باب الأمان ضد الخوف .
والأصل فيه قوله تعالى : { وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه } قال الأوزاعي : هي الى يوم القيامة فمن طلب أمانا ليسمع كلام الله ويعرف شرائع الإسلام لزمت إجابته ثم يرده إلى مأمنه ويحرم به أي الآمان قتل ورق وأسر وتعرض لما معه من مال لمنافاة ذلك للأمان وشرط للأمان كونه من مسلم فلا يصح من كافر ولو ذميا أو مستأمنا لأنه غير مأمون علينا عاقل فلا يصح من طفل أو مجنون لأنه لا يدري المصلحة مختار فلا يصح من مكره عليه كالإقرار والبيع غير سكران لأنه لا يعرف المصلحة ولو كان قنا أو أنثى أو مميزا فلا تشترط حريته ولا ذكوريته ولا بلوغه أو أسيرا لحديث علي مرفوعا [ ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل ] رواه البخاري ولو كان الأمان لأسير لحديث أم هانىء [ يا رسول الله اني أجرت أحمائى وأغلقت عليهم بابي وإن ابن أمي أراد قتلهم فقال لها رسول الله A قد أجرنا من أجرت يا أم هانىء إنما يجيرعن المسلمين أدناهم ] رواه سعيد و شرط الأمان عدم ضرر على المسلمين فيه وأن لا تزيد مدته أي الأمان على عشر سنين ذكره في الترغيب وغيره ويصح أمان منجزا ك أنت آمن و يصح معلقا نحو من فعل كذا فهو امن لقوله A يوم فتح مكة [ من دخل دار آبي سفيان فهوآمن ] و يصح أمان من إمام لجميع المشركين لعموم ولايته و يصح من أمير لأهل بلدة جعل بإزائهم لعموم ولايته في قتالهم وأما بالنسبة لغيرهم فكآحاد المسلمين و يصح من كل أحد يصح أمانه لقافلة وحصن صغيرين عرفا و اختار ابن البنا كمائة فأقل فان كان لأهل بلد أو رستاق أو جمع كبير لم يصح من غير إمام أو نائبه بإزائهم لأنه يفضي إلى تعطيل الجهاد والإفتئان عليه و يصح أمان بقول كسلام لأنه بمعنى الأمان و كقوله : أنت آمن أو بعضك آمن أو يدك آمنة ونحوها من أعضائه كرأسك آمن كقوله لا بأس عليك وأجرتك وقف وألق سلاحك وقم ولا تذهل ومترس بفتح الميم وسكون الراء وآخره سين مهملة فارسي أي لا تخف قال : عمر إذا قلتم لا بأس ولا تذهل ولا مترس فقد أمنتموه فان الله تعالى يعلم الألسنة وك ما يحصل الأمان ب شرائه الحربي قال أحمد : إذا أشتراه ليقتله فلا يقتله لأنه اذا اشتراه فقد أمنه و يصح أمان باشارة تدل كامراره يده كلها أو بعضها عليه أو باشارة بسبابته الى السماء ولو مع إمكان نطقه لقول عمر : لو أن أحدكم أشار بأصبعه إلى السماء الى مشرك فنزل اليه فقتله لقتلته رواه سعيد وتغليبا لحقن الدم مع دعاء الحاجة إلى الإشارة لأن الغالب منهم عدم فهم العربية بخلاف نحو البيع ويصح برسالة وكتابة ويسرى الأمان الى من معه أي المستأمن من أهل ومال تبعا له إلا أن يخصص به كأنت آمن دون أهلك ومالك فلا يسري اليهما ويجب رد معتقد غير الأمان أمانا إلى مأمنه أي الموضع الذي صدر فيه ما اعتقده أمانا نصا لئلا يكون غدرا له ويقبل من عدل قوله : إني أمنته كمرضعة أخبرت عن فعلها و إن ادعاه أي الأمان أسير وأنكره من جاء به لأن الأصل عدمه واباحة دم الحربي ومن أسلم قبل فتح واشتبه أو أعطى أمانا ليفتح حصنا ففتحه وأشتبه بحربيين وادعوه أي الإسلام حرم قتلهم نصا و حرم رقهم لأشتباه المباح بالمحرم فيما لا ضرورة اليه أشبه ما لو أشتبهت أخته بأجنبيات أو ميته بمذكاة قال في الفروع ويتوجه مثله أي المشتبه المذكور لو نسي بالبناء للمفعول أو اشتبه من لزمه قود بمن لا يلزمه فيحرم القتل وأن اشتبه ما أخذ من كفار بحق بما أخذ من مسلم بلا حقي فينبغي الكف عنهما نصا لحديث [ من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ] ولا جزية مدة أمان نصا لأنه لم يلتزمها ولعل المراد إذا لم يقم بدارنا سنة فأكثر كما تقدم ويعقد الأمان لرسول مستأمن لأنه E [ كان يؤمن رسل المشركين ] ولدعاء الحاجة إليه إذ لوقتلنا رسلهم لقتلوا رسلنا فتفوت مصلحة المراسلة ومن جاءنا بلا أمان وادعى أنه رسول أو تاجر ومعه ما يبيعه وصدقته عادة قبل منه ما أدعاه نصا وإلا تصدقه عادة فكأسير أو كان جاسوسا فكأسير فيخير فيه الإمام ومن جاءت به ريح من كفار أو ضل الطريق منهم أو أبق إلينا من رقيقهم أو شرد إلينا من دوابهم ف هو لآخده غير مخموس لأنه مباح وأخذه بغير قتال في دار الإسلام أشبه الصيد والحشيش ويبطل أمان برده من مستأمن لنقضه له و يبطل بخيانة لأنها غدر ولا يصلح في ديننا وان أودع مستأمن مالا أو أقرض مستأمن مسلما مالا أو تركه أي المال ببلاد الإسلام ثم عاد لدار حرب مستوطنا أو محاربا بقي أمان ماله لاختصاص المبطل بنفسه فيختص البطلان به وان عاد لدار الحرب رسولا أو لحاجة ونحوه فهو على أمانة في نفسه وماله أو انتقض عهد ذمي بقي أمان ماله لما تقدم ويأتي في آخر أحكام الذمة ما فيه ويبعث ماله إليه ان طلبه لبقاء الأمان فيه ويصح تصرفه فيه بنحو بيع وهبة لبقاء ملكه وان مات بدار حرب فماله بدار الإسلام لوارثه لأن الأمان حق لازم متعلق بالمال فبموته ينتقل لوارثه كسائر حقوقه من رهن وضمان وشفعة فإن عدم وارثه فلم يكن ففىء لبيت المال كمال ذمي لا وراث له وإن استرق رب المال وقف ماله حتى يتبين آخر أمره فان عتق أخده إن شاء وإن مات قنا فهو فيء لأن الرقيق لا يورث وان عاد إلى دار الإسلام ليأخذ ماله بلا أمان جاز قتله وسبيه لأن ثبوت الأمان في ماله لا يثبته لنفسه كما لو كان ماله بدار الإسلام وهو بدار الحرب وان أسر مسلم أي أسره الكفار فأطلق بشرط أن يقيم عندهم مدة معينة أو يقيم عندهم أبدا ورضي بالشرط لزمه الوفاء فليس له آن يهرب نصا لحديث [ المؤمنون عند شروطهم ] أو أطلق بشرط أن يأتي إلى دار الإسلام ويرجع إليهم أو أن يبعث إليهم مالا وان عجز عنه عاد إليهم ورضي لزمه الوفاء لحديث [ إنا لا يصلح في ديننا الغدر ] ولأن في الوفاء مصلحة للأساري وفي الغدر مفسدة عليهم لأنهم لا يؤمنون بعده مع دعاء الحاجة إليه وان أكرهوه عليه لم يلزمه الوفاء لهم ولو حلف لهم مكرها الا المرأة إذا أسرت ثم أطلقت بشرط ان ترجع إليهم فلا يحل لها أن ترجع لقوله تعالى : { فلا ترجعوهن إلى الكفار } ولأنه تسليط على وطئها حراما و ان أطلق بلا شرط أو بشرط كونه رقيقا فإن أمنوه فله الهرب فقط لعدم شرط المقام عندهم وشرط الرق باطل لأنه لا يثبت عليه بقوله وإلا يؤمنوه فيقتل ويسرق أيضا أي كما له الهرب لأنه لم يؤمنهم ولم يؤمنوه ولو جاء علج من كفار بأسير مسلم على أن يفادي المسلم بنفسه فلم يجد قال أحمد لم يرد ويفديه المسلمون أن لم يفد من بيت المال فهو فرض كفاية قال أحمد : والجبل أهون من السلاح ولا يبعث بالسلاح ولو جاءنا حربي بأمان ومعه مسلمة لم ترد معه ويرضى ليتركها بدار الإسلام ويرد الرجل ان لم يرض بتركه وان سبيت كافرة فجاء ابنها وطلبها وقال عندي أسير مسلم فأطلقوها لا حضره فقال له الإمام : أحضره فأحضره لزم اطلاقها لأن المفهوم منه أجابته فإن قال : لم أرد اجابته لم يجبر على ترك أسيره ويرد إلى مأمنه