إن طلقها ثلاثا في طهر لم يصبها فيه .
قوله وإن طلقها ثلاثا في طهر لم يصبها فيه : كره وفي تحريمه روايتان .
وأطلقهما في الهداية و المستوعب و الهادى و الكافى .
إحداهما : يحرم وهو المذهب نص عليه في رواية ابن هانئ و أبي داود و المروذي و أبي بكر بن صدقة و أبي الحارث وعليه جماهير الأصحاب .
وجزم به في العمدة و الوجيز و منتخب الأدمى البغدادى وغيرهم .
قال الشيخ تقى الدين وصاحب الفروع : اختاره الأكثر .
قلت : منهم أبو بكر وأبو حفص والقاضى والشريف وأبو الخطاب والقاضى أبو الحسين والمصنف والشارح وابن منجا في شرحه وابن رزين في شرحه .
قال في المذهب ومسبوك الذهب : أصح الروايتين أنه يحرم وقدمه في الخلاصة و الرعايتين و الفروع .
والرواية الثانية : ليس بحرام اختارها الخرقى وقدمها في الروضة و المحرر و النظم و الحاوى الصغير وجزم به في المنور .
قال الطوفى : ظاهر المذهب أنه ليس ببدعة .
قلت : ليس كما قال .
وعنه : الجمع في الطهر بدعة والتفريق في الأطهار من غير مراجعة سنة .
فعلى الرواية الثانية : يكون الطلاق على هذه الصفة مكروها .
ذكره جماعة من الأصحاب منهم المصنف هنا وقدمه في الفروع .
ونقل أبو طالب : هو طلاق السنة وقدمه في الرعايتين .
وعلى المذهب : ليس له أن يطلق ثانية وثالثة قبل الرجعة على الصحيح من المذهب .
قال الشيخ تقى الدين C : اختارها أكثر الأصحاب كأبى بكر والقاضى وأصحابه قال : وهو أصح .
وعنه : له ذلك قبل الرجعة .
فائدة : لو طلق ثانية وثالثة في طهر واحد بعد رجعة أو عقد : لم يكن بدعة بحال على الصحيح من المذهب جزم به في الرعاية وقدمه في الفروع .
وقدم في الانتصار رواية تحريمه حتى تفرغ العدة .
وجزم به في الروضة : فيما إذا رجع .
قال : لأنه طول العجة وأنه معنى نهيه تعالى بقوله ( 231 : 2 ) { ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدو } .
تنبيه : ظاهر كلام المصنف : أن طلاقها اثنتين ليس كطلاقها ثلاثا وهو صحيح اختاره المصنف والشارح وقدمه في الفروع .
وقيل : حكمه حكم الطلاق الثلاث جزم به في المحرر وتذكرته ابن عبدوس و الرعايتين و الحاوي الصغير وأطلقهما في القواعد الأصولية .
وقال : وقد يحسن بناء روايتى تحريم الطلاق من غير حاجة على أصل قاله أبو يعلى في تعليقه الصغير وأبو الفتح ابن المنى وهو : أن النكاح لا يقع إلا فرض كفاية وإن كان ابتداء الدخول فيه سنة انتهى .
وقال بعض الأصحاب : مأخذ الخلاف أن العلة في النهى عن جمع الثلاث : هل هى التحريم المستفاد منها أو تضييع الطلاق لا فائدة له ؟ فينبنى على ذلك جمع الطلقتين .
فائدة : إذا طلقها ثلاثا متفرقة بعد أن راجعها : طلقت ثلاثا بلا نزاع في المذهب وعليه الأصحاب منهم الشيخ تقى الدين C .
وإن طلقها ثلاثا مجموعة فبل رجعة واحدة : طلقت ثلاثا وإن لم ينوها على الصحيح من المذهب نص عليه مرارا وعليه الأصحاب بل الأئمة الأربعة رحمهم الله وأصحابهم في الجملة .
وأوقع الشيخ تقى الدين C من ثلاث مجموعة أو متفرقة قبل رجعة : طلقة واحدة وقال : لا نعلم أحدا فرق بين الصورتين .
وحكى عدم وقوع الطلاق الثلاث جملة بل واحدة - في المجموعة أو المتفرقة - عن جده المجد وأنه كان يفتى به أحيانا سرا .
ذكره عنه في الطبقات لأنه محجور عليه إذن فلا يصح كالعقود المحرمة لحق الله تعالى .
[ وظاهره : ولو وجب عليه فراقها لإمكان حصوله بخلع بعوض يعارض لفظ الطلاق ونيته فضلا عن حصول بنفس طلقة واحدة أو طلقات ] .
وقال عن قول عمر بن الخطاب رضى اللله عنه في إيقاع الثلاث : إنما جعله لإكثارهم منه فعاقبهم على الإكثار منه لما عصوا بجمع الثلاث فيكون عقوبة من لم يتق الله من التعزير الذى يرجع فيه إلى اجتهاد الأئمة كالزيادة على الأربعين في حد الخمر لما أكثر الناس منها وأظهروه : ساغت الزيادة عقوبة انتهى .
[ اختاره الحلى وغيره من المالكية لحديث صحيح في مسلم يقتضى أن المراد بالثلاث في ذلك ثلاث مرات لا أن المراد بذلك ثلاث تطليقات .
فعليه : لو أراد به الإقرار لزمته الثلاث اتفاقا إن امتنع صدقة وإلا فظاهرا فقط ] .
واختاره أيضا ابن القيم وغيره في الهدى وغيره وكثير من أتباعه .
قال ابن المنذر : هو مذهب أصحاب ابن عباس رضى الله عنهما - كعطاء وطاوس وعمرو بن دينار رحمهم الله - نقله الحافظ شهاب الدين أحمد بن حجر في فتح الباري شرح البخارى .
وحكى المصنف عن عطاء و طاوس و سعيد بن جبير و أبي الشعثاء و عمرو بن دينار أنهم كانوا يقولون : من طلق البكر ثلاثا فهى واحدة .
وقال القرطبى - في تفسيره على قوله تعالى ( 229 : 2 ) { الطلاق مرتان } - اتفق أئمة الفتوى على لزوم إيقاع الثلاث وهو قول جمهور السلف وشذ طاوس وبعض أهل الظاهر فذهبوا إلى أن الطلاق الثلاث في كلمة واحدة : يقع واحدة .
ويروى هذا محمد بن إسحاق والحجاج بن أرطاة .
وقال بعد ذلك : ولا فرق بين ان يوقع ثلاثا مجتمعة في كلمة أو متفرقة في كلمات ثلاث .
وقال بعد ذلك : ذكر محمد بن أحمد بن مغيث في وثائقه : أن الطلاق ينقسم إلى طلاق سنة وطلاق بدعة فطلاق البدعة : أن يطلقها في حيض أو ثلاثا في كلمة واحدة فإن فعل لزمه الطلاق .
ثم اختلف أهل العلم - بعد إجماعهم على أنه مطلق - كم يلزمه من الطلاق ؟ فقال علي وابن مسعود رضى الله عنهما : يلزمه طلقة واحدة وقاله ابن العباس رضى الله عنهما وقال : قوله ثلاثا لا معنى له لأنه لم يطلق ثلاث مرات وقاله الزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف رضى الله عنهما ورويناه عن ابن وضاح .
وقال به من شيوخ قرطبة : ابن زنباع ومحمد بن بقى بن مخلد ومحمد بن عبد السلام الخشنى ففيه عصره وأصبغ بن الحباب وجماعة سواهم .
وقد يخرج بقياس - من غير ما مسألة من المدونة - ما يدل على ذلك - وذكره - وعلل ذلك بتعاليل جيدة انتهى .
فوقوع الواحدة في الطلاق الثلاث - الذى ذكرناه هنا - لكونه طلاق بدعة : لا لكون الثلاث واحدة