أبو حنيفة لم يقل بحديث المصراة لأنه مخالف لقياس الأصول المعلومة وهو خبر آحاد .
المسألة الثانية عشرة : لم يقل أبو حنيفة بهذا الحديث وروى عن مالك قول أيضا بعدم القول به والذي أوجب ذلك : أنه قيل حديث مخالف لقياس الأصول المعلومة وما كان كذلك لا يلزم العمل به .
أما الأول - وهو أنه مخالف لقياس الأصول المعلومة - فمن وجوه أحدها : أن المعلوم من الأصول : أن ضمان المثليات بالمثل وضمان المتقومات بالقيمة من النقدين وههنا إن كان اللبن مثليا كان ينبغي ضمانا بمثله لبنا وإن كان متقوما ضمن بمثله من النقدين وقد وقع ههنا مضمونا بالتمر فهو خارج عن الأصلين جميعا .
الثاني : أن القواعد الكلية تقتضي أن يكون المضمون مقدر الضمان بقدر التالف وذلك مختلف فقدر الضمان مختلف لكنه قدر ههنا بمقدار واحد وهو الصاع مطلقا فخرج من القياس الكلي في اختلاف ضمان المتلفات باختلاف قدرها وصفتها .
الثالث : أن اللبن التالف إن كان موجودا عند العقد فقد ذهب جزء من المعقود عليه من أصل الخلقة وذلك مانع من الرد كما لو ذهبت بعض أعضاء المبيع ثم ظهر على عيب فإنه يمنع الرد وإن كان هذا اللبن حادثا بعد الشراء فقد حديث على ملك المشتري فلا يضمنه وإن كان مختلطا فما كان منه موجودا عند العقد منع الرد وما كان حادثا لم يجب ضمانه .
الرابع : إثبات الخيار ثلاثا من غير شرط مخالف للأصول فإن الخيارات الثابتة بأصل الشرع من غير شرط : لا تتقدر بالثلاث كخيار العيب وخيار الرؤية عند من ثبته وخيار المجلس عند من يقول به .
الخامس : يلزم من القول بظاهره : الجمع بين الثمن والمثمن للبائع في بعض الصور وهو ما إذا كانت قيمة الشاة صاعا من تمر فإنها ترجع إليه مع الصاع الذي هو مقدار ثمنها .
السادس : أنه مخالف لقاعدة الربا في بعض الصور وهو ما إذا اشترى شاة بصاع فإن استرد معها صاعا من تمر فقد استرجع الصاع الذي هو الثمن فيكون قد باع صاعا وشاة بصاع وذلك خلاف قاعدة الربا عندكم فإنكم تمنعون مثل ذلك .
السابع : إذا كان اللبن باقيا لم يكلف رده عندكم فإذا أمسكه فالحكم كما لو تلف فيرد الصاع وفي ذلك ضمان بالأعيان مع بقائها والأعيان لا تضمن بالبدل إلا مع فواتها كالغصوب وسائر المضمونات .
الثامن : قال بعضهم : إنه أثبت الرد من غير عيب ولا شرط لأن نقصان اللبن لو كان عيبا لثبت به الرد من غير تصرية ولا يثبت الرد في الشرع إلا بعيب أو شرط .
وأما المقام الثاني - وهو أن ما كان من أخبار الآحاد مخالفا لقياس الأصول المعلومة : لم يجب العمل به - فلأن الأصول المعلومة مقطوع بها من الشرع وخبر الواحد مظنون والمظنون لا يعارض المعلوم .
أجاب القائلون بظاهر الحديث : بالطعن في المقامين جميعا أعني أنه مخالف للأصول وأنه إذا خالف الأصول لم يجب العمل به .
أما المقام الأول - وهو أنه مخالف للأصول - فقد فرق بعضهم بين مخالفة الأصول ومخالفة قياس الأصول وخص الرد لخبر الواحد بالمخالفة للأصول لا بمخالفة قياس الأصول وهذا الخبر إنما يخالف قياس الأصول وفي هذا نظر