ثانيهما : أن البذر إن كان من قبل رب الأرض كان للعامل عليه أجر المثل وإن كان البذر من العامل لرب الأرض عليه أجر مثل أرضه ثم إن الذي يدفع البذر يكون له كل الخارج من الأرض فإن كان من قبل صاحب الأرض استحق الخارج ومفع للعامل أجر مثله الذي يستحقه على عمله فالخارج كله حلال له فلا بالبصدق بشيء منه أما إن كان البذر من قبل العامل واستحق الخارج من الأرض ودفع لرب الأرض أجرة مثل أرضه فالخارج كله لا يطيب له بل الذي يحل له أخه من الخارج هو قدر بذره وقدر أجرة الأرض التى دفعتها ويتصدق بما عن ذلك .
ثالثهما : أن أجر المثل لا يجب في المزارعة الفاسدة مالم يوجد استعمال الأرض . فإذا لم يعمل المزارع في الأرض شيءا فلا يجب له أجر مثل العمل كما لا يجب عليه أجر مثل الأرض فإذا استعملت الأرض وجب أجر المثل وإن لم تخرج شيئا .
( وبعد ) فإذا فسد عقد المزارعة في موضع من مواضع سواء كان فاسدا بإجماع أئمة المذاهبأو بعضهم وأراد الشريكين أن يطيب لهما الخارج فإنه يمكنهما ذلك بعمل ما يأتى : وهو أن يعزل كل واحد من الشريكين ( رب الأرض والمزارع ) نصيبه من المتحصل حسبما اتفقا ثم يقول رب الأرض للمزارع : قد وجب لي عليك أجر مثل الأرض ووجب لك علي أجر مثل عملك وعمل ثيرانك وقيمة بذرك فهل صالحتنى هذه الحنطة ( مشيرا إلى نصيب المزارع ) وعلى ما وجب لك علي مما وجب لى عليك ؟ فيقول المزارع : صالحت ثم يقول المزارع لرب الأرض : قد قد وجب لي عليك أجر مثل عملى وثورى وقيمة بذري ووجب لك علي مثل الأرض صالحتنى على هذه الحنطة ؟ ( مشيرا إلى نصيب رب الأرض ) وعما وجب لك على عما وجب لى عليك ؟ فيقول رب الأرض : صالحت .
وحاصل ذلك أن يقرر كل منهما لصاحبه فب ما وجب له وما وجب عليه ويطلب منه مصالحته على أخذ النصيب المفروز من الغلة وأن يترك ما وجب له نظير ما وجب علبه وبذالك يطيب لكل منهما نصيبه من الغلة لأن الحق بينهما لا يتعداهما إلى غيرهما فمتى تراضيا فقد حل لكل واحد منهما نصيبه وفي ذلك سعة لا تخفى ويسر عظيم .
المالكية - قالوا : ركن المزارعة ما به تنعقد على وجه صحيح وحكمهما الجواز إذا استوفت شرائطها .
أما الزرع في ذاته سواء كان في مشاركة أو لا فهو كفاية لاحيساج الإنسان والحيوان إليه وهل يلزم عقد الشركة في المزارعة بمجرد الصيغة أو لا يلزم خلاف فبعضهم يقول : إنه ينعقد لازما بمجرد الصيغة وبعضهم يقول : إنها لا تلزم بمجرد ذلك بل لا بد بعد العقد طرح الحب على الأرض أو شتل الخضر كالبصل والخس أو وضع جذور القلقاس والقصب ونحو ذلك فالكل واحد من الشيركين بعد العقد أن يفسخه ويرجع عنه مالم يطرح الحب ونحوه انه يلزم بعد ذلك وليس له فسخه وبعضهم يقول : إنها تلزم بالعمل فإذا شقت الأرض بالحرث وسويت لزم العقد وإن لم يطرح الحب فالأقوال ثلاثة . الأول : أنها تلزم تلزم بالصيغة وحدها . الثانى : أنها تلزم بالصيغة والعمل من حرث الأرض في الأرض من حرث وتسوية . الثالث : أنها إلا إذا طرح البذر .
ويشترط الأول : أن يشتمل العقد على كراء الأرض بشيء ممنوع وذلك بأن تجعل الأرض في مقابل البذر سواء كان طعاما كالقمح والذرة أو لا كالقطن وذلك لأنه يمتنع تأجير الأرض بما ينبت بها مطلقا إلا ما استثنى من الخشب ونحوه كما يأتى في الإجازة وكذلك يمنعون تأجير الأرض بالطعام وإن لم ينبت بها كالعسل وقد تقدم إيضاح ذلك في تعريف المزارعة قريبا .
الشرط الثاني : أن يتساوى الشريكان في الربح بأن يأخذ كل واحد منهما بنسبة ما دفع من رأس المال فلا يجوز أن يدفع اصف النفقات الازمة ثم يأخذ الثلث نعم يصح لكل من الشريكين أن يتبرع لصاحبه بشيءمن حصته ولكن لا يصح ذلك إلا بعد أن يخرج كل واحد منهما ما التزم به كاملا وبعد أن يبذر البذر ويشترط أن لا يتقدم ذلك وعد ولا عادة .
الشرط الثالث : خلط زريعة كل من الشريكين ببعضها والزريعة بتشديد الراء ( التفاوي ) سواء كانت حبا أو غيره كما تقدم .
فإن كانت الزريعة من كلا الشريكين فإن المزارعة لا تصح إلا إذا خلط كل شيء منهما ما يخصه بما يخض صاحبه إما حقيقة بأن يضع كل منهما بذره على بذر الآخر أو حكما بأن يخرج كل منهما ما عليه إلى الأرض ( الغيظ ) ثم يبذر من هذا ومن ذاك بدون تمييز فإذا اختص أحدهما بالبذر من تقاويه في فدان خاص تفسد المزارعة وقال بعضهم : لا يشترط ذلك بل لو اختص كل واحد بفدان ببذره فأخذ الحب ويذره بدون أن يخلطه ببذر صاحبه فإنه يصح والقولان راجحان .
الشرط الرابع أن يخرج كل واحد من الشريكين بذره مماثلا لبذر صاحبه في الجنس والنصف فلا يصح أن يخرج أحدهما قمحا والآخر فولا فسدت الشركة وكان لكل واحد ما انبته بذره وعليه يقول : إنه لازم وبعضهم إنه ليس بلازم فيصح أن يخرج أحدهما قمحا والآخر فولا .
فالشرط المتفق على رجحانها اثنان : أن لا يشتمل العقد على تأجير الأرض بممنوع وان يتساوى الشريكان في الربح بحسب رأس المال وبعضهم يقول بجوار تاجير الأرض مما يخرج منها فتصح المزارعة عنده مطلقة وفي المالكية وفي ذلك سعة .
الصورة الأولى من صور الصحيحة : هي أن يتساوى الشريكان أو الشركاء في الأرض والعمل والبذر وآلة الزرع والثيران وأن يتفقان على ان يأخذ كل واحد من الربح بقدر ما اخرجه وهذه الصورة جائزة بالتفاق وقد تم بيانها وهي جائزة عند الشافعية بلاخلاف .
الصورة الثانية : أن تكون الأرض مملوكة لهما معا أو أرضا مباحة ليست ملكا لأحد ثم يتفقان على زرعها شركة وعلى أحدهما البذر وعاى الثانى العمل وهذه أيضا صحيحة وتصح عند الشافعية لو أن صاحب البذر جعل للشريك الآخر بعضا من البذر شائعا نظير عمل شريكه له فيما لصاحب البذر من الرض شائعا .
الصورة الثالثة : أن تكون الأرض مملوكة لأحدهما ويكون عليه البذر أيضا نظير أن يكون على الآخر العمل باليد والبقر والآلة فقط . فسيأتى وهذه أيضا جائزة إذا كانت لها قيمة .
الصورة الرابعة : أن تكون مملوكة لأحدهما وعليه بعض البذر وعلى الشريك الاخر العمل وبعض البذر وهذه الصورة تصح بشرط أن لا ينقص ما يأخذه العامل من الزرع عن نسبة ما دفعه من البذر بل لا بد أن تكون حصة مستوية لما دفعه أو زائدة عليه .
مثال ذلك : أن يخرج رب الأرض ثلثي البذر ويخرج العامل الثث ثم يشترط أن يكون للعامل نصف الربع أو ثلثه فإذا اشترط النصف فقد أخذ أكثر من نسبة بذره لأنه أخرج الثلث ولإذا اشترط الثلث فقد أخذ ما يساوى بذره أما إذا اشترط له الربع فإن المزارعة تفسد .
الصورة الخامسة : أن تكون الأرض مملوكة لأحدهما وعليه البذر والبقر والآلة وعلى هذا الشريك الثانى العمل فقط وهذه الصورة نعروفة بمسألة الخماس وقد اختلف في صحتها والراجح أنها تصح إذا كان العقد بلفظ الشركة على أن يكون للعامل جزء من الربح أو الخمس أما إذا كان العقد بلفظ الإجازة أو لم ينص على الشركة والإجازة فإنه يكون فاسدا الإجازة بجزء مجهول لا تجوز وعدم النص يحمل على الإجازة وبعضهم يقول إنها ولو وقعت بلفظ الشركة .
وأما صور الفساد فمنها : أن يتفقا على إسقاط الأرض من الحساب ويستويان فيما عدا ذلك من بذر وعمل ونحوهما كما يستويان في الربح . وهذه فاسدة لأن إلغاء الأرض التى لها قيمة توجب التفاوت بين الشريكين فلا يكون أحدهما مساويا لصاحبه في رأس المال أما إذا كانت الأرض رخيصة لا قيمة لها فإن إلغاءها جائز .
ومنها : أن يكون لأحدهما أرض رخيصة لا قيمة لها وعليه العمل ويكون على الثاني البذر وهذه فاسدة لأن بعض البذر في هذه الحال يكون واقعا في مقابلة الأرض وقد عرفت أن ذلك ممنوع . وقد يقال إن الأرض الرخيصة يصح إلغاؤها كما ذكر في الصور التى قبلها والجواب أن البذر لم يقع في الصورة الولى مقابل الأرض لأنك قد عرفت أنهما متساويان في البذر وفي كل شيء ما عدا الأرض فإنها أسقطاها من الحساب .
ومنها : أن تكون احدهما الأرض وبعض البذر ويخرج الاخر العمل وبعض البذر ويأخذ العامل الربح أنقص من نسبة بذره كما تقدم في الصورة الرابعة .
ومنها : أن تكون مملوكة لهما معا وأخرج كل واحد منهما نصيبا من البذر واختص أحدهما بالعمل وهذه الصورة ممنوعة للتفاوت في رأس المال لأن الذي اختص بالعمل وحده يكون زائدا فيما أخرجه عن الآخر فإذا اشترطا التساوى في الربح بعد ذلك كله كان إجحافا بالذي .
عليه العمل وقد علمت بطلانه .
ومنها : أن يتساوى الشريكان في الجمع ولكن أحدهما يسلف الآخر البذر لأن السلف في هذه الحالة يكون في نظير منفعة المقترض بالزرع والسلف الذي يجر نفعا لا يجوز .
أما أحكام المزارعة الفاسدة فهي على وجهين : .
الوجه الأول : أن يعرف الفساد قبل الشروع في العمل وحكم هذا الوجه ان العقد يفسخ وتنتهى المسألة .
الوجه الثاني : أن لا يعرف الفساد الا بعد العمل ويشتمل هذا الوجه على ست صور : .
الصورة الأولى : أن يشترك المتعاقدان معا في العمل سواء كان عمل كل واحد منهما مساويا لعمل الآخر أو كان أكثر أو أقل على المعتمد وأن تكون الأرض من أحدهما والبذر على الاخر وحكم هذه الصورة أن يقسم الزرع بينهما نصفين فيأخذ كل واحد نصفه ثم يرجع كل منهما على صاحبه بنصف ما دفعه من رأس المال فيأخذ صاحب البذر من صاحب الأرض مثل نصف بذره ويأخذ صاحب الأرض من البذر نصف كراء أرضه ولا يخفى أن فساد هذه الصورة إنما جاء من جعل البذر مقابلا للأرض وهو ممنوع لأنه لا يجوز تأخير الأرض بالطعام كما تقدم قريبا .
الصورة الثانية : أن يشترك المتعاقدان في العمل ولكن ليس لأحدهما سوى العمل أما البذر والأرض وآلات الزرع فللآخر هذه مسألة الخماس المتقدمة وقد عرفت انها لا تكون فاسدة إىلا إذا كان العقد بلفظ الإجارة لا بلفظ الشركة أو أطلق عن ذكر الشركة والإجارة أما إذا ذكر بلفظ الشركة فإنه يكون صحيحا على الراجح وحكم هذه الصورة إذا كان العقد فاسدا ( بأن ذكر فيه لفظ الإشارة او لم يذكر شيء ) أن لا يكون للعامل من الزرع شيء وإنما يكون له اجر مثله في عمله .
الصورة الثالثة : أن ينفرد أحد الشريكين بالعمل وأن يكون له مع عمله البذر أما الأرض فتكون للاخر وحكم هذه الصورة أن يكون الزرع للعامل وعليه أجر مثل الأرض وإنما فسدت هذه الصورة لأن الأرض وقعت في مقابلة العمل والبذر فيكون جزء من الأرض في مقابل العمل والجزء الآخر في مقابل البذر وقد عرفت أنه لا يجوز .
الصورة الرابعة : أن ينفرد أحدهما بالعمل وأن يكون له مع عمله الأرض أما البذر فلشريكه وحكم هذه كسابقتها وهو أن الزرع يكون للعامل وعليه أن يدفع مثل بذر لصاحبه .
وإنما فسدت هذه الصورة لأن البذر جعل في مقابل الأرض والعمل فكان جزء منه للأرض وجزء مقابلا للعمل وقد علمت أنه لا يجوز .
الصورة الخامسة : أن ينفرد أحدهما بالعمل وتكون الأرض والبذر لهما وحكم هذه الصورة أن يكون الزرع للعامل أيضا وعليه أن يدفع لشريكه مثل بذره ومثل أرضه وفساد هذه الصورة أن يكون الزرع للعامل أيضا وعليه أن يدفع لشريكه مثل بذره ومثل كراء أرضه وفساد الصورة أن يكون المساواة لأن الذي ينفرد بالعمل يكون مظلوما كما تقدم .
الصورة السادسة : أن ينفرد أحدهما بالعمل ولا يكون له شيء سوى عمله كما تقدم بل تكون الأرض والبذر وآلة الزرع للآخر وفي هذه الحالة لا يكون للعامل سوى أجرة عمله كما تقدم وكل ما تقدم من الصور مبنى على المختار المرتضى وفيه أقوال اخرى لا حاجة بنا إلى إيرادها .
الحنابلة - قالوا : ركن المزارعة الإيجاب والقبول فأما الإيجاب فإنه لا يصح بكل لفظ يدل على المعنى المقصود كأن يقول به زارعتك على أراضي هذه أو دفعت إليك لتزرعها بنصف ثمرتها أو نحو ذلك .
وتصح المزارعة بلفظ الإجازة فلو قال استاجرتك على أن تعمل في أرضى بنصف الزرع الذي يخرج منه أو على أن تعمل في بستانى بنصف ثمرته . أو زرعه فإنه يصح أيضا بما يدل عليه من قول أو فعل فلو استلم الأرض شرع في العمل بدون أن يتكلم فإن يعد قابلا .
وهو عقد جائز غير لازم فيصح لكل من الطرفين فسخه ولو بعد إلقاء البذر فإن فسخها رب الأرض فإنه يلزمه أن يدفع للعامل أجرة عمله .
ويشترط لصحة العقد أمور أحدها أهلية العاقد فلا يصح من مجنون وصغير ولا يميز كما تقدم في البيع . ثانيها : معرفة جنس البذر وقدره فلا يصح العقد إذا كان البذر مجهولا . ثالثهما : تعيين الأرض وبيان مساحتها رابعها : تعيين النوع الذي يراد زرعه فلو قال رب الأرض للعامل إن زرعتها شعيرا فلك الربع وإن زرعتها حنطة فلك النصف لم يصح لوجود الجهالة ومثل ذلك ما إذا قال ما زرعته من شعير فلى نصفه وما زرعته من قمح فلى ثلثه ولم يبين مساحة المزروع من كل منها فإنه لا يصح .
ولا يشترط أن يكون البذر من صاحب الأرض على الصحيح إنما الشرط أن يدفع كل واحد منها رأس مال فيصح أن يدفع احدهما الأرض فقط ويكون على الاخر البذر والبقر والعمل كما يصح أن يكون البذر أو البقر أو هما على صاحب الأرض وعلى الآخر وهكذا .
ويشترط أن يكون نصيب كل منهما شائعا كالنصف أو الثلث أو نحو ذلك فإن شرط أحدهما ان يكون له عدد معبن كإرردبين أو ثلاثا فإنه لا يصح وحكم الفاسدة أن الزرع يكون لصاحب البذر وعليه أجرة العامل .
وإذا كان لشخص فدان أرض فأعطاه لعامل على أن يزرعه بنصف غلته ولكن قال له صاحب الأرض إنني آجرتك نصف آجرتك نصف الفدان بنصف البذر اللازم للفدان ونصف منفعتك ومنفعة دوابك فيكون للعامل نصف الفدان في نظير نصف البذر الذي وضع في النصف الثانى ونصف منفعة العامل اللازمة له فإن ذلك لا يصح لأن المنفعة وجهولة نعم إذا أمكن ضبطها وتقديرها فإنه يصح .
وإذا شرط المزارع أن يأخذ رب الأرض مثل بذره ثم يقسم الباقى فلا يصح . لأنه بمنزلة اشتراط عدد من الأرادب .
( يتبع . . . )