وإذا أسلم في سمن فينبغي أن يضبطه بالنوع يقول : سمن ضأن أو معز أو بقر أو جاموس وباللون فيقول : أبيض أو أصفر أو أخضر وبالجودة والرداءة فيقول : جيد أو رديء . وبالمرعى فيقول : بحيري أو صعيدي لأن قيمة الثمن تختلف باختلاف المرعى ولا حاجة إلى ذكر القديم والحديث لأن القدم عيب في السمن يرد به ويصف الزبد بأوصاف السمن ويزيد زبد يومه أو أمسه .
وإذا أسلم في لبن فإنه يضبطه بذكر النوع فيقول : لبن ضأن أو معز أو جاموس أو بقر ويذكر المرعى ولا يحتاج إلى ذكر اللون ولا إلى ذكر اليوم أو الأمس لأنه إذا أطلق ينصرف إلى اليوم .
وأما الموزونات فإنه يصح فيها السلم سواء كانت خبزا أو فاكهة أو لحما نيئا ولو مع عظمه أو رصاصا أو نحاسا أو غير ذلك . فإذا أسلم في لحم فينبغي بيان قدره أولا وبيان نوعه من بقر جواميس أو ضأن أو معز وبيان سنه وبيان ذكورته وأنوثته وبيان كونه خصيا أو غيره وبيان كونه رضيعا أو فطيما معلوفا أو راعية سمينا أو هزيلا . فإن كان السلم في لحم طير فإنه لا حاجة فيه إلى ذكر الأنوثة والذكورة إلا إذا كانت تختلف قيمته بهما كلحم الدجاج فإن لحم الديك أقل من لحم الأنثى فيه ولا حاجة إلى أن يبين موضع القطع فيقول : من الفخذ مثلا إلا إذا كان الطير كبيرا يؤخذ منه بعضه كلحم النعام فإنه يبين موضع القطع لاختلاف العظم ولا يصح السلم في اللحم المطبوخ ولا اللحم المشوي .
وإذا أسلم في الخبز فينبغي أن يذكر كونه خبز بر أو شعير أو دخن أو ذرة ويذكر اليبوسة والرطوبة واللون .
وإذا أسلم في السمك فينبغي أن يذكر نوعه فيقول : من النهر أو من البركة وأن يذكر صنفه فيقول : بوري أو بلطي مثلا وأن يذكر كبره أو صغره وسمنه وهزاله وأن يذكر كونه طريا أو مملوحا " بكلاه " .
وإذا أسلم في رصاص أو نحاس أو حديد فإنه يضبطه بذكر نوعه ولونه إن كان يختلف به ثمنه كالنحاس الأصفر والأحمر والأبيض وذكر نعومته وخشونته ويزيد في الحديد كونه ذكرا أو أنثى إن كان العرف على أن ثمنه يختلف باختلاف ذلك ولا يصح السلم في الفلوس وزنا بشيء موزون فإن كانت الفلوس وزنية فلا يصح أن يسلم فيها شيئا يباع بالوزن كأن يقول أسلمت إليك ثوبا من الحرير زنته كذا في مائتي قرش من النيكل مثلا فإنه لا يصح لتحقق علة ربا النسيئة فيهما وهو الوزن إذ لا يحل بيع موزون بموزون مع التفاضل نسيئة . أما إن كان الفلوس عددية فإنه يصح السلم فيها على الأصح ولو كانت مستعملة لأنها عرض لا ثمن كما تقدم وقيل لا يصح على أنه يصح في الأثمان الخالصة بشرط أن يكون رأس المال غير سلم فيصح أن يقول له أسلمتك هذا الثوب في جنيه آخذه بعد شهر . أما إذا قال له : أسلمتك هذا الجنيه في ستة من " الريالات " آخذها بعد شهر مثلا فإنه لا يجوز لأنه يكون ربا .
وأما المعدود المختلف الذي تتفاوت آحاده فإنه لا يصح السلم فيه إلا في الحيوان لأنه هو الذي يمكن ضبط صفاته فلا يصح في بيض ولا رمان ولا بطيخ إلى غير ذلك من الأشياء المختلف آحادها التي تباع عدا وقيل يصح في المتقارب منها كالجوز الشامي وبيض الدجاج . وينضبط الحيوان بذكر سنه وذكورته وأنوثته وسمنه وهزاله . وكونه راعيا معلوفا بالغا أو صغيرا ولونه إن كان نوعه مختلف اللون كالغنم البيضاء أو السوداء أو الحمراء وتضبط الإبل بأربعة أوصاف : .
النتاج فيقول : من نتاج بني فلان والسن فيقول : بنت مخاض مثلا واللون فيقول : بيضاء أو حمراء أو زرقاء . والأنوثة فيقول : ذكرا أو أنثى .
وتضبط الخيل بأوصاف الإبل الأربعة المذكورة ولا بد من ذكر نوعها فيقول في الإبل : بختية أو عرابية ويقول في الخيل : عربية أو هجين أو برذون ويقول في الغنم : ضأن أو معز إلا البغال والحمير فإنه لا أنواع لها .
ويضبط اللبن " الطوب النيء " بالتراب الذي يضرب منه والثخانة .
وأما المذروع كالثياب فإنها تنضبط بذكر نوعها فيقول : كتان أو قطن أو حرير . أو صوف وبذكر بلدها فيقال قماش مصري أو شامي ويذكر طولها أو عرضها وصفاقتها ورقتها وغلظها ونعومتها وخشونتها ولا يذكر زنتها فإن ذكرها لم يصح السلم .
وبالجملة فإنه ينبغي أن يذكر في كل نوع من هذه الأنواع الصفة التي يترتب على ذكرها وعدمه اختلاف في الثمن اختلافا ظاهرا .
وإذا أسلم فيما يباع كيلا بالوزن كأن قال : أسلمتك جنيها في قنطارين من القمح فقيل : يصح وقيل : لا . واختار الأول كثير لأن الغرض معرفة القدر والمكان وذلك متحقق .
المالكية - قالوا : شروط صحة السلم الزائدة على شروط صة البيع سبعة : الشرط الأول : قبض رأس المال كله وقد تقدم الكلام في جواز تأخيره وعدمه ويجوز شرط الخيار في رأس المال أو في المسلم إليه قبل قبض المال مدة ثلاثة أيام لا أكثر . ولو كان رأس المال دارا على المعتمد . فإن نقد رأس المال فسد العقد بشرط الخيار . وذلك لأنه بعد أن يقبض المسلم إليه الذي هو في حكم البائع رأس المال الذي هو في حكم الثمن مع شرط الخيار كان رأس المال مترددا بين كونه سلفا يصح أن يأخذه من دفعه وبين كونه ثمنه فلا ينعقد السلم . وإذا شرط نقد رأس المال مع شرط الخيار بطل العقد أيضا وإن لم ينعقد بالفعل لأن المشروط لازم للشرط حتى ولو نزل عن الشرط فإن العقد لا يرجع صحيحا وإذا تطوع رب السلم ونقده رأس المال فإن كان معينا كثوب معين أو حيوان معين فإنه يصح . أما إن كان غير معين كالجنيه فإنه لا يصح .
ويصح أن يكون رأس المال منفعة شيء معين كسكنى دار أو استخدام حيوان فإذا قال له : أسلمتك سكني داري مدة كذا في عشرين نعجة آخذها بعد شهر مثلا فإنه يصح . أما جعل المنفعة بدلا عن الدين فإن فيها خلافا فإذا كان له عند نجار مثلا دينا فكلفه بعمل صندوق واحتسب له ذلك الدين . قيل : يصح وقيل : لا . ولا بد من قبض الدار التي جعلت منفعتها رأس مال قبل تمام أيام ثلاثة . أما الحيوان فيجوز تأخيره أكثر بدون أن يشترط التأخير لأن الحيوان يجوز تأخيره كذلك سواء جعل هو رأس المال أو جعله منفعة أما إذا اشترط التأخير فإنه لا يجوز .
الشرط الثاني من شروط السلم : ما اشتمل على نفي خمسة أشياء : .
أحدها : أن لا يكون رأس المال والمسلم فيه طعامين سواء كانا متحدي الجنس أو لا فلا يصح أن يقول : أسلمتك إردب قمح في إردب قمح كما لا يصح أن يقول : أسلمتك إردب قمح في إردب فول آخذه بعد شهر مثلا لأن في هذا ربا النساء فإذا قالله : أسلمتك إردب قمح في إردب ونصف قمح آخذه بعد شهر كان فيه ربا فضل ونساء فإذا وقع بلفظ القرض بدون زيادة جاز كأن يقول له : أقرضتك إردب قمح آخذه بعد شهر .
ثانيها : أن لا يكونا نقدين فلا يصح أسلمتك جنيها في جنيه كما لا يصح أسلمتك جنيها في " خمسة ريالات " وإنما لا يصح لعلة الربا المذكورة والفلوس الجدد في باب السلم مثل النقدين فلا يجوز سلم بعضها في بعض فلا يجوز أنيقول : أسلمتك عشرين قرشا في عشرين قرشا من النحاس .
ثالثا : أن لا يكون رأس المال أقل من المسلم فيه إذا كان من جنسه فلا يصح أن يقول : أسلمتك هذا الثوب في ثوبين من جنسه أو أسلمتك قنطارا من القطن في قنطارين أو إردبا من الجبس في إردبين . إلا إذا اختلفت المنفعة في أفراد الجنس الواحد بحيث تعادل منفعة الواحد منفعة الاثنين كالحمار السريع المشي فإنه يصح أن يكون سلما في حمارين ضعيفين مشيهما بطيء وكالحصان الذي يسبق غيره أكثر منه غير سابق وكسيف قاطع جيد في سيفين أقل منه أما الجنسان المختلفان فإنه يجوز أن يسلم أحدهما في الآخر ولو كانت منفعتهما متقاربة كثوب رقيق من القطن وثوب غليظ . فإنه يصح أن يجعل أحدهما رأس مال السلم والآخر مسلما فيه .
رابعها : أن لا يكون رأس المال رديئا والمسلم فيه جيدا إذا كانا من جنس واحد فلا يصح أن يقول له : أسلمت إليك قطنية شامية في قطنية بلدية آخذها بعد شهر . أو يقول له : أسلمتك قنطارا من الكتان الأسمر في قنطار من الكتاب الأبيض الناصع آذه بعد شهر إلا إذا اختلفت المنفعة بحيث تكون منفعة الشيء الواحد من الجنس تعادل اثنين كالقطن " السكلاريدس " فإن القنطار الواحد من الثاني يعادل اثنين من الأول فيصح أن يسلم الواحد في اثنين .
خامسها : أن لا يكون رأس المال جيدا والمسلم فيه رديئا فلا يصح أن يسلم إردبا من القمح في إردب من الشعير ولا ثوبين في ثوب لأنه يكون من باب الضمان بجعل وذلك لأن المسلم إليه ضمن لرب السلم الثوب الذي لا يدفعه له في الوقت الذي أجل إليه في نظير الثوب الذي يأخذه الآن وهو ممتنع أو ضمن له إردب الشعير في نظير المنفعة التي يأخذها زيادة عليه من إردب القمح .
الشرط الثالث : من شروط السلم : أن يكون المسلم فيه مؤجلا أجلا معلوما للمتعاقدين وأقله خمسة عشر يوما كما تقدم إلا إذا أسلم في شيء واشترط تسليمه في بلد العقد بمجرد وصوله لذلك البلد ولذلك شروط : .
الأول : أن يكون على بعد مسافة يومين من بلد العقد على الأقل وإن لم يلفظ بذكر المسافة فإن كانت أقل فلا بد من التأجيل خمسة عشر يوما .
الثاني : أن يشترط العاقدان الخروج من بلد العقد وأن يخرجا فورا بالفعل منها كي يدفع المسلم إليه لرب السلم المسلم فيه بمجرد وصولهما إلى البلد طبقا للشرط فإن لم يشترطا الخروج ولم يخرجا بالفعل فلا بد من التأجيل نصف شهر .
الثالث : تعجيل رأس المال في المجلس أو قريبا منه .
الرابع : أن يكون سفرهما أو وكيلهما في يومين بالبر أو بباخرة لا تتأثر بالرياح حتى لا يتعطل سيرها .
الخامس : أن يخرجا في نفس اليوم الذي حصل فيه العقد فإن فقد شرط من هذه الشروط تعين التأجيل لمدة خمسة عشر يوما .
الشرط الرابع من شروط السلم : أن يضبط المسلم فيه أو رأس السلم بما جرت عادة الناس في الجهة التي وقع فيها العقد أن يضبطوا به من كيل أو وزن أو عد .
فالقمح جرت عادة الناس أن يضبطوه بالكيل ومنهم من يضبطه بالوزن فيصح السلم فيه كيلا ووزنا واللحم جرت عادة الناس أنيضبطوه بالوزن فيصح السلم فيه وزنا .
والرمان جرت عادة الناس أن يضبطوه بالعد ومنهم من يضبطه بالوزن فيصح السلم فيه عدا ووزنا . ولما كان الرمان مما تتفاوت احاده فيجب أن يقيس طول كل رمانة وعرضها بخيط ونحوه ويحفظ ذلك المقياس ليرجع إليه عند اللزوم وسواء وضع ذلك المقياس عند أمين أو كتب بيانه في ورقة أمضاها العاقدان فإن الغرض من التوثيق يحصل فيصح أن يقول : أسلمك جنيها في قنطار من الرمان كل رمانة سعة هذا الخيط . أو أسلمك جنيها في مائة رمانة حجم كل رمانة كذا طولا وكذا عرضا وعمقا ومثل الرمان البيض .
ويصح السلم في الخضر والحشائش كالبرسيم " والدراو " ويضبط بالحمل - بكسر الحاء - كأن يقول له : أسلمتك جنيها في مائة حمل برسيم كل حمل ملء هذا الحبل ويوضع الحبل تحت يد أمين أو يقاس طوله وسمكه بمقياس مخصوص ويكتب في ورقة ومثل ذلك الكراث والكزبرة ولا بد أن تكون آلة الكيل أو الوزن معلومة فإذا ضبط بشيء مجهول كملء هذه القصعة مثلا أو وزن هذا الحجر ولم يكن مقدارا بمعيار مخصوص فإن السلم يفسد .
الشرط الخامس : أن يبين الصفات التي تختلف رغبات الناس من أجلها كالصنف والجودة والرداءة والتوسط بينهما واللون إذا كان له دخل في اختلاف قيمة المسلم فيه أو رأس المال فإن رغبة بعض الناس تنبعث إلى لون الغنم البيضاء للانتفاع بأصوافها البيضاء . وبعضهم بالعكس يرغبون في الحمراء أو السوداء فيترتب على ذلك اختلاف في قيمتها . أما إذا لم يترتب عليه اختلاف في القيمة بحسب العرف فلا يشترط ذكره .
فإذا أسلم في قمح فإنه يشترط أن يبين قدره بالكيل أو الوزن إن تعارف الناس على وزنه ويبين صنفه فيقول : بعلي أو مسقي ويبين جودته وغيرها ويبين كونه ملآنا أو ضامرا ويبين كونه قديما أو جديدا إن ترتب على ذلك البيان اختلاف الثمن أما بيان لون القمح فليس شرطا لأن ذكر الصنف يغني عنه . وكذا لا حاجة إلى بيان كونه خاليا من الطين أو لا " غلت أو نظيف " لأن هذا يحمل على الغالب المتعارف فإن لم يكن فيحمل على المتوسط . ويندب البيان دفعا للنزاع . ويجب بيان الجهة الوارد منها إذا كان في بلده غير أصناف النابت فيها كالهندس والأسترالي والروسي .
وإذا أسلم في حيوان فإنه يشترط أن يبين نوعه هل هو غنم أو بقر ضأن أو معز ؟ ويبين جودته ورداءته ويبين لونه إن ترتب عليه اختلاف في الثمن . وكذلك يبين سنه وكونه ذكرا أو أنثى وكونه سمينا أو غير سمين .
وإذا أسلم في تمر فإنه يبين نوعه وجودته ورداءته وكبره وصغره وقدره والجهة التي ورد منها .
وإذا أسلم في عسل فإنه يبين نوعه هل هو عسل نحل أو قصب أو بنجر أو سكر ؟ ويبين جودته ورداءته ولونه إن ترتب عليه اختلاف في الثمن . وإن كان عسل نحل فإنه يبين مرعاه لأنه يختلف بذلك طعما فإن الذي يقتطف من زهر الكروم أجود عسلا من غيره وأغلى ثمنا .
وإذا أسلم في لحم فإنه يشترط أن يبين نوعه في ضأن أو معز إلخ الصفات المذكورة في الحيوان ويزيد عليها بيانه كونه خصيا أو لا معلوفا أو راعيا . ولا يشترط أن يبين المكان الذي يقطع منه اللحم كالفخذ والذراع . إلا إذا اختلفت الأغراض في ذلك فإنه يجب البيان .
وإذا أسلم في سمك فإنه يشترط أن يبين صنفه وجودته ويبين كونه كبيرا أو صغيرا أو متوسطا وبالجملة فينبغي أن يبين في كل نوع ما يضبطه من الصفات التي يترتب عليها اختلاف في الثمن عادة في مكان العقد .
( يتبع . . . )