باب الصلح وأحكام الجوار .
وهو لغة التوفيق والسلم بفتح السين وكسرها وهو ثابت بالإجماع لقوله تعالى : { والصلح خير } وحديث أبي هريرة مرفوعا [ الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما ] رواه أبوداود و الترمذي وقال حسن صحيح وصححه الحاكم و الصلح خمسة أنواع أحدها يكون بين مسلمين وأهل حرب وتقدمت أقسامه في الجهاد و الثاني بين أهل عدل و أهل بغي ويأتي في قتال أهل البغي و الثالث بين زوجين خيف شقاق بينهما أو خافت الزوجة اعراضه أي الزوج عنها ويأتي في عشرة النساء و الرابع بين متخاصمين في غير مال والخامس بين متخاصمين فيه وهو أي الصلح فيه أي المال معاقدة يتوصل بها إلى موافقة بين مختلفين فيه وهذا النوع هو المبوب له وهو أي الصلح في مال قسمان صلح على إقرار وصلح على إنكار وهو أي الصلح على إقرار نوعان نوع يقع على جنس الحق مثل أن يقر جائز التصرف له أي لمن يصح تبرعه بدين معلوم أو يقر له بعين بيده فيضع المقر له عن المقر بعض الدين كنصفه أو ثلثه أو ربعه أو يهب له البعض من العين المقر بها ويأخذ المقر له الباقي من الدين او العين فيصح ذلك لأن جائز التصرف لا يمنع من إسقاط بعض حقه أو هبته كما لا يمنع من استيفائه وقد كلم E غرماء جابرليضعوا عنه و لا يصح بلفظ الصلح لأنه هضم للحق أو بشرط أن يعطيه الباقي وإن لم يذكرلفظ الشرط كعلى أن تعطيني كذا منه أو تعوضني منه كذا لأنه يقتضيى المعاوضة فكأنه عاوض عن بعض حقه ببعض وهذا المعنى ملحوظ في لفظ الصلح لأنه لا بد له من لفظ يتعدى به كالباء وعلى وهو يقتضيى المعاوضة أو يمنعه أي يمنع من عليه الحق ربه حقه بدونه أي الإعطاء منه فلا يصح لأنه أكل لمال الغير بالباطل ولا يصح الصلح بأنواعه ممن لا يصح تبرعه كمكاتب و قن مأذون له في تجارة وولي نحو صغير وسفيه وناظر وقف لأنه تبرع وهم لا يملكونه إلا إن أنكر من عليه الحق ولا بينة لمدعيه فيصح لأن استيفاء البعض عند العجزعن استيفاء الكل أولى من الترك ويصح من ولي الصلح ويجوز له عما ادعى به على موليه من دين أو عين وبه بينة فيدفع البعض ويقع الابراء أو الهبة في الباقى لأنه مصلحة فإن لم تكن بينة لم يصالح عنه وظاهره ولو علمة الولي ولا يصح الصلح عن دين مؤجل ببعضه أي المؤجل حالا نصا لأن المحطوط عوض عن التعجيل ولا يجوز بيع الحلول والأجل إلا في مال كتابة إذا عجل مكاتب لسيده بعض كتابته عنها لأن الربا لا يجري بينهما في ذلك وإن وضع رب الدين بعض دين حال وأجل باقيه صح الوضع لأنه ليس قي مقابلة تأجيل كما لو وضعه كله و لا يصح التأجيل لأن الحال لا يتأجل ولأنه وعد والوعد لا يلزم الوفاء به كما يأتى وكذا لو صالح عن مائة صحاح بخمسين مكسرة فهو إبراء من الخمسين ووعد في الأخرى ولا يصح الصلح عن حق كدية خطأ أو شبه عمد أو عمد لا قود فيه كجائفة ومأمومة أو قيمة متلف غير مثلي كمعدود ومذروع بأكثر من حقه المصالح عنه من جنسه لأن الدية والقيمة ثبتت في الذمة بقدره فالزائد لا مقابل له فيكون حراما لأنه من أكل المال بالباطل كالثابت عن قرض ويصح الصلح عن متلف مثلى كبر بأكثر من قيمته من أحد النقدين ويصح الصلح عن حق كدية خطا وقيمة متلف و عن مثلي بعرض قيمته كثر من الدية أو قيمة المتلف والمثلي فيهما أي في المسألتين لأنه لا ربا بين العوض والمعوض عنه فصح كما لو باعه ما يساوي عشرة بدرهم ولو صالحه عن بيت ادعى عليه به و أقر له به على بعضه أي البيت أو على سكناه أي سكنى المدعى عليه البيت مدة معلومة كسنة كذا أو مجهولة كما عاش أو على بناء غرفة له أي المدعى عليه فوقه أي البيت لم يصح الصلح لأنه صالحه عن ملكه على ملكه أو على منفعة ملكه فإن فعل على سبيل المصالحة معتقدا أنه وجب بالصلح رجع عليه بأجرة ما سكن أو أخذه من البيت لأنه أخذه بعقد فاسد وإن بني فوق البيت غرفة اجبرعلى نقضها وإذا أجر السطح مدة مقامه بيده وله أخذ آلته فإن صالحه عنها رب البيت برضاهما جاز وإن كانت آلة البناء والتراب من البيت فالغرفة لربه وعلى الباني أجرتها مبنية وليس له نقضها إن أبراه رب البيت من ضمان ما يتلف بها وإن أسكنه أو أعطاه البعض غيرمعتقد وجوبه وكان متبعا ومتى شاء انتزعه منه أو ادعى مكلف رق مكلف أو ادعى زوجية مكلفة فأقرا أي المدعي رقه والمدعي زوجيتها له أي المدعى الرق أو الزوجية بعوض منه أي المدعي لم يصح الصلح ولا الإقرار لقوله E : [ إلا صلحا أحل حراما ] وهذا صلح أحل حراما لأنه يثبت الرق على من ليس برقيق والزوجية على من لم ينكحها ولو أراد الحر بيع نفسه أو المرأة بذل نفسها بعوض لم يجز وان بذلا أي المدعى عليه العبودية والمدعي عليها الزوجية مالا للمدعي صلحا عن دعواه صح لأن المدعى يأخذه عن دعواه الرق أو النكاح والدافع يقطع به الخصومة عن نفسه فجاز كعوض الخلع لكن يحرم على الآخذ إن علم كذب نقسه لأخذه بغير حق ولو ثبتت زوجيتها بعد لم تبن بأخذه العوض لأنه لم يصدر منه طلاق ولا خلع أو بذلت امرأة مالا لمبينها ليقر لها ببينونتها صح لأنه يجوز لها بذل المال ليبنها ويحرم عليه أخذه و من قال لغريمه أقر لي بديني وأعطيك منه مائة أو أقر لي بديني وخذ منه مائة مثلا ففعل أي أقر لزمه أي المقر ما أقر به لأنه لا عذر لمن أقر ولم يصح الصلح لوجوب الإقرار عليه بما عليه من الحق فلم يبح له العوض عما يجب عليه النوع الثاني من قسمي الصلح على إقرار أن يصالح على غير جنسه بأن أقر له بعين أو دين ثم صالحه عنه بغير جنسه فهو معاوضة ويصح بلفظ الصلح كسائر المعاوضات بخلاف ما قبله لأن المعاوضة عن الشىء ببعضه محظورة ف الصلح بنقد عن نقد بأن أقر له بدينار فصالحه عنه بعشرة دراهم مثلا أو عكسه فهو صرف يعتبرفيه التقابض قبل التفرق و الصلح عن نقد بأن أقر له بدينار فصالحه عنه بعرض كثوب بيع أو صالحه عنه أي عن عرض أقر له به كفرس بنقد ذهب أو فضة بيع أو صالحه عن عرض كثوب ب عرض بيع يشترط له شروطه كالعلم به والقدرة على التسليم والتقابض بالمجلس إن جرى بينهما ربا نسيئة و الصلح عن نقد أو عرض مقر به بمنفعة كسكنى دار وخدمة قن معينين إجارة فيعتبرله شروطها وتبطل بتلف الدار وموت القن كباقي الإجارات بخلاف ما لو باعهما أوأعتق العبد فللمصالح نفعه إلى انقضاء المدة وللمشتري الخيار إن لم يعلم ولا يرجع العبد على سيده بشيء لأنه أعتقه مسلوب المنفعة وإن تلفا قبل استيفاء شيء من المنفعة رجع بما صولح عنه وانفسخت الإجارة وفي أثنائها تنفسخ فيما بقي فيرجع بقسطه وإن ظهرت الدار مستحقة أو القن حرا أو مستحقا فالصلح باطل لفساد العوض ورجع مدع فيما أقر له به وان ظهرا معيبين بما تنقص به المنفعة فله الرد وفسخ الصلح وأن صالحه بتزويج أمته صح بشرطه والمصالح به صداقها فإن فسخ نكاح قبل دخول بما يسقطه رجع زوج بما صالح عنه وإن طلقها ونحوه قبل دخول رجع بنصفه و الصلح عن دين ونحوه غيردين سلم يصح بغير جنسه مطلقا أي بأقل منه أو أكثر أو مساويه و لا يصح صلح عن حق بجنسه كعن بربير أقل منه أو أكثر منه على سبيل المعاوضة لإفضائه إلى ربا الفضل فإن كان بأقل على وجه الإبراء والهبة صح لا بلفظ الصلح لما تقدم و الصلح عن دين بشيء في الذمة بأن صالحه عن دينار في ذمته باردب قمح أو نحوه في الذمة يصح و ويحرم التفرق قبل القبض لأنه يصير بيع دين بدين ولو صالح الورثة من وصي له من قبل مورثهم بخدمة رقيق من التركة أو ب سكنى د ار معينة لا أو ب حمل أمة معينة بدراهم مثلا مسماة جاز ذلك صلحا لأنه اسقاط حق فصح في المجهول للحاجة لا بيعا لعدم العلم بالمبيع ومن صالح عن عيب في مبيعه بشيء من عين كدينار أومنفعة كسكنى داره شهرا صح ولشى من الأرش في شيء و رجع بالمصالح به إن بان عدمه أي العيب كنفاخ بطن أمة ظنه حملا ثم ظهر الحال لتبين عدم استحقاقه أو زال العيب سريعا بلا كلفة ولا تعطيل نفع على مشتر كمزوجة بانت ومريض عوفي لحصول الجزء الفائت من المبيع بلا ضرر فكأنه لم يكن وترجع امرأة صالحت عنه أي عن عيب مبيعها بتزويجها وبان عدمه أو زال سريعا بأرشه أي العيب لوكان أو لم يزل سريعا لأنها رضت بالأرش مهرا لها وكذا إن بان فساد البيع كقن خرج حرا أو مستحقا وأن أقر له بزرع فصالحه عنه صح على الوجه الذي يصح بيعه وتقدم تفصيله ويصح الصلح عما أي مجهول لهما أو للمدين تعذر علمه من دين كمن بينهما معاملة أو حساب مضى عليه زمن طويل أو تعذر علمه من عين كقفيز حنطة وقفيز شعير اختلطا وطحنا ب مال معلوم نقد اي حال ونسيئة لقوله E لرجلين اختصما في مواريث درست بينهما اسنهما وتواخيا الحق وليحلل أحدكما صاحبه رواه أحمد و أبو داود لأنه اسقاط حق فصح في المجهول للحاجة ولئلا يفضي إلى ضياع المال أو بقاء شغل الذمة إذ لا طريق الى التخلص إلا به وسواء كان الجهل من الجهتين أو ممن هو عليه فإن وقع الصلح بمجهول لم يصح لأن تسليمه واجب والجهل به يمنعه فإن لم يتعذر علم المجهول كتركه باقية صالح الورثة الزوجة عن حصتها منها مع الجهل بها فكبراءة من مجهول جزم به في التنقيح وقدمه في الفروع قال في التلخيص وقد نزل أصحابنا الصلح عن المجهول ألمقر به بمعلوم منزلة الإبراء من المجهول فيصح على المشهور لقطع النزاع وظاهركلامه الإنصاف أن الصحيح المنع لعدم الحاجة إليه ولأن الأعيان لا تقبل الابراء وقطع به في الإقناع قال في الفروع وهو ظاهرنصوصه .
القسم الثاني من قسمي الصلح في المال الصلح على إنكار بان يدعى شخص على آخر عينا أو دينا فينكر المدعى عليه أو يسكت وهو أي المدعى عليه يجهله أي المدعى به ثم يصالحه على نقد أو نسيئة لأن المدعي ملجأ إلى التأخير بتأخيرخصمه فيصح الصلح للخبر لا يقال : هذا يحل حراما لأنه لم يكن له أخذ شيء من مال المدعي عليه فحل بالصلح لأن هذا يوجد في الصلح بمعنى البيع فإنه يحل لكل منهما ما كان محرما عليه قبله وكذا الصلح بمعنى الهبة أو الإبراء بل معنى يحل حراما ما يتوصل به إلى تناول المحرم مع بقاء تحريمه كاسترقاق حر أو إحلال بضع محرم أو الصلح بخمر ونحوه ويكون الصلح على إنكار إبراء حقه أي المدعى عليه لأنه بذل العوض لدفع الخصومة عن نفسه لا في مقابلة حق ثبت عليه ف لا شفعة فيه أي المصالح عنه إن كان شقصا من عقار ولا يستحق مدعى عليه لعيب وجده في مصالح عنه شيئا لأنه لم يبذل العوض في مقابلته لاعتقاده أنه ملكه قبل الصلح فلا معاوضة و يكون الصلح بيعا في حق مدع فله رده أي المصالح به عما ادعاه بعيب يجده فيه لأنه أخذه على أنه عوض ما إدعاه وفسخ الصلح أن وقع على عينه وإلا طالب ببدله ويثبت في شقص مشفوع صولح به الشفعة لأنه أخذه عوضا عما ادعاه كما لو اشتراه به إلا إذا صالح المدعى مدعى عليه ببعض عين مدعى بها كمن ادعى نصف دار بيد آخر فأنكره وصالحه على ربعها فهو أي المدعى فيه أي الصلح المذكور كالمنكر المدعى عليه فلا يؤخذ معه بشفعة ولا يستحق لعيب شيئا لأنه يعتقد أنه أخذ بعض عين ماله مستر جعاله ممن هو عنده ومن علم بكذب نفسه من ماع ومدعى عليه فالصلح باطل في حقه أما المدعي فلأن الصلح مبنى على دعواه الباطلة وأما المدعى عليه فلأنه مبني على جحده حق المدعي ليأكل ما ينتقصه بالباطل وما أخذ مدع عالم كذب نفسه مما صولح به او مدعى عليه مما انتقصه من الحق بجحده فهو حرام لأنه أكل مال الغير بالباطل ولا يشهد له أن علم ظلمه نصا وان صالح المنكر بشيء ثم أقام مدع بينة أن المنكر قبل الصلح بالملك لم تسمع ولو شهدت بأصل الملك ولم ينقض الصلح ومن قال لآخر صالحني عن الملك الذي تدعيه لم يكن مقرا به أي بالملك للمقول له لاحتمال إرادة صيانه نفسه عن التبذل وحضور مجلس الحكم بذلك وإن صالح أجنبي عن منكر لدين بإذنه أو بدونه صح لجواز قضائه عن غيره بإذنه وبغير إذنه لفعل علي و أبي قتادة وأقرهما عليه A وتقدم في الضمان أو صالح أجنبي عن منكر ل عين باذنه أي المنكر أو ب دونه أي إذنه صح الصلح ولو لم يقل الأجنبي إنه أي المنكر وكله لأنه افتداء للمنكرمن الخصومة وإبراء له من الدعوى ولا يرجع الأجنبى بشيء مما صالح به عن المنكر في المسألتين إن دفع بدون إذنه في الصلح أو الدفع لأنه أدى عنه ما لا يلزمه فكان متبرعا كما لوتصدق عنه فإن أدن المنكر للأجنبي في الصلح أو الأداء عنه رجع عليه إن نواه وإن صالح الأجنبي المدعي لنفسه ليكون الطلب له أي الأجنبي وقد أنكر الأجنبي المدعي أي صحة الدعوى لم يصح لأنه اشترى من المدعي ما لم يثبت له ولم تتوجه إليه خصومة يفتدي منها أشبه ما لو اشترى منه ملك غيره أو أقر الأجنبي والمدعي به دين لم يصح لأنه بيع دين لغير من هو عليه أو هو أي المدعي به عين وأقر بها وعلم الأجنبي عجزه عن استنقاذها من مدعى عليه لم يصح الصلح لأنه بيع مغصوب لغير قادر على أخذه وإن ظن الأجنبي القدرة على استنقاذها صح لأنه اشترى من مالك ملكه القادر على أخذه في اعتقاده أو ظن عدمها أي القدرة ثم تبينت قدرته على استنقاذها صح الصلح لأن البيع تناول ما يمكن تسليمه فلم يؤثر ظن عدمه ثم إن عجز الأجنبي بعد الصلح ظانا القدرة على استنقاذها خير الأجنبى بين فسخ الصلح لأنه لم يسلم له المعقود عليه فكان له الرجوع إلى بلده و بين إمضاء الصلح لأن الحق له كخيار العيب وإن قال الأجنبي للمدعي أنا وكيل المدعى عليه في مصالحتك عن العين وهو مقرلك بها وانما يجحدك في الظاهر فظاهر كلام الخرقي لا يصح الصلح وقال القاضى يصح ثم إن صدقه المدعى عليه ملك العين ورجع الأجنبى بما أدى عنه إن أذنه في دفعه وإن أنكرمدعى عليه الإذن فيه وإن أنكر الإذن فيه أي الدفع فقوله بيمينه وحكمه كمن ادى عن غيره دينا بلا إذنه وإن أنكرالوكالة فقوله مع يمينه ولا رجوع للأجنبي ولا يحكم له بملكها ثم إن كان الأجنبي قد وكل في الشراء فقد ملكها المدعى عليه باطنا وإلا فلا لأن الشراء له بغير إذنه وإن قال الأجنبي للمدعي قد عرف المدعى عليه صحة دعواك ويسألك الصلح عنه ووكلني فيه فصالحه صح وكان الحكم كما ذكرنا لأنه هنا لم يمتنع من أدائه قاله في المغني ملخصا