باب صفة الحكم .
1724 - ـ مسألة : ( وإذا جلس إليه الخصمان فادعى أحدهما على الآخر لم يسمع الدعوى إلا محررة تحريرا يعلم به المدعى عليه ) لأن الحاكم يسأل المدعى عليه عما ادعاه فإن اعترف به ألزمه ولا يمكنه أن يلزمه مجهولا وإذا ثبت هذا ( فإن كان المدعى أثمانا فلا بد من ذكر الجنس والنوع ) فيقول عشرة دنانير مصرية وإن كان عينا تنضبط بالصفة كالحبوب والثياب والحيوان فلا بد من ذكر الصفات التي تشترط في السلم وإن كان المدعى تالفا مما له مثل ادعى المثل وضبط بصفته وإن كان مما لا مثل له ادعى قيمته لأنها تجب بتلفه ( وإن كان المدعى عقارا ذكر موضعه وحدوده ) وأنه في يده ظلما وأنا أطالبه برده علي ( وإن كان المدعى عينا حاضرة عينها ) بالإشارة إليها ( وإن كانت غائبة ذكر بيان جنسها وقيمتها ) لما ذكرناه فإن لم يحسن المدعي تحرير الدعوى فهل للحاكم تلقينه تحريرها ؟ يحتمل وجهين : أحدهما يجوز لأنه لا ضرر على خصمه في ذلك والثاني : لا يجوز لأن فيه إعانة أحد الخصمين في حكومته .
1725 - ـ مسألة : ( ثم يقول لخصمه ما تقول ) فإنه يجوز للحاكم أن يسأل خصمه الجواب قبل أن يطلب منه المدعي ذلك لأن شاهد الحال يدل عليه لأن إحضاره والدعوى إنما تراد ليسأل الحاكم المدعى عليه فقد أغنى ذلك عن سؤاله فعند ذلك يقول الحاكم للمدعى عليه : ما تقول فيما يدعيه ؟ ( فإن أقر حكم للمدعي ) إن سأله المقر له وإن لم يسأله لم يحكم به لأن الحكم عليه حق له فلا يستوفيه إلا بمسألة مستحقة فأما إذا سأله فقال : احكم لي فإنه يحكم له حينئذ والحكم أن يقول : قد ألزمتك ذلك أو قضيت عليك له أو يقول : أخرج له منه فيكون ذلك حكما عليه .
1726 - ـ مسألة : ( وإن أنكر لم يخل من ثلاثة أقسام : أحدها أن تكون في يد أحدهما ) يعني العين المدعاة ( فيقول الحاكم للمدعي : ألك بينة ) ؟ لما روي [ أن رجلين اختصما إلى النبي A حضرمي وكندي فقال الحضرمي : يا رسول الله إن هذا غلبني على أرض لي فقال الكندي : هي أرضي وفي يدي فليس له فيها حق فقال النبي A للحضرمي : ألك بينة ؟ قال : لا قال : فلك يمينه ] وهو حديث صحيح ( وإن قال : نعم لي بينة وأقامها حكم له بها ) بدليل الحديث ولأن البينة كالإقرار إذا لو أقر حكم عليه ( وإن لم يكن له بينة قال له : فلك يمينه ) كما قال النبي A للحضرمي وليس للحاكم أن يستحلفه قبل مسألة المدعي لأن اليمين حق له فلم يجز استيفاؤها من غير مسألة مستحقها كنفس الحق ( وإن طلب إحلافه استحلفه وبريء [ لقول النبي A : لو أعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعىعليه ] .
1727 - ـ مسألة : ( وإن نكل عن اليمين ) قضى عليه بنكوله لما روي أن ابن عمر باع زيد بن ثابت عبدا فادعى عليه زيد أنه باعه إياه عالما بعيبه فانكر ابن عمر فتحاكما إلى عثمان فقال له عثمان : احلف أنك ما علمت به عيبا فأبى أن يحلف فرد عليه العبد ولأن النبي A قال : اليمين على المدعى عليه فحصرها في جنبته فلم تشرع لغيره وعند أبي الخطاب لا يحكم بالنكول ولكن ترد اليمين على المدعى وقال : قد صوبه أحمد وقال ما هو ببعيد يحلف ويأخذ فيقال للناكل لك رد اليمين على المدعي ( فإن ردها على المدعي استحلفه وحكم له ) وهو قول أهل المدينة روي عن علي Bه لما روى نافع عن ابن عمر : [ أن النبي A رد اليمين على طالب الحق ] رواه الدارقطني .
1728 - ـ مسألة : ( وإن نكل أيضا صرفهما ) لأن يمين كل واحد منهما بطلت بنكوله عنها فقد أبطلا حجتهما باختيارهما فإن عاد أحدهما فبذل اليمين لم يسمعها في ذلك المجلس لأنه أسقط حقه منها فإن عاد في مجلس آخر فاستأنف الدعوى أعيد الحكم بينهما كالأول فإن بذل اليمين حكم بها لأنها يمين في دعوى أخرى .
1729 - ـ مسألة : ( وإن كان لكل واحد منهما بينة حكم بها للمدعي ) ببينته وتسمى بينة الخارج وبينة المدعى عليه تسمى بينة الداخل وقد اختلف عن أحمد فيما إذا تعارضا فعنه تقدم بينة المدعي ولا تسمع بينة المدعى عليه بحال وعنه تقدم بينة المدعى عليه بكل حال لأن جنبة الداخل أقوى بدليل أن يمينه تقدم على يمين المدعي فإذا تعارضت البينتان وجب تقديمه كما لو لم يكن لهما بينة وعنه إن شهدت بينة الداخل بسبب الملك فقالت : نتجت في ملكه أو كانت أقدم تاريخا قدمت بينته لأنها إذا شهدت بالسبب فقد أفادت ما لا تفيده اليد وقد روي عن جابر بن عبد الله : [ ( أن رجلين اختصما إلى رسول الله A للذي هي في يده ] ووجه الأولى قول النبي A : البينة على المدعي فجعل جنس البينات في جنبة المدعي فلا يبقى في جنبه المنكر بينة ولأن بينة المدعي أكثر فائدة بدليل أنها تثبت شيئا لم يكن وبينة المدعى عليه إنما تثبت ظاهرا دلت اليد عليه فلم تكن مفيدة فوجب تقديم ما كان أكثر فائدة على غيره ولأنه تجوز الشهادة بالملك لرؤية اليد والتصرف فجائز أن تكون مستند بينة اليد فصارت بمنزلة اليد المفردة فتقدم عليها بينة المدعي كما تقدم على اليد كما أن شاهدي الفرع لما كان مبنيين على شاهدي كذا ها هنا .
1730 - ـ مسألة : ( وإن أقر صاحب اليد لغيره صار المقر له الخصم فيها وقام مقام صاحب اليد في كل ما ذكرنا ) .
( الثاني : أن تكون العين في يديهما فإن كانت لأحدهما بينة حكم له بها ) لأنها كالإقرار لا نعلم في ذلك خلافا .
1731 - ـ مسألة : ( وإن لم يكن لواحد منهما بينة حلف كل واحد منهما لصاحبه ) وجعله بينهما نصفين لأن كل واحد منهما يده على نصفها والقول قول صاحب اليد مع يمينه وإن نكلا عن اليمين قضى عليهما بالنكول وجعلت بينهما نصفين لكل واحد منهما النصف الذي كان في يد صاحبه وإن نكل أحدهما وحلف الآخر قضى له بجميعها .
1732 - ـ مسألة : وإن أقام كل واحد منهما بينة وتساويا تعارضت البينتان وقسمت العين بينهما نصفين لما روى أبو موسى الأشعري : [ أن رجلين اختصما إلى رسول الله A في بعير فأقام كل واحد منهما شاهدين فقضى رسول الله A بالبعير بينهما نصفين ] ذكره ابن المنذر ورواه أبو داود وقال أبو الخطاب : وفيه رواية أخرى يقرع بينهما فمن خرجت له القرعة حلف أنها له لا حق لغيره فيها وكانت العين له كما لو كانت في يد غيرهما قال الخرقي : ويحلف كل واحد منهما على النصف المحكوم له به ولأن البينتين لما تعارضتا - من غير ترجيح - وجب إسقاطهما كالخبرين إذا تعارضا ولأنه لا يمكن الجمع بينهما لتنافيهما ولا تتعين إحداهما لأنه تحكم لا دليل عليه فلم يبق إلا إسقاطهما ولكل واحد منهما النصف الذي يده عليه مع يمينه كما لو لم تكن بينة وعنه أن العين تقسم بينهما من غير يمين لظاهر الحديث الذي رويناه ولأننا قد قررنا أن بينة الخارج مقدمة وكل واحد منهما داخل في نصف العين خارج في نصفها الآخر فتقدم بينة النصف للذي في يد صاحبه ولا يحتاج إلى يمين وتقدم بينة صاحبه في النصف الآخر .
1733 - ـ مسألة : ( فإن ادعاها أحدهما وادعى الآخر نصفها ولا بينة قسمت بينهما واليمين على مدعي النصف ) لأن يده على النصف فالقول قوله فيه مع يمينه ويد مدعي الكل على النصف الآخر ولا منازع له فيه فيبقى في يده بغير يمين .
1734 - ـ مسألة : ( وإن كانت لهما بينتان حكم بها لمدعي الكل ) لأنهما تعارضا في النصف فيكون النصف لمدعي الكل بلا تنازع والنصف الآخر ينبني على الخلاف في أي البينتين تقدم وظاهر المذهب تقدم بينة المدعي فتكون الدار كلها للمدعي جميعها .
( الثالث : أن تكون في يد غيرهما فإن أقر بها لأحدهما أو لغيرهما صار المقر له كصاحب اليد ) وقد مضى الكلام فيه ( وإن أقر لهما صارت كالتي في أيديهما ) وقد مضت .
1735 - ـ مسألة : ( وإن قال : لا أعرف صاحبها منهما ولأحدهما بينة فهي له ) ببينته لما سبق ( وإن لم تكن لهما بينة أو لكل واحد بينة استهما على اليمين فمن خرج سهمه حلف وأخذها ) لما روى أبو هريرة [ أن رجلين تداعيا عينا ولم يكن لواحد منهما بينة فأمرهما النبي A أن يستهما على اليمين أحبا أم كرها ] رواه أبو داود ولأنهما تساويا في الدعوى وعدم البينة واليد والقرعة تميز عند التساوي كما لو أعتق عبيدا في مرض موته ولا مال له غيرهم وذكر أبو الخطاب فيما إذا كان لكل واحد منهما بينة روايتين : إحداهما تسقط البينتان كما ذكرنا وقد سبق دليلها وحكمها والرواية الثانية تستعمل البينتان : وفي كيفية استعمالهما روايتان : إحداهما تقسم العين بينهما والثانية تقدم بينة أحدهما بالقرعة ووجه الأولى ما روى أبو موسى [ ( أن رجلين اختصما إلى رسول الله A في بعير فأقام كل واحد منهما البينة أنه له فقضى به رسول الله A بينهما نصفين ] وإذا قلنا يقرع بينهما فوجهه ما رواه الشافعي رفعه إلى ابن المسيب : [ أن رجلين اختصما إلى رسول الله A في أمر وجاء كل واحد منهما بشهود عدول على عدة واحدة فأسهم بينهما ] والصحيح في المذهب أنه يقرع بينهما فمن خرجت القرعة له حلف وسلمت إليه وهو دليل على أن البينتين سقطتا لإيجابنا اليمين كمن وقعت له القرعة ووجهه أن البينتين حجتان فإذا تعارضتا على وجه لا ترجح إحداهما على الأخرى سقط الاحتجاج بهما كالخبرين إذا تعارضا وأما حديث ابن المسيب فيحتمل أن النبي A استحلفه وإن لم يكن مذكورا في الحديث فليس بمنفي وأما حديث أبي موسى فيحتمل أن الشئ كان في أيديهما فأسقط البينتين وقسمه بينهما على أنه روي في الحديث ولا بينة لهما