باب الرهن .
783 - ـ مسألة : ( وكل ما جاز بيعه جاز رهنه وما لا فلا ) لأن المقصود من الرهن الاستيثاق بالدين باستيفائه من ثمنه عند تعذر استيفائه من الراهن وهذا يحصل مما يجوز بيعه فأما ما لا يصح بيعه فلا يصح رهنه كالحر وأم الولد لأن مقصود الرهن لا يحصل منه .
784 - ـ مسألة : ( ولا يصح إلا بالقبض ) لقوله سبحانه : { فرهان مقبوضة } 'سورة البقرة : الآية 283 ' ولأنه عقد إرفاق فافتقر إلى القبض كالقرض وعنه في غير المكيل والموزون أنه يلزم بمجرد العقد قياسا على البيع والمذهب الأول لأن البيع معاوضة وهذا إرفاق فهو أشبه بالقرض .
785 - ـ مسألة : ( وقبض المنقول بالنقل وبالتخلية فيما سواه ) وذلك لأن القبض في الرهن كالقبض في البيع والهبة فإن كان منقولا فقبضه نقله أو كالثوب والعبد والكتاب ونحو ذلك والمكيل رهنه بالكيل فقبضه اكتياله لقوله عليه السلا م : [ إذا سميت فكل ] وإن كان موزونا فقبضه بالوزن وقال ابن عمر : [ كنا نشتري الطعام من الركبان جزافا فنهانا رسول الله A أن نبيعه حتى ننقله من مكانه ] متفق عليه وأما العقار والثمار على الشجر فقبض ذلك بالتخلية بين مرتهنه وبينه من غير حائل بأن يفتح له باب الدار ويسلم إليه مفاتيحها .
786 - ـ مسألة : ( وقبض أمين المرتهن يقوم مقام قبضه ) لأنه وكيله ونائبه واستدامة القبض شرط في اللزوم كحالة الابتداء للآ ية وعنه أن القبض واستدامته في المتعين ليس بشرط في البيع فلم يشترط في الرهن .
787 - ـ مسألة : ( والرهن أمانة عند المرتهن وعند أمينه لا يضمنه إلا أن يتعدى ) فإن تلف بغير تعد منه فلا شئ عليه لأنه أمين فأشبه المودع .
788 - ـ مسألة : ( ولا ينتفع المرتهن بشئ من الرهن إلا ما كان مركوبا أو محلوبا فيحلب ويركب بقدر العلف ) متحريا للعدل في ذلك سواء تعذر الإنفاق من المالك أم لم يتعذر لما روى أبو هريرة Bه قال : [ قال رسول الله A : الرهن يركب بنفقته ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا وعلى الذي يركب ويشرب النفقة ] رواه البخاري وفي لفظ [ فعلى المرتهن علفها ولبن الدر ويشرب وعلى الذي يشرب نفقته ويركب ] .
789 - ـ مسألة : ( وللراهن غنمه من غلته وكسبه ونمائه ) لأنه نماء ملكه فأشبه غير المرهون ( لكنه يكون رهنا معه ) لأنه عقد وارد في الأصل فثبت حكمه في نمائه كالبيع وقال عليه السلام : [ الرهن من راهنه له غنمه وعليه غرمه ] .
790 - ـ مسألة : ( وعليه غرمه من مؤنته ومخزنه وكفنه إن مات ) ويلزمه جميع نفقته من كسوة وعلف وحرز وحائط وسقي وتسوية وجذاذ وتجفيف لما روي عن النبي A أنه قال : [ الرهن من راهنه له غنمه وعليه غرمه ] وهذا من غرمه لأنه ملكه فكانت عليه نفقته كالذي في يده ويلزمه كفنه إن مات كما يلزمه في الذي في يده .
791 - ـ مسألة : ( وإن أتلفه أو أخرجه من الرهن بعتق أو استيلاد فعليه قيمته تكون رهنا فلا يجوز للراهن عتق المرهون لأن فيه إضرارا بالمرتهن وإسقاط حقه اللازم له فإن فعل نفذ عتقه نص عليه لأنه محبوس لاستيفاء حق فنفذ فيه عتق المالك كالمحبوس على ثمنه وتؤخذ منه قيمته تكون رهنا مكانه لأنه أبطل حق الوثيقة بغير إذن المرتهن فلزمه قيمته كما لو قتله مسألة : وأما إذا وطىء جاريته المرهونة فأولدها خرجت من الرهن وأخذت منه قيمتها فجعلت رهنا وذلك أن الراهن ليس له وطء جاريته المرهونة لأنه يفضي بذلك إلى أن يخرجها من الرهن فيفوت حق المرتهن فإن وطئها فلا حد عليه لأنها ملكه فإن كانت بكرا فعليه ما نقصها إن شاء جعله رهنا وإن شاء جعله قضاء من الحق فإن لم تحمل منه فهي رهن بحالها كما لو استخدمها وإن ولدت فولده حر وتصير أم ولد له لأنه أحبلها في ملكه وتخرج من الرهن موسرا كان أو معسرا كما لو أعتقها وعليه قيمتها يوم أحبلها لأنها وقت إتلافها تجعل رهنا وكذلك إن تلفت بسبب الحمل .
792 - ـ مسألة : ( وإن جنى عليه غيره فهو الخصم فيه وما قبض بسببه فهو رهن ) فإن كانت الجناية عليه موجبة للقصاص فلسيده الاقتصاص وله أن يعفو لأنه مالكه فإن اقتص فعليه قيمة أقلها قيمة من العبد الجاني والعبد المرهون فإن كانت قيمة المرهون عشرة وقيمة الجاني مائة لم يلزمه إلا عشرة لأنه إنما فوت على المرتهن عشرة وإن كانت قيمة المرهون مائة وقيمة الجاني عشرة لم يلزمه إلا عشرة لأن هذا هو المقدار الذي فوته على المرتهن يجعل ذلك رهنا مكانه في أحد الوجهين لأنه أتلف مالا بسبب إتلاف الرهن فغرم قيمته كما لو كانت الجناية موجبة للمال والوجه الثاني لا شئ عليه لأنه لم يجب بالجناية مال ولا استحق بحال وليس على الراهن السعي للمرتهن في اكتساب مال وكذلك إن جنى على سيده فاقتص منه أو ورثته مسألة : وإن عفا السيد عن مال أو كانت الجناية موجبة للمال فاقتص منه جعل رهنا مكانه لأنه بدل عنه فقام مقامه وإن عفا السيد عن السيد عن مال لم يصح عفوه عنه كما لو قبضه المرتهن ويلزمه العفو في حقه فإذا فك الرهن رد إلى الجاني وقال أبو الخطاب يصح عفو السيد عن المال ويؤخذ منه قيمته تكون رهنا لأنه أتلفه بعفوه وقال القاضي : تؤخذ قيمته من الجاني فتجعل مكانه فإذا زال الرهن ردت إلى الجاني كما لو أقر على عبده المرهون بالجناية .
مسألة : وإن عفا السيد عن القصاص إلى غير مال انبنى على موجب العمد فإن قلنا أحد شيئين فهو كالعفو عن المال وإن قلنا القصاص فهو كالاقتصاص وفيه وجهان .
793 - ـ مسألة : ( وإن جنى الرهن فالمجني عليه أحق برقبته ) وقدم على الحق المرتهن لأنه فداؤه فإن يقدم على المالك فأولى أن يقدم على المرتهن ولسيده فداؤه ( فإن فداه فهو رهن بحاله ) فإن كان أرش الجناية أكثر من ثمنه فطلب المجني عليه تسليمه للبيع أراد الراهن فداءه فله ذلك لأنه حق المجني عليه في قيمته لا في عينه ولسيده الخيار بين أن يسلمه الى ولي الجناية فيملكه وبين أن يفديه بالأقل من قيمته أو أرش جنايته لأنه لا يلزمه أكثر من قيمة العبد ولا أكثر من الجناية فإن كانت قيمته عشرين وأرش الجناية عشرة أو قيمته عشرة وأرش الجناية عشرين لم يلزمه أكثر من عشرة لأنها أقل الأمرين منهما لأن ما يدفعه عوض عنه فلم يلزمه أكثر من قيمته وعنه يلزمه أرش جنايته كلها أو تسليمه لأنه ربما رغب فيه راغب فاشتراه بأكثر من قيمته فينتفع به المجني عليه فإن فداه فهو رهن بحاله لأن حق المرتهن لم يبطل وإنما قدم حق المجني عليه لقوته فإذا زال ظهر حق المرتهن وإن سلمه بطل الرهن لما ذكرنا .
794 - ـ مسألة : ( وإذا حل الدين فلم يوفه الراهن بيع ووفى الحق من ثمنه وباقيه للراهن ) وذلك أن الراهن إذا امتنع من وفاء الدين عند حلوله فإن كان أذن المرتهن في بيعه أو للعدل الذي هو في يده باعه ووفى الدين لأن هذا هو المقصود من الرهن وقد باعه بإذن صاحبه في قضاء دينه فيصح كما في غير الرهن وإلا رفع الأمر إلى الحاكم فيجبره على وفاء الدين أو بيع الرهن فإن لم يفعل باعه الحاكم وقضى دينه لأن ولاية الحاكم على ذلك نافذة ولأن مقتضى الرهن الإيفاء من ثمنه فجاز للحاكم ذلك كما لو أذن فيه .
795 - ـ مسألة : ( وإذا شرط المرتهن أو الضمين في بيع فأبى الراهن أن يسلمه أو أبى الضمين أن يضمن خير البائع بين الفسخ أو إقامته بلا رهن ولا ضمين ) وذلك أن البيع بهذا الشرط صحيح والشرط صحيح أيضا لأنه من مصلحة العقد غير مناف لمقتضاه ولا نعلم في صحته خلافا إذا كان معلوما فيشترط معرفة الرهن والضمين معا إما بالمشاهدة أو الصفة التي يعلم بها الموصوف كما في السلم ويتعين القبض ويعرف الضمين بالإشارة إليه أو تعريفه بالاسم والنسب ولا يصح بالصفة بأن يقول رجل غني من غير تعيين لأن الصفة لا تأتي عليه بخلاف الرهن ولو قال بشرط رهن أو ضمين لكان فاسدا لأن ذلك يختلف وليس له عرف ينصرف إليه بالإطلاق إذا ثبت هذا فإن المشتري إذا وفى بالشرط وسلم الرهن أو ضمن له الضمين لزم البيع وإن امتنع الراهن من تسليم الرهن أو أبى الضامن أن يضمن عنه فللبائع الخيار بين فسخ البيع - لأنه إنما بذل ماله بهذا الشرط فإذا لم يسلم له استحق الفسخ كما لو لم يأته بالثمن - وبين إتمامه أو الرضى به بلا رهن ولا ضمين لأن ذلك حقه وقد أسقطه فيلزمه البيع عند ذلك كما لو لم يشترطه