( تابع . . . 2 ) : السلم قسم من أقسام البيع كما تقدم فأركان البيع أركان له وشروطه .
الشرط السادس من شروط السلم : أن يكون المسلم فيه دينا في ذمة المسلم إليه فلا يصح أن يكون معينا سواء كان حاضرا كأن يقول : أسلمت إليك جنيها في هذا الثوب الحاضر أو غائبا كأن يقول له : أسلمت إليك جنيها في الثوب الفلاني المعروف لي لأن تعيينه يستلزم أن يبيع شيئا معينا يتأخر قبضه وهو غير جائز فإن لم يكن عنده كان بيعا لشيء غير موجود وهو منهي عنه أيضا والذمة وصف اعتباري يحكم به الشرع ويقدر وجوده في الشخص من غير أن يكون له وجود حقيقي قابل للالتزام كأن يلتزم على نفسه شيئا كضمان ودين وقابل للالتزام من الغير كأن يقول له : ألزمك حق فلان .
الشرط السابع : أن يوجد المسلم فيه عند حلول الأجل فلا يصح أن يسلم في فاكهة مثلا مؤجلة إلى زمن لا توجد فيه .
الشافعية - قالوا : شرط السلم شروط البيع ما عدا رؤية المبيع فإنها شرط في صحة البيع كما تقدم بخلاف رؤية المسلم فيه فإنها ليست بشرط لأنها رخصة مستثناة من منع بيع المعدوم ويزيد السلم على البيع شروطا أخرى بعضها يتعلق برأس مال المسلم وبعضها يتعلق بالمسلم فيه . وكلها شروط لصحة عقد السلم فلا يصح إذا تخلف شرط منها . فأما التي تتعلق برأس المال فهي شرطان : .
الشرط الأول : أن يكون رأس المال مال السلم حالا غير مؤجل فلا يصح تأجيله .
الثاني : تسليمه بالمجلس وقد تقدم قريبا لأنه لو تأخذر يكون بيع دين بدين ولا فرق في ذلك بين أن يكون رأس المال عينا أو منفعة كأن يقول : أسلمت إليك سكنى داري مدة كذا في كذا من الغنم فلا بد من تسليمها كما تقدم . وأما التي تتعلق بالمسلم فيه فهي : .
أولا : بيان مكان تسليم المسلم فيه إن لم يكن المكان الذي حصل فيه العقد صالحا للتسليم سواء كان السلم حالا أو مؤجلا . أما إذا كان المكان صالحا للتسليم فإن كان نقله يحتاج إلى نفقات وجب البيان في السلم المؤجل دون الحال . وإذا كان نقله لا يحتاج إلى نفقات فلا يجب البيان سواء كان السلم حالا أو مؤجلا . وقد تقدم أن السلم يصح حالا أو مؤجلا .
ثانيا : القدرة على تسليم " المسلم فيه " عند حلول الأجل إن كان مؤجلا أو بالعقد إن كان حالا فإذا أسلم في فاكهة وأجلت إلى أمد لا توجد فيه فلا يصح السلم .
ثالثا : أن يكون المسلم فيه مقدورا على تسليمه عند وجوبه بلا مشقة عظيمة ويجب التسليم في السلم الحال بالعقد وفي المؤجل بحلول الأجل وهذا الشرط من شروط البيع أيضا فليس بزائد عليها وإنما يترتب عليه شيء آخر زائد على شروط البيع وهو : ما إذا أسلم في شيء يندر وجوده كالجواهر الكبار والياقوت فإنه لا يصح السلم فيها لتعذر وجود الصفات المطلوبة في السلم فيها إذ لا بد من التعرض للحجم والشكل وصفاء اللون ونحو ذلك وهذه الصفات يندر اجتماعها فالشرط أن لا يسلم في شيء يندر وجوده أو يكثر وجوده ولكنه ينقطع عند حلول الأجل فلا يصح السلم في الفاكهة ونحوها بعد انقطاعها .
فإذا حصل عقد السلم فيما يندر وجوده أو فيما ينقطع عند حلول الأجل كان لرب السلم " المشتري " الحق في الخيارين بين أمرين : فإما أن يصبر حتى يوجد المسلم فيه وإما أن يفسخ العقد وله هذا الحق على التراخي فله أن يستعمله في أي وقت شاء ولو أسقط حقه في الفسخ لم يسقط على الأصح .
رابعا : أن يكون المسلم فيه منضبطا فلا يصح السلم فيما تركب من أجزاء مختلفة لا يمكن ضبطها كالكشك والقمح المخلوط بالشعير الكثير والأحذية المبطنة . أما غير المبطنة " كالصنادل " والخف غير المبطن فإنه يصح السلم فيه بشرط أن تكون متخذة من الجوخ ونحوه . أما المتخذة من الجلد فإنه لا يصح السلم فيها لأن الجلد لا يصح فيه السلم . ومن المركب من أجزاء رؤوس الحيوانات المذبوحة فإنه لا يصح السلم فيها ولو بعد تنقيتها من الشعر . ومنه معجون الروائح العطرية الغالية المركبة من نحو مسك وعنبر ودهن فلا يصح السلم فيها .
خامسا أن لا يكون المسلم فيه معينا بل دينا لأن السلم موضوع لبيع شيء في الذمة . فإذا قال أسلمت إليك هذا الجنيه في هذا الثوب فإنه لا يصح . وكذلك لا يصح أن يكون جزءا من معين : كأسلمت إليك هذا الجنيه في إردب قمح من هذا الجرن بخصوصه .
سادسا : أن يبين جنسه ونوعه ويذكر الصفات التي يترتب عليها اختلاف الثمن عادة فإذا أسلم في حيوان فعليه أن يذكر جنسه ونوعه فيقول : غنما أو بقرا أو إبلا . ثم يذكر سنه ولونه وهل هو ذكر أو أنثى ؟ . ويذكر في الطير زيادة على ذلك كونه صغيرا أو كبيرا أما سنه فلا يلزم ذكره إلا إذا كان معروفا .
وإذا أسلم في ثياب فعليه أن يذكر عرضها وطولها ورقتها وثخانتها ونعومتها وخشونتها ويبين إن كانت خاما أو مقصورا .
وإذا أسلم في سمن أو زبد فعليه أن يبين قدره وزنا أو كيلا ويبين الحيوان الذي أخذه منه فيذكر إن كان سمن بقر أو غنم أو جاموس أو جمال ويبين كونه جديدا أوقديما ومثله الزبد فعليه أن يبين الصفات المذكورة في السمن ويزيد عليها إن كانت جافة أو رطبة .
وإذا أسلم في جبن فعليه أن يذكر نوعه فيقول : جبن غنم أو بقر أو جاموس ويذكر صنفه إن كان مأخوذا من الرائب أو الخض أو اللبن ويذكر بلده فيقول : صعيدي أو بحيري ومثله القشدة " القشطة " فيصح السلم فيها مع هذه البيانات .
سابعا : أن يكون المسلم فيه معلوم القدر بأن يكون مما يكال أو يوزن أو يعد أو يذرع فإذا أسلم في حبوب فإن عليه أن يذكر قدرها ولا يجوز تعيين مكيال غير معروف القدر ككوز أو قصعة فلو عينه فسد السلم . ويصح السلم فيما يكال بالوزن وعكسه بخلاف ما تقدم في الربا فهنا يصح أن يسلم في الحنطة كيلا ووزنا إن كان ينضبط بالوزن . ومثل الحبوب : الجوز واللوز والفستق والبن فيصح السلم في ذلك كيلا ووزنا . أما المعدود المتفاوت الآحاد فإنه يصح فيه السلم وزنا كالبطيخ والقثاء ونحو ذلك مما هو أكبر من التمر فإنه لا يصح فيه الكيل فيصح أن يسلم فيه بالوزن .
ومثل ذلك أيضا الخضر : كالملوخية والبامية والرجلة فإنه يضح فيها السلم وزنا . وكذلك الخشب والدريس والتبن فإنه يصح فيها السلم وزنا ويصح السلم في النقدين " الذهب والفضة " ولكن بالوزن فقط .
فإذا جمع بين العدد والوزن فيها فإنه يفسد . ومثلها الجمع بين الوزن والعد فيما تفاوتت آحاده كالبطيخ فلا يصح أن يقول له : أسلمتك هذا الجنيه في مائة بطيخة زنة كل واحدة منها ثلاثة أرطال لأنه يحتاج مع ذلك إلى ذكر حجمها فيتعذر وجوده .
ويصح السلم في الطوب بالعد والوزن معا كأن يقول له : أسلمت إليك جنيها في ألف طوبة زنة الواحدة منها رطلان لأن ذلك ليس بمتعذر إذ يمكن وضع قالب بهذا الوزن ومثل الطوب الخشب .
ثامنا : أن يشترط في عقد السلم الخيار لأحد المتعاقدين أو لهما : لأنه لا يحتمل التأجيل في رأس المال فكيف يصح معه الخيار الذي يترتب عليه عدم الإلزام بقبض رأس المال ؟ ولكن يدخله خيار المجلس لعموم قوله A : " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا " وهذا الشرط متعلق بالعقد لا بالمسلم فيه )