الجواب على اعتراضات أبي حنيفة .
وسلك آخرون تجريح جميع هذه الاعتراضات والجواب عنها .
أما الاعتراض الأول : فلا نسلم أن جميع الأصول تقتضي الضمان بأحد الأمرين على ما ذكرتموه فإن الحر يضمن بالإبل وليست بمثل له ولا قيمة والجنين يضمن بالغرة وليست بمثل له ولا قيمة وأيضا فقد يضمن المثلى بالقيمة إذا تعذرت المماثلة وههنا تعذرت أما الأولى : فمن أتلف شاة لبونا كان عليه قيمتها مع اللبن ولا يجعل بإزلاء لبنها لبن آخر لتعذر المماثلة وأما الثاني - وهو أنه تعذرت المماثلة ههنا - فلأن ما يرده من اللبن عوضا عن اللبن التالف لا تتحقق مماثلته له في المقدار ويجوز أن يكون أكثر من اللبن الموجود حالة العقد أو أقل .
وأما الاعتراض الثاني : فقيل في جوابه : إن بعض الأصول لا يتقدر بما ذكرتموه كالموضحة فإن أرشها مقدر مع اختلافها بالكبر والصغر والجنين مقدر أرشه ولا يختلف بالذكورة والأنوثة واختلاف الصفات والحر ديته مقدرة وإن اختلف بالصغر والكبر وسائر الصفات والحكمة فيه : أن ما يقع فيه التنازع والتشاجر يقصد قطع النزاع فيه بتقديره بشيء معين وتقدم هذه المصلحة في مثل هذا المكان على تلك القاعدة .
وأما الاعتراض الثالث : فجوابه أن يقال : متى يمتنع الرد بالنقص : إذا كان النقص لاستعلام العيب أو إذا لم يكن ؟ الأول : ممنوع والثاني : مسلم وهذا النقص لاستعلام العيب فلا يمنع الرد .
وأما الاعتراض الرابع : فإنما يكون الشيء مخالفا لغيره إذا كان مماثلا له وخولف في حكمه وههنا هذه الصورة انفردت عن غيرها لأن الغالب : أن هذه المدة هي التي يتبين بها لبن الخلقة المجتمع بأصل الخلفة المجتمع بأصل الخلقة واللبن المجتمع بالتدليس فهي مدة يتوقف علم الغيب عليها غالبا بخلاف خيار الرؤية والعيب فإنه يحصل المقصود من غير هذه المدة فيهما وخيار المجلس ليس لاستعلام عيب .
وأما الاعتراض الخامس : فقد قيل فيه : إن الخبر وارد على العادة والعادة : أن لا تباع شاة بصاع وفي هذا ضعف وقيل : إن صاع التمر بدل عن اللبن لا عن الشاة فلا يلزم الجمع بين العضو والمعوض .
وأما الاعتراض السادس : فقد قيل في الجواب عنه : إن الربا إنما يعتبر في العقود لا في الفسوخ بدليل أنهما لو تبايعا ذهبا بفضة لم يجز أن يفترقا قبل القبض ولو تقاتلا في هذا العقد لجاز أن يفترقا قبل القبض .
وأما الاعتراض السابع : فجوابه فيما قيل : إن اللبن الذي كان في الضرع حال العقد يتعذر رده لاختلاطه باللبن الحادث بعد العقد وأحدهما للبائع والآخر للمشتري وتعذر الرد لا يمنع من الضمان مع بقاء العين كما لو عصب عبدا فأبق فإنه يضمن قيمته مع بقاء عينه لتعذر الرد .
وأما الاعتراض الثامن : فقيل فيه : إن الخيار يثبت بالتدليس كما لو باع رحا دائرة بماء قد جمعه لها ولم يعلم به .
وأما المقام الثاني - وهو النزاع في تقديم قياس الأصول على خبر الواحد - فقيل فيه : إن خبر الواحد أصل بنفسه يجب اعتباره لأن الذي أوجب اعتبار الأصول : نص صاحب الشرع عليها وهو موجود في خبر الواحد فيجب اعتباره وأما تقديم القياس على الأصول باعتبار القطع وكون خبر الواحد مظنونا : فتناول الأصل لمحل خبر الواحد غير مقطوع به لجواز استثناء محل الخبر من ذلك الأصل .
وعندي : أن التمس بهذا الكلام أقوى من التمسك بالاعتذارات عن المقام الأول .
ومن الناس من سلك طريقة أخرى في الاعتذار عن الحديث وهي ادعاء النسخ وأنه يجوز أن يكون ذلك من حيث كانت العقوبة بالمال جائزة وهو ضعيف فإنه إثبات نسخ بالاحتمال والتقدير وهو غير سائغ ومنهم من قال : يحمل الحديث على ما إذا اشترى شاة بشرط أنها تحلب خمسة أرطال مثلا وشرط الخيار فالشرط باطل فاسد فإن اتفقا على إسقاطه في مدة الخيار صح العقد وإن لم يتفقا بطل وأما رد الصاع : فلأنه كان قيمة اللبن في ذلك الوقت .
وأجيب عنه : بأن الحديث يقتضي تعليق الحكم بالتصرية وما ذكر يقتضي تعليقه بفساد الشرط سواء أحدث التصرية أم لا