السلم قسم من أقسام البيع كما تقدم فأركان البيع أركان له وشروطه شروطه غلا أنه للسلم شروط زائدة على شروط البيع .
والغرض منها على وجه الإجمال أن يكون البدلان في السلم وهما رأس المال " ويسمى في البيع ثمنا " والمسلم فيه ويسمى في البيع مبيعا ومثمنا منضبطين محدودين بحيث لا يكون فيهما جهالة من أي وجه فيقع النزاع بين المتعاقدين ويثور بينهما الخصام وذلك ما تأباه الشريعة الإسلامية ولا ترضاه فيصح السلم فيما يمكن ضبطه كالأشياء التي تباع بالكيل أو بالوزن أو بالعد أو بالذرع لأنها محدودة يمكن ضبطها وإنما يصح لشروط تذكر في العقد : منها : بيان جنس المسلم فيه وجنس رأس المال كأن يقول : أسلمت إليك جنيها في تمر أو قمح .
ومنها : بيان النوع كأن يقول : تمر زغلول أو أسيوطي وقمح بعلي أو مسقي . ومنها : بيان الصفة كأن يقول : جيد ( الشافعية - قالوا : ذكر الجودة والرداءة في المسلم فيه ليس بشرط وإذا أطلق ينصرف الجيد للعرف وينزل على أقل درجاته ولكن يجوز أن يشترط الجودة والرداءة وإنما الذي يشترط هو أن يكون للمسلم فيه صفات تضبطه وتعينه ويعرف بها على أن تكون هذه الصفات كثيرة الوجود فإن كانت نادرة فلا يصح السلم فمثال ما له صفات كثيرة الوجود : الحبوب . في البلاد الزراعية والحيوان وغيرهما مما يأتي مفصلا ومثال ما له صفات نادرة الوجود : الجواهر الكبيرة التي تستعمل للزينة فإنها لا يصح فيها السلم وذلك لأن السلم يستلزم أن يبين حجمها ووزنها وشكلها وصفاءها واجتماع هذه الصفات نادر فلا يصح السلم . أما الجواهر الصغيرة التي تستعمل للتداوي فإنه يصح فيها السلم إلا العقيق فإنه لا يصح فيه لاختلاف أحجاره . والشرط أن يعرف المتعاقدان الصفات التي يختلف بها الغرض من استعمال المسلم فيه بطريق الإجمال كأن يعرفا أن القمح منه بعلي ومنه : مسقي . وأن الغنم منها : " أو سيمي " وصعيدي كمعرفة الأعمى الأوصاف بالسماع ولكن لا بد من وجود عدلين يعرفان الصفات تفصيلا بالتعيين يرجع إليهما عند التنازع فلا بد أن يكون لهما خبرة بصفات المبيع ) أو رديء وبيان العد في المعدود والذرع في المذروع .
ومنها : بيان قدره بالكيل في المكيال والوزن في الموزون والعد في المعدود والذرع في المذروع . ومنها : أن يكون المسلم فيه مؤجلا ( الشافعية - قالوا : لا يشترط في المسلم فيه أن يكون مؤجلا بل يصخ أن يكون حالا ) إلي أجل معلوم أقله شهر ( الشافعية - قالوا : أقل الاجب ما يزيد على نصف شهر " خمسة عشر يوما " ولو زيادة يسيرة ) فلا يصح أن يكون المسلم فيه حالا أما رأس المال وهو الثمن فإنه يشترط فيه الحلول على تفصيل في المذاهب .
( الحنفية - قالوا : يشترط أن يكون رأس مال السلم " الثمن " مقبوضا في المجلس سواء كان عينا " سلعة معينة " أو كان جنيهات أو غيرها من العملة . ولا يشترط قبضه في أول المجلس بل يكفي أن يقبض قبل التفرق ولو طال المجلس وإذا قاما من المجلس يمشيان ثم قبض المسلم إليه رأس السلم بعد مسافة فإنه يصح إن لم يتفرقا . وكذلك إذا تعاقدا ثم قام رب السلم " المشتري " ليحضر الدراهم من داره فإنه إن لم يغب عن المسلم إليه " يصح وإلا فلا .
المالكية - قالوا : إذا تأخر قبض رأس المال وهو المسلم - بفتح اللام - الثمن عن مجلس العقد فلا يخلو : إما أن يكون ذلك التأخير بشرط كأن يشترط المسلم بكسر اللاز " المشتري " تأخيره فسد السلم اتفاقا سواء كان التأخير كثيرا جدا بأن أخره إلى حلول أجل المسلم فيه أو لم يكن كذلك . وإما أن يكون التأخير بلا شرط وفي هذه قولان : أحدهما : فساده سواء كان التأخير كثيرا أو قليلا . ثانيهما : عدم فساده سواء كان التأخير كثيرا أو قليلا .
الحنابلة - قالوا : يشترط قبض رأس مال السلم في مجلس العقد قبل التفرق ويقوم مقام القبض ما كان في معناه كما إذا كان عند المسلم إليه أمانة أو عين مغصوبة فإنه يصح أن يجعلها صاحب السلم رأس مال ما دامت ملكا له لأن ذلك في معنى القبض .
الشافعية - قالوا : يشترط قبض راس المال في المجلس قبضا حقيقيا فلا ينفع فيه الحوالة ولو قبضه من المحال عليه في المجلس لأن المحال عليه ما دفعه عن نفسه إلا إذا قبضه رب السلم وسلمه بنفسه للمسلم إليه . وإذا كان رأس المال منفعة كما إذا قال له : أسلمت إليك داري هذه لتنفع بها في عشرين نعجة آخذها في وقت كذا فإنه يصح ولكن يشترط أن يسلمها له قبل أن يتفرقا وهذا وإن لم يكن قبضا حقيقيا كما هو الشرط إلا أن تسليمها هو الممكن في قبضها فكان بمنزلة القبض الحقيقي وليس معنى القبض في المجلس أن يحصل القبض قبل الانتقال من مجلس العقدن بل معناه أن يحصل قبل تفرقهما بأبدانهما فلو فاما ومشيا مسافة ثم حصل القبض قبل أن يتفرقا فإنه يصح ) .
ومنها غير ذلك مما هو مفصل في المذاهب .
( الحنفية - قالوا : شروط السلم تنقسم إلى قسمين : قسم منها يرجع إلى العقد وقسم يرجع إلى البدل . فأما الذي يرجع إلى العقد فهو شرط واحد وهو : أن يكون العقد عاريا عن شرط الخيار للعاقدين أو لأحدهما . أما إذا كان رأس المال مستحقا للغير وليس ملكا لرب السلم فدفعه إليه في المجلس ثم تفرقا فللمالك الخيار في إجازة العقد أو فسخه فلو أجازه صح السلم وأما الذي يردع إلى البدل فهو خمسة عشر شرطا . منها ستة في رأس المال وعشرة في المسلم فيه .
فأما الستة التي في رأس المال فهي أولا : بيان جنسه إن كان من النقدين الجنيهات أو غيرها من أنواع العملة . أو كان عينا كالقمح أو الشعير أو غير ذلك . ثانيا : بيان نوعه كأن يبين أن هذا الجنيه " مصري أو انكليزي " أو هذا القمح " بعلي أو مسقي " . ثالثا : بيان صفته كأن يقول : هذا جيد أو رديء أو متوسط . رابعا : بيان قدره كأن يقول : خمسة جنيهات أو عشرة أرادب من القمح أو الشعير . وهل تقوم الإشارة مقام بيان القدر أو لا ؟ والجواب أنها تقوم مقامه إذا كان الثمن من المذروعات أو المعدودات المتفاوتة . فإذا قال له : أسلمت إليك هذا الثوب أو هذه الكومة من البطيخ في كذا فإنه يصح وإن لم يبين عدد أذرع الثوب ولا عدد الكومة من البطيخ . أما إذا كان الثمن من المكيلات أو الموزونات فإن فيه خلافا : فقيل : الإشارة تكفي وقيل : لا تكفي ولا بد من بيان القدر . خامسا : أن يكون مقبوضا في مجلس السلم وقد تقدم . وأما العشرة التي في المسلم فيه فمنها الأربعة الأول التي في رأس المال وهي : بيان الجنس والنوع والوصف والقدر . والخامس : أن يكون مؤجلا وقد تقدم بيانه . والسادس : أن يكون الصنف موجودا في الأسواق وسيأتي . السابع : أن يكون مما يتعين بالتعيين وقد تقدم : الثامن : بيان مكان الدفع فيما يحتاج إلى نفقات كالبر ونحوه . التاسع : أن لا يشمل البدلان على علة ربا والفضل وهي القدر والجنس كما تقدم . والعاشر : أن يكون من الأجناس الأربعة المكيلات والموزونات والمعدودات المتقاربة والذرعيات . رابعا : بيان قدره فلا بد أن يكون معلوم القدر بالكيل أو الوزن أن العد أو الذرع فأما المكيلات فإنه يصح فيها السلم سواء كانت حبوبا أو عسلا أو لبنا أو سمنا أو تمرا . وهل يصح أن يسلم فيها بالوزن أو لا ؟ خلاف : المعتمد أنه يصح لأن المعول عليه إنما هو الضبط ولا بد أن يكون قدر المكيال معروفا بين الناس فلا يصح أن يقول له : أسلمت إليك جنيها في 20 قصعة من القمح إذا لم تكن القصعة مكيالا معروفا بين الناس كالكيلة ونحوها . وأما الموزونات فإنه يصح فيها السلم إلا إذا كانت أثمانا وهي النقدان من الذهب والفضة فلا يصح أن تقول : أسلمت إليك هذا الثوب في جنيه زنته كذا آخذه بعد شهر مثلا لأن الجنيه لا يصح أن يكون مسلما فيه لأن شرط السلم أن يكون المسلم فيه مما يتعين بالتعيين وقد عرفت أن النقدين من الذهب والفضة لا تتعين بالتعيين وهل يعتبر ذلك بيعا للثوب بأن يجعل الثوب مبيعا والجنيه ثمنا مؤجلا أو لا ؟ قولان فقيل : يعتبر ورجحه بعضهم . وقيل : لا وصححه بعضهم .
وأما المعدودات فإنه يصح السلم في المتقاربة منها كجوز الشام " عين الجمل " فإن آحاده متقاربة حتى إذ استهلك أحد شيئا منها كان لمالكه الحق في أخذ مثله أما المتفاوتة إذا استهلكت فإنه يكون لمالكها قيمتها ومن المتفاوت القرع والرمان فلا يصح أن يقول : أسلمت إليك جنيها في مائة بطيخة أو مائتي رمانة لأن آحاده متفاوتة فلا يمكن ضبطها . ومن المتقارب بيض الدجاج لأنه وإن كان بعضه أكبر من بعض ولكن الكمية التي يحتوي عليها البياض والصفار متقاربة ومثله بيض النعام إذا كان الغرض من شرائه أكله . أما إذا كان الغرض استعمال قشره زينة فإنه يكون متفاوتا لأن بعض قشره كبير وبعضه صغير ومن المعدود المتقارب . الفلوس : " العملة المتخذة من غير الذهب والفضة " كالقروش النيكل والنحاس فيجوز فيها السلم فيصح أن يسلم إليه جنيها في مائة وعشرين قرشا يأخذها بعد شهر .
ومن المعدود المتقارب اللبن : الطوب النيء . وكذلك الآخر : والطوب المحروق فيصح أن يقول لأحد العمال : أسلمت إليك جنيها في ألفين من الأخضر . ولكن يشترط أن يبين صفة القالب الذي يضرب به كأن يقول : حجمه كذا طولا وعرضا وكذلك يبين مكان الأرض التي يضرب الطوب عليها كما يبين العدد .
وأما المذروع الذي يباع بالذراع كالقماش والبسط والحصر فإنه يصح فيها السلم أيضا بشروط : .
الأول : أن يبين مقدار طوله وعرضه .
الثاني : أن يبين صفته كأن يقول : ثوب غير مخيط من قطن أو كتان أو صوف أو حرير مركب من نوعين مختلفين .
الثالث : أن يبين محل صنعه كأن يقول : قطنية شامية أو مصرية . أو يقول : مقطع سكاروت ياباني أو هندي أو ملاءة محلاوي أو إخميمي ونحو ذلك . وإن كان حريرا فينبغي أن يبين زنته مع عدد الأذرع لأن الوزن له مدخل في اختلاف الثمن فإن الديباج وهو نوع من الحرير كلما ثقل وزنه زادت قيمته وبالعكس غيره من أنواع الحرير .
ويصح السلم في السمك القديد الذي فيه الملح " البكلاه " ثم إن كان كبيرا فإنه يصح فيه السلم بالعدد وإن كان صغيرا فإنه يصح فيه وزنا وكيلا فيصح أن يسلمه جنيها فأكثر على أن يأخذ به عددا معينا من سمك البطلاه الموصوف بالأصناف التي تعينه كفرنساوي أو انكليزي إذا كان كبيرا أما إذا كان صغيرا " كالسردين " المقدد المملوح فإنه يجوز وزنا وكيلا وكذلك يصح السلم في السمك الطري " الطازة " ولكن إن كان لا ينقطع في وقت من الأوقات صح فيه بدون قيد . أما إن كان ينقطع في بعض الأحيان كالجهات التي يتجمد فيها الماء في الشتاء فلا يوجد فيها السمك فإن الأجل يجب أن يكون ملاحظا فيه وجود السمك فلا يصح امتداده إلى الزمن الذي ينقطع فيه .
ولا يصح السلم في الحيوان مطلقا وهل يصح في أطرافه بعد ذبحه كالأكارع ؟ خلاف : المشهور أنه لا يصح أيضا كالحيوان وقال بعضهم : لا بأس به وزنا بعد ذكر النوع وباقي الشروط . وكذلك اللحم فإن فيه خلافا والفتوى على أنه يصح فيه السلم . ولا يصح السلم في الحطب بالحزمة كأن يقول له : أسلمتك جنيها على أن آخذ به مائة حزمة لعدم ضبط ويصح فيه وزنا . وكذلك لا يصح السلم في الحشائش الخضراء التي ترعاها الدواب كالبرسيم ونحوه بالقت والقتة : الحزمة . وإذا ضبط بما لا يؤدي إلى نزاع فإنه يجوز . ولا يصح السلم في العقيق والبلور ونحوهما لتفاوت آحادهما تفاوتا كبيرا . وكذا لا يصح في اللآلئ الكبار أما اللآلئ الصغيرة التي تباع وزنا فإنه يصح فيها السلم فيجوز أن يقول للصائغ ونحوه : أسلمتك مائة جنيه في لؤلؤة صفتها كذا وزنتها كذا .
الحنابلة - قالوا : شروط السلم سبعة : أحدها : أن يصف المسلم فيه بما يختلف به الثمن اختلافا ظاهرا بأن يذكر جنسه ونوعه ولونه وبلده وكونه قديما أو جديدا .
ثانيها : أن يذكر قدره وقد تقدم ولا بد أن يكون المكيال معروفا عند العامة .
ثالثها : أن يشترط أجلا معلوما . رابعا : أن يكون المسلم فيه كثير الوجود في وقته . أما إن كان نادرا كالعنب في غير وقته فإنه لا يصح خامسها : أن يكون رأس المال مقبوضا في مجلس العقد وقد تقدم . سادسها : أن يكون المسلم فيه دينا في الذمة فإذا أسلم في دار أو عين موجودة فإنه لا يصح . السابع : أن يكون المسلم إليه من الأمور التي تضبط صفاتها كالمكيلات والموزونات والمعدودات والمذروعات . فأما المكيلات فيصح السلم فيها سواء كانت حبوبا أو غيرها كالألبان والأدهان والعسل ونحوه . فإن أسلم في حبوب فإنه يشترط أن يصفه بأربعة أمور : .
أحدها : ذكر النوع فيقول مثلا : قمح مواني أو بعلي أو غيره .
ثانيها : ذكر البلد فيقول : قمح بحيري أو صعيدي أو هندي أو استرالي .
ثالثها : ذكر قدر الحب من صغر أو كبر .
رابعها : ذكر القديم والجديد وكذلك العدس فإنه يشترط ذكر نوعه كصحيح أو مدشوش وبلده كإسناوي أو غيره وكونه قديما أو جديدا وكون حبه كبيرا أو صغيرا أو سليما أو مكسرا وهكذا سائر أصناف الحبوب .
ولا يصح السلم في القمح إلا إذا فصل من تبنه ومثله باقي الحبوب .
وإذا أسلم في تمر فإنه يشترط أن يذكره فيقول : تمر ويذكر نوعه فيقول : زغلول أو سمان ويذكر قدر حبه صغيرا أو كبيرا ويذكر لونه فيقول : أحمر أو أصفر ويذكر بلده فيقول : واحي أو أسيوطي ويذكر حداثته وقدمه فيقول : جديد أو قديم ويذكر جودته وردائته فيقول : جيد أو رديء .
ومثل التمر اليابس الرطب فينبغي وصفه بهذه الأوصاف .
وإذا أسلم في عسل فينبغي أن يذكر فيه بلده كمصري أو غيره وأن يذكر زمنه فيقول : ربيعي أو صيفي ويذكر لونه فيقول : أبيض أو أسود ويذكر جودته وردائته وأنه مصفى من الشمع أو لا .
( يتبع . . . )