باب الوليمة .
هي مشروعة لحديث أنس في الصحيحين وغيرهما [ أن النبي A قال لعبد الرحمن بن عوف أولم ولو بشاة ] وقد أولم النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم على نسائه فأولم على صفية بتمر وسويق كما أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وابن حبان من حديث أنس وأخرج مسلم وغيره من حديثه [ أنه جعل وليمتها التمر والأقط والسمن ] وهو في الصحيحين بنحو هذا وفيه التصريح بأنه ما كان فيها من خبز ولا لحم وفي الصحيحين أيضا [ أن النبي A ما أولم على شئ من نسائه ما أولم على زينب أولم بشاة ] وقد قال بوجوب وليمة العرس مالك وقيل أن المشهور عنه أنها مندوبة وروي الوجوب عن أحمد وبعض الشافعية وأهل الظاهر وهو الحق ولم يأت في الأحاديث ما يشعر بصرف الأوامر بالوليمة عن المعنى الحقيق وأما كونها بشاة فأكثر فيمكن أن يكون فعله A صارفا للوجوب على فرض عدم الإختصاص به ويمكن أن يكون الأمر بالشاة فما فوقها مقيدا بالتمكن من ذلك فيكون واجبا مع التمكن وذهب الجمهور إلى أنها سنة غير واجبة .
ويجب الإجابة إليها لحديث أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما [ شر الطعام طعام الوليمة يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله ] وفيهما من حديث ابن عمر [ أن النبي A قال : أجيبوا هذه الدعوة إذا دعيتم لها ] وفي لفظ لهما من حديثه [ إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها ] وفي آخر لمسلم وغيره من حديثه [ من دعي فلم يجب فقد عصي الله ورسوله ] وفي مسلم وغيره من حديث جابر قال : [ قال رسول الله A : إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن شاء طعم وإن شاء ترك ] وفي لفظ من حديث أبي هريرة عند مسلم وغيره [ إذا دعي أحدكم فليجب فإن كان صائما فليصل وإن كان مفطرا فليطعم ] وقد نقل ابن عبد البر والقاضي عياض والنووي الإتفاق على وجوب الإجابة إلى وليمة العرس قال في الفتح : وفيه نظر نعم المشهور من أقول العلماء الوجوب وصرح جمهور الشافعية والحنابلة بأنها فرض عين ونص عليه مالك وعن بعض الشافعية والحنابلة أنها مستحبة وحكي في البحر عن الشافعي أن الإجابة إلى وليمة العرس مستحبة كغيرها والأدلة المذكورة تدل على الوجوب لا سيما بعد التصريح بأن من لم يجب فقد عصي الله ورسوله .
أقول : أحاديث الأمر بإجابة دعوة الوليمة معناها حقيقة الوجوب مقيدة بعدم المانع من منكر أو مباهاة أو حضور الأغنياء فقط أو نحو ذلك ولم يأت ما يدل على صرف تلك الأوامر عن معناها الحقيقي ووقع الخلاف في إجابة دعوة غير العرس هل تجب أم لا ؟ فمن قال بالوجوب إستدل بالرواية المطلقة المذكورة ومن قال بعدم الوجوب قال المطلقة محمولة على المقيدة وقد أوضح الماتن ما هو الحق في شرح المنتقى قال البغوي : من كان له عذرا وكان الطريق بعيدا يلحقه المشقة فلا بأس أن يتخلف وفي الأنوار من شروط وجوب الإجابة إلى الوليمة أن يعم عشيرته أو جيرانه أو أهل حرفته أغنياءهم وفقرءاهم فإن خص الأغنياء فلا يجب ولو دعا أهل حرفته وهم أغنياء لزمتهم الإجابة قال في المسوى : في كونه شرطا لوجوب الإجابة نظر لأن معنى كلام أبي هريرة اثبات الشرية لهذا الطعام بوجه من الوجوه وإثبات المعصية لمن لم يأتها وذلك صادق بأن يكون تخصيص الأغنياء مكروها للداعي ولا يكون مانعا لتأكد الإجابة .
ويقدم السابق ثم الأقرب بابا لحديث حمد بن عبد الرحمن الحميري عن رجل من الصحابة [ أن النبي A قال : إذا اجتمع الداعيان فأجب أقربهما بابا فإن أقربهما بابا أقربهما جوارا وإن سبق أحدهما فأجب الذي سبق ] أخرجه أحمد وأبو داود وفي إسناده زيد بن عبد الرحمن الدالاني وقد وثقه أبو حاتم وضعفه ابن حبان وأخرج البخاري وغيره من حديث عائشة [ أنها سألت النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فقالت : أن لي جارين فإلى أيهما أهدي فقال : إلى أقربهما منك بابا ] فهذا يشعر باعتبار القرب في الباب .
ولايجوز حضورها إذا اشتملت على معصية لحديث علي عند ابن ماجة بإسناد رجاله رجال الصحيح قال : [ صنعت طعاما فدعوت رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فجاء فرأى في البيت تصاوير فرجع ] وأخرج أبو داود والنسائي والحاكم من حديث ابن عمر قال : [ نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عن مطعمين : عن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر وأن يأكل وهو منبطح على بطنه ] وفي إسناده انقطاع وقد ورد النهي عن القعود على المائدة التي تدار عليها الخمر من حديث عمر عند أحمد بإسناد ضعيف ومن حديث جابر عند الترمذي وحسنه وأخرجه أيضا أحمد والنسائي والترمذي والحاكم من حديثه مرفوعا وفي الباب غير ذلك ويؤيده أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن ذلك [ من رأى منكم منكرا فيلغيره بيده فإن لم يتسطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه ] وهو في الصحيحين وغيرهما *