باب الإقرار .
مسألة : ( الأصل في الإقرار قول الله سبحانه : { وإذ أخذ الله ميثاق النبيين } إلى قوله { أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا } 'سورة آل عمران : الآية 81 ' وقال سبحانه : { وآخرون اعترفوا بذنوبهم } 'سورة التوبة : الآية 102' والاعتراف الإقرار وقال تعالى : { ألست بربكم قالوا بلى } 'سورة الأعراف : الآية 172' وروي أن ماعزا أقر بالزنى فرجمه النبي A وكذلك الغامدية وقال : [ اغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها ] وأجمعوا على صحة الإقرار ولأن الإقرار إخبار على وجه تنتفي عنه التهمة والريبة فإن العاقل لا يكذب على نفسه كذبا يضرها ولهذا كان آكد من الشهادة فإن المدعى عليه إذا اعترف لم تسمع عليه الشهادة وإنما تسمع إذا أنكر .
1821 - ـ مسألة : ( وإذا أقر المكلف الرشيد الحر الصحيح المختار بحق أخذ به ) فأما الصبي والمجنون فلا يصح إقرارهما لا نعلم فيه خلافا ولأنه لا قول لهما إلا أن يكون الصبي مأذونا له في البيع والشراء فيصح إقراره في قدر ما أذن له فيه كالبيع لأنه صار فيه كالبالغ لأنه عاقل مختار أشبه البالغ ولا يصح فيما زاد لأنه فيه كمن لم يؤذن له أصلا وكذلك العبد المأذون له في التجارة لما ذكرنا مسألة : ولا يصح إلا من ( رشيد ) فأما المحجور عليه لسفه إذا أقر بمال لم يلزمه في حال حجره لأنه محجور عليه بحظ نفسه فلا يصح إقراره بالمال كالصبي ولأنا لو قبلنا إقراره بالمال لبطل معنى الحجر ولأنه أقر بما هو ممنوع من التصرف فيه أشبه إقرار الراهن على الرهن فإن فك عنه الحجر لزمه ما أقر به لأنه مكلف أقر بما لا يلزمه في الحال فلزمه بعد فك الحجر عنه كالعبد يقر بدين والراهن يقر على الرهن بجناية ونحوها مسألة : ويعتبر في صحة الإقرار ( الحرية ) فإن أقر العبد غير المأذون له بمال لم يقبل في الحال لأنه تصرف فيما هو حق لسيده ويتبع به بعد العتق عملا بإقراره على نفسه وعنه يتعلق برقبته كجنايته .
مسألة : ويعتبر في صحة الإقرار ( الصحة ) فلو أقر المريض مرض الموت المخوف بمال لغير وارث لم يصح في إحدى الروايتين بزيادة على الثلث لأن ما زاد على الثلث تعلق به حق الورثة فلم يصح إقراره به وفي الأخرى يصح لأنه غير متهم فيه وإن أقر لوارث بدين لم يصح إقراره إلا ببينة إلا أن يجيز الورثة لأنه إيصال المال إلى الوارث فلم يصح كالوصية إلا أن يقر لزوجته بمهر مثلها فما دون فيصح لأن سببه ثابت وهو النكاح .
مسألة : ويعتبر أن يكون ( مختارا ) للإقرار فأما المكره فلا يصح إقراره كما لا يصح طلاقه لقوله عليه السلام : [ رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ] رواه سعيد .
1822 - ـ مسألة : ( وإن أقر بدراهم ثم سكت سكوتا يمكنه الكلام فيه ثم قال زيوفا أو صغارا أو مؤجلة لزمته جيادا وافية حالة ) لأن إطلاقها يقتضي ذلك بدليل ما لو باعه بألف درهم وأطلق فإنها تلزمه كذلك فإذا سكت استقرت في ذمته كذلك فلا يتمكن من تغييرها .
1823 - ـ مسألة : ( وإن وصفها بذلك متصلا بإقراره لزمته كذلك ) لأنه أقر بها كذلك فلزمه حكم إقراره لا غير ويحتمل أنه إذا أقر بها مؤجلة أن تلزمه حالة لأن الأجل يمنع من استيفاء الحق في الحال وإن فسر الزيوف بما لا فضة فيه لم يقبل لأنه أثبت في ذمته شيئا وما لا قيمة له لا يثبت في الذمة وإن فسره بمغشوشة قبل لأنه يحتمل لفظه ذلك .
1824 - ـ مسألة : ( وإن استثنى مما أقر به أقل من نصفه متصلا صح استثناؤه ) لأنه استثناء ما دون النصف وهو لغة العرب قال الله سبحانه : { فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما } 'سورة العنكبوت : الآية 14 ' .
1825 - ـ مسألة : ( وإن فصل بينهما بسكوت يمكنه الكلام فيه أو بكلام أجنبي أو استثنى أكثر من نصفه أو من غير جنسه لزمه كله ) أما إذا فصل بينهما بسكوت أو كلام فإنه يلزمه الكل لأن الاستثناء بعد ذلك جحود بعد إقراره فلا يسمع وأما إذا استثنى أكثر من النصف فلا يقبل لأنه ليس من لسان العرب قال أبو إسحاق الزجاج : لم يأت الاستثناء إلا في القليل من الكثير ولو قال مائة إلا تسعة وتسعين لم يكن متكلما بالعربية فلا يقبل وإن استثنى من غير جنسه كقوله : له عندي مائة إلا ثوبا لم يقبل أيضا لأن الاستثناء صرف اللفظ بحرف الاستثناء عما كان يقتضيه لولاه من قولهم ثنيت عنان دابتي أي رددتها عن وجهها الذي كانت ذاهبة إليه ولا يوجد هذا في غير الجنس ولأن الاستثناء من غير الجنس لا يكون إلا في الجحد بمعنى لكن والإقرار إثبات .
1826 - ـ مسألة : ( ومن قال : له علي دراهم ثم قال : وديعة لم يقبل قوله ) لأن ذلك على الإيجاب ويقتضي ذلك كونها في ذمته ولهذا لو قال : ما على فلان علي كان ضامنا مسألة : وإن قال : له عندي ثم قال : وديعة قبل لأنه فسر لفظه بما يقتضيه فقبل كما لو قال : له عندي دراهم ثم فسرها بدين ولا نعلم في ذلك خلافا .
1827 - ـ مسألة : ( ومن أقر بدراهم فأقل ما يلزمه ثلاثة ) لأنها أقل الجمع ( إلا أن يصدقه المقر له في أقل منها ) لأنه يقر على نفسه .
1828 - ـ مسألة : ( وإن أقر بشئ مجمل ) كقوله : له علي شئ ( قبل تفسيره بما يحتمله ) فلو فسره بدرهم أو دونه صح لأنه يحتمله