باب الإجارات .
( وهي عقد على المنافع ) كسكنى الدار والحمل إلى مكان معين وخدمة الإنسان قال الله سبحانه : { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } 'سورة الطلاق : الآية 6 ' وقال تعالى : { قالت إحداهما يا أبت استأجره } 'سورة القصص : الآية 26 ' ولأن الحاجة تدعو إلى المنافع كالحاجة إلى الأعيان فلما جاز عقد البيع على الأعيان وجب أن يجوز عقد الإجارة على المنافع .
863 - ـ مسألة : ( وهي عقد لازم من الطرفين لا يملك أحدهما فسخها ) لأنها عقد بيع أشبهت بيوع الأعيان .
864 - ـ مسألة : ( ولا تنفسخ بموته ولا جنونه ) كالبيع ( وتنفسخ بتلف العين المعقود عليها أو انقطاع نفعها ) كما لو تلف المكيل قبل قبضه وكذلك إذا تعيبت كدار استأجرها فانهدمت أو أرض انقطع ماؤها لأن المنفعة المقصودة منها تعذرت فأشبه تلف العبد وفيه وجه آخر لا تنفسخ لأنه يمكن الانتفاع به بالسكنى في خيمة أو يجمع فيها حطبا أو متاعا لكن له الفسخ لأنها تعيبت .
865 - ـ مسألة : ( ولا تصح الإجارة إلا على نفع معلوم إما بالعرف كسكنى الدار وإما بالوصف كخياطة ثوب معين أو بناء حائط أو حمل شئ إلى موضع معين وضبط ذلك بصفاته ) فيشترط أن يكون النفع معلوما لأنه المعقود عليه فأشبه المبيع ويحصل العلم بالعرف كسكنى الدار شهرا والأرض عاما وبناء حائط يصف طوله وعرضه وارتفاعه ( كما يشترط معرفة الأجرة ) ويشترط معرفة الأجرة كما يشترط معرفة الثمن في المبيع .
866 - ـ مسألة : ( وإن وقعت الإجارة على عين فلا بد من معرفتها ) وإجارة العين تنقسم قسمين : أحدهما أن يكون على مدة كإجارة الدار شهرا أو العبد للخدمة أو للرعي مدة معلومة فيشترط معرفتها لأن الأعيان تختلف فتختلف أجرتها كما أن المبيعات تختلف فتختلف أثمانها القسم الثاني إجارتها لعمل معلوم كإجارة الدابة للركوب إلى موضع معين أو بقر لحرث مكان معين أو دراس زرع فتشترط معرفة العمل وضبطه بما لا يختلف كيلا يفضي إلى التنازع والاختلاف كما قلنا في المبيع .
867 - ـ مسألة : ( ومن استأجر شيئا فله أن يقيم مقامه من يستوفيه بإجارته أو غيرها إذا كان مثله أو دونه ) فإذا اكترى دارا فله أن يسكنها مثله ومن هو دونه في الضرر لأنه لم يزد على استيفاء حقه ولا يجوز أن يسكنها من هو أكثر ضررا منه لأنه يأخذ فوق حقه .
868 - ـ مسألة : ( وإن استأجر أرضا لزرع فله زرع ما هو أقل ضررا منه ) فإذا استأجر أرضا لزرع حنطة فله أن يزرع شعيرا أو باقلاء وليس له زرع ما هو أكثر ضررا منه كالدخن والذرة والقطن لأن ضررها أكثر ولا يملك الغرس ولا البناء لأنه أضر من الزرع .
869 - ـ مسألة : ( ولا يجوز له أن يخالف ضرره ضرره ) مثل القطن والحديد إذا اكترى لأحدهما لم يملك حمل الآخر لأن ضررهما يختلف فإن الحديد يجتمع في مكان واحد بثقله والقطن يتجافى وتهب فيه الريح فينصب الظهر فإن فعل شيئا من ذلك فعليه أجرة المثل لأنه استوفى منفعة غير التي عقد عليها فلزمه أجرة المثل كما لو استأجر أرضا لزرع شعير فزرعها قمحا أو كما لو حمل عليها من غير استئجار .
870 - ـ مسألة : ( وان اكترى إلى موضع فجاوزه ) كمن يكتري دابة إلى حمص فركبها إلى حلب ( أو لحمل شئ فيزيد عليه ) كمن اكترى لحمل قنطار فحمل قنطارا ونصفا ( فعليه الأجرة المذكورة وأجرة المثل للزائد ) لأنها غير مأذون فيها فلزمه أجرتها كما لو غصبها في الجميع وقال أبو بكر : عليه أجرة المثل للجميع لأنه عدل عن المعقود عليه إلى غيره فأشبه ما لو استأجر أرضا فزرع أخرى والأول أجود لأنه إنما عدل في الزيادة لا غير فنقول فعل المعقود عليه وزاد فلزمته الأجرة المذكورة للمعقود عليه وأجرة المثل للزيادة لأنها غير مأذون فيها أشبه ما لو استأجر أرضا فزرعها وزرع أخرى .
871 - ـ مسألة : ( ويلزمه ضمان العين إن تلفت ) بقيمتها سواء كان صاحبها معها أو لم يكن لأنها تلفت بالجناية عليها وسكوت صاحبها لا يسقط الضمان كمن جلس إلى جنب إنسان فخرق ثيابه وهو ساكت فإن الضمان يلزمه .
872 - ـ مسألة : ( وإن تلفت من غير تعد فلا ضمان عليه ) لأنه غير متعد .
873 - ـ مسألة : ( ولا ضمان على الأجير الذي يؤجر نفسه مدة بعينها فيما يتلف في يده من غير تفريط ) والإجارة على ضربين : خاص ومشترك فهذا هو الأجير الخاص الذي يؤجر نفسه مدة معلومة لخدمة أو خياطة أو رعاية شهرا أو سنة أو أكثر سمي خاصا لاختصاص المستأجر بمنفعته في تلك المدة دون سائر الناس لا ضمان عليه فيما يتلف في يده مثل أن تهلك الماشية معه أو تنكسر آله الحرث وما أشبه ذلك إذا لم يتعد لأنه أمين فلم يضمن من غير تعد كالمودع والتعدي أن ينام عن الماشية أو يغفل عنها حتى تبعد منه بعدا فاحشا فيأكلها الذئب أو يضرب الشاة ضربا كثيرا فيضمن بعدوانه والضرب الثاني الأجير المشترك وهو الذي يقع العقد معه على عمل معين كخياطة ثوب أو بناء حائط سمي مشتركا لأنه يعمل للمستأجر وغيره يتقبل أعمالا كثيرة في وقت واحد فيشتركون في منفعته فيضمن ما جنت يده مثل أن يدفع إلى حائك عملا فيفسد حياكته أو القصار يخرق الثوب بدقه أو عصره والطباخ ضامن لما فسد من طبيخه والخباز في خبزه لما روى جلاس بن عمرو أن عليا Bه كان يضمن الأجير ولأنه قبض العين لمنفعة من غير استحقاق وكان ضامنا لها كالمستعير .
874 - ـ مسألة : ( ولا ضمان على حجام ولا ختان أو طبيب إذا عرف منهم حذق الصنعة ولم تجن أيديهم ) إذا فعل هؤلاء ما أمروا به لم يضمنوا بشرطين : أحدهما أن يكونوا ذوي حذق وبصارة في صنعتهم ومعرفة بها والثاني ألا تجني أيديهم فيتجاوزوا ما أمروا به لأنهم إذا كانوا كذلك فقد فعلوا فعلا مأذونا فيه فلم يضمنوا سرايته كقطع الإمام يد السارق أو فعلا مباحا مأمورا به أشبه ما ذكرنا مسألة : فأما إذا لم يعرف منهم حذق الصنعة فلا يحل لهم مباشرة القطع فإن قطعوا مع هذا كان فعلا محرما فيضمن سرايته كالقطع ابتداء وإن كانوا حذاقا إلا أن أيديهم جنت مثل أن يتجاوز قطع الختان إلى الحشفة أو بعضها أو يقطع في غير محل القطع أو في وقت لا يصلح القطع فيه فإنه يضمن لأن الإتلاف لا يختلف ضمانه بالعمد والخطأ ولأن هذا فعل محرم فيضمن سرايته كالقطع ابتداء .
875 - ـ مسألة : ( ولا ضمان على الراعي إذا لم يتعد ) لأنه مؤتمن على حفظها فلم يضمن من غير تعد كالمودع والتعدي أن ينام عنها أو يتركها حتى تبعد عنه كثيرا وشبه ذلك إذا فعل هذا ضمن لأنه تلف بعدوانه .
876 - ـ مسألة : ( ويضمن القصار والخياط ونحوهما ممن يتقبل العمل ما تلف بعمله دون ما تلف من حرزه ) وذلك أن القصار إذا أتلف الثوب بقوة الدق والعصر والخياط بخياطته فإنه يضمن لأنه قبض العين لمنفعته فأشبه المستعير فأما إن تلفت من حرزه فلا يضمن لأنه أمين فأشبه المودع