باب الهدنة .
وهي لغة الدعة والسكون وشرعا عقد امام أو نائبه على ترك القتال مع الكفار مدة معلومة وهي لازمة والأصل فيها قوله تعالى { براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين } وقوله : { وإن جنحوا للسلم فاجنح لها } وروى أنه A [ صالح قريشا على وضع القتال عشر سنين ] ولدعاء المصلحة إليها إذا كان بالمسلمين نحو ضعف وتسمى مهادنة وموادعة ومعاهدة ومسالمة من السلم بمعنى الصلح لحصول العقد بين الامام أو نائبه والكفار ومتى زال من عقدها أي الهدنة بموت أو عزل لزم الإمام الثاني الوفاء بما فعله الأول لأنه عقده باجتهاده فلم يجز نقضه باجتهاد غيره كما لا ينقض حاكم حكم غيره باجتهاده وعلم مما تقدم : أنها لا تصح من غير إمام أو نائبه فيه لأنها عقد مع جملة الكفار ولأنه يتضمن تعطيل الجهاد بالكلية أو بتلك الناحية المهادن أهلها وفيه افتيات على الإمام ولا تصح الهدنة إلا حيث جاز تأخير الجهاد لنحو ضعف بالمسلمين أو مانع بالطريق فمتى رآها الإمام مصلحة ولو بمال منا ضرورة كخوفه على المسلمين هلاكا أو أسرا مدة معلومة جاز وإن طالت المدة لأنه يجوز للأسير فداء نفسه بالمال فكذا هنا ولأنه وان كان فيه صغار فهو دون صغار القتل والأسر وسبي الذرية وعن الزهري قال : [ أرسل رسول الله A إلى عيينة بن حصن وهو مع أبي سفيان يعني يوم الأحزاب : أرأيت ان جعلت لك ثلث ثمر الأنصار أترجع بمن معك من غطفان أو تخذل بين الأحزاب ؟ فأرسل إليه عيينة ان جعلت الشطر فعلت ] فإن زاد الإمام في الهدنة على مدة الحاجة بطلت الزيادة فقط بناء على تفريق الصفقة لعدم المصلحة فيها وإن أطلقت الهدنة أو المدة لم تصح لأنه يفضي الى تعطيل الجهاد بالكلية لاقتضائه التاييد أو علقت الهدنة أو المدة بمشيئة لم تصح الهدنة لأنه عقد لازم فلم يصح تعليقه كالاجارة ومتى جاءوا أي المعقود معهم الهدنة في هدنة فاسدة معتقدين الأمان ردوا إلى مامنهم آمنين ولم يقروا في دار الاسلام لفساد الأمان وإن شرط عاقد فيها اي الهدنة شرطا فاسدا أو شرط في عقد ذمة شرطا فاسدا كرد امرأة اليهم أو رد صداقها أو رد صبي مميز أو رد سلاح أو شرط ادخالهم الحرم بطل الشرط دون عقد كالشروط الفاسدة في البيع وبطلانه في رد المرأة لقوله تعالى : { فلا ترجعوهن إلى الكفار } وحديث [ إن الله منع الصلح في النساء ] وفي رد صداقها لأنه في مقابلة بضعها فلا يصح شرطه لغيرها وفي الصبي المميز لأنه مسلم يضعف عن التخلص منهم أشبه المرأة وفي السلاح لأنه إعانة علينا وقي ادخالهم الحرم لقوله تعالى : { إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } ويصح شرط رد طفل منهم لأنه غير محكوم بإسلامه وجاز في هدنة شرط رد رجل جاء منهم مسلما للحاجة لشرطه A ذلك في صلح الحديبية فإن لم تكن حاجة لم يصح شرطه أو لم يشرط رده لم يرد إن جاء مسلما أو بأمان وجاز للإمام أمره أي من جاء منهم مسلما سرا بقتالهم وبالفرار منهم فلا يمنعهم أخذه ولا يجبره عليه لأن أبا بصير [ لما جاء الى النبي A وجاء الكفار في طلبه قال له النبي A إنا لا يصلح في ديننا الغدر وقد علمت ما عاهدناهم عليه ولعل الله تعالى أن يجعل لك فرجا ومخرجا فلما رجع مع الرجلين قتل أحدهما في طريقه ثم رجع إلى النبي A فقال له يا رسول الله قد أوفى الله ذمتك قد رددتني إليهم وأنجاني الله منهم فلم ينكرعليه النبي A ولم يلمه بل قال : ويل أمه مسعر حرب لو كان معه رجال فلما سمع ذلك أبو بصير لحق بساحل البحر وانحاز إليه أبو جندل بن سهيل ومن معه من المستضعفين بمكة فجعلوا لا يمرعليهم عير لقريش إلا عرضوا لها وأخذوها وقتلوا من معها فأرسلت قريش إلى النبي A تناشده الله والرحم أن يضمهم اليه ولا يرد إليهم أحدا جاءه ففعل ] فإن تحيز من أسلم منهم وقتلوا من قدروا عليه منهم وأخذوا من أموالهم جاز ولا يدخلون في الصلح حتى يضمهم إليه بإذن الكفار للخبر ولو هرب منهم قن فأسلم لم يرد إليهم لأنه لم يدخل في الصلح وهو حر لأنه ملك نفسه بإسلامه لقوله تعالى : { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } ويؤاخدون أي المهادنون زمن هدنة بجنايتهم على مسلم من مال وقود وحد قذف وسرقة لأن الهدنة تقتضى أمان المسلمين منهم وأمانهم من المسلمين في النفس والمال والعرض ولا يحدون لحق الله تعالى لأنهم لا يلتزموا حكمنا ويجوز قتل رهائنهم ان قتلوا رهائننا على الاصح قاله في شرحه وينتقض عهدهم بقتالنا أو مظاهرة علينا أو قتل مسلم أو أخذ ماله و يجب على الإمام حمايتهم ممن تحت قبضته لأنه أمنهم منهم إلا من أهل الحرب فلا يلزمه حمايتهم منهم لأن الهدنة لا تقتضيه وإن سباهم كافر ولو كان الكافر منهم لم يصح لنا شراؤهم لأنهم في عهدنا وليس علينا استنقاذهم لكون السابي لهم ليس في قبضتنا وان سبا بعضهم ولد بعض وباعه صح أو باع ولد نفسه صح أو باع أهليه صح البيع فتصح الهبة كحربي باع ولد حربي أو ولد نفسه أو أهله أو وهب ذلك لأن أولادهم لم يدخلوا في العقد وقد ذكرت في الحاشية كلام ابن نصر الله وأن معنى ما ذكر أن الآخذ يملكهم بأخذه وأنه نوع كسب من الكفار ببذل عوض أو مجانا وأن الحريي تصح هبته لنفسه كذلك لا أنهم كانوا أرقاء أولا لا ذمي فليس له بيع ولده ولا ولد غيره ولا أهليه لأن عقد الذمة آكد لأنه مؤبد وإن خيف من مهادنين نقض عهدهم بإمارة نبذ بالبناء للمفعول أي جاز نبذ الإمام إليهم عهدهم بأن يعلمهم أن لا عهد بينه وبينهم لقوله تعالى : { وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء } فإن كان في دارنا منهم أحد رد إلى مأمنه وإن كان عليهم حق استوفى منهم ولا يصح نقضه إلا من امام بخلاف ذمة فليس له نبذها إذا خيف خيانة أهلها لأن الذمة مؤبدة وتجب الاجابة إليها وفيها نوع معاوضة ولهذا لو نقضه بعضهم لم ينتقض عهد الباقين وأيضآ أهل الذمة في قبضة الامام وتحت ولايته ولا يخشى منهم كثير ضرر بخلاف أهل هدنة ويجب إعلامهم أي أهل الهدنة بنبذ العهد قبل الاغارة عليهم للآية وينتقض عهد نساء أهل هدنة وذرياتهم بنقض رجالهم تبعا لهم لأنه A [ قتل رجال بني قريظة حين نقضوا عهده وسبى ذراريهم وأخذ أموالهم ] ولما نقضت قريش عهده بعد الهدنة حل له منهم ما كان حرم عليه منهم ولأن عقد الهدنة مؤقت ينتهي بانتهاء مدته فيزول بنقضه وفسخه كالاجارة بخلاف الذمة وإن نقضها أي الهدنة بعضهم أي المهادنين فأنكر الباقون على من نقض بقول أو فعل انكارا ظاهرا أو كاتبونا أي الذين لم ينقضوا بنقض الآخرين أقروا أي الباقون على العهد بتسليم من نقض الهدنة إن قدروا عليهم أو بتمييزه أي الناقض عنهم ليتمكن المسلمون من قتالهم فإن أبوهما أي التسليم والتمييز قادرين على أحدهما انتقض عهد الكل بذلك لأن غير الناقض منع من قتال الناقض فصار بمنزلته وإن لم يمكنه تسليم ناقض ولا التمييز عنه لم ينتقض عهده لأنه كالأسير