كتاب الأضحية .
تشرع لأهل كل بيت لحديث أبي أيوب الأنصاري قال : [ كان الرجل في عهد رسول الله A يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته ] وأخرجه ابن ماجة والترمذي وصححه وأخرج نحو ابن ماجة من حديث أبي شريحة بإسناد صحيح وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي من حديث مخنف بن سليم أنه سمع النبي A يقول : [ ياأيها الناس على كل أهل بيت في كل عام أضحية ] وفي إسناده أبو رملة واسمه عامر قال الخطابي مجهول وقد اختلف في وجوب الأضحية فذهب الجمهور إلى أنها سنة غير واجبة وبه قال مالك وقال : لا أحب لأحد ممن قوي على ثمنها أن يتكرها وعليه الشافعي وذهب ربيعة والأوزاعي وأبو حنيفة والليث وبعض المالكية إلى أنها واجبة على الموسر وحكي عن مالك والنخمي وتمسك القائلون بالوجوب بمثل حديث [ على كل أهل بيت أضحية ] المتقدم وبمثل حديث أبي هريرة عند أحمد وابن ماجة وصححه الحاكم وقال ابن حجر في الفتح رجاله ثقات لكن اختلف في رفعه ووقفه والموقوف أشبه بالصواب قاله الطحاوي وغيره قال : [ قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا ] ومن أدلة الموجبين قوله : { فصل لربك وانحر } والأمر للوجوب وقد قيل إن المراد تخصيص الرب بالنحر لا للأصنام ومن ذلك حديث جندب بن سفيان البجلي في الصحيحين وغيرهما قال : [ قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من كان ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى ومن لم يكن ذبح حتى صلينا فليذبح باسم الله ] ومن حديث جابر نحوه وجعل الجمهور حديث [ أنه صلى الله تعالى عليه وسلم ضحى عمن لم يضح أمته بكبش ] كما في حديث جابر عند أحمد وأبي داود والترمذي وأخرج نحوه أحمد والطبراني والبزار من حديث أبي رافع بإسناد حسن قرينة صارفة لما تفيده أدلة الموجبين ولا يخفى أنه يمكن الجمع بأنه ضحى عن غير الواجدين من أمته كما يفيده قوله [ من لم يضح من أمته ] مع قوله [ على كل أهل بيت أضحية ] وأما مثل حديث [ أمرت بالأضحى ولم يكتب عليكم ] ونحوه فلا تقوم بذلك الحجة لأن في أسانيدها من رمي بالكذب ومن هو ضعيف بمرة .
وأقلها شاة لما تقدم وقال المحلي : البعير والبقرة تجزيء عن سبعة والشاة تجزيء عن الواحد وإن كان له أهل بيت حصلت بجميعهم وكذا يقال في كل واحد من السبعة يعني المشتركين في البدنة والبقرة فالتضحية سنة كفاية لك أهل بيت وسنة عين لمن ليس له بيت وعند الحنفية الشاة لا تجزي إلا عن واحد والبقرة والبدنة لا تجزئان إلى عن سبعة سبعة ولم يفرقوا بين أهل البيت وغيره وتأويل الحديث عندهم أن الأضحية لا تجب إلى على غني ولم يكن الغني في ذلك الزمان غالبا إلا صاحب البيت ونسبت إلى أهل بيته على معنى أنهم يساعدونه في التضحية ويأكلون لحمها وينتفعون بها ويصح إشتراك سبعة في بدنة أو بقرة وإن كانوا أهل بيوت شتى وهو قول العلماء وقاسوا الأضحية على الهدي ولا أضحية عن الجنين وهو قول العلماء .
ووقتها بعد صلاة عيد النحر لقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم [ من كان ذبح قبل أن نصلي فليذبح مكانها أخرى ومن لم يكن ذبح حتى صلينا فليذبح باسم الله ] وهو في الصحيحين كما تقدم قريبا وفي الصحيحين من حديث أنس عنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أنه قال : [ من كان ذبح قبل الصلاة فليعد ] قال ابن القيم : ولا قول لأحد مع رسول الله A سأله أبو بردة بن نيار عن شاة ذبحها يوم العيد فقال : [ أقبل الصلاة ؟ قال : نعم قال : تلك شاة لحم ] الحديث قال : وهو صحيح صريح في أن الذبح قبل الصلاة لا يجزي سواء دخل وقتها أو لم يدخل وهذا الذي ندين الله به قطعا ولا يجوز غيره اهـ وفي الباب أحاديث وفيها التصريح بأن المعتبر صلاة الإمام ويمتد .
إلى آخر أيام التشريق لحديث جبير بن مطعم عن النبي A قال : [ كل أيام التشريق ذبح ] أخرجه أحمد وابن حبان في صحيحه والبيهقي وله طرق يقوي بعضها بعضا وقد روي أيضا من حديث جابر وغيره وقد روى ذلك عن جماعة من الصحابة ومن بعدهم والخلاف في المسألة معروف وفي الموطأ عن ابن عمر الأضحى يومان بعد يوم الأضحى مثل ذلك عن علي بن أبي طالب وعليه الحنفية ومذهب الشافعية أنه يمتد وقته إلى غروب الشمس من آخر أيام التشريق لحديث الحاكم الدال على ذلك .
وأفضلها أي الضحايا أسمنها لحديث أبي رافع [ أن النبي A كان إذا ضحى اشترى كبشين سمينين ] الحديث وهوعند أحمد وغيره بإسناد حسن وأخرج البخاري من حديث أبي أمامة بن سهل قال : [ كنا نسمن الأضحية بالمدينة وكان المسلمون يسمنون ] .
أقول : الحق أن أفضل الأضحية الكبش الأقرن كما ورد الحديث بذلك عن عبادة بن الصامت عند أبي داود وابن ماجة والحاكم والبيهقي مرفوعا بلفظ [ خير الأضحية الكبش الأقرن ] وأخرجه الترمذي وأخرجه أيضا ابن ماجة والبيهقي من حديث أبي أمامة وفي إسناده عفير بن معدان وهو ضعيف والأضحية هي غير الهدي وقد ورد النص فيها فوجب تقديمه على القياس وحديث الكبش الأقرن نص في محل النزاع فإن كان خاصا بالفحل فظاهر وأن كان شاملا له وللخصي فالأفضلية لا تختص بالخصي وتضحية النبي A بالخصي لا تستلزم أن يكون أفضل من غيره بل غاية ما هناك أن الخصي يجزيء .
ولا يجزيء ما دون الجذع من الضأن لحديث جابر عند مسلم وغيره قال : [ قال رسول الله A : لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن ] وأخرج أحمد والترمذي من حديث أبي هريرة قال : [ سمعت رسول الله A يقول : نعم أو نعمت الأضحية الجذع من الضأن ] وأخرج أحمد وابن ماجة والبيهقي والطبراني من حديث أم بلال بنت هلال عن أبيها [ أن رسول الله A قال : يجوز الجذع من الضأن ضحية ] وفي الصحيحين من حديث عقبة بن عامر قال [ قسم رسول الله A ضحايا بين أصحابه فصارت لعقبة جذعة فقلت : يا رسول الله أصابني جذع فقال ضح به ] وقد ذهب إلى أنه يجزيء الجذع من الشأن الجمهور ومن زعن أن الشاة لا تجزيء إلى عن واحد أو عن ثلاثة فقط أو زعم أن غيرها أفضل منها فعليه الدليل ولا يفيده ما ورد في الهدي فذلك باب آخر .
و لا يجزيء دون الثني من المعز وهو ما استكمل سنتين وطعن في الثالثة لحديث أبي بردة في الصحيحين وغيرهما [ أنه قال : يا رسول الله إن عندي داجنا جذعة من المعز فقال : اذبحها ولا تصلح لغيرك ] وأما ما روي في الصحيحين وغيرهما من حديث عقبة [ أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أعطاه غنما يقسمها على صحابته ضحايا فبقي عتود فذكره للنبي A فقال : ضح به أنت ] والعتود من ولد المعز ما أتى عليه حول فقد أخرج البيهقي عنه بإسناد صحيح أنه قال : [ أعطاني رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم غنما أقسمها ضحايا بين أصحابي فبقي عتود منها فقال : ضح به أنت ولا رخصة لأحد فيه بعدك ] وقد حكى النووي الإتفاق على أنه لا يجزيء الجذع من المعز قلت : اتفقوا على أنه لا يجوز من الإبل والبقر والمعز دون الثني والجذع من الضأن يجزيء عندهم ولا تجزيء مقطوعة الأذن إلا أن أبا حنيفة قال : إن كان المقطوع أقل من النصف فيجوز .
ولا الأعور والمريض والأعرج والأعجف وأعضب القرن والأذن لحديث البراء عند أحمد وأهل السنن وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم قال : [ قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : أربع لا تجوز في الأضاحي العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعرجاء البين ضلعها والكسير التي لا تنقي أي التي لا مخ لها ] وقد وقع في رواية العجفاء بدل الكسيرة وأخرج أحمد وأهل السنن وصححه الترمذي من حديث علي قال : [ نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نضحي بأعضب القرن والأذن ] قال قتادة : العضب النصف فأكثر من ذلك وأخرج أحمد وأبو داود والحاكم والبخاري في تاريخه قال : [ إنما نهي رسول الله A عن المصفرة والمستأصلة والبخقاء والمشيعة والكسيرة فالمصفرة التي تستأصل أذنها حتى يبدو صماخها والمستأصلة التي ذهب قرنها من أصله والبخقاء التي تبخق عينها والمشيعة التي لا تتبع الغنم عجفا وضعفا والكسيرة التي لا تنقي ] وهذا التفسير هو أصل الرواية وفي الباب أحاديث وأما مسلوبة الآلية فأخرج أحمد وابن ماجه والبيهقي من حديث أبي سعيد : [ اشتريت كبشا أضحي به فعدا الذئب فأخذ الآلية فسألت النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فقال : ضح به ] وفي إسناده جابر الجعفي وهو ضعيف جدا .
ويتصدق منها ويأكل ويدخر لحديث عائشة [ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال : كلوا وادخروا وتصدقوا ] وهو في الصحيحين وفي الباب أحاديث .
والذبح في المصلى أفضل إظهارا لشعائر الدين لحديث ابن عمر عند البخاري عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم [ أنه كان يذبح وينحر بالمصلى ] .
ولا يأخذ من له أضحية من شعره وظفره بعد دخول عشر ذي الحجة حتى يضحى لحديث أم سلمة عند مسلم وغيره [ أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال : إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أ ن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره ] وفي لفظ المسلم وغيره أيضا [ من كان له ذبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذ من شعره وأظفاره حتى يضحي ] وقد اختلف العلماء في ذلك فذهب سعيد بن المسيب وربيعة وأحمد واسحق وداود وبعض أصحاب الشافعي إلى أنه يحرم عليه أخذ شئ من شعره وأظفاره حتى يضحي في وقت الأضحية وقال الشافعي وأصحابه وهو مكروه كراهة تنزيه وحكى المهدي في البحر عن الشافعي وغيره أن ترك الحلق والتقصير لمن أراد التضحية مستحب وقال أبو حنيفة : لا يكره *