باب أركان الحج والعمرة .
655 - ـ مسألة : ( أركان الحج : الوقوف بعرفة ) فلا يتم الحج إلا به إجماعا وروى عبد الرحمن بن يعمر الديلي قال : [ أتيت النبي A بعرفة فجاءه نفر من أهل نجد فقالوا يا رسول الله كيف الحج ؟ قال : الحج عرفة فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جمع فقد تم حجه ] أخرجه أبو داود وابن ماجه قال محمد بن يحيى : ما أرى للثوري حديثا أشرف منه ( وطواف الزيارة ) ركن لا يتم الحج إلا به [ بدليل قول النبي A حين ذكر له أن صفية حاضت قال : أحابستنا هي ؟ قيل إنها قد أفاضت يوم النحر قال فلتنفر إذا ] فدل على أن هذا الطواف لا بد منه وأنه حابس لمن لم يأت به .
656 - ـ مسألة : فصل ( وواجباته : الإحرام من الميقات والوقوف بعرفة إلى الليل والمبيت بمزدلفة إلى نصف الليل والسعي والمبيت بمنى والرمي والحلق وطواف الوداع ) فهي ثمانية أما الإحرام فهو أن ينوي الدخول في العبادة قال ابن عباس : [ أوجب رسول الله A الإحرام حين فرغ من صلاته ] وفي حديث جابر : [ أمرنا النبي A لما أحللنا أن نحرم إذا توجهنا إلى منى ] وفي حديث : [ أمر النبي A أصحابه أن يهلوا بالحج إذا خرجوا إلى منى وأمرهم بالإحرام ] والأمر يقتضي الوجوب ويستحب النطق بذلك كما في صلاة الفرض ويحرم من الميقات كما فعل النبي A وقد قال : خذوا عني مناسككم وأما الوقوف بعرفة إلى الليل فواجب ليجمع بين الليل والنهار في الوقوف بعرفة فإن النبي A : وقف بعرفه حتى غابت الشمس كذا في حديث عروة بن مضرس : [ من شهد صلاتنا ووقف معنا حتى ندفع ووقف بعرفة قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه ] قال الترمذي : حديث صحيح فإذا تركه فعليه دم لقول ابن عباس : من ترك نسكا فعليه دم وأما المبيت بمزدلفة فواجب لما في حديث جابر [ أن النبي A صلى الصبح حين تبين له الصبح ] يعني بالمزدلفة وفي حديث ابن مسعود : [ صلى الفجر حين طلع الفجر ] وهذا دليل على أنه بات بها وقد قال : خذوا عني مناسككم فإن دفع قبل نصف الليل فعليه دم لأنه لم يبت وإن دفع بعد نصف الليل فلا شئ عليه لأنه يكون قد بات ولأن النبي A أرخص للعباس في ترك المبيت بمزدلفة لأجل سقايته وللرعاة من أجل رعايتهم وذلك دليل على وجوبه على غيرهم لكونه سقط عن هؤلاء رخصة وعنه أن المبيت بها غير واجب ولا شئ على تاركه والمذهب الأول لما سبق .
فصل : وأما السعي فعن أحمد C أنه لا يتم الحج إلا به ولا ينوب عنه دم بوجه وهو قول عائشة وعروة وعنه أنه مستحب ولا يجب بتركه دم روي ذلك عن ابن عباس وأنس وعبد الله بن الزبير فإن الله تعالى قال : { فلا جناح عليه أن يطوف بهما } 'سورة البقرة : الآية 158 ' وفي مصحف أبي وابن مسعود : فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما وهذا إن لم يكن قرآنا فلا ينحط عن درجة الخبر لأنهما يرويانه عن النبي A واختار القاضي أن يكون حكمه حكم الرمي يكون واجبا ينوب عنه الدم ووجه الأول ما روى مسلم عن عائشة Bها قالت : [ طاف رسول الله A وطاف المسلمون بين الصفا والمروة فكانت سنة فلعمري ما أتم الله حج من لم يطف بين الصفا والمروة ] وأما الآية فنزلت لما تحرج المسلمون من السعي بين الصفا والمروة كذلك قالت عائشة وروي عن حبيبة بنت أبي تجراة قالت : دخلت مع نسوة من قريش دار آل أبي حسين ننظر إلى رسول الله A وهو يسعى بين الصفا والمروة وإن مئزره يدور في وسطه من شدة سعيه حتى أقول إني لأرى ركبتيه وسمعته يقول : اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي قال شيخنا : وقول القاضي أقرب إلى الحق إن شاء الله تعالى فإن ما روت عائشة من فعل النبي A وفعل أصحابه دليل على وجوبه ولا يلزم كونه ركنا كالرمي والحلاق وغيرهما وقول عائشة يعارضه قول غيرها فمن مذهبه أنه ليس بواجب وحديث بنت أبي تجراة قال ابن المنذر : يرويه عبد الله بن المؤمل وقد تكلموا في حديثه ثم هو يدل على أنه مكتوب وهو الواجب .
657 - ـ مسألة : فصل : والمبيت بمنى واجب وعنه أنه غير واجب قال ابن عباس Bه : إذا رميت فبت حيث شئت ووجه الأولى ما سبق من الترخيص للعباس في المبيت بمزدلفة .
658 - ـ مسألة : فصل : والرمي واجب قالت عائشة : [ ثم رجع رسول الله A إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمي الجمرات إذا زالت الشمس ] رواه أبو داود وقال جابر : [ رأيت رسول الله A يرمي الجمرة ضحى يوم النحر ورمى بعد ذلك بعد زوال الشمس ] أخرجه مسلم وقد قال : خذوا عني مناسككم .
659 - ـ مسألة : فصل : والحلق واجب لأن النبي A فعله قال أنس : [ إن النبي A رمى جمرة العقبة يوم النحر ثم رجع إلى منزله دفعا بذبح ثم دعا بالحلاق فأخذ بشق رأسه الأيمن فحلقه فجعل يقسم بينه وبين من يليه الشعرة والشعرتين ثم أخذ بشق رأسه الأيسر فحلقه ثم قال هاهنا أبو طلحة فدفعه إلى أبي طلحة ] رواه أبو داود وقد قال : خذوا عني مناسككم وأمر بالتقصير وروي عن ابن عمر [ أن النبي A قال : من لم يكن له هدي فليطف بالبيت وبين الصفا والمروة وليقصر وليحلل ] وهو أمر والأمر يقتضي الوجوب .
660 - ـ مسألة : فصل : وطواف الوداع واجب بدليل ما سبق من حديث ابن عباس : [ أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض ] .
661 - ـ مسألة : ( وأركان العمرة الطواف ) لأن النبي A أمر به فروى ابن عمر أن النبي A قال : من لم يكن معه هدي فليطف بالبيت وبين الصفا والمروة وليقصر وليحلل وأمره يقتضي الوجوب متفق عليه ولأنه طواف في عبادة كان ركنا فيها كالحج .
662 - ـ مسألة : ( وواجباتها الإحرام والسعي والحلق ) كما في الحج وفعل النبي A ذلك وقد قال : خذوا عني مناسككم وقد أمر بالحلق في حديث ابن عمر بقوله : فليقصر وليحلل والتقصير مقام الحلق .
663 - ـ مسألة : ( فمن ترك ركنا لم يتم نسكه إلا به ) لما سبق ( ومن ترك واجبا جبره بدم ) لما سبق ( ومن ترك سنة فلا شئ عليه ) لأنه ترك سنة في عبادة فلم يلزمه لها جبران كالصلاة .
664 - ـ مسألة : ( ومن لم يقف بعرفة حتى طلع الفجر من يوم النحر فقد فاته الحج فيتحلل بطواف وسعي وينحر هديا إن كان معه وعليه القضاء ) في هذه المسألة أربعة فصول : الأول [ أن آخر وقت الوقوف آخر ليلة النحر فمن لم يدرك الوقوف حتى طلع الفجر فاته الحج لا نعلم في ذلك خلافا قال جابر : لا يفوت الحج حتى يطلع الفجر من ليلة جمع قال أبو الزبير فقلت له : أقال رسول الله A ذلك ؟ قال : نعم ] رواه الأثرم الثاني [ أن يتحلل بطواف وسعي وحلاق ] هذا الصحيح من المذهب روي ذلك عن عمر وابن عمر وزيد وابن عباس وابن الزبير ولم يعرف لهم مخالف فكان إجماعا وروى الأثرم بإسناده أن هبار بن الأسود حج من الشام فقدم يوم النحر فقال له عمر : ما حبسك ؟ قال : حسبت أن اليوم عرفة قال : فانطلق إلى البيت فطف به سبعا وإن كانت معك هدية فانحرها ثم إذا كان عام قابل فاحجج وإن وجدت سعة فاهد فإن لم تجد فصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعت وروى البخاري [ عن عطاء أن النبي A قال : من فاته الحج فعليه دم وليجعلها عمرة وليحج من قابل ] ولأنه يجوز فسخ الحج إلى العمرة من غير فوات فمع الفوات أولى إذا ثبت هذا فإنه يجعلها عمرة لحديث عطاء وهو قول من ذكرناه من الصحابة الثالث أنه يلزمه القضاء من قابل سواء كان الفائت واجبا أو تطوعا روي ذلك عن جماعة من الصحابة وعن أحمد أنه لا قضاء عليه بل إن كانت فرضا فعلها بالوجوب السابق وإن كانت نفلا سقطت [ لأن النبي A لما سئل عن الحج أكثر من مرة ؟ قال : بل مرة واحدة ] ولو أوجبنا القضاء كان أكثر من مرة ولأنها عبادة تطوع بها فإذا فاتت لم يلزمه قضاؤها كسائر التطوعات وعلى هذا يحمل قول الصحابة عن من كان حجه مفروضا والرواية الأولى أولى لما ذكرنا من الحديث وإجماع الصحابة لأن الحج يلزم بالشروع فيصير كالمنذور بخلاف سائر التطوعات وأما الحديث فإنه أراد الواجب بأصل الشرع حجة واحدة وهذا إنما تجب بإيجابه لها بالشروع فيها فتصير كالمندورة أو إذا قضى أجزأه القضاء عن الحجة الواجبة لا نعلم فيه خلافا الرابع أن الهدي يلزم من فاته الحج في أصح الروايتين وهو قول مر كالمنذور بخلاف سائر التطوعات وأما الحديث فإنه أراد الواجب بأصل الشرع حجة واحدة وهذا إنما تجب بإيجابه لها بالشروع فيها فتصير كالمنذورة وإذا قضى أجزأه القضاء عن الحجة الواجبة لا نعلم فيه خلافا الرابع أن الهدي يلزم من فاته الحج في أصح الروايتين وهو قول من سمينا من الصحابة في الفصل الثاني والرواية الأخرى لا هدي عليه لأنه لو كان الفوات سببا لوجوب الهدي للزم المحصر هديان للفوات والاحصار ولنا قول الصحابة وحديث عطاء ولأنه تحلل من إحرامه قبل اتمامه فلزمه الهدي كالمحصر والمحصر لم يف حجه ويخرج الهدي في سنة القضاء نص عليه والحجة فيه حديث عمر المذكور في الفصل الثاني .
665 - ـ مسألة : ( وإن أخطأ الناس العدد فوقفوا في غير يوم عرفة أجزأهم ذلك ) لأنه لا يؤمر مثل ذلك في القضاء فيشق ( وإن فعل ذلك نفر منهم فقد فاتهم الحج ) لتفريطهم وقد روي أن عمر Bه قال لهبار : ما حبسك ؟ قال : كنت أحسب أن اليوم عرفة فلم يعذره بذلك .
666 - ـ مسألة : ( ويستحب لمن حج زيارة قبر النبي A وقبري صاحبيه Bهما ) قال أحمد في رواية عبد الله عن يزيد بن قسيط عن أبي هريرة [ أن رسول الله A قال : ما من أحد يسلم علي عند قبري إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام ]