- للمزارعة بالمعنى المتقدم أركان وشروط وحكم وكلها مبنية ئفي المذاهب ( 1 ) .
_________ .
( 1 ) الحنفية قالوا : ركن المزارعة الذي يتم العقد به هو الأيجاب والقبول بين المالك والعامل فإذا قال صاحب الأرض للعامل دفعت إليك هذه الأرض لتعمل فيها مزارعة بالنصف أو الثلث وقال العامل قبلت فقد تم التعاقد بينهما .
وبديهي أن صيغة الإيجاب والقبول المذكورة تتضمن وجود عمل العامل والأرض التي يعمل فيها وآلات الزرع التي يستخدمها والبذر الذي يلقى على الأرض حتى تنبت ولذا عد بعضهم أركانها أربعة وهي : الأرض وعمل العامل والبذر وآلات الزرع .
وأما شروطها فهي قسمان قسم يشترط لصحة العقد وقسم إذا وجد يفسد العقد فأما شروط الصحة فأنواع : .
النوع الأول : يتعلق بالمتعاقدين وهو العقل فلا تصح المزارعة من مجنون ولا صبي لا يعقل أما الصبي المميز المأذون من وصية فإن مزارعته تصح ولا تشترط فيها الحرية فتصح أيضا من العبد المأذون من سيده .
النوع الثاني : يتعلق بالمزروع وهو أن يبين النوع الذي يريد زرعه من قمح أو قطن أو نحوهما إلا إذا قال له صاحب الأرض ازرع ما شيءت فإنه يجوز له أن يزرعها ما شاء إلا أنه ليس له أن يغرس فيها شجرا لأن عقد المزارعة خاص بالنبات . فإن لم يبينا جنس البذر من قمح أو شعير مثلا فإن كان البذر على العامل فسدت المزارعة وإن كان على المالك فإنها لاتفسد وذلك لأن عقد المزارعة لا يتأكد في حق من عليه البذر قبل إلقائه على الأرض فيجوز له فسخه قبل ذلك بدون عذر فإن كان البذر على المالك فلا يلزم ببيان جنس البذر لأنه صاحب الحق في بيان النوع الذي يختار زرعه في أرضه وحيث كان عليه البذر كان العقد صحيحا ويكتفي في إعلام العامل في إلقاء البذر الذي به يتأكد العقد أما إذا كان البذر على العامل فإن العقد يتأكد في حق صاحب الأرض بالإيجاب والقبول فلا بد من بيان نوع البذر إلا إذا فوض صاحب الأرض للعامل له ازرع ما شيءت من زرع الأرض بعد فساد المزارعة فإذا تمكن العامل من زرع الأرض بعد فساد العقد ورضي له المالك فإنها تنقلب صحيحة لأن المالك قد رضي بالضرر الذي لحقه من عدم بيان جنس المزروع وخلى بينه وبين زراعة الأرض وتركها في يده حتى ألقى البذر فزال المفسد بذلك .
النوع الثالث : يتعلق بالناتج المتحصل من الزرع وهو ستة : .
أحدهما : أن يكون مذكورأ في العقد فلو سكت عن ذكر المتحصل وكيفية استحقاق الشريكين فيه فسد العقد .
ثانيها : أن يكون المتحصل لهما معا فإذا اشترطا أن يكون الخارج كله لأحدهما دون الآخر لا يصح عقد المزارعة ثم كان الخارج كله للعامل كان إعارة من المالك وإذا كان الخارج كله للمالك كان إعانة من العامل .
ثالثهما : أن تنكون حصة كل من الشريكين من نفس الخارج فلو كان شرطا أن يكون نصيب أحدهما قمحا مع كون الخارج قطنا لا يصح وكذلك لو شرطا أن يكون نصيب أحدهما قطانا من القطن المزروع في أرض أخرى وهكذا .
رابعهما : أن يكون نصيب كل منهما من ذلك الخارج معلوما كالبصف أو الثلث أو الربع أو نحو ذكك .
خامسهما : أن يكون جزء شائعا كا منهما من ذلك كأن يكون نصفا أو ثلاثا أو نحو ذلك .
سادسهما : أن لا يشترط لأحدهما وزيادة معلومة كأن يشترط لأحدهما نصف الخارج مع زيادة أردب أو يشترط له قيمة البزر ثم يقسم الباقي نصفين أو ثلاثا لجواز أن لا تخرج الأرض سوى البذر .
النوع الرابع : يتعلقب الأرض التي يراد زرعها وهو ثلاثة : أحدها : أن تون صالحة للزراعة فلو كانت سبخة نزلا يجوز العقد وأما إذا كانت صالحة للزراعة في المدة التي بنيت في العقد ولكن منع من زرعها مانع وقت العقد كعدم الماء فإن العقد يصح .
ثانيهما : أن تكون معلومة كان يبين أنه دفع إليه الأرض المحدودة بكذا ليعمل فيها مزارعة فإذا لم تكن الأرض معلومة فلا تصح المزارعة ولو دفع له أبنية من الأرض وقال له الذي يزرع منها قمحا يكون كذا والذي يزرع منها ذرة يكون كذا فلا يصح العقد أيضا إذا لا بد من بيان ما يزرع قمحا بحدوده وما يزرع منها يكون منها ذرة كذلك حتى لا تكون الأرض التى يراد زرعها مجهولة . وكذلك لا يصح العقد إذا قال بعضها يكون ذرة وبعضها يكون قمحا لوجود الجهالة في مقدار ما يزرع من النوعين فلا بد من بيانه .
ثالثهما : أن تكون الأرض مسلمة إلى العقائد من كل ما يمنع زرعها وأن يمكن العامل من العمل والتخلية بينه وبين الأرض ومثل ذلك ما إذا اشترط أن يكون العمل بينهما معا فإن العقد لا يصح لعدم التخلية التامة وبين الأرض مسغولة بزرع فإذا كان نباتا صغيرا فإن العقد يصح على أنه معاملة ( مساقاة ) لا مزارعة أما إذا كان الزرع كبيرا قد أدرك فإن العقد لا يصح رأسا لا مزارعة ولا مساقاة إذ لا يكون للعامل حينئذ .
النوع الخامس : يتعلق بالمدة وهو شروط ثلاثة : .
أحدهما : أن تكون المدة معينة .
ثانيهما : أن تكون صالحة لوقوع الزرع فيها .
ثالثهما : أن لا تكون ممدة إلى زمن طويل بحيث لا يعيش إليه أحد المتعارفين غلبا .
ويصح عقد المزارعة بدون بيان المدة إذا كان وقت الزرع معروفا لا يفاوت وقفه وتقع على أول زرع .
النوع السادس : يتعلق بآلة الزرع وهو أن تكون في العقد تابعة فإذا جعل للبقر الذي يحرس مقابلا معينا من عمل أو بذر أو نحوهما فسد .
ومن شروط الصحة أيضا بيان من عليه البذر سواء أكان المالك أم العامل لأن البذر إن كان من قبل صاحب الأرض مانت المزارعة استاجارا للعامل وإن كان البذر من قبل العامل كانت استأجارا للأرض فإذا لم يذكر من عليه البذر لم بعلم إم كان العقد إجارة للأرض أو للعامل فيكون المعقود عليه مجهولا فلا يصح العقد .
وأما الشروط المفسدة لعقد المزارعة فمنها : اشتراط كون الخارج لواحد منهما . ومنها : .
اشتراط العمل على صاحب الأرض فلو اشترط العامل ان يكون العمل على صاحب الأرض فسد الغقد لأن ذلك يمنع تسليم الأرض إلى العامل وهو شرط من شرزط الصحة كما تقدم .
ومنها : شرط كون آلة الزرع من حيوان ونحوه على المالك أما شرط الحصاد والتذرية ونحو ذلك فقيل يجوز أن يكون ذلك على العامل إذا كان عرف الناس على هذا وقيل أنه شرط يفسد العقد وذلك هو المفتى به .
والذي ينبغى في ذلك هو أن كل ما يحتاج إليه الزرع قبل إدراكه وجفافه من السقي والحراسة وقلع الحشائش الضارة به وحفر الأنهار ونحو ذلك فإنه يكون على المزارع العامل .
أما ما يحتاج إليه الزرع بعد جفافه وإدراكه فهو على قسمين : .
القسم الأول : ما يحتاج إليه الزرع قبل قسمة الغلة من تخليص الحب من السبل والتبن والتذرية وتنقية الحب ونحو ذلك ونفقات هذا تكون على الشركين بنسبة مالهما من الخارج من النصف أو الثلث وهكذا .
القسم الثاني : ما يحتاج إليه الزرع بعد قسمة حبه من الحمل إلى البيت ونحو ذلك ونفقات هذا تكون على كل واحد في نصيبه بمعنى أن كل واحد ينفق على ما خصه بعد القسمة .
ومن الشروط المفسدة للمزارعة أن يشترط كون التبن لمن لا يدفع البذر لأن هذا الشرط لا يقتضيه العقد فإن العقد يقتضي أن يكون التبن لصاحب البذر فإذا اشترط كون التبن لصاحب البذر صح الشرط والعقد وكان التبن لصاحب البذر وإذا لم يتعرض للتبن فلم يشترط كونه لهذا ولا لذاك فبعضهم يقول إنه يكون لصاحب البذر لأن التبن ناتج من الحب فهو من حق صاحب الحب بدون شرط وبعضهم يقول أنه يكون بينهما على حسب نصيب كل منهما تبعلا للعرف على أن العامل إذا كان شريكا بالربع فإن الظاهر عندهمأن لاشيء لهم في التبن وإذا كان بالثلث فإنه يستحق نصف التبن .
ومنها أن يشترط صاحب الأرض على المزارع أن يحدث بأرض شيءا يستمر بعد انتهاء زرع المدة المتفق عليها كبناء دار أو مصرف ما أو حفر ( ترعة ) أو نحو ذلك فإن شرط شيء من ذلك في العقد فقد فسد وأما كراء الأرض ( وهو قلبها للحرث ) فلا يخلو إما أن يشترط شيء لمصلحة الزرع أو لمصلحة الأرض بحيث تستمر فائدته بعد انتهاء مدة الزرع المتفق عليها من أول شرط صحيح يقتضيه العقد لأن الزرع لا يصلح إلا بالحرث والثاني شرط فاسد مفسد للعقد . ومثال ذلك ان يشترط ( حرث ) الأرض من أجل الزرع وحرثها مرة أخرى بعد حصاد الزرع ليستلمها صاحبها محروثة فإن المرة الثانية في هذه الصورة لا علاقة لها لالزرع فيفسد العقد أما إذا اشترط ( حرثها ) مرتين أثناء مدة الزرع وكانت منفعة المرة الثانية مقصورة على الزرع لا تفيد الأرض بعد انتهاء الزرع فإنه يصح . وإذ قد عرفت معنى المزارعة عند من يجيزها ومن يمنعها وعرفت الشروط المصححة لها والمفسدة فإنه يسهل عليك معرفة الصور الجائزة والمممتنعة منها ولكننا نريد أن نذكر لك هنا ملخص ما ذكره من الصور الجائزة والممتنعة عند الصاحبين بعدما عرفت فيما تقدم الصور الجائزة عند الإمام .
فأما الصور الجائزة عندهما فمنها : أن تكون الأرض من أحدهما والبذر والعمل وآلات الزرع من الاخر وشرطا أن يكون لصاحب الأرض شيئا معلوما من المتحصل من الزرع كالنصف أو الثلث أو نحو ذلك لأنه في هذه الحالة يكون العامل مستأجر للأرض بشيء معلوم مما يخرج منها وذلك جائر عندهما كما أن استأجار العامل ببعض الخارج من الأرض جائز كذلك إنما الممتنع هو استأجار غيرهما .
ومنها : أن تكون الأرض والبذر وآلات الزرع على المالك ويكون العمل وحده على العامل ويكون له نصيب معين في المتحصل من الزرع كالنصف أو الثلث أو الربع وهذه الصور جائزة أيضا لأنها استئجار العامل ببعض ما يخرج من الأرض وقد علمت جوازه عندهما .
ومنها : أن تكون الأرض والبذر من أحدهما والعمل وآلات الزرع على الثاني وهذه أيضا جائزة أيضا لأن صاحب الأرض في هذه الحالة يكون مستأجرا ليعمل في أرضه ببقرة ونحوه من آلات الزرع .
وأما الصور الممتنعة فمنها : أن تكون الأرض وآلات الزرع كالبقر وما في معناه من الآلات التى تستعمل لشق الأرض من أحد الشيكين ويكون البذر والأرض من الشريكين الأخر وإنما كانت هذه الصور فاسدة لأن منفعة الأرض لا تجانس منفعة آلات الحرث حتى تنضم إليها ويقدمها اللمالك في نظير البذر والعمل وذلك لأن منفعة الأرض إنبات الزرع ومنفعة البقر وما في معناه العمل ولا تجانس بين المنفعتين حتى يمكن خلطهما وهذا هو الذي عليه الفتوى وقيل بجوار هذه الصورة إذا جرى عليها العرف .
ومنها : أن يكون البذر من أحدهما والأرض والعمل وآلات الزرع من الآخر وهذه الصورة فاسدة لأنها عبارة عن كون صاحب البذر قد استأجر الأرض ببذره . وقد عرفت مما تقدم أن من شروط الصحة أن يتتمكن المستأجرلا على الآخر فكيف يمكنه أن يضع يده عليها وهي في يد العامل .
ومن أجل ذلك لا يصح أن يشترك في المزارعة ثلاثة على أن يكون على أحدهما وعلى الثانى البذر وعلى الثالث البقر وما في معناه من آلات الزراعة . لأنه في هذه الحالة يكون صاحب البذر مستأجرا للأرض وهي في يد الذي عليه العمل فلا يمكن أن يضع المستأجر عليها يده فيفسد العقد .
أما إذا اشترك أربعة على أن يكون البذر على احدهما والأرض على الثانى والقر على الثالث والعمل على الرابع فإن عقد المزارعة يفسد بعلة أخرى وهو أن البقر وحده لا يصح اسئجاره .
ببعض الخارج من الأرض وفي هذه الحالة يكون مستأجرا ببعض الخارج لأنه جعل قسما مقابلا . للأقسام الأخرى من البذر والعمل والأرض ولهذا جعل من شروط الصحة أن لا تكون آلة الزرع مقصودة في العقد ببعض الخارج منها كما يصح استأجار العامل ببعض الخارج من الأرض ولا يصح استئجار غيرهما .
ومنها : ان يكون البذر والبقر من أحدهما والعمل والأرض من الاخر وهذه الصورة لا تصح لأنك قد عرفت أنه يشترط تجانس منفعة الأمرين المنضمين لبعضهما فيما يدفعه كل واحد من الشريكين ولا تجانس بين منفعة البذر والبقر كما تجانس بين منفعة الأرض والعمل .
ومنها : أن تكون الرض على أحدهما والبذر عليهما معا مناصفة واشترطا أن يكون العمل على غير صاحب الأرض وأن يكون الخارج من الأرض بينهما نصفين وهذه الصورة فاسدة لأنها تتضمن أن العامل يزرع نصف الأرض ببذره على أن يأخذه كله فتكون مزارعة بجميع الخارج من الأرض بشرط 'عارة نصفها للعامل وذلك باطل .
أما إذا كانت الأرض ملكا لهما معا والبذر عليهما وكذلك العمل واشترطا أن يكون الخارج بينهما نصفين فإنه يجوز لأن كل واحد منهما يكون عاملا في نصف الأرض واشترطا أن يكون الخارج بينهما نصفين فإنه يجوز لأن كل واحد منهما يكون عاملا في نصف الأرض ببذره فكانت هذه إعارة نصف الأرض لا بشرط العمل .
وأما حكمها فينقسم إلى قسمين : .
القسم الأول : حكم المزارعة الصحيحة وهو ملك منفعة الأرض حالا والشركة في المتحصل من الزرع مالا وذلك لأن صاحب الأرض ملك العامل منفعة أرضه وهو اللزوم تارة وعدمه تارة أخرى فيكون العقد لازما على من لابذر عليه سواء كان صاحب الأرض أو العامل فإذا كان عقد المزارعة مشتملا على يكون البذر على صاحب الأرض فإنه لا يلزم بتنفيذه إلا إذا بذر الحب فعلا فأما قبل بذره فإن له أن يفسخ العقد بدون عذر خوفا من ضياع بذره بدون فائدة أما العامل الذي عليه فإنه يكون ملزما بتنفيذ العقد بمجرد تمامه بالإيجاب والقبول ولا يصح له فسخه بدون عذر فإذا كان العقد مشتملا على أن البذر على العامل كان الأمر بالعكس فلا يلزم بتنفيذه إلا إذا ألقى البذر فعلا فإذالا لم يذكر من عليه البذر صحيحا فإنه يكتفى بذكره ضمنا كأن يقول له دفعت إليك الأرض لتزرعها لى أو استأجرتك لتعمل في أرضي فإن في هذه الحالة .
يكون البذر على رب الأرض بخلاف ما إذا قال دفعتها لك لتزرعها لنفسك فإن معنى هذا أن البذر يكون على العامل .
القسم الثاني : حكم المزارعة الفاسدة وهو أمور : .
أحهما : أن المزارع لا يجب عليه شيء من أعمال المزارعة فلا يلزم بشيء إلا بالعقد الصحيح .
( يتبع . . . )