الفرق بين السهو والنسيان .
ورابعها : الفرق بين السهو والنسيان فإن النبي A كان يسهو ولا ينسى ولذلك نفى عن نفسه النسيان لأنه غفلة ولم يغفل عنها وكان شغله عن حركات الصلاة وما في الصلاة : شغلا بها لا غفلة عنها ذكره القاضي عياض .
وليس في هذا تخليص للعبارة عن حقيقة السهو والنسيان مع بعد الفرق بينهما في استعمال اللغة وكأنه متلوح في اللفظ : أن النسيان عدم الذكر لأمر لا يتعلق بالصلاة والسهو عدم الذكر لأمر يتعلق بها ويكون النسيان الإعراض عن تفقد أمورها حتى يحصل عدم الذكر لا لأجل الإعراض وليس في هذا - بعد ما ذكرناه - تفريق كلي بين السهو والنسيان .
وخامسها : ما ذكره القاضي عياض : انه ظهر له ما هو أقرب وجها وأحسن تأويلا وهو أنه إنما أنكر A نسبة النسيان المضاف إليه وهو الذي نهى عنه بقوله [ بئسما لأحدكم أن يقول : نسيت كذا ولكنه نسي ] وقد روي [ إني لا أنسى ] على النفي [ ولكني أنسي ] على النفي وقد شك الراوي - على رأي بعضهم - في الرواية الأخرى : هل قال أنسي أو أنسى وأن أو هناك للشك وقيل : بل للتقسيم وأن هذا يكون منه مرة من قبل شغله وسهوه ومرة يغلب على ذلك ويجبر عليه ليسن فلما سأله السائل بذلك اللفظ أنكره وقال له [ كل ذلك لم يكن ] وفي الرواية الأخرى [ لم أنس ولا تقصر ] أما القصر : فبين وكذلك لم أنس حقيقة من قبل نفسي وغفلتي عن الصلاة ولكن الله نساني لأسن .
واعلم أنه قد ورد في الصحيح من حديث ابن مسعود : أن النبي صلى لله عليه وسلم قال [ إنه لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به ولكن إنما أنا بشر أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني ] وهذا يعترض ما ذكره القاضي من أنه A أنكر نسبة النسيان إليه فإنه A قد نسب النسيان إليه في حديث ابن مسعود مرتين وما ذكره القاضي عياض من أنه A [ نهى أن يقال : نسيت كذا ] الذي أعرفه فيه بئسما لأحدكم أن يقول : نسيت آية كذا وهذا نهي عن إضافة نسيت إلى الآية وليس يلزم من النهي عن إضافة النسيان إلى الآية : النهي عن إضافته إلى كل شيء فإن الآية من كلام الله تعالى المعظم يقبح بالمرء المسلم أن يضيف إلى نفسه نسيان كلام الله تعالى وليس هذا المعنى موجودا في كل ما يناسب إليه النسيان فلا يلزم مساواة غير الآية لها .
وعلى كل تقدير : لو لم يظهر مناسبة لم يلزم من النهي عن الخاص النهي عن العام وإذا لم يلزم ذلك لم يلزم أن يكون قول القائل نسيت - الذي أضافه إلى عدد الركعات - داخلا تحت النهي فينكر والله أعلم .
ولما تكلم بعض المتأخرين على هذا الوضع ذكر : أن التحقيق في الجواب عن ذلك : أن العصمة إنما تثبت في الإخبار عن الله في الأحكام وغيرها .
لأنه الذي قامت عليه المعجزة وأما إخباره عن الأمور الوجودية : فيجوز عليه النسيان هذا أو معناه .
وأما البحث المتعلق بأصول الفقه : فإن بعض من صنف في ذلك احتج به على جواز الترجيح بكثرة الرواة من حيث إن النبي A طلب إخبار القوم بعد إخبار ذي اليدين وفي هذا بحث .
وأما البحث المتعلق بالفقه : فمن وجوه .
أحدها : أن نية الخرج من الصلاة وقطعها إذا كانت بناء على ظن التمام لا يوجب بطلانها .
الثاني : أن السلام سهوا لا يبطل الصلاة .
الثالث : استدل به بعضهم على أن كلام الناسي لا يبطل الصلاة و أبو حنيفة يخالف فيه