فصل .
والعقيقة مستحبة يدل على مشروعيتها حديث سلمان بن عامر الضبي عند البخاري وغيره قال : [ قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى ] وأخرج أحمد وأهل السنن وصححه الترمذي والحاكم وعبد الحق من حديث الحسن عن سمرة قال : [ قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : كل غلام رهينة بعقيقته يذبح عنه يوم سابعه ويسمى فيه ويحلق رأسه ] وقد قيل أن الحسن لم يسمع من سمرة إلا هذا الحديث وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : [ سئل رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عن العقيقة فقال : لا أحب العقوق وكأنه كره الإسم فقالوا يا رسول الله : إنما نسألك عن أحدنا يولد له قال : من أحب منكم أن ينسك عن ولده فليفعل عن الغلام شاتان مكافأتان وعن الجارية شاة ] فكان هذا الحديث دليلا على أن الأحاديث الواردة في رهن الغلام بعقيقته ليست على الوجوب بل للإستحباب فقط ولو كان واجبا لم يكن مفوضا إلى الإرادة ولما قال لمن أحب أن ينسك والأولى في تفسير قوله [ مرتهن بعتيقته ] أن العقيقة لما كانت لازمة شبهت باعتبار لزومها للمولود بالرهن باعتبار لزومه وقيل : أن معنى كونه مرهونا بعقيقته أنه لا يسمى ولا يحلق شعره إلا بعد ذبحها وبه صرح صابح المشارق والنهاية وقال أحمد بن حنبل : أن معناه إذا مات وهو طفل ولم يعق عنه لم يشفع لأبويه قلت : العقيقة سنة عند أكثر أهل العلم إلا عند أبي حنيفة فإنه قال ليست بسنة .
وهي شاتان عن الذكر وشاة عن الأنثى وبذلك قال الشافعي لحديث عمرو بن شعيب المذكور ولحديث عائشة عند أحمد والترمذي وابن حبان والبيهقي وصححه الترمذي قالت : [ قال رسول الله A عن الغلام شاتان مكافأتان وعن الجارية شاة ] وأخرج نحوه أحمد والنسائي والترمذي والحاكم والدارقطني وصححه الترمذي من حديث أمر كرز الكعبية والمراد بقوله [ مكافأتان ] المستويتان أو المتقاربتان ولا يعارض هذه الأحاديث ما أخرجه أبو داود والنسائي وصححه عبد الحق وابن دقيق العيد من حديث ابن عباس [ أن رسول الله A عق عن الحسن والحسين كبشا كبشا ] لأن الأحاديث المتقدمة متضمنة للزيادة وهي أيضا خطاب مع الأمة فلا يعارضها فعله A كما تقرر في الأصول والزيادة مقبولة إذا كانت غير منافية فلا يكون الفاعل للعقيقة متسننا إلا إذا ذبح عن الذكر شاتين لا شاة واحدة وقد وقع الإجماع على أن العقيقة عن الأنثى شاة وأما الذكر فذهب الجمهور إلى أن العقيقة عنه شاتان وقال مالك وقال المحلي : يحصل أصل السنة في عقيقة الذكر بشاة وكمال السنة شاتان وقال الشافعي : العقيقة في الأكل والتصدق كالأضحية ويسن طبخها ولا يكسر عظمها ا هـ .
أقول : ليس على شئ مما ذكروه من عدم الكسر والفصل من المفاصل وجمع العظام ودفنها وغير ذلك من كتاب ولا سنة ولا من عقل بل هذه الأمور خيالات شبيهة بما يقع من النساء ونحوهن من العوام مما لا يعود على فاعله بنفع دنيوي ولا ديني .
يوم سابع المولود لحديث سمرة المتقدم ولأنه لا بد من فصل بين الولادة والعقيقة فإن أهله مشغولون بإصلاح الوالدة والولد في أول الأمر فلا يكلفون حينئذ بما يضاعف شغلهم وأيضا فرب إنسان لا يجد شاة إلا بسعي فلو سن كونها في أول يوم لضاق الأمر عليهم والسبعة أيام مدة صالحة للفصل المعتد به غير الكثير .
وفيه يسمى وأحب الأسماء إلى الله تعالى عبد الله وعبد الرحمن كما في الحديث لأنهما أشهر الأسماء ولا يطلقان على غيره تعالى بخلاف غيرهما وأنت تستطيع أن تعلم من هذا سر استحباب تسمية المولود بمحمد وأحمد فإن طوائف الناس أولعوا بتسمية أولادهم بأسماء أسلافهم المعظمين عندهم وكان يكون ذلك تنويها بالدين وبمنزلة الإقرار بأنه من أهله وأصدق الأسماء همام وحارث وأخناها ملك الأملاك .
ويحلق رأسه وإماطة الأذى للتشبيه بالحاج وقد أذن رسول الله A في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة والسر فيه أن الأذان من شعائر الإسلام وإعلام الدين المحمدي ومن خاصية الأذان أن الشيطان يفر منه الشيطان يؤذي الولد في أول نشأته حتى ورد في الحديث أن استهلاله لذلك .
ويتصدق بوزنه ذهبا أو فضة لأمره A لفاطمة الزهراء عليها السلام أن تحلق شعر رأس الحسن وتتصدق بوزنه من الورق أخرجه أحمد والبيقهي وفي إسناده ابن عقيل وفيه مقال ويشهد له ما أخرجه مالك وأبو داود في المراسيل والبيهقي من حديث جعفر ابن محمد زاد البيهقي عن أبيه عن جده [ أن فاطمة وزنت شعر الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم فتصدقت بوزنه فضة ] وأخرج الترمذي والحاكم من حديث علي قال : [ عق رسول الله A عن الحسن شاة وقال : يا فاطمة احلقي رأسه وتصدقي بزنة شعره فضة فوزناه فكان وزنه درهما أوبعض درهم ] وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس قال : [ سبعة من السنة في الصبي يوم السابع يسمى ويختن ويماط عنه بالأذى ويثقب أذنه ويعق عنه ويحلق رأسه ويلطخ بدم عقيقته ويتصدق بوزنه ذهبا أو فضة ] وفي إسناده رواد بن الجراح وهو ضعيف وبقية رجاله ثقات وفي لفظه ما ينكر وهو ثقب الأذن والتلطخ بدم العقيقة وقد أخرج أبو داود والنسائي بإسناد صحيح من حديث بريدة الأسلمي قال [ كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ذبح شاة ولطخ رأسه بدمها فلما جاء الله بالإسلام كنا نذبح شاة ونحلق عائشة ] وقد ذهب الظاهرية والحسن البصري إلى وجوب العقيقة وذهب الجمهور إلى أنها سنة وذهب أبو حنيفة إلى أنها ليست فرضا ولا سنة وقيل أنها عنده تطوع *