باب صلاة الجمعة .
( كل من لزمته المكتوبة لزمته الجمعة ) [ فهي واجبة لقوله عليه السلام : لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليطبعن الله على قلوبهم ] رواه البخاري واللفظ لمسلم [ وعن جابر قال : خطبنا رسول الله A فقال : اعلموا أن الله قد افترض عليكم الجمعة في يومي هذا في شهري هذا في مقامي هذا فمن تركها في حياتي أو بعدي وله إمام عادل أو جائر استخفافا بها أو جحودا لها فلا جمع الله شمله ولا بارك له في أمره ] .
321 - ـ مسألة : ( تجب الجمعة بشروط : أحدها ( أن يكون مستوطنا ) وهو الإقامة في قرية مبنية بحجارة أو لبن أو قصب أو ما جرت به العادة ( بالبناء ) لا يظعن عنها صيفا ولا شتاء فأما أهل الخيام وبيوت الشعر فلا جمعة عليهم لأن قبائل العرب كانت حول المدينة فلم يقيموا جمعة ولا أمرهم بها النبي A ولو أمرهم لم يخف ذلك ولم يترك نقله لكثرته وعموم البلوى به الشرط الثاني ( أن يكون بينه وبين الجامع فرسخ فما دون ) وإن كان أبعد من فرسخ فلا جمعة عليه لأن عثمان Bه صلى صلاة العيد يوم جمعة ثم قال لأهل العوالي : من أراد منكم أن ينصرف فلينصرف ومن أراد أن يقيم حتى يصلي الجمعة فليقم وروى عبد الله بن عمر [ أن النبي A قال : الجمعة على من سمع النداء ] رواه أبو داود ولا يمكن اعتبار سماع حقيقة النداء لأنه قد يكون ثقيل السمع أو في مكان مستتر لا يسمع أو غير مصغ أو يكون النداء ضعيفا أو في حال هبوب الرياح فينبغي أن يقدر بمقدار لا يختلف والموضع الذي يسمع فالنداء في الغالب إذا حان المؤذن صيتا في موضع عال والرياح ساكنة والمستمع سميعا غير ساه هو الفرسخ أو ما قاربه فيحد به .
322 - ـ مسألة : ( إلا المرأة والعبد ) لما [ روى طارق بن شهاب أن النبي صضض قال : الجمعة حق واجب على كل مسلم إلا أربعة : مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض ] رواه أبو داود وقال : طارق أدرك النبي A ولم يسمع منه .
323 - ـ مسألة : ( والمسافر ) لا تجب عليه لأن النبي A لم يصلها بعرفة حيث كان مسافرا .
324 - ـ مسألة : ( والمعذور بمطر أو مرض أو خوف ) أما المعذور بمرض فلحديث طارق وقد سبق وأما المعذور لمطر فلما روي [ عن ابن عمر قال : كان رسول الله A ينادي مناديه في الليلة المطيرة أو الباردة : صلوا في رحالكم متفق عليه والمطر الذي يعذر به هو الذي يبل الثياب لأن في الخروج فيه مشقة .
325 - ـ مسألة : ( وأما الخوف فلما روى ابن عباس ] عن النبي A قال : من سمع النداء فلم يمنعه من اتباعه عذر - قالوا : وما العذر يا رسول الله ؟ قال : خوف أو مرض - لم يقبل الله الصلاة التي صلى [ رواه أبو داود والخوف ثلاثة أنواع : أحدهما الخوف على المال من سلطان أو لص أو يكون له خبز في تنور أو طبيخ على النار يخاف حريقه وما أشبه ذلك فهذا كله عذر عن الجمعة والجماعة لأنه خوف فيدخل في عموم الحديث الثاني الخوف على نفسه مثل أن يخاف من سلطان يأخذه أو عدو أو سبع أو سيل لذلك الثالث الخوف على ولده وأهله أن يضيعوا أو يكون ولده ضائعا ويرجو وجوده في تلك الحال فيعذر بذلك لأنه خوف .
326 - ـ مسألة : ( وإن حضروها أجزأتهم ) لأن سقوطها عنهم كان رخصة فإذا تكلفوا فعلها أجزأتهم كالمريض يتكلف الصلاة قائما ( ولم تنعقد بهم ) لأنهم من غير أهل الوجوب فلم تنعقد بهم كالنساء ( إلا المعذور إذا حضرها وجبت عليه وانعقدت به ) لأن سقوطها عنه كان لدفع المشقة فإذا حضر زالت المشقة فوجبت عليه وانعقدت به .
327 - ـ مسألة : ( ومن شرط صحتها فعلها في وقتها ) فلا تصح قبل وقتها ولا بعده إجماعا وآخر وقتها آخر وقت الظهر إجماعا فأما أوله فذكر القاضي أنها تجوز في وقت العيد لأن أحمد C قال في رواية عبد الله : يجوز أن تصلى الجمعة قبل الزوال يذهب إلى أنها كصلاة العيد لحديث وكيع عن جعفر بن برقان عن عبد الله بن سيدان قال : شهدت الجمعة مع أبي بكر فكانت صلاته وخطبته قبل انتصاف النهار وشهدتها مع عمر بن الخطاب فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول قد أنتصف النهار ثم صليتها مع عثمان فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول قد زال النهار فما رأيت أحدا عاب ذلك ولا أنكره وهذا نقل للإجماع وعن جابر قال : ] كان رسول الله A يصلي الجمعة ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها حتى تزول الشمس [ أخرجه مسلم .
328 - ـ مسألة : ( ومن شرط صحتها أن يفعلها في قرية ) يستوطنها أربعون رجلا من أهل وجوبها سكنى إقامة لا يظعنون فإذا اجتمعت هذه الشروط في قرية وجبت الجمعة على أهلها وصحت بها لأن كعبا قال : ] أول من جمع بنا أسعد بن زرارة في هزم النبيت من حرة بني بياضة في نقيع يقال له نقيع الخضمات قلت كم كنتم يومئذ ؟ قال أربعون [ رواه أبو داود والأثرم قال : الخطابي حرة بني بياضة قرية على ميل من المدينة .
329 - ـ مسألة : ( وأن يحضرها من المستوطنين بها أربعون من أهل وجوبها ) لأن جابرا قال : مضت السنة أن في كل أربعين فما فوقها جمعة .
330 - ـ مسألة : ( وأن تتقدمها خطبتان ) ] لأن النبي A كان يخطب خطبتين يقعد بينهما [ متفق عليه وقال عليه السلام : ] صلوا كما رأيتموني أصلي [ وقالت عائشة : إنما أقرت الجمعة ركعتين من أجل الخطبة .
331 - ـ مسألة : ( في كل خطبة حمد الله تعالى ) لأن جابرا قال : ] كان رسول الله A يخطب الناس يحمد الله ويثني عليه بما هو أهله ثم يقول : [ من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ] .
332 - ـ مسألة : ( والصلاة على النبي A ) ومن فروض الخطبة أربعة : الأول حمد الله وقد سبق والثاني ( الصلاة على النبي A ) لأن كل عبادة افتقرت إلى ذكر الله افتقرت إلى ذكر رسول الله كالأذان الثالث ( قراءة آية ) فصاعدا لأن جابر بن سمرة قال : [ كانت صلاة رسول الله A قصدا وخطبته قصدا يقرأ آيات من القرآن ويذكر الناس ] رواه أبو داود ولأن الخطبة فرض في الجمعة فوجبت فيها القراءة كالصلاة والرابع ( الموعظة ) لأن النبي A كان يعظ وهي القصد من الخطبة في حديث جابر بن سمرة : يقرأ آيات ويذكر الناس .
333 - ـ مسألة : ( ويستحب أن يخطب على منبر ) أو موضع عال لأن النبي A كان يخطب على منبره ولأنه أبلغ في الإعلام .
334 - ـ مسألة : ( فإذا صعد أقبل على الناس فسلم عليهم ) لأن جابرا قال : [ كان النبي A إذا صعد المنبر سلم عليهم ] رواه ابن ماجه .
335 - ـ مسألة : ( ثم يجلس إلى فراغ الأذان ثم يقوم الإمام فيخطب بهم ثم يجلس ثم يخطب الخطبة الثانية ) لأن ابن عمر قال : [ كان النبي A يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ المؤذن ثم يقوم فيخطب ثم يجلس فلا يتكلم ثم يقوم فيخطب ] رواه أبو داود ولأن جابر بن سمرة قال : [ إن رسول الله A كان يخطب قائما ثم يجلس ثم يقوم فيخطب فمن حدثك أنه كان يخطب جالسا فقد كذب ] رواه مسلم .
336 - ـ مسألة : ( ثم تقام الصلاة فينزل فيصلي بهم ركعتين يجهر فيهما بالقراءة ) إجماعا نقل الخلف عن السلف .
337 - ـ مسألة : ( ويستحب أن يقرأ في الأولى بالحمد سورة الجمعة وفي الثانية بالمنافقين أو بسبح والغاشية لما روى أبو هريرة قال : [ سمعت رسول الله A يقرأ بسورة الجمعة والمنافقين في الجمعة ] وفي حديث النعمان : [ كان يقرأ في العيدين والجمعة بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية ] رواهما مسلم .
338 - ـ مسألة : ( فمن أدرك معه منها ركعة أتمها جمعة ) لما روى أبو هريرة [ عن النبي A أنه قال : من أدرك من الجمعة ركعة فقد أدرك الصلاة ] رواه الأثرم ورواه ابن ماجه ولفظه [ فليصل إليها أخرى ] وفي حديث أبي هريرة المتفق عليه : [ من أدرك ركعة من الصلاة مع الإمام فقد أدرك الصلاة ] .
339 - ـ مسألة : ( وإن أدرك أقل من ركعة أتمها ظهرا ) قال الخرقي : إذا كان قد دخل بنية الظهر فظاهر هذا أنه لو نوى جمعة لزمه الاستئناف لأنهما صلاتان لا تتأدى إحداهما بنية الأخرى فلم يجز بناؤها عليها كالظهر والعصر وقال أبو إسحاق بن شاقلا ينوي جمعة لئلا تخالف نيته نية إمامه ثم يبني عليها ظهرا لأنهما فرض وقت واحد ردت إحداهما من أربع إلى ركعتين فجاز أن يبني عليها الأربع كالتامة مع المقصورة .
340 - ـ مسألة : ( وكذلك إن نقص العدد ) يعني عن الأربعين وقد صلوا منها ركعة أتموها جمعة لأنه شرط يختص بالجمعة فلم يعتبر في أكثر من ركعة كالجماعة وإن نقصوا قبل ركعة أتموها ظهرا كالمسبوق بركوع الثانية .
341 - ـ مسألة : ( وإن خرج الوقت وقد صلوا ركعة أتموها جمعة ) لما سبق ( وإن خرج الوقت وقد صلوا أقل من ركعة أتموها ظهرا ) لذلك وقال عليه السلام : [ من أدرك من الجمعة ركعة فقد أدرك الصلاة ] مفهومه أن من أدرك أقل لا يكون مدركا لها .
342 - ـ مسألة : ( ولا يجوز أن يصلي في المصر أكثر من جمعة ) لأن النبي A وخلفاءه لم يقيموا إلا جمعة واحدة ( إلا أن تدعو الحاجة إلى أكثر منها ) فيجوز لأنها تفعل في الأمصار العظيمة في جوامع من غير نكير فكان إجماعا ولأنها صلاة عيد فجاز فعلها في موضعين مع الحاجة كغيرها .
343 - ـ مسألة : ( ويستحب لمن أتى الجمعة أن يغتسل ويلبس ثوبين نظيفين ويتطيب ) لما روى سلمان [ أن النبي A قال : لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر بما استطاع من طهر ويدهن من دهنه ويمس من طيب بيته ولا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر الله له ما بينه وبين الجمعة الأخرى ] رواه البخاري وعنه الغسل واجب لما روي [ عن النبي A أنه قال : غسل الجمعة على كل محتلم وسواك وأن يمس طيبا ] رواه مسلم والمذهب الأول [ لأن النبي A قال : من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت وإن اغتسل فالغسل أفضل ] قال الترمذي : حديث حسن والمراد بالخبر الأول تأكيد الاستحباب وكذلك ذكر فيه السواك والطيب وليسا واجبين ( ويبكر إليها ) [ لقول النبي A : من غسل واغتسل يوم الجمعة وبكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام واستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها ] رواه ابن ماجه والترمذي .
344 - ـ مسألة : ( فإن جاء والإمام يخطب لم يجلس حتى يصلي ركعتين يوجز فيهما ) لما روى جابر قال : [ دخل رجل والنبي A يخطب فقال : صليت يا فلان قال : لا قال : فصل ركعتين ] متفق عليه زاد مسلم : ثم قال : [ إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليوجز فيهما ] .
345 - ـ مسألة : ( ولا يجوز الكلام والإمام يخطب ) [ لقوله عليه السلام : إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب : أنصت فقد لغوت ] متفق عليه وعنه لا يحرم لما روى أنس قال : [ بينما النبي A يخطب يوم الجمعة إذ قام رجل فقال : يا رسول الله هلك الكراع هلك الشاء فادع الله أن يسقينا ] متفق عليه ويحتمل أنه في مخاطبة الإمام خاصة لأنه لا يشتغل بتكليمه عن سماع خطبته .
346 - ـ مسألة : ( إلا الإمام أو من كلمه الإمام ) لأن النبي A قال للرجل : صليت يا فلان وقال وهو على المنبر إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين ولحديث أنس في الذي قال للنبي A هلك الكراع هلك الشاء