إذا كان الماء في نهر غير مملوك كمياه الأمطار .
قوله وإذا كان الماء في نهر غير مملوك كمياه الأمطار فلمن في أعلاه أن يسقي ويحبس حتى يصل الماء إلى كعبه ثم يرسل إلى من يليه .
الماء إذا كان جاريا وهو غيره مملوك لا يخلو : إما أن يكون نهرا عظيما - كالنيل والفرات ودجلة وما أشبهها - أولا .
فإن كان نهرا عظيما : فهذا لا تراحم فيه ولكن واحد أن يسقي منه ماشاء متى شاء كيف شاء .
وإن كان نهرا صغيرا يزدحم الناس فيه ويتشاحون في مائه أو سيلا يتشاح فيه أهل الأرضين الشاربة منه : فإنه يبدأ بمن في أول النهر فيسقي ويحبس الماء حتى يصل إلى الكعبة نص عليه ثم يرسل إلى من يليه كذلك وعلى هذا إلى أن تنتهي الأراضي كلها فإن لم يفضل عن الأول شيء أو عن الثاني أو من يليهم : فلا شيء للباقين .
فإن كانت أرض صاحب الأعلى مختلفة منها ما هو مستعمل ومنها ما هو مستفل : سقى كل واحد منهما على حدتها قاله في المغني و الشرح وشرح الحارثي وغيرهم وقطعوا به .
وقال في الترغيب : إن كانت الأرض العليا مستفلة : سدها إذا سقي حتى يصعد إلى الثاني .
فائدتان .
إحداهما : لو استوى اثنان في القرب من أول النهر : اقتسما الماء بينهما إن أمكن وإن لم يمكن : أقرع بينهما فيقدم من قرع .
فإن كان الماء لا يفضل عن أحدهما : سقى من تقع له القرعة بقدر حقه من الماء ثم يتركه للآخر وليس له أن يسقي بجميع الماء لمساواة الآخر له وإنما القرعة للتقدم بخلاف الأعلى مع الأسفل فإنه ليس للأسفل حق إلا في الفاضل عن الأعلى قاله المصنف وغيره وهو واضح .
وإن كانت أرض أحدهما أكثر من أرض الآخر : قسم الماء بينهما على قدر الأرض .
الثانية : لو احتاج الأعلى إلى الشرب ثانيا قبل انتهاء سقي الأراضي : لم يكن له ذلك قدمه الحارثي ونصره .
وقال القاضي : له ذلك .
قوله فإن أراد إنسان إحياء أرض بسقيها منه : جاز ما لم يضر بأهل الأرض الشاربة منه .
إذا كان لجماعة رسم شرب من نهر غير مملوك أو سيل فجاء إنسان ليحيي مواتا أقرب إلى رأس النهر من أرضهم : لم يكن له أن يسقي قبلهم على المذهب .
واختاره الحارثي : أن له ذلك قال : وظاهر الأخبار المتقدمة وعمومها : بدل على اعتبار السبق إلى أعلى النهر مطلقا .
قال : وهو الصحيح .
وهل لهم منعه من إحياء ذلك الموات ؟ على وجهين وأطلقهما في المغني و الشرح و الفروع و الفائق .
أحدهما : ليس لهم منعه من ذلك .
قال : الحارثي : وهو أظهر وقدمه ابن رزين في شرحه وجزم به في الكافي .
والوجه الثاني : لهم منعه .
قال الحارثي : وهو المفهوم من إيراد الكتاب .
فعلى الأول : لو سبق إلى مسيل ماء أو نهر غير مملوك فأحيى في أسفله مواتا ثم أحيى آخر فوقه ثم أحيى ثالث فوق الثاني : كان للذي أحيى السفلى أولا .
ثم الثاني ثم الثالث فيقدم السبق إلى الإحياء على السبق إلى أول النهر وعلى ما اختاره الحارثي ينعكس ذلك .
فائدة : لو كان الماء بنهر مملوك كمن حفر نهرا صغيرا ساق إليه الماء من نهر كبير فما حصل فيه ملكه على الصحيح من المذهب .
ويجيء على قولنا إن الماء لايملك أن حكم هذا الماء في هذا النهر غير مملوك .
قلت : وفيه نظر لأنه بدخوله في نهره : كدخوله في قريته وروايته ومصنعه .
وعند القاضي ومن وافقه : أن الماء باق على الإباحة كما قبل الدخول إلا أن مالك النهر أحق به .
فعلى المذهب : لو كان لجماعة فهو بينهم على حسب العمل والنفقة .
فإن كفى جميعهم : فلا كلام وإن لم يكفهم وتراضوا على قسمته بالمهايأة أو غيرها : جاز .
فإن تشاحوا في قسمته : قسمه الحاكم بينهم على قدر أملاكهم .
فيأخذ خشبة صلبة أو حجرا مستوى الطرفين والوسط فيوضع على موضع مستوى من الأرض في مصدم الماء فيه حزوز أو ثقوب متساوية في السلعة على قدر حقوقهم يخرج من حز أو ثقب إلى ساقية مفردة لكل واحد منهم فإذا حصل في ساقيته : فله أن يسقي به ما شاء من الأرض سواء كان لها رسم شرب من هذا النهر أولم يكن وله أن يعطيه من يسقي به هذا الصحيح من المذهب قدمه في المغني و الشرح ونصراه .
وقدمه أيضا في المحرر و المغني و النظم و الفروع وغيرهم في باب القسمة .
ويأتي بعض ذلك مصرحا به في كلام المصنف في باب القسمة .
وقال القاضي : ليس له سقي أرض لها رسم شرب هذا الماء انتهى .
ولك واحد من الشركاء أن يتصرف في ساقيته المختصة به بما أحب : من عمل رحى عليها أو دولاب أوعبارة - وهي خشبة تمد على طريق النهر - أوقنطرة يعبر الماء فيها وغير ذلك من التصرفات .
فأما النهر المشترك : فليس لواحد منهم أن يتصرف فيه بشيء من ذلك .
قاله المصنف و ابن عقيل والقاضي والشارح وغيرهم .
وقال القاضي و ابن عقيل : هل له أن ينصب عبارة يجري الماء فيها من موضع آخر ؟ على روايتين نص عليهما فيمن أراد أن يجري ماءه في أرض غيره ليسقي زرعه وكان به حاجة إليه هل يجوز ؟ على روايتين .
زاد ابن عقيل : الأصح المنع وكذا قال المصنف .
قال المصنف والشارح والصحيح : أنه لا يجوز هنا ولا يصح قياس هذا على إجراء الماء في أرض غيره