الاختلاف في علة النهي و ما ينبني عليه .
الرابع : اختلفوا في علة هذا النهي من حيث المعنى و الظاهر أنه لإظهار الاحترام و التعظيم للقبلة لأنه معنى مناسب ورد الحكم على وفقه فيكون علة له وأقوى من هذا في الدلالة على هذا التعليل : ما روي من حديث سلمة بن وهرام عن سراقة بن مالك عن رسول الله A : [ إذا أتى أحدكم البراز فليكرم قبلة الله عز و جل و لايستقبل القبلة ] وهذا ظاهر قوي في التعليل بما ذكرناه ومنهم من علل بأمر آخر فذكر عيسى بن أبي عيسى قال : قلت للشعبي - هو بفتح الشين المعجمة و سكون العين المهملة - عجبت لقول أبي هريرة و نافع عن ابن عمر قال : وما قالا ؟ قلت : قال أبو هريرة لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها وقال نافع عن ابن عمر رأيت النبي A ذهب مذهبا مواجه القبلة قال : أما قول أبي هريرة : ففي الصحراء إن لله خلقا من عباده يصلون في الصحراء فلا تستقبلوهم ولا تستدبروهم و أما بيوتكم هذه التي تتخذونها للنتن فإنه لا قبلة لها وذكر الدارقطني : أن عيسى هذا ضعيف وينبني على هذا الخلاف في التعليل اختلافهم فيما إذا كان في الصحراء فاستتر بشيء هل يجوز الاستقبال و الاستدبار أم لا ؟ .
فالتعليل باحترام القبلة يقتضي المنع والتعليل برؤية المصلين يقتضي الجواز .
الخامس : قوله صلى الله عليه و سلم : [ إذا أتيتم الخلاء فلا تستقبلوا القبلة ] الحديث يقتضي أمرين : أحدهما : ممنوع منه والثاني : علة لذلك المنع وقد تكلمنا عن العلة و الكلام الآن على محل العلة فالحديث دل على المنع من استقبالها لغائط أو بول وهذه الحالة تتضمن أمرين : أحدهما : خروج الخارج المستقذر و الثاني : كشف العورة فمن الناس من قال : المنع للخارج لمناسبته لتعظيم القبلة عنه ومنهم من قال : المنع لكشف العورة وينبني على هذا الخلاف : خلافهم في جواز الوطء مستقبل القبلة مع كشف العورة فمن علل بالخارج أباحه إذ لا خارج و من علل بالعورة منعه