باب عقد الذمة .
وهي لغة : العهد والضمان والأمان لحديث [ المسلمون يسعى بذمتهم أدناهم ] من أذمه يذمه إذا جعل له عهدا ومعنى عقد الذمة : إقرار بعض الكفار على كفرهم بشرط بذل الجزية والتزام أحكام الملة والأصل فيها قوله تعالى : { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر } الآية وحديث المغيرة بن شعبة [ قال لجند كسرى يوم نهاوند : أمرنا رسول ربنا أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية ] رواه البخاري و يجب عقد الذمة إذا اجتمعت شروطه أي بذل الجزية والتزام أحكامنا من كتابى أو من له شبهة كتاب ما لم تخف غائلتهم أي غدرهم إن مكنوا من مقام بدار إسلام لحديث : [ لا ضرر ولا ضرار ] ولا يصح عقدها إلا من إمام أو نائبه لتعلق نظر الامام به ودرايته بجبة المصلحة ولأنه مؤبد فعقده من غير الإمام افتئات عليه وصفته أي عقد الذمة قول الإمام أو نائبه أقررتم بجزية واستسلام أي انقياد لأحكامنا أو يبذلون ذلك من أنفسهم فيقول الأمام أو نائبه أقررتكم عليه أو نحوها كقوله : هاديتكم على الاقامة بدارنا بجزية ولا يعتبر تقدير الجزية في العقد والجزية من الجزاء مال يؤخذ منهم أي الكفار على وجه الصغار بفتح الصاد المهملة أي الذلة والامتهان كل عام في آخره بدلا عن قتلهم و عن إقامتهم بدارنا فإن لم يبذلوها لم نكف عنهم ولا تعقد الذمة إلا لأهل كتاب التوراة والإنجيل وهم اليهود والنصارى ومن يدين بالتوراة كالسامرة يدينون بشريعة موسى ويخالفون اليهود في فروع من دينهم أو يدين بالإنجيل كالفرنج والصابئين والروم والأرمن وكل من انتسب لدين عيسى أو من له شبهة كتاب كالمجوس فإنه يروي أنه كان لهم كتاب ورفع فذلك شبهة لهم أوجبت حقن دمائهم بأخذ الجزية منهم ولحديث [ أخذه A الجزية من مجوس هجر ] رواه البخاري وإذا اختار كافر لا تعقد له الذمة كوثني دينا من هؤلاء الأديان بأن تنصر أو تهود أو تمجس ولو بعد بعث محمد A أقر على ذلك وعقدت له الذمة كالأصلي لكن لا تحل ذبيحته ولا مناكحته إذا لم يكن أبواه كتابيين ونصارى العرب ويهودهم ومجوسهم من بني تغلب بفتح المثناة الفوقية وكسر اللام وظاهره حتى حربي منهم لم يدخل في صلح عمر خلافا لما قدمه في الفروع وتبعه في الإقناع وغيرهم كمن تنصر من تنوخ وبهزي أوتهود من كنانة وحمير أو تمجس من تميم لا جزية عليهم ولو بذلوها لأن عقد الذمة مؤبد وقد عقده عمر معهم هكذا ويؤخذ عوضها أي الجزية زكاتان من أموالهم مما فيه زكاة لأن عمر ضاعف عليهم من الابل في كل خمس شاتان ومن كل ثلاثين بقرة تبيعان ومن كل عشرين دينارا دينارا ومن كل مائتي درهم عشرة دراهم وفيما سقت السماء الخمس وفيما سقى بنضح أو دولاب أو غرب العشر حتى مما لا تلزمه جزية فتؤخذ من مال صغارهم ونسائهم لظاهر الخبر ومصرفها أي هذه الزكاة المضعفة ك مصرف جزية لأنها عوضها وهل يطلب فيها أيضا أن تؤخذ منهم على وجه الصغار كالجزية أو لا ؟ الظاهر أنها مثلها ولا جزية علىصيي وامرأة لأنهما لا يقتلان وهي بدل القتل ولقول عمر ولا تضربوها على النساء والصبيان رواه سعيد ولو بذلتها أي بذلت المرأة الجزية لدخول دارنا فلا تؤخذ منها جزية وتمكن من دخولها مجانا ويرد عليها ما أعطته لفساد القبض فإن تبرعت بشيء مع العلم بأن لا جزية عليها قبل فيكون هبة لا جزية فإن شرطته على نفسها ثم رجعت فلها ذلك و لا جزية على مجنون و لا قن و لا زمن و لا أعمى و لا شيخ فان و لا راهب بصومعة لأنهم لا يقتلون ويؤخد من راهب بصومعة ما زاد على بلغته بضم الموحدة قاله الشيخ تقي الدين قال : ويؤخذ منهم مالنا كالرزق للديورة والمزارع إجماعا وعلم منه أنها تؤخذ من راهب يخالط الناس ويبيع ويشتري ويكتسب و لا جزية على خنثى مشكل لأن الأصل براءته منها فإن بان الخنثى رجلا أخد للمستقبل من اتضاح ذكورته فقط دون الماضى فلا تؤخذ منه لعدم أهليته إذ ذاك ولا جزية على فقير غيرمعتمل أي متكسب يعجز عنها لقوله تعالي : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } ولأن عمر جعل الجزية على ثلاث طبقات جعل أدناها على الفقير المعتمل فدل على أن غيرالمعتمل لا شىء عليه والغني منهم أي ممن تؤخذ منهم الجزية من عده الناس غنيا لأن باب التقدير التوقيف ولا توقيف في هذا فرجع فيه إلى العرف وتجب على معتق ولو لمسلم لأنه حر مكلف من أهل القتال فلم يقر في دارنا بلا جزية حر أصلي و تجب على مبعض بحسابه أي بقدر حريته كالإرث ومن صار أهلا لجزية بأن بلغ صغير أو أفاق مجنون أو عتق قن أو استغنى فقير بأثناء حول أخد منه إذا تم الحول بقسطه ولم يترك حتى يتم حوله لئلا يحتاج إلى إفراده بحول وربما أدى إلى أن يصير لكل واحد حول بالعقد الأول لأنهم دخلوا في العقد فلم يحتج إلى تجديده لهم ويلفق من إفاقة مجنون حول ثم تؤخد منه جزيته لأن أخذها منه قبل ذلك أخذ لها قبل كمال حولها ومتى بذلوا ما وجب عليهم من جزية لزم قبوله و لزم دفع من قصدهم بأذى إن لم يكونوا بدار حرب حرم قتلهم وأخد مالهم ولو انفردوا ببلد ولو شرطنا أن لا نذب عنهم لم يصح قاله في الترغيب ومن أسلم بعد الحول سقطت الجزية عنه نصا وقال يدخل فى قوله [ من أسلم على شيء فهوله ] لأنها عقوبة لا أجرة روى أن ذميا أسلم فطولب بالجزية وقيل إنما أسلم تعوذا قال إن قي الإسلام معاذا فرفع إلى عمر فقال عمر إن في الإسلام معاذا وكتب أن لا تؤخذ منه رواه أبو عبيد بمعناه و لا تسقط الجزية إن مات من وجبت عليه أو جن ونحوه كما لو عمى بعد الحول كديون الآدميين وسقوط الحد بالموت لتعذر استيفائه بفوات محله فتؤخذ الجزية من تركة ميت ومال حي جن ونحوه بعد الحول و إن مات أو جن ونحوه في أثنائه أي الحول تسقط الجزية لأنها لا تجب ولا تؤخذ قبل كمال حولها وتؤخد الجزية عند انقضاء كل سنة هلالية كالزكاة لتكررها بتكرر السنين فإن انقضت سنون ولم تؤخذ استوفيت كلها فلا تتداخل لأنها حق يجب في آخر كل حول أشبه الزكاة والدية على العاقلة ويمتهنون أي أهل الذمة وجوبا عند أخذها أي الجزية منهم ويطال قيامهم وتجر أيديهم لقوله تعالى : { حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } ولا يقبل ممن عليه جزية إرسالها لفوات الصغار ولا يتداخل الصغار فيمتهنون عند كل جزية حتى تستوفى كلها ولا يصح شرط تعجيلها أي الجزية ولا يقتضيه الاطلاق لأنا لا نأمن من نقض أمانة فيسقط حقه من العوض ولا يعذبون في أخذها ولا يشطط عليهم روى أبوعبيد أن عمر أتى بمال كثير قال أبو عبيد : أحسبه الجزية فقال إني لأظنكم قد أهلكتم الناس قالوا لا والله ما أخذنا إلا عفو صفوا قال بلا سوط ولا نوط ؟ قالوا : نعم قال الحمد لله الذي لم يجعل ذلك على يدي ولا في سلطاني ويصح أن يشرط عليهم أي أهل الذمة بدارنا ضيافة من يمر بهم من المسلمين و علف دوابهم لما روى أحمد بإسناده عن الأحنف بن قيس أن عمر شرط على أهل الذمة ضيافة يوم وليلة وان يصلحوا القناطر وإن قتل رجل من المسلمين بأرضهم فعليهم ديته ولأنهم ربما امتنعوا من ضيافة المسلمين إضراوا بهم و يصح أن يكتفي بها أي الضيافة عن الجزية لحصول الغرض بها ولفعل عمر ويعتبر بيان قدرها أي الضيافة و قدر أيامها وعدد من يضاف من رجال وفرسان فيقول : تضيفون في كل سنة مائة يوم مثلا في كل يوم عشرة من خبز كذا وأدم كذا وللفرس شعير كذا وتبن كذا لأنه من الجزية فاعتبر العلم به كالنقود ويعتبر أيضا بيان ما ينزلهم فيه وما على الغني والفقير وللمسلمين النزول في الكنائس والبيع فإن لم يجدوا مكانا نزلوا في الأفنية وفضول المنازل وليس لهم تحويل صاحب منزل منه ومن سبق إلى محل من ذلك فهو أحق به ممن يجيء بعده ومن امتنع منهم من قيام بما وجب عليه جبر فإن امتنع الجميع أجبروا فإن لم يمكن إلا بالقتال قوتلوا فإن قاتلوا انتقض عهدهم ولا تجب ضيافة عليهم بلا شرط لأنه لا دليل عليه وإذا تولى امام فعرف قدر ما عليهم من جزية أو قامت به بينة أو ظهر ما عليهم أقرهم عليه بلا تجديد عقد لأن الخلفاء أقروا عقد عمر ولم يجددوه ولأن عقد الذمة مؤبد فإن كان فاسدا رده إلى الصحة وإلا يعرف قدر ما عليهم ولم تقم به بينة ولم يظهر رجع إلى قولهم أي أهل الذمة إن ساغ أي صلح ما ادعوه جزية لأنهم غارمون وله تحليفهم مع تهمة فيما يذكرون لاحتمال كذبهم فإن بان لامام بعد ذلك نقص أي أنهم أخبروه بنقص عما كانوا يدفعون لمن قبله أخذه أي النقص منهم وإن قالوا : كنا نؤدي كذا جزية وكذا هدية حلفهم يمينا واحدة لأن الظاهر أن المدفوع كله جزية وإن قال بعضهم كنا نؤدي كذا وخالفه غيره أخذ كل بما أقر به وإذا عقدها أي الذمة امام مع كفار كتب أسماءهم وأسماء آبائهم وحلاهم جمع حلية بكسر الحاء وضمها فيكتب طويل أو قصير أو ربعة أسمر أو أخضرأو أبيض مقرون الحاجبين أو أفرقهما أدعج العين أقني الأنف أو ضدهما ونحوهما ليتميز كل عن غيره و كتب دينهم كيهودي أو نصراني أو مجوسي وجعل لكل طائفة عريفا يكشف حال من تغير حال ببلوغ أو غني أو عتق ونحوه ويجمعهم عند أداء الجزية لأنه أمكن لاستيفاء الجزية وأحوط ويكشف ايضا حال من أسلم منهم وجن أو نقض العهد أو خرق شيئا من الأحكام ليفعل معه الإمام ما يلزمه ومن أخذت منه الجزية وأراد أن يكتب له بها براءة لتكون معه حجة إن احتاج إليها أجيب ولا يصح ما يذكره بعض الذميين ان معهم كتاب النبي A باسقاط الجزية