باب اليمين في الدعاوى .
( اليمين المشروعة في الحقوق هي اليمين بالله تعالى سواء كان الحالف مسلما أو كافرا ) لقوله سبحانه : { تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله } 'سورة المائدة : الآية 106' وقال : { فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله } 'سورة النور : الآية 6' وقال تعالى : { وأقسموا بالله جهد أيمانهم } 'سورة النور : الآية 53' وقال النبي A لركانة بن عبد يزيد في الطلاق : [ قل والله ما أردت إلا واحدة ؟ قال : والله ما أردت إلا واحدة ] وسواء كان المدعى عليه مسلما أو كافرا عدلا أو فاسقا لأن النبي A قال للحضرمي المدعي على الكندي : [ ليس لك إلا يمينه فقال الحضرمي : إنه رجل فاجر لا يبالي ما حلف عليه قال : ليس لك إلا ذلك منه ] إلا أن الكافر إن كان يهوديا قيل له : قل والله الذي أنزل التوراة على موسى وفلق البحر ونجاه من فرعون وملإه وإن كان نصرانيا يقول : والله الذي أنزل الإنجيل على عيسى وجعله يحيي الموتى ويبرىء الأكمه والأبرص والمجوسي يقول : والله الذي خلقني ورزقني .
1812 - ـ مسألة : ( وتشرع اليمين في حقوق الآدمي لقول النبي A : [ لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه ] متفق عليه ولحديث الحضرمي والكندي وقال أبو بكر : تشرع في كل حق لآدمي إلا في النكاح والطلاق لأن هذا مما لا يحل بدله فلم يستحلف فيه كحقوق الله سبحانه ولأن الأبضاع مما يحتاط لها فلا تستباح بالنكول لأنه ليس بحجة قوية لأنه سكوت مجرد يحتمل أن يكون للخوف من اليمين ويحتمل أن يكون للجهل بحقيقة الحال ويحتمل أن يكون لعلمه بصدق المدعي ومع هذه الاحتمالات لا ينبغي أن يقضي به فيما يحتاط له قال أبو الخطاب : تشرع اليمين في كل حق إلا تسعة أشياء : النكاح والرجعة والطلاق والرق والولاء والاستيلاد والنسب والقذف والقصاص لأن البدل لا يدخلها فلم يستحلف فيها كحقوق الله تعالى .
1813 - ـ مسألة : ( ويجوز القضاء في الأموال وأسبابها بشاهد ويمين لأن النبي A قضى بشاهد ويمين ) رواه سعيد في سننه من حديث أبي هريرة قال : [ قضى رسول الله A باليمين مع الشاهد الواحد ] وقال الترمذي : حديث حسن غريب وقال النسائي : إسناد حديث ابن عباس في اليمين مع الشاهد إسناد جيد وقد سبق ذلك في أول باب الشهادات .
1814 - ـ مسألة : ( والأيمان كلها على البت ) لأن النبي A استحلف رجلا فقال : [ قل والله والذي لا إله إلا هو ما له عندي شئ ] رواه أبو داود عن ابن عباس ولأن له طريقا إلى العلم فيلزمه القطع بنفيه .
1815 - ـ مسألة : ( إلا اليمين على نفي فعل غيره فإنها على نفي العلم ) نص عليه وذكر حديث الشيباني عن القاسم بن عبد الرحمن عن النبي A : [ لا تضطروا الناس في أيمانهم أن يحلفوا على ما لا يعلمون ] وفي حديث الحضرمي أحلفه [ والله ما يعلم أنها أرضي اغتصبها ] رواه أبو داود ولأنه لا يمكن الإحاطة بنفي فعل غيره فلم يكلف ذلك وذكر ابن أبي موسى عنه أنه قال : على كل حال اليمين فيما يدعي عليه في نفسه أو فيما يدعي عليه في ميته وعنه في من باع سلعة فظهر المشتري على عيب فأنكره البائع : هل اليمين على علمه أو على البتات ؟ على روايتين : إحداهما على البت لأنه يستحق الرد عليه بالعيب القديم سواء علمه أو لم يعلمه فإذا حلف على نفي علمه لم يلزم منه انتفاء استحقاق الرد بالعيب والثانية تجزيه اليمين على نفي العلم لأنه من فعل غيره أو أمر في غيره فأشبه ما لو ادعى عليه فعلا من موروثه وروى الإمام أحمد أن ابن عمر باع زيد بن ثابت عبدا فادعى عليه زيد أنه باعه إياه عالما بعيبه فأنكره ابن عمر فتحاكما إلى عثمان فقال له عثمان : احلف أنك ما علمت به عيبا فأبى أن يحلف فرد عليه العبد .
1816 - ـ مسألة : ( وإذا كان للميت أو المفلس حق بشاهد فحلف المفلس أو ورثة الميت معه ثبت ) لأن النبي A قضى بالشاهد واليمين أخرجه الترمذي وقال : حديث حسن غريب .
1817 - ـ مسألة : ( وإن لم يحلفوا فبذل الغرماء اليمين لم يستحلفوا ) وللشافعي في القديم يحلفون معه لأن حقوقهم تعلقت بالمال فكان لهم أن يحلفوا كالورثة يحلفون على مال موروثهم ولنا أنهم يثبتون ملكا لغيرهم لتتعلق حقوقهم به بعد ثبوته فلم يجز كما لم يجز للزوجة أن تحلف لإثبات ملك زوجها لتعلق نفقتها به وفارق الورثة فإنهم يثبتون ملكا لأنفسهم .
1818 - ـ مسألة : ( وإذا كانت الدعوى لجماعة فعليه لكل واحد يمين ) لأن لكل واحد منهم حقا فيلزمه لكل واحد يمين كما لو انفردوا ( وإن قال أنا أحلف يمينا واحدة لجميعهم لم يقبل منه إلا أن يرضوا بها ) لأن الحق لهم لا يخرج عنهم .
1819 - ـ مسألة : ( وإن ادعى واحد حقوقا على واحد فعليه في كل حق يمين ) كما لو كانت الحقوق على جماعة فإن على كل واحد يمينا كذا ها هنا .
1820 - ـ مسألة : ( وتشرع اليمين في كل حق لآدمي ) بدليل ما سبق في أول الباب ( ولا تشرع في حقوق الله سبحانه من الحدود والعبادات ) فما كان لله خالصا لا تسمع فيه الدعوى كحد الزنى والخمر لأن الدعوى في الشئ المستحق له والله سبحانه هو المستحق لذلك فلا تسمع فيه دعوى ابن آدم وأما العبادات كدعوى ساعي الزكاة على رب المال وأن الحول قد تم أو كمال النصاب فالقول قول رب المال من غير يمين لأنه حق لله سبحانه أشبه الحد