فصل في الكفالة وهي لغة مصدر .
كفل بمعنى التزم وشرعا التزام رشيد إحضار من عليه أي تعلق به حق مالي من دين أو عارية ونحوها إلى ربه أي الحق متعلق بإحضار والجمهور على جوازها لعموم حديث الزعيم غارم ولدعاء الحاجة إلى الاستيثاق بضمان المال والبدن وكثير من الناس يمتنع من ضمان المال فلو لم تجز الكفالة لأدى إلى الحرج وتعطل المعاملات المحتاج إليهما وتنعقد الكفالة بما أي لفظ ينعقد به ضمان لأنها نوع منه فانعقدت بما ينعقد به قلت : فيؤخذ منه صحتها ممن يصح منه الضمان وصحتها ببدن من يصح ضمانه وإن ضمن رشيد معرفته أي لو جاء يستدين من إنسان فقال : أنا لا أعرفك فلا أعطيك فضمن آخرمعرفته لمن يريد أن يداينه فداينه وغاب مستدين أو توارى أخذ بالبناء للمفعول ضامن المعرفة به أي المستدين نصأكأنه قال : ضمنت لك حضوره متى أردت لأنك لا تعرفه ولا يمكنك إحضار من لا تعرفه فهو كقوله : كفلت ببدنه فيطالب به فإن عجز عن إحضاره مع حياته لزمه ما عليه لمن ضمن معرفته له ولا يكفي أن يعرف رب المال اسمه ومكانه بدليل قول الإمام : فإن لم يقدر ضمن لأن التعريف بذلك يقدر عليه كل أحد كل وقت وأما لوقال : أعط فلانا ألفا ففعل لم يرجع على الآمر ولم يكن ذلك كفالة ولا ضمانا إلا أن يقول أعطه عني وتصح كفالة ببدن من عنده عين مضمونة كعارية وغصب أو عليه دين كالضمان فتصح ببدن كل من يلزمه الحضور لمجلس الحكم بدين لازم ولو مالا فتصح بصبي ومجنون لأنه قد يجب إحضارهما مجلس الحكم للشهادة عليهما بالإتلاف وببدن محبوس غائب ولا تصح ببدن من عليه حد لله تعالى كحد زنا أو لآدمي كحد قذف لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا لا كفالة في حد ولأن مبناه على الإسقاط والدرء بالشبهة فلا يدخله الإستيثاق ولا يمكن استيفاؤه من غير الجاني أو عليه قصاص فلا تصح كفالته لأنه بمنزلة الحد ولا بزوجة لزوجها في حق الزوجية له عليها و لابB شاهد لأن الحق عليهما لا يمكن استيفاؤه من الكفيل ولا بمكاتب لدين كتابة لأن الحضورلا يلزمه إذ له تعجيز نفسه ولا إلى أجل أو شخص مجهولين أما عدم صحتها إلى أجل مجهول فلان المكفول له ليس له وقت يستحق المطالبة فيه وأما عدم صحتها بشخص مجهول فلأنه غيرمعلوم في الحال ولا في المال فلا يمكن تسليمه بخلاف ضمان دين مجهول يؤول إلى العلم ولو في ضمان بأن قال : ضمنته إلى نزول المطر ونحوه أو قال ضمنت أحد هذين فلا يصح الضمان لما تقدم وإن كفل رشيد بجزء شائع كثلث من عليه حق أو ربعه أو كفل بB عضو منه ظاهركرأسه ويده أو باطن كقلبه وكبده صح لأنه لا يمكن إحضاره إلا بإحضار الكل أو تكفل بشخص على أنه إن جاء به أي الكفيل فقد برىء وإلا يجيء به فهو كفيل بآخر معين أو فهو ضامن ما عليه من المال صح لصحة تعليق الكفالة والضمان على شرط كضمان العهدة أو قال إذا قدم الحاج فأنا كفيل بزيد شهرا صح لجمعه تعليقا وتوقيتا وكلاهما صحيح ويبرأ من كفل شهرا أو نحوه ان لم يطالبه مكفول له بإحضاره فيه أي الشهر ونحوه لأنه بمضيه لا يكون كفيلا وأما توقيت الضمان فالظاهر أنه لا يصح وإن قال رشيد لرب الدين أبرىء الكفيل وأنا كفيل فسد الشرط وهو قوله : أبرىء الكفيل لأنه لا يلزم الوفاء به فيفسد العقد أي عقد الكفالة لأنه معلق عليه ولو قال : كفلت لك هذا المدين على أن تبرئني من الكفالة بفلان أو ضمنت لك هذاالدين بشرط أن تبرئني من ضمان الدين الآخرلم يصح لأنه شرط فسخ عقد في عقد كالبيع بشرط فسخ بيع آخر وكذا لوشرط في كفالة أوضمان أن يتكفل المكفول له أو به بآخر أو يضمن دينا عليه أو يبيعه شيئا بعينه أو يؤجره داره لم يصح لما تقدم ويعتبر لصحة كفالة رضا كفيل لا مكفول به ولا مكفول له كضمان ومتى سلمه أي سلم كفيل مكفولا به لمكفول له بمحل عقد وقد حل الأجل أي أجل الكفالة إن كانت الكفالة مؤجلة برىء الكفيل لأن الكفالة عقد على عمل فبرىء منه بعمله كالإجارة وسواء كان عليه فيه ضرر أولا فإن سلمه في غيرمحل العقد أو غير موضع شرطه لم يبرأ لأن رب الحق قد لا يقدرعلى إثبات الحجة فيه لنحوغيبة شهوده أولا أي أو سلمه ولم يحل الأجل ولا ضرر على مكفول له في قبضه أي المكفول برىء كفيل لأنه قد زاده خيرا بتعجيل حقه فإن كان فيه ضرر لغيبة حجته أو لم يكن يوم مجلس الحكم أو الدين مؤجل لا يمكن اقتضاؤه منه ونحوه لم يبرأ الكفيل وليس ثم بفتح المثلثة يد حائلة بين رب الحق والمكفول ظالمة فإن كانت لم يبرأ الكفيل لأنه كلا تسليم أو سلم مكفول نفسه لرب الحق برىء الكفيل لأن الأصيل أدى ما عليه كما لو قضى مضمون عنه الدين أو مات المكفول برىء كفيل لسقوط الحضور عنه بموته أو تلفت العين المضمونة التي تكفل ببدن من هي عنده بفعل الله تعالى قبل طلب برىء كفيل لأنه بمنزلة موت المكفول وعلم منه أنه لا يبرأ بتلفها بعد طلبه بها ولا بتلفها بفعل آدمي ولا بغصبها ولوقال كفيل : إن عجزت عن إحضاره أومتى عجزت عن إحضاره كان علي القيام بما أقر به فقال ابن نصر الله : لا يبرأ بموت المكفول ويلزمه ما عليه و لا يبرأ كفيل إن مات هو أي الكفيل أو مات مكفول له لأن الكفالة أحد نوعي الضمان فلم تبطل بموت كفيل ولا مكفول له كضمان المال وإن تعذر إحضاره أي المكفول على الكفيل مع بقائه أي المكفول بأن توارى أو غاب عن البلد قريبا كان أو بعيدا ولو بدار حرب وعلم خبره ومضى زمن يمكن كفيل رده أي المكفول فيه أو مضى زمن عينه كفيل لإحضاره أي المكفول بأن قال : كفلته على أن أحضره لك غدا فمضى الغد ولم يحضره أوكانت الغيبة لا يعلم فيها خبره ضمن الكفيل ما عليه أي المكفول نصا لعموم حديث الزعيم غارم ولأنها أحد نوعي الضمان فوجب الغرم بها كالكفالة بالمال ولا يسقط عنه المال بإحضاره بعد الوقت المسمى قاله المجد في شرحه و لا يضمن كفيل ما على مكفول تعذر عليه إحضاره إذا شرط الكفيل البراءة منه أي من المال عند تعذر إحضاره عليه لحديث المسلمون على شروطهم ولأنه إنما التزم إحضاره على هذا الوجه فلا يلزمه غيرما التزمه وإن ثبت بينة أو إقرار مكفول له موته أي المكفول الغائب أو نحوه قبل غرمه أي الكفيل المال لانقطاع خبره استرده أي ما غرمه كفيل لتبين براءة الكفيل بموت المكفول فلا يستحق الأخذ منه وإن قدر على مكفول بعد أدائه عنه ما لزمه فظاهركلامهم : أنه في رجوعه عليه .
كضامن وأن لا يسلمه إلى المكفول له ثم يسترد ما أداه بخلاف مغصوب تعذر إحضاره مع بقائه لامتناع بيعه قاله في الفروع والسجان كالكفيل فيغرم إن هرب منه المحبوس وعجز عن إحضاره وقال ابن نصر الله : الأظهرأنه كالوكيل يجعل في حفظ .
الغريم وكذا رسول الشرع ونحوه فإن هرب غريم منه فعليه إحضاره على الأول أو يغرم ما عليه وعلى الثاني إن كان بتفريطه لزمه إحضاره وإلا فلا وإذا طالب كفيل مكفولا به أن يحضر معه ليسلمه لغريمه ويبرأ منه لزمه بشرطه أو طالب ضامن مضمونا بتخليصه من ضمانه بأداء الحق لربه لزمه أي المدين إن كفل أو ضمن بإذنه أي المكفول أو المضمون وطولب كفيل أو ضامن بذلك لأنه شغل ذمته من أجله بإذنه فلزمه تخليصها كما لو استعار عبده فرهنه بإذنه ثم طلبه سيده بفكه ويكفي في لزوم الحضور في المسألة الأولى أي مسألة الكفالة أحدهما أي الإذن أو مطالبة رب الدين الكفيل أما مع الإذن فلما تقدم وأما مع المطالبة فلأن حضور المكفول حق للمكفول له وقد استناب الكفيل في ذلك بمطالبته به أشبه ما لو صرح بالوكالة ومن كفله اثنان معا أولا فسلمه أحدهما لم يبرأ الآخر لانحلال إحدى الوثيقتين بلا استيفاء فلا تنحل الأخرى كما لو أبرأ أحدهما أو انفك أحد الرهنين بلا قضاء وإن سلم مكفول نفسه برئا أي الكفيلان لأداء الأصيل ما عليهما وإن كفل كل واحد منهما أي الكفيلين شخص آخر فأحضر هذا الآخر المكفول به أي مكفول مكفوله برىء من أحضره وهو من تكفل به من الكفيلين لأدائه ما عليهما كما لوسلمه من تكفل به فقط أي دون الكفيل الثاني وكفيله لما تقدم وإن تكفل ثلاثة بواحد وكل منهم كفيل بصاحبيه صح ومتى سلمه أحدهم برىء هو وصاحباه من كفالتهما به خاصة لأنه أصل لهما وهما فرعان له ويبقى على كل واحد منهما الكفالة بالدين لأنهما أصلان فيها ومن كفل لاثنين لما برأه أحدهما من الكفالة أوسلم المكفول به لأحدهما لم يبرأ من الآخر لبقاء حقه كما لو ضمن دينا لاثنين فوفى أحدهما وإن كفل الكفيل شخص آخر و كفل الآخر آخر وهكذا برىء كل من الكفلاء ببراء من قبله فيبرأ الثاني ببراءة الأول والثالث ببراءة الثاني وهكذا لأنه فرعه ولا عكس فلا يبرأ واحد ببراءة من بعده لأنه أصله كضمان ومتى سلم أحدهم المكفول برىء الجميع لأنه أدى ما عليهم كما لو سلم مكفول به نفسه ولو ضمن اثنان واحدا في مال وقال كل لرب الحق ضمنت لك الدين ف هو ضمان اشتراك لاشتراكهم في الإلتزام بالدين في إنفراد فكل منهما ضامن لجميع الدين على انفراده فله أي رب الدين طلب كل منهما بالدين كله لإلتزامه به وإن قالا أي الإثنان لرب الدين ضمنا لك الدين ف هو بينهما بالحصص على كل منهما نصفه وإن كانوا ثلاثة فعلى كل ثلثه وإن قال أحدهم : أنا وهذان ضامنون لك الألف مثلا وسكت الآخر فعليه ثلث الألف ولا شيء عليهما وإن أدى أحدهم الألف أو حصته منه حيث صح لم يرجع إلا على مضمون عنه لأن كلا منهم أصلي لا ضامن ضامن