باب محظورات الإحرام .
576 - ـ مسألة : ( وهي تسعة : حلق الرأس وقلم الظفر : ففي ثلاثة منها دم وفي كل واحد مما دونها مد طعام وهو ربع الصاع ) أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع عن أخذ شعره إلا من عذر والأصل فيه قول الله سبحانه : { لا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله } 'سورة البقرة : الآية 196 ' وروى البخاري ومسلم عن كعب بن عجرة عن النبي A أنه قال له : لعلك تؤذيك هوام رأسك قال : نعم يا رسول الله فقال رسول الله A : احلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين أو انسك شاة وهذا يدل على أن الحلق قبل ذلك محرم وشعر الرأس والجسد في ذلك سواء .
وأجمعوا على أن المحرم ممنوع من تقليم أظفاره إلا من عذر ولأن قطع الأظفار إزالة جزء يترفه به فحرم كإزالة الشعر إلا أن ينكسر فله إزالته من غير فدية قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن للمحرم أن يزيل ظفره بنفسه إذا انكسر لأنه يؤذيه ويؤلمه أشبه الشعر يطلع في عينه والصائل يصول عليه والقدر الذي يجب به الدم أن يحلق ثلاث شعرات فصاعدا قال القاضي : هذا المذهب لأنه شعر آدمي يقع عليه اسم الجمع المطلق فجاز أن يتعلق به الدم كالربع وعنه أن القدر الذي يجب به الدم أربع شعرات وهو اختيار الخرقي لأنها كثير فوجب بها الدم كالربع فصاعدا .
( فصل ) والفدية الواجبة بحلق الشعر هي المذكورة في حديث كعب بن عجرة وقد سبق وهي على التخيير لأنه ذكرها بلفظ أو وهي على التخيير .
( فصل ) وفي كل واحدة فما دونها مد من طعام يكون ضمانا لها يعني ما دون الثلاث لأن ما ضمنت جملته ضمنت أبعاضه كالصيد وعنه في كل شعرة قبضة من طعام روي ذلك عن عطاء وعنه في الشعرة درهم وفي الشعرتين درهمين والأول أولى لما سبق والأظفار كالشعر ومقيسة عليها .
577 - ـ مسألة : ( وإن خرج في عينه شعر فقلعه أو نزل شعره فغطى عينيه أو انكسر ظفر فقصه فلا شئ عليه ) لما سبق ( الثالث لبس المخيط إلا أن لا يجد إزارا فيلبس سراويل أو لا يجد نعلين فيلبس خفين ولا فدية عليه ) قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من لبس القميص والسراويل والخفاف والبرانس والأصل في هذا ما روى ابن عمر [ أن رجلا سأل رسول الله A : ما يلبس المحرم من الثياب ؟ فقال رسول الله A : لا تلبسوا القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما من أسفل من الكعبين ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسه الزعفران ولا الورس ] متفق عليه وروى ابن عباس Bه قال : [ سمعت رسول الله A يخطب بعرفات : من لم يجد نعلين فليلبس الخفين ومن لم يجد إزارا فليلبس سراويل المحرم ] متفق عليه وهو ظاهر في إسقاط الفدية لأنه لم يذكرها .
578 - ـ مسألة : ( الرابع تغطية الرأس والأذنان منه ) لا نعلم في هذا خلافا بين أهل العلم قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من تخمير رأسه والأصل فيه نهي النبي A عن لبس العمائم والبرانس وقوله في المحرم الذي وقصته راحلته : [ لا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا ] أخرجه البخاري علل منع تغطية رأسه ببقائه على إحرامه فعلم أن المحرم ممنوع من ذلك وكان ابن عمر يقول : [ إحرام الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها وإنه عليه السلام نهى أن يشد المحرم رأسه بالسير وفائدة قوله : والأذنان من الرأس أي يحرم تغطيتهما وقد قال عليه السلام : الأذنان من الرأس ] .
579 - ـ مسألة : ( الخامس الطيب في بدنه وثيابه ) أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من الطيب وقد [ قال النبي A في المحرم الذي وقصته راحلته : لا تحنطوه ] متفق عليه وفي لفظ لمسلم [ لا تمسوه بطيب ] فلما منع الميت الطيب لإحرامه كان الحي أولى بذلك وعليه الفدية لذلك ومعنى الطيب كل ما يعد للشم كالمسك والكافور والعنبر والغالية والزعفران وما أشبه ذلك مما تطيب رائحته .
580 - ـ مسألة : ( السادس قتل الصيد وهو ما كان وحشيا مباحا ) لا خلاف بين أهل العلم في تحريم قتل الصيد واصطياده على المحرم وقد قال سبحانه : { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } ' سورة المائدة : الآيه 95 ' وقال تعالى : { وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } 'سورة المائدة : الآية 96 ' ( وأما الأهلي فلا يحرم ) لأنه ليس بصيد وإنما حرم الصيد والحرام ليس بصيد أيضا لأنه محرم ( وأما صيد البحر فإنه مباح ) قال سبحانه : { أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة } 'سورة المائدة : الآية 96 ' .
581 - ـ مسألة : ( السابع عقد النكاح حرام ) لقوله عليه السلام : [ لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب ] متفق عليه من رواية عثمان Bه نهى والنهي يقتضي التحريم وإن زوج أو تزوج فلا فدية عليه لأنه عقد فسد لأجل الإحرام فلم تجب به الفدية كشراء الصيد .
582 - ـ مسألة : ( الثامن المباشرة لشهوة فيما دون الفرج فإن أنزل بها فعليه بدنة وإن لم ينزل فعليه شاة وحجه صحيح ) لا نعلم أحدا قال بفساد حجه ولأنها مباشرة فيما دون الفرج عريت عن الإنزال فلم يفسد بها الحج كاللمس والمباشرة لا توجب الاغتسال فأشبهت اللمس وعليه الفدية لأنه هتك الإحرام بذلك الفعل كما لو تطيب أو لبس والفدية شاة لأنها ملامسة لم يقترن بها الإنزال فأشبه لمس ما دون الفرج فأما إن أنزل فعليه بدنة لأنه جماع اقترن به الإنزال فأوجب بدنة كما لو كان في الفرج وهل يفسد حجه بذلك على روايتين إحداهما لا يفسد نص عليه أحمد لأنه استمتاع لا يجب بنوعه الحد فلا يفسد به الحج كما لو لم ينزل الثانية يفسد نص عليه لأنها عبادة يفسدها الوطء فأفسدها الإنزال عن مباشرة كالصائم اختارها أبو بكر والخرقي ومن نصر الأولى قال : الأصل عدم الإفساد والجماع إنما هو الوطء في الفرج ولا يصح إلحاق غيره به فإنه أعظم ولذلك لا يختلف الحال فيه بين الإنزال أو عدمه ويجب بنوعه الحد ويتعلق به اثنا عشر حكما فكيف يلحق به ما دونه مع أن شرط القياس التساوي ولا يصح قياسه على الصيام فإن الصيام يخالف الحج في المفسدات كذلك يفسد بالإنزال بتكرر النظر والمذي إذا لمس ويفسده الأكل والشرب وغيرهما والحج لا يفسده إلا الوطء فكيف يصلح إلحاقه به ولا حجة فيه من نص ولا إجماع فلا يثبت فيه حكم الإفساد .
583 - ـ مسألة : ( والتاسع الوطء في الفرج فإن كان قبل التحلل الأول فسد الحج ووجب المضي في فاسده والحج من قابل ) أما فساد الحج في الجماع في الفرج فليس فيه خلاف قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن الحج لا يفسد بإتيان شئ في حال الإحرام إلا الجماع والأصل في ذلك ما روي [ عن ابن عمر أن رجلا سأله فقال : إني وقعت على امرأتي ونحن محرمان فقال : أفسدت حجك انطلق أنت وامرأتك مع الناس فاقض ما يقضون وحل إذا حلوا فإذا كان العام المقبل فحج أنت وامرأتك وأهديا هديا فإن لم تجدا هديا فصوما ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتما ] وكذلك قال ابن عباس وعبد الله بن عمرو ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم وروى حديثهم الأثرم في سننه وزاد في حديث ابن عباس : ويفترقان من حيث يحرمان ولا يجتمعان حتى يقضيا حجهما قال ابن المنذر : قول ابن عباس أعلى شئ روي فيمن وطىء في حجه وروي ذلك عن عمر Bه .
584 - ـ مسألة : ( ويجب على المجامع بدنة ) روي ذلك عن ابن عباس لأنه جماع صادف إحراما تاما فوجبت به البدنة كبعد الوقوف هذا إذا وطىء قبل التحلل الأول لأنه يكون قد وطىء في إحرام تام ( وإن كان بعد التحلل الأول ففيه شاة ويحرم من التنعيم ليطوف محرما ) ولا يفسد حجه وهو قول ابن عباس وذلك لقول النبي A : [ من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه ] رواه أبو داود ولأن الحج عبادة لها تحللان فوجود المفسد بعد تحللها الأول لا يفسدها كما بعد التسليمة الأولى في الصلاة والواجب شاة لأنه وطء لم يفسد الحج فلم يوجب الفدية كما لو وطىء دون الفرج إذا لم ينزل ولأن حكم الإحرام خف بالتحلل الأول فينبغي أن يكون موجبه دون موجب الإحرام التام ويحرم من التنعيم لأن إحرامه فسد بالوطء كما يفسد به قبل التحلل الأول فيجب أن يحرم ليأتي بالطواف في إحرام صحيح لأن الطواف ركن فيجب أن يأتي به في إحرام صحيح كالوقوف وإنما لزمه أن يحرم من التنعيم ليجمع فيه بين الحل والحرم ثم يطوف للزيارة ويسعى ويتحلل .
585 - ـ مسألة : ( وإن وطئ في العمرة أفسدها ولا يفسد النسك بغيره ) قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن الحج لا يفسد بإتيان شئ في حال الإحرام إلا الجماع والعمرة كالحج .
586 - ـ مسألة : ( والمرأة كالرجل إلا أن إحرامها في وجهها ولها لبس المخيط ) وذلك لأن أمر النبي A المحرم باجتناب شئ يدخل فيه الرجال والنساء فما ثبت في حق الرجل فمثله في حق المرأة لكن استثنى منه لبس المخيط والتظليل مبالغة في ستر المرأة لأنها عورة كلها إلا وجهها فتجردها يفضي إلى انكشافها فأبيح لها هذا ولهذا أبحنا للمحرم عقد الإزار لئلا يسقط فتنكشف العورة ولم يبح عقد الرداء وهذا مما لا نعلم فيه خلافا قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المرأة ممنوعة مما منع عنه الرجال إلا بعض اللباس وأجمع أهل العلم على أن للمحرمة لبس القميص والدرع والسراويلات والخمر والخفاف وفي حديث ابن عمر [ أنه سمع رسول الله A نهى النساء في إحرامهن عن لبس القفازين والنقاب ] وتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب من معصفر أو خز أو حلي أو سراويل أو قميص أو خف وهذا صريح والمعني باللبس هاهنا المخيط من القميص والدروع والسراويلات وما يستر الرأس والخفاف ونحو ذلك وقوله : إحرامها في وجهها يعني أن المرأة يحرم عليها في الإحرام تغطية وجهها كما يحرم على الرجل تغطية رأسه ولا نعلم في هذا اختلافا إلا ما روي عن أسماء أنها كانت تغطي وجهها قال ابن المنذر ويحتمل أن يكون معنى هذا كما قالت عائشة وهو ما روى أبو داود والأثرم عن عائشة قالت : [ كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله A فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه ] وهذا لفظ أبي داود ولأن بالمرأة حاجة إلى ستر وجهها فلا يحرم علية ستره على الإطلاق كالعورة من الرجل