باب الأذان .
لغة الأعلام قال تعالى : { وأذن في الناس بالحج } أي أعلمهم به يقال : أذن بالشىء يؤذن أذانا وتأذينا وأذينا كعليم إذا أعلم به فهو اسم وضع موضع المصدر وأصله من الأذن وهو الاستماع كأنه يلقى في آذان الناس ما يعلمهم به وشرعا اعلام بدخول وقت الصلاة أو اعلام أو قربه أي وقتها كفجر فقط والإقامة مصدر قام وحقيقته : اقامة القاعد فكأن المؤذن إذا أتى بألفاظ الاقامة أقام القاعدين وأزالهم عن قعودهم وشرعا اعلام بالقيام اليها أي الصلاة بذكر مخصوص فيهما أي الاذان والاقامة ويطلقان على نفس الذكر المخصوص وهو أي الأذان أفضل منها أي الاقامة لأنه أكثر ألفاظا وأبلغ في الإعلام و الأذان أفضل أيضا من الامامة لحديث أبي هريرة مرفوعا [ الامام ضامن والمؤذن مؤتمن اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين ] رواه أحمد و أبو داود و الترمدي والامانة أعلى من الضمان والمغفرة أعلى من الارشاد وإنما لم يتول النبي A وخلفاؤه من بعده الاذان لضيق وقتهم قال عمر : لولا الخلافة لأذنت ويشهد لفضل الاذان : قوله A [ المؤذن أطول الناس أعناقا يوم القيامة ] رواه مسلم وقوله [ من أذن سبع سنين محتسبا كتبت له براءة من النار ] رواه ابن ماجه وأحاديث الباب كثيرة والأصل في مشروعيته ما [ روى أنس قال : لما كثر الناس ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشيء يعرفونه فذكروا أن يوقدوا نارا أو يضربوا ناقوسا فأمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الاقامة ] متفق عليه وحديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه رواه أحمد وغيره وسن أذان في يمين اذن مولود ذكر أو أنثى حين يولد و سن إقامة في الاذن اليسرى لخبر ابن السني مرفوعا [ من ولد له مولود فأذن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى لم تضره أم الصبيان ] أي التابعة من الجن وروى الترمذي أنه A [ أذن في اذن الحسن حين ولدته أمه فاطمة ] وقال : حسن صحيح وليكون اعلامه بالتوحيد أول ما يقرع سمعه عند قدومه الى الدنيا كما يلقن عند خروجه منها ولأنه يطرد الشيطان عنه لأنه يدبر عند سماع الأذان وفي مسند رزين أنه A [ قرأ في اذن مولود سورة الاخلاص ] قال في شرحه : والمراد أذنه اليمنى وهما أي الأذان والاقامة فرض كفاية لحديث [ إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم ] متفق عليه والأمر يقتضي الوجوب وعن أبي الدرداء مرفوعا [ ما من ثلاثة لا يؤذن ولا تقام فيهم الصلاة الا استحوذ عليهم الشيطان ] رواه أحمد و الطبراني ولأنهما من شعائر الاسلام الظاهرة كالجهاد ولا يشرعان لكل من في المسجد بل تكفيهم المتابعة وتحصل لهم الفضيلة كقراءة الامام قراءة للمأموم ل صلوات الخمس دون المنذورة وغيرها المؤداة لا المقتضيات والجمعة عطف على الخمس قال في المبدع : ولا يحتاج اليه لدخولها في الخمس وإنما لم يفرضا في غيرها لأن المقصود منهما : الإعلام بوقت الصلاة المفروضة على الأعيان والقيام إليها وهذا لا يوجد في غيرها على الرجال اثنين فأكثر لا الواحد ولا النساء ولا الخناثى الأحرار لا الارقاء والمبعضين اذ فرض الكفاية لا يلزم رقيقا لاشتغالهم بخدمة مالكهم أي في الجملة وإلا فالظاهر وجوب نحو رد سلام وتغسيل ميت وصلاة على رقيق لم يوجد غيره وقد صرحوا بتعيين أخذ اللقيط عليه اذا لم يوجد غيره حضرا في القرى والامصار ومن صلى بلا أذان ولا اقامة صحت لكن ذكر الخرقي وغيره : ويكره وان اقتصر مسافر أو منفرد على الاقامة لم يكره ويسنان أي الأذان والاقامة لمنفرد لحديث عقبة بن عامر مرفوعا [ يعجب ربك من راعي غنم في رأس الشظية للجبل يؤذن للصلاة ويصلي فيقول الله D : انظروا الى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة يخاف مني أشهدكم أني قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة ] رواه النسائي و يسنان أيضا سفرا [ لقوله A لمالك بن الحويرث ولابن عم له إذا سافرتما فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما ] متفق عليه و يسنان أيضا لمقضية من الخمس لحديث [ عمرو بن أمية الضمري قال : كنا مع النبي A في بعض أسفاره فنام عن الصبح حتى طلعت الشمس فاستيقظ فقال : تنحوا عن هذا المكان ثم أمر بلالا فأذن ثم توضأ وصلى ركعتي الفجر ثم أمر بلالا فأقام الصلاة فصلى بهم صلاة الصبح ] رواه أبو داود ولا يرفع صوته ان خاف تلبيسا كما لو أذن في غير وقت الأذان و يكرهان أي الأذان والاقامة لخناثى ونساء ولو كان الأذان والاقامة منهما بلا رفع صوت لأنهما وظيفة الرجال ففيه نوع تشبه بهم قال في الفروع : ويتوجه في التحريم جهرا الخلاف في قراءة وتلبية انتهى ويأتي : لا يصحان منهما ولا ينادى بأذان ولا غيره ل صلاة جنازة وتراويح نصا لأنه لم ينقل بل ينادي لعيد الصلاة جامعة أو الصلاة قياسا على الكسوف وفيه نظر لحديث ابن عباس وجابر [ لم يكن يؤذن يوم الفطر حين خروج الامام ولا بعدما يخرج ولا اقامة ولا نداء ولا شيء ] متفق عليه و ينادي لصلاة كسوف لأنه في الصحيحين و ينادي أيضا لصلاة استسقاء بأن يقال : الصلاة جامعة بنصب الأول على الاغراء والثاني على الحال وفي الرعاية : بنصبهما ورفعهما أو يقال الصلاة بالنصب على الأول أو به وبالرفع على الثاني وكره النداء في عيد وكسوف واستسقاء بحي على الصلاة ذكره ابن عقيل وغيره ويقاتل أهل بلد تركوهما أي الأذان والاقامة لأنهما من شعائر الاسلام الظاهرة كالعيد فيقاتلهم الامام أو نائبه وإذا قام بهما من يحصل به الاعلام غالبا ولو واحدا أجزأ عن الكل نصا ومن صلى بلا أذان ولا اقامة صحت صلاته لما روى الأثرم عن علقمة والأسود أنهما قالا : دخلنا على عبد الله بن مسعود فصلى بنا بلا أذان ولا إقامة واحتج به أحمد لكن يكره ذكره الخرقي وغيره وذكر جماعة : إلا بمسجد قد صلى فيه وإن اقتصر مسافر أو منفرد على الاقامة لم يكره وتحرم الأجرة أي أخذها عليهما أي على الأذان والاقامة لقوله A لعثمان بن أبي العاص [ واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا ] رواه أحمد و أبو داود و الترمذي وحسنه وقال : العمل على هذا عند أهل العلم والاقامة كأذان معنى وحكما فإن لم يوجد متطوع بأذان وإقامة رزق الأمام من بيت المال من مال الفيء من يقوم بهما لآن بالمسلمين حاجة إليهما وهدا المال معد للمصالح كأرزاق القضاة وعلم منه : أنه اذا وجد المتطوع لم يعط غيره شيئا من ذلك لعدم الحاجة اليه وشرط بالبناء للمجهول : في المؤذن ثلاثة شروط كونه مسلما ولا يعتد بأذان كافر لعدم النية وكونه ذكرا فلا يعتد بأذان أنثى وخنثى قال جماعة : ولا يصح لأنه منهي عنه كالحكاية وكونه عاقلا فلا يصح من مجنون كسائر العبادات وبصير اولى بالأذان من أعمى لأنه يؤذن عن يقين بخلاف الأعمى فربما غلط في الوقت ومثله عارف بالوقت مع جاهل به وعلم منه : صحة أذان أعمى لأن ابن أم مكتوم كان يؤذن للنبي A قال ابن عمر : وكان رجلا أعمى لا ينادي بالصلاة حتي يقال : أصبحت أصبحت رواه البخاري ويستحب أن يكون معه بصير كما كان ابن أم مكتوم يؤذن بعد بلال قاله في الشرح وسن كونه أي المؤذن صيتا أي رفيع الصوت [ لقوله A لعبد الله بن زيد ألقه على بلال فإنه أندى صوتا منك ] ولأنه أبلغ في الاعلام المقصود بالأذان وسن أيضا كونه أمينا لحديث [ أمناء الناس على صلاتهم وسحورهم المؤذنون ] رواه البيهقي من طريق يحيى .
بن عبد الحميد وفيه كلام و سن أيضا كونه عالما بالوقت ليؤمن خطؤه ويقدم مع التشاح بين اثنين فأكثر في الأذان الأفضل في ذلك المذكور من الخصال لأنه A [ قدم بلالا على عبد الله بن زيد ] لأنه أندى صوتا منه وقد أبا محذورة لصوته وقيس عليه باقي الخصال ثم يقدم ان استووا في الخصال المذكورة الافضل في دين وعقل لحديث ابن عباس مرفوعا [ ليؤذن لكم خياركم ] رواه أبو داود وغيره ثم يقدم مع التساوي في جميع ما تقدم من يختاره أكثر الجيران المصلين لأن الأذان لاعلامهم ولأنهم أعلم بمن يبلغهم صوته ومن هو أعف نظرا ثم مع التساوي أيضا في رضى الجيران يقرع فمن خرجت له القرعة قدم لحديث لو يعلم الناس ما في الاذان يوم القادسية أقرع بينهم سعد ويكفي مؤذن في المصر بلا حاجة الى زيادة نصا ولا يستحب الزيادة على اثنين وقال القاضي : على أربعة لفعل عثمان الا من حاجة والأولى أن يؤذن واحد بعد واحد ويزاد مع الحاجة أكثر بأن لم يحصل الاعلام بواحد بقدرها أي الحاجة كل واحد في جانب أو دفعة واحد ويقيم الصلاة من يكفي في الاقامة ويقدم من أذن أولا وهو أي الأذان خمس عشرة كلمة أي جملة بلا ترجيع للشهادتين بأن يخفض بهما صوته ثم يعيدهما رافعا بهما صوته فيكون التكبير في أوله أربعا قال الأثرم : سمعت أبا عبد الله سئل : إلى أي الأذان تذهب ؟ فقال : إلى أذان بلال فقيل له : أليس حديث أبي محذورة بعد حديث عبد الله بن زيد ؟ لأن حديث أبي محذورة بعد فتح مكة فقال : أليس قد رجع النبي A إلى المدينة وأقر بلالا على أذان عبد الله بن زيد ؟ وهي أي الاقامة احدى عشرة جملة بلا تثنية لحديث عبد الله بن زيد و [ لقول ابن عمر إنما كان الاذان على عهده A مرتين مرتين والاقامة مرة مرة الا أنه يقول : قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة ] رواه أحمد و أبو داود و النسائي وأما حديث أنس [ أمر بلال أن يشفع الاذان ويوتر الاقامة ] متفق عليه ففيه اجمال فسره ما سبق ويباح ترجيعه أي الأذان لحديث أبي محذورة و يباح تثنيتها أي الاقامة لحديث الترمذي عن عبد الله بن زيد [ كان أذان النبي A شفعا في الأذان والاقامة ] فالإختلاف في الأفضل وسن أذان أول الوقت ليصلي المتعجل وظاهره : أنه يجوز مطلقا ما دام الوقت ويتوجه سقوط مشروعيته بفعل الصلاة ذكره في المبدع و سن ترسل فيه أي تمهل في الأذان وتأن فيه من قولهم : جاء فلان على رسله و سن حدرها أي إسراع اقامة لقوله A لبلال [ إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فاحدر ] رواه الترمذي وقال : اسناده مجهول وروى أبو عبيد عن عمر أنه قال للمؤذن : إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فاحدر وأصل الحدر في الشيء : الاسراع ولأن الأذان اعلام الغائبين فالتثبت فيه أبلغ في الاعلام والاقامة اعلام الحاضرين فلا حاجة فيها له و يسن فيهما الوقف على كل جملة قال ابراهيم النخعي : شيئان مجزومان كانوا لا يعربونهما : الأذان والاقامة وقال أيضا : الاذان جزم ومعناه : استحباب تقطيع الكلمات لا لوقف على كل جملة تتمة لا يصح الاذان بغير العربية مطلقا و يسن قول مؤذن الصلاة خير من النوم مرتين بعد حيعلة اذان الفجر وظاهره : ولو قبل طلوعه لقوله A لأبي محذورة [ فإذا كان أذان الفجر فقل : الصلاة خير من النوم مرتين ] رواه أحمد و أبوداود والحيعلة : قول حي على الصلاة حي على الفلاح ويسمي قوله الصلاة خير من النوم التثويب من ثاب اذا رجع لأن المؤذن دعا الى الصلاة بالحيعلتين ثم دعا اليها بالتثويب ويكره التثويب في غير أذان فجر وبين الأذان والاقامة والنداء بالصلاة بعد الاذان ونداء الأمير بعد الاذان وهو قوله : الصلاة يا أمير المؤمنين ونحوه لأنه بدعة وكذا قوله قبله { وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا } الآية ووصله بعده بذكر ذكره في العمدة وقوله قبل الاقامة : اللهم صل على محمد ونحوه وكذا ما يفعل قبل الفجر من التسبيح والنشيد والدعاء ولا بأس بالنحنحة قبلهما و يسن كونه قائما فيهما أي الأذان والاقامة لقوله A لبلال [ قم فاذن ] وكان مؤذنو النبي A يؤذنون قياما والاقامة أحد الاذانين فيكرهان أي الأذان والاقامة قاعدا أي من قاعد لغير مسافر ومعذور لمخالفة السنة وكذا راكبا وماشيا ومضطجعا وصحا من نحو قاعد لأنهما ليسا بآكد من الخطبة و يسن كونه في الأذان وإلاقامة متطهرا من الحدثين لحديث أبي هريرة مرفوعا [ لا يؤذن الا متوضىء ] رواه الترمذي و البيهقي وروي موقوفا عن أبي هريرة وهو أصح والاقامة آكد من الاذان لأنها أقرب إلى الصلاة فيكره أذان جنب لا محدث نصا و تكره اقامة محدث للفصل بين الاقامة والصلاة بالوضوء و يسن كون أذان واقامة على علو أي موضع عال كمنارة لأنه أبلغ في الاعلام وروي عن امرأة من بني النجار قالت : كان بيتي من أطول بيت حول المسجد وكان بلال يؤذن عليه الفجر فيأتي بسحر فيجلس على البيت فينتظر الى الفجر فإذا رآه تمطى ثم قال : اللهم إنى أستعينك وأستهديك على قريش أن يقيموا دينك قالت : ثم يؤذن رواه أبوداود و يسن كونه رافعا وجهه الى السماء في أذانه كله ويسن أيضا كونه جاعلا سبابتيه في أذنيه لقول أبي جحيفه إن بلالا وضع إصبعيه في أذنيه رواه أحمد و الترمذي وقال : حسن صحيح وعن سعد القرظ أن رسول الله A [ أمر بلالا أن يجعل إصبعيه في أذنيه وقال : إنه أرفع لصوتك ] رواه ابن ماجه و يسن أيضا كونه مستقبل القبلة لفعل مؤذني النبي A فإن أخل به كره و يسن كونه يتلفت برأسه وعنقه وصدره يمينا لحي على الصلاة وشمالا لحي على الفلاح في الأذان والاقامة ولا يزيل قدميه لقول أبي جحيفة قال : رأيت بلالا يؤذن فجعلت أتتبع فاه ههنا وههنا يقول يمينا وشمالا : حي على الصلاة حي على الفلاح متفق عليه وسواء كان على منارة أوغيرها و سن أيضا أن يتولاهما أي الأذان والاقامة رجل واحد أي أن يتولى الاقامة من يقول الاذان لما في حديث زياد بن الحرث الصدائي حين أذن قال : فأراد بلال أن يقيم فقال النبي A : يقيم أخو صداء فإنه من أذن فهو يقيم رواه أحمد و أبوداود وكالخطبتين ويسن أيضا كونهما بمحل واحد بأن يقيم بالوضع الذي أذن فيه لقول بلال للنبي A لا تسبقني بآمين لأنه لو كان يقيم بالمسجد لما خاف أن يسبقه بها كذا استنبطه أحمد واحتج به ولقول ابن عمركنا اذا سمعنا الاقامة توضأنا ثم خرجنا إلى الصلاة ولأنه أبلغ في الاعلام وكالخطبة الثانية ما لم يشق ذلك على المؤذن كمن أذن في منارة أو كان بعيدا عن المسجد فيقيم فيه لئلا يفوته بعض الصلاة لكن لا يقيم إلا بإذن الامام ولا تعتبر الموالاة بين الاقامة والصلاة إن أقام عند ارادة الدخول فيها ويجوز الكلام بعد الاقامة قبل الدخول في الصلاة وروي عن عمر و يسن أيضا أن يجلس مؤذن بعد أذان ما أي صلاة يسن تعجيلها كمغرب جلسة خفيفة ثم يقيم الصلاة لحديث أبي ابن كعب مرفوعا [ يا بلال اجعل بين أذانك وإقامتك نفسا يفرغ الآكل من طعامه في مهل ويقضي حاجته في مهل ] رواه عبد الله بن أحمد وعن جابر أن النبي A قال لبلال [ اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله والشارب من شربه والمقتضي إذا دخل لقضاء حاجته ] رواه أبو داود و الترمذي وليتمكن الآكل من نحو إدراك الصلاة مع الامام ولا يصح الأذان إلا مرتبا لأنه ذكر يعتد به فلم يجز الإخلال بنظمه كأركان الصلاة متواليا عرفا ليحصل الاعلام ولأن مشروعيته كانت كذلك فإن تكلم في أثناء أذانه وإقامته ب كلام محرم كقذف وغيبة بطل لأنه فعل محرما فيه فكما لو ارتد في أثنائه لا بعده ولا بجنونه إن أفاق سريعا وأتمه أو سكت سكوتا طويلا بطل للاخلال بالموالاة وكذا ان أغمي عليه أو نام طويلا وكره في أثنائه كلام يسير غيره أي غير محرم وصحح في الانصاف برد السلام بلا كراهة و كره أيضا في أثنائه سكوت يسير بلا حاجة إليه وكذا أقامة ولا يصح الأذان أيضا إلا منويا لحديث [ إنما الأعمال بالنيات ] من شخص واحد فلو أذن واحد بعضه وكمله آخر لم يصح قال في الانصاف : بلا خلاف أعلمه عدل لأنه A وصف المؤذنين بالأمانة والفاسق غير أمين وأما مستور الحال فيصح اذانه قال في الشرح : بغيرخلاف علمناه ولا يصح الأذان أيضا لغير فجر إلا في الوقت لحديث [ إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ] ولأنه شرع للاعلام بدخول الوقت ويصح الأذان لفجر بعد نصف الليل لحديث [ ان بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ] متفق عليه وليتهيأ جنب ونحوه ليدرك فضيلة أول الوقت ويكره أذان الفجر في رمضان قبل طلوع فجر ثان ان لم شذن له بعده لئلا يغر الناس فيتركوا سحورهم ويستحب لمن أذن قبل الفجر أن يكون معه من يؤذن في الوقت للخبر وأن يتخذ ذلك عادة لئلا يغتر الناس ورفع الصوت بأذان ركن ليحصل السماع المقصود للاعلام ما لم يؤذن لحاضر فبقدر ما يسمعه وإن شاء رفع صوته وهو أفضل وان خافت بالبعض جاز ويستحب رفع صوته قدر طاقته ما لم يؤذن لنفسه وتكره الزيادة فوق الطاقة ومن جمع بين صلاتين أذن للأولى وأقام لكل منهما سواء كان الجمع تقديما أو تأخيرا لحديث جابر مرفوعا [ جمع بين الظهر والعصر بعرفة وبين المغرب والعشاء بمزدلفة بأذان وإقامتين ] رواه مسلم أو قضى فوائت أذن للأولى وأقام للكل لحديث أبى عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه [ إن المشركين يوم الخندق شغلوا النبي A عن اربع صلوات حتى ذهب من الليل ما شاء الله فأمر بلالا فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ثم أقام فصلى المغرب ثم أقام فصلى العشاء ] رواه الترمذي و النسائي ولفظه له وقال : ليس باسناده بأس الا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه ويجزي أذان مميز لبالغين لقول عبد الله بن أبي بكر بن أنس كان عمومتي يأمرونني أن أؤذن لهم وأنا غلام لم أحتلم وأنس بن مالك شاهد لم ينكر ذلك وكالبالغ و لا يجزىء أذان فاسق ظاهر الفسق لما تقدم و لا اذان خنثى مشكل لاحتمال ان يكون أنثى فإن اتضحت ذكوريته صح و لا أذان امرأة للنهي عن رفع صوتها فيخرج عن كونه قربة فيصير كالحكاية ويكره أذان ملحنا بأن يطرب فيه يقال : لحن في قراءته إذا أطرب بها وغرد قال أحمد : كل شىء محدث أكرهه كالتطريب ويصح لحصول المقصود به و يكره الأذان ايضا ملحونا لحنا لا يحيل المعنى كرفع تاء الصلاة أو نصبها أوحاء الفلاح و يكره الأذان أيضا من ذي لثغة فاحشة كالملحون وأولى فإن لم يفحش لم يكره وبطل الأذان إن أحيل المعنى باللحن أو اللثغة مثال الأول : مد همزة الله أو أكبر أو بائه ومثال الثاني : ابدال الكاف قافا أوهمزة لحديث أبي هريرة مرفوعا [ لا يؤذن لكم من يدغم قلنا : كيف يقول ؟ قال : يقول أشهد أن لا اله الا الله أشهد أن محمدا رسول الله ] أخرجه الدارقطني في الأفراد وفيه إسقاط الهاء من من كلمة الله ويحرم أن يؤذن غير الراتب بلا اذنه الا أن خيف فوت وقت التأذين ومتى جاء وقد أذن قبله أعاده استحبابا ويسن لمؤذن متابعة قوله سرا بمثله ليجمع بين إجراء الأذان والمتابعة و سن أيضا لB سامعه أي المؤذن متابعة قوله سرا : لحديث عمر مرفوعا [ إذا قال المؤذن : الله أكبر الله أكبر فقال : أحدكم الله أكبر الله أكبر ثم قال أشهد أن لا اله الا الله فقال : أشهد أن لا إله إلا الله ثم قال : أشهد أن محمدا رسول الله فقال : أشهد أن محمدا رسول الله ثم قال : حي على الصلاة فقال : لا حول ولا قوة الا بالله ثم قال : حي على الفلاح فقال : لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال : الله أكبر الله أكبر فقال الله أكبر الله أكبر ثم قال : لا إله إلا الله فقال : لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة ] رواه مسلم ولو سمع مؤذنا ثانيا و مؤذنا ثالثا حيث استحب ولم يكن صلى جماعة لعموم الخبر فإن صلى كذلك لم يجب لأنه ليس مدعوا بهذا الأذان ذكره في المبدع و سن أيضا لمقيم الصلاة متابعة قوله سرا ليجمع بين أجرهما و سن أيضا لB سامعه أي المقيم ولو كان السامع لأذان أو اقامة في طواف أو قراءة أو كان السامع لمفهوم امرأة الخبر متابعة قوله أي المؤذن والمقيم سرا بمثله أي مثل قوله و لا تسن الاجابة مصل لاشتغاله بها فإن أجاب بطلت بلفظ الحيعلة وصدقت وبررت في التثويب لأنه خطاب آدمي و لا لB متخل لاشتغاله بقضاء حاجته ويقضيانه أي يقضي المصلي والمتخلي ما فاتهما اذا فرغا وخرج المتخلي من الخلاء لزوال المانع الا في الحيعلة فيقولان أي المؤذن وسامعه أو المقيم وسامعه لا حول ولا قوة إلا بالله للخبر ولأن حي على الصلاة حي على الفلاح : خطاب فاعادته عبث بل سبيله الطاعة وسؤال الحول والقوة ومعناهما : اظهار العجز وطلب المعونة منه في كل الأمور وهو حقيقة العبودية و الا في التثويب وهو قول : الصلاة خير من النوم في أذان فجر فيقولان صدقت وبررت بكسر الراء الآولى و الا في لفظ الأقامة وهو قول المقيم : قد قامت الصلاة فيقول هو وسامعه أقامها الله وأدامها لما روى أبو داود عن بعض أصحاب النبي A [ أن بلالا أخذ في الاقامة فلما أن قال : قد قامت الصلاة قال النبي A : أقامها الله وأدامها ] وقال في سائر الاقامة كنحو حديث عمر في الأذان ثم يصلي على النبي A إذا فرغ ويقول : اللهم رب هذه الدعوة بفتح الدال أي دعوة الأذان التامة لكمالها وعظم موقعها وسلامتها من نقص يتطرق اليها ولأنها ذكر الله تعالى يدعى بها إلى طاعة والصلاة القائمة أي التي ستقوم آت محمدا الوسيلة منزلة عند الملك وهي منزلة في الجنة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته وهو الشفاعة العظمى في موقف القيامة لأنه يحمده فيه الاولون والآخرون والحكمة في سؤال ذلك مع كونه محقق الوقوع بوعد الله تعالى : اظهار كرامته وعظم منزلته وقد وقع في الحديث منكرا تأدبا مع القرآن فقوله : الذي وعدته نصب على البدلية أو على اضمار فعل ورفع على انه خبر مبتدأ محذوف والأصل قي ذلك حديث ابن عمرو مرفوعا [ إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشر ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا ينبغي أن تكون إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة ] رواه مسلم ولحديث البخاري وغيره عن جابر مرفوعا [ من قال حين يسمع النداء : اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة ] ثم يدعو هنا أي بعد الاذان لحديث أنس مرفوعا [ الدعاء لا يرد بين الأذان والاقامة ] رواه أحمد وغيره وحسنه الترمذي و يدعو عند إقامة فعله أحمد ورفع يديه ويقول عند أذان المغرب اللهم هذا اقبال ليلك وادبار نهارك وأصوات دعاتك فاغفر لي للخبر ويحرم خروجه أي خروج من وجبت عليه صلاة اذن لها مع صحتها منه إذن من مسجد بعده أي الأذان قبلها بلا عذر أو نية رجوع الى المسجد للخبر فإن كان لفجر قبل وقته أو لعذر أو بنية رجوع قبل فوت الجماعة لم يحرم ولا بأس بأذان على سطح بيت قريب فإن بعد كره لأنه يقصد فيغتر به من لا يعرف المسجد فيضيع ويستحب ان لا يقوم عند الأخذ في الأذان بل يصبر قليلا لئلا يتشبه بالشيطان