيلها .
أما قراءة القرآن خصوصا على المقابر وفي الولائم والمآتم : إنه لا يصح الاستئجار عليها إذ لا ضرورة تدعو إليها . فمن أوصى لقارئ يقرأ على قبره بكذا أوقف له دارا أو أوصى بعتاقة أو نحو ذلك كانت وصيته باطلة لا قيمة لها لأن الأجرة على الطاعات بدعة محرمة كما ذكرنا .
وإنما تنفذ مثل هذه الوصايا أو الوقفيات إذا جعلت صدقات وقد قال صاحب الطريقة المحمدية Bه ما نصه : .
الفصل الثالث في أمور مبتدعة باطلة أكب الناس على ظن أنها قرب مقصودة .
ومنها الوصية من الميت بالطعام والضيافة يوم موته أو بعده وبإعطائه دراهم لمن يتلو القرآن لروحه أو يسبح أو يهلل له وكلها بدع منكرات .
باطلة والمأخوذة منها حرام للآخذ وهو عاض بالتلاوة والذكر لأجل الدنيا اه .
ومحصل هذا كله أن أصل المذاهب منع الإجارة على الطاعات ولهذا أجمعوا على أن الحج عن الغير من باب الإنابة لا من باب الاستئجار فمن حج عن غيره كان نائبا عنه في أداء هذه الفريضة ينفق على نفسه بقدر ما يؤدي فإن زاده معه شيء من المال الذي أخذه وجب لصاحبه ولو كان إجارة لما رد منه شيئا .
وإما إقتاء المتأخرين بجواز أخذ الأجرة على بعض الطاعات فهو للضرورة خوفا من تعطليها فأجازوا أخذها على التعليم القرآن ونحوه ولم يجيزوه على قراءة القرآن إذ لا ضرورة في القراءة .
ويرد على هذا ما ثبت من جواز أخذ الأجرة على الرقية في عهد النبي A وقوله : " إن أحل ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله " وأجيب بأن الرقية تلاوة فقط بل المقصود منها الطب وأخذ الأجرة على التداوي جائز .
( يتبع . . . )