باب الإحرام .
563 - ـ مسألة : ( من أراد الإحرام استحب له أن يغتسل ) لأنه ثبت [ أن النبي A أمر أسماء بنت عميس وهي نفساء أن تغتسل عند الإحرام ] [ وأمر عائشة أن تغتسل عند الإهلال وهي حائض ] وقد [ روى خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه أنه رأى النبي A تجرد لإهلاله واغتسل ] رواه الترمذي وقال : حديث حسن غريب .
564 - ـ مسألة : ( ويستحب له أن يتنظف ) بإزالة الشعث وقطع الرائحة وحلق شعر العانة ونتف الإبط وتقليم الأظافر ونحو ذلك لأنه أمر يسن له الاغتسال أشبه الجمعة ( ويسن له الطيب ) لأنه مكان يجتمع الناس فيه أشبه الجمعة .
565 - ـ مسألة : ( ويتجرد عن المخيط في إزار ورداء أبيضين نظيفين ) فإن رسول الله A قال : [ فليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين ] قال ابن المنذر : ثبت ذلك عن رسول الله A [ وقال E : إذا لم يجد إزارا لبس السراويل وإذا لم يجد نعلين فليلبس الخفين ] .
566 - ـ مسألة : ( ثم يصلي ركعتين ) ويستحب له أن يحرم عقيب الصلاة فإن حضرت مكتوبة صلاها وأحرم عقيبها وإلا صلى ركعتين تطوعا وأحرم عقيبها قال الأثرم : قلت لأبي عبد الله أيما أحب إليك الإحرام في دبر الصلاة أو إذا استوت به ناقته ؟ قال : كل قد جاء في دبر الصلاة وإذا علا البيدا أو إذا استوت به ناقته فوسع فيه كله وقال سعيد بن جبير [ ذكرت لابن عباس إهلال رسول الله A فقال : أوجب رسول الله A الإحرام حين فرغ من صلاته ثم خرج فلما ركب راحلته واستوت به قائمة أهل فأدرك ذلك منه قوم فقالوا أهل حين علا البيداء ] رواه أبو داود فأخذ به أحمد لأن فيه بيانا وفضل علم فتعين الأخذ به .
567 - ـ مسألة : ( ويحرم عقيبهما وهو أن ينوي الإحرام ) بقلبه ولا ينعقد الإحرام بغير نية لقوله عليه السلام : [ إنما الأعمال بالنيات ] ويكون عقيب الصلاة لقول ابن مسعود : أوجب رسول الله A الإحرام حين فرغ من صلاته .
568 - ـ مسألة : ( ويستحب أن ينطق بما أحرم به ويشترط فيقول : اللهم إني أريد النسك الفلاني فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني ) ويفيد الاشتراط أنه إذا عاقه عائق من عدو أو مرض أو ذهاب نفقة فله التحلل ولا دم عليه ولا صوم لما روى ابن عباس [ أن ضباعة أتت النبي A فقالت : يا رسول الله إني أريد الحج فكيف أقول ؟ قال : قولي : لبيك اللهم لبيك ومحلي من الأرض حيث تحبسني فإن لك على ربك ما استثنيت ] رواه مسلم وروت عائشة قالت : [ دخل رسول الله A على ضباعة بنت الزبير وهي شاكية فقال : حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني ] متفق عليه .
569 - ـ مسألة : ( وهو مخير بين التمتع والإفراد والقران ) أي ذلك أحرم به جاز بغير خلاف بين العلماء قالت عائشة Bها : [ خرجنا مع رسول الله A فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بحج وعمرة ومنا من أهل بحج ] متفق عليه وقالت عائشة : [ أهللت بعمرة ثم قال رسول الله A : من كان معه هدي فليهل بالحج والعمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا ] متفق عليه .
570 - ـ مسألة : ( وأفضلها التمتع ثم الإفراد ثم القران ) عند إمامنا أحمد رحمة الله عليه واختار المتعة جماعة من الصحابة والتابعين Bهم لما روى جابر وابن عباس وأبو موسى وعائشة أن النبي A أمر أصحابه لما طافوا بالبيت أن يحلوا ويجعلوها عمرة ونقلهم من الإفراد والقران إلى المتعة ولا ينقلهم إلا إلى الأفضل الأولى ولم يختلف عن النبي A أنه لما قدم مكة أمر أصحابه أن يحلوا إلا من ساق هديا وثبت على إحرامه وقال : [ لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة ] فهذا معلوم صحته يقينا والنبي A نقلهم من الحج إلى المتعة وتأسف كيف لم يمكنه ذلك ولو كان الإفراد والقران أفضل لكان الأمر بالعكس ولأن المتعة منصوص عليها في كتاب الله تعالى بقوله : { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج } 'سورة البقرة : الآية196 ' من بين سائر الأنساك ولأن التمتع يجتمع له الحج والعمرة في أشهر الحج كاملين غير متداخلين على وجه اليسر والسهولة مع زيادة نسك هو الدم فكان ذلك أولى .
571 - ـ مسألة : ( والتمتع أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها ثم يحرم بالحج في عامه والإفراد أن يحرم بالحج وحده والقران أن يحرم بهما أو يحرم بالعمرة ثم يدخل عليها الحج ) كما أمر النبي A أصحابه .
مسألة : ( ويستحب أن ينطق بما أحرم به ليزول الالتباس وتتأكد النية كما قلنا وتشترط لما سبق من حديث عائشة وابن عباس .
572 - ـ مسألة : ( ولو أحرم بالحج ثم أدخل عليه العمرة لم ينعقد إحرامه بالعمرة ) لأنه لم يرد بذلك أمر ولا هو في معنى ما جاء به الأثر لأن إحرامه بها لا يزيد عملا على ما لزمه بالإحرام بالحج ولا يعتبر ترتيبه بخلاف إدخال الحج على العمرة .
573 - ـ مسألة : ( فإذا استوى على راحلته لبى فيقول : لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ) والتلبية في الإحرام مسنونة لأن النبي A فعلها وأمر برفع الصوت بها وأقل أحوال ذلك الاستحباب وروى سهل بن سعد قال : [ قال رسول الله A : ما من مسلم يلبي إلا لبى ما عن يمينه من حجر أو شجر أو مدر حتى تنقطع الأرض من هاهنا وهاهنا ] رواه ابن ماجه ويستحب أن يبدأ بالتلبية إذا استوى على راحلته لما روى أنس وابن عمر [ أن النبي A لما ركب راحلته واستوت به قائمة أهل ] أخرجه البخاري وقال ابن عباس : [ أوجب رسول الله A الإحرام حين فرغ من صلاته فلما ركب راحلته واستوت به قائمة أهل ] يعني لبى ومعنى الإهلال رفع الصوت من قولهم : استهل الصبي إذا صاح والأصل فيه أنهم كانوا إذ رأوا الهلال صاحوا فيقال استهل الهلال ثم قيل لكل صائح مستهل وإنما يرفع صوته بالتلبية لما روي [ عن النبي A أنه قال : أتاني جبريل عليه السلام فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال والتلبية ] رواه النسائي وأبو داود وقال : حديث حسن صحيح وقال أنس : سمعتهم يصرخون بها صراخا وروي عن الصديق : [ أن رسول الله A سئل : أي الحج أفضل ؟ فقال : العج والثج ] وهذا حديث غريب ومعنى العج رفع الصوت والثج إسالة الدماء بالذبح والنحر وقال ابن عباس : رفع الصوت زينة الحج وقال أبو حازم : كان أصحاب رسول الله A لا يبلغون الروحاء حتى تبح حلوقهم من التلبية وعن سالم قال : كان ابن عمر يرفع صوته بالتلبية فلا يأتي الروحاء حتى يضمحل صوته .
مسألة : ولا يجهد نفسه في رفع الصوت زيادة على الطاقة لئلا ينقطع صوته فتنقطع تلبيته وجاء في الصحيحين عن ابن عمر [ أن تلبية رسول الله A : لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ] رواه البخاري عن عائشة ومسلم عن جابر والتلبية مأخوذة من قولهم لب بالمكان إذا لزمه فكأنه قال : أنا مقيم على طاعتك وأمرك غير خارج عن ذلك ولا شارد عليك هذا وما أشبهه وكرره لأنه أراد إقامة بعد إقامة كما قالوا حنانيك أى رحمة بعد رحمة أو رحمة مع رحمة ويقول : لبيك إن الحمد بكسر الألف نص عليه أحمد قال ثعلب : من قال بكسر الألف فقد عم ومن قال بفتحها فقد خص يعني أن من فضل كسر الألف جعل الحمد على كل حال ومن فتح فمعناه لبيك لأن الحمد لك أي لبيك لهذا السبب .
574 - ـ مسألة : ( ويستحب الإكثار منها ) على كل حال لما روى ابن ماجه عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال : قال رسول الله A : [ ما من مسلم يضحي لله ويلبي حتى تغيب الشمس إلا غابت بذنوبه فعاد كيوم ولدته أمه ] ( ويستحب رفع الصوت بها ) لما سبق ( ولا يستحب ذلك للنساء ) لأنهن عورة فالإخفاء في حقهن استر لهن .
575 - ـ مسألة : ( وهي آكد إذا علا نشزا أو هبط واديا أو سمع ملبيا أو فعل محظورا ناسيا أو لقي راكب وفي أدبار الصلاة وبالأسحار ) لما روى جابر قال : [ كان رسول الله A يلبي في حجته إذا لقي راكبا أو علا أكمة أو هبط واديا وفي أدبار المكتوبة ومن آخر الليل ] وقال إبراهيم النخعي : كانوا يستحبون التلبية دبر الصلاة المكتوبة وإذا هبط واديا وإذا علا نشزا وإذا لقي راكبا وإذا استوت به راحلته