كتاب القضاء .
1713 - ـ مسألة : ( وهو فرض كفاية يلزم الإمام نصب من يكتفي به في القضاء ) ودليل أنه فرض كفاية أن أمر الناس لا يستقيم بدونه فكان واجبا عليهم كالجهاد والإمامة قال أحمد : لا بد للناس من حاكم أتذهب حقوق الناس ؟ وإنما ينصبه الإمام لأن أمره إليه وهو نائب عنه .
1714 - ـ مسألة : ( ويجب على من يصلح له إذا طلب منه ولم يوجد غيره الإجابة إليه ) والناس في القضاء على ثلاثة أضرب : منهم من يجب عليه وهو من يصلح له ولا يوجد سواه فيتعين عليه لأنه فرض كفاية لا يقدر على القيام به غيره فتعين عليه كغسل الميت وتكفينه وقد نقل عن أحمد ما يدل على أنه لا يتعين فإنه سئل : هل يأثم القاضي إذا لم يوجد غيره ؟ قال : لا يأثم فيحتمل أن يحمل على ظاهره في أنه لا يجب عليه لما فيه من الخطر ويحتمل أن يحمل على ما إذا لم يمكنه القيام بالواجب لظلم السلطان أو غيره فإن أحمد قال : لا بد للناس من حاكم أتذهب حقوق الناس ؟ والأمر على ما قال والضرب الثاني : من يجوز له ولا يجب عليه وهو أن يكون من أهل العدالة والاجتهاد ويوجد غيره مثله فله أن يلي القضاء ولا يجب عليه لأنه لم يتعين له وظاهر كلام أحمد أنه لا يستحب له الدخول فيه فيكون الأفضل له تركه لما فيه من الخطر والغرر ولما في تركه من السلامة ولما ورد فيه من التشديد والذم ولأن طريقة السلف الامتناع منه والتوقي له وقد أراد عثمان تولية ابن عمر القضاء فأباه والضرب الثالث : من لا يجوز له الدخول فيه وهو من لا يحسنه ولم تجتمع فيه شروطه وقد [ روى أن النبي A قال : القضاة ثلاثة : واحد في الجنة واثنان في النار فذكر إلى إن قال : ورجل قضى بين الناس بجهل فهو في النار ] .
1715 - ـ مسألة : ( ومن شرطه أن يكون رجلا حرا مسلما سميعا بصيرا متكلما عدلا عالما ) فهي ثمانية شروط : الأول : كونه رجلا فتجتمع الذكورية والبلوغ لأن الصبي لا قول له والمرأة ناقصة العقل قليلة الرأي ليست أهلا لحضور الرجال ومحافل الخصوم .
الثاني : أن يكون حرا لأن ذلك من أوصاف الكمال ولأن العبد مختلف في قبول شهادته الثالث : أن يكون مسلما لأن الكفر ينافي العدالة ولا خلاف في اعتبار الإسلام الرابع أن يكون سميعا يسمع الإقرار من المقر والإنكار من المنكر والشهادة من الشاهد الخامس : أن يكون بصيرا ليعرف المدعي من المدعى عليه والمقر من المقر له والشاهد من المشهود عليه السادس : أن يكون متكلما لينطق بالفصل بين الخصوم السابع : أن يكون عدلا فلا يصح أن يكون فاسقا لأنه لا يكون شاهدا فأولى ألا يكون قاضيا الثامن : أن يكون عالما مجتهدا ليحكم بالعلم لقوله سبحانه : { وأن احكم بينهم بما أنزل الله } ' سورة المائدة : الآية 49 ' ولم يقل بالتقليد وقال : { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول } 'سورة النساء : الآية 59' وروى بريدة عن النبي A قال : [ القضاة ثلاثة : رجل علم الحق فقضى به فهو في الجنة ورجل قضى بين الناس على جهل فهو في النار ورجل جار في الحكم فهو في النار ] رواه ابن ماجه ولأن الحكم آكد من الفتيا لأنه فتيا وإلزام ثم المفتي لا يجوز أن يكون عاميا مقلدا فالحاكم أولى .
1716 - ـ مسألة : ( ولا يجوز له أن يقبل رشوة ولا هدية ) وذلك أن الرشوة في الحكم حرام بلا خلاف قال الله سبحانه : { أكالون للسحت } 'سورة المائدة : الآية 42' قال الحسن وسعيد بن جبير في تفسيره : هو الرشوة وقال مسروق : إذا قبل القاضي الهدية أكل السحت وإذا قبل الرشوة بلغت به الكفر وقد روى عبد الله بن عمر قال : [ لعن رسول الله A الراشي والمرتشي ] قال الترمذي : حديث حسن صحيح ورواه أبو هريرة وزاد [ في الحكم ] ورواه أبو بكر في زاد المسافر وزاد [ والرائش ] والرائش السفير بينهما ولأن المرتشي إنما يرتشي ليحكم بغير الحق أو ليوقف الحق عنه وذلك من أعظم الظلم قال كعب : الرشوة تسفه الحليم وتعمي عين الحكيم .
1717 - ـ مسألة : ولا يقبل ( هدية ممن لم يكن يهدي إليه ) يعني قبل ولايته ولأن حدوث الهدية عند حدوث الولاية يدل على أنها من أجلها ليتوصل إلى ميل الحاكم معه على خصمه فأما إن كانت بينهما مهاداة متقدمة جاز قبولها منه بعد الولاية لأنها لم تكن من أجل الولاية وذكر القاضي أنه يستحب له التنزه عنها أيضا إلا أن يخشى أن يقدمها بين يدي حكومة أو تكون في حال الحكومة فإنه يحرم أخذها في هذه الحال لأنها كالرشوة .
1718 - ـ مسألة : ( ولا يجوز له الحكم قبل معرفة الحق ) لأن الله سبحانه قال : { فاحكم بين الناس بالحق } 'سورة ص : الآية 26' ومن لم يعرف الحق كيف يحكم به .
1719 - ـ مسألة : ( فإن أشكل عليه شاور فيه أهل العلم والأمانة ) لقوله سبحانه : { وشاورهم في الأمر } ' سورة آل عمران : الآية 159' قال الحسن : إن كان رسول الله A لغنيا عن مشاورتهم وإنما أراد أن يستن بذلك الحاكم بعده وقد شاور رسول الله A أصحابه في أسارى بدر وفي مصالحة الكفار يوم الخندق وفي لقاء الكفار يوم بدر وروي : ما كان أحد أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله A وشاور أبو بكر الناس في الجدة وشاور عمر في دية الجنين ولا مخالف في استحباب ذلك ولأنه قد ينتبه بالمشاورة ويتذكر ما نسيه بالمذاكرة وقد ينتبه لإصابة الحق ومعرفة الحادثة من هو دون القاضي فكيف من يساويه وقال أحمد : لما ولي سعد بن إبراهيم قضاء المدينة كان يجلس بين القاسم وسالم يشاورهما ولما ولي محارب بن دثار قضاء الكوفة كان يجلس بين الحكم وحماد يشاورهما وما أحسن هذا لو كان الحكام يفعلونه يشاورون وينتظرون .
1720 - ـ مسألة : ( ولا يحكم وهو غضبان ) لا نعلم بين أهل العلم خلافا في ذلك وكتب أبو بكرة إلى ابنه عبد الله بن أبي بكرة وهو قاض بسجستان أن لا تحكم بين اثنين وأنت غضبان فإني سمعت رسول الله A يقول : [ لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان ] متفق عليه .
1721 - ـ مسألة : ( ولا يحكم في حال يمنع استيفاء الرأي ) فقد روي عن عمر Bه أنه كتب إلى أبي موسى إياك والغضب والقلق والضجر والتأذي بالناس وفي معنى الغضب كل ما يشغل فكره من الجوع المفرط والعطش الشديد والوجع المزعج ومدافعة الأخبثين وشدة النعاس والهم والغم والحزن والفرح فهذه كلها تمنع استيفاء الرأي الذي يتوصل به إلى إصابة الحق في الغالب فهي في معنى الغضب المنصوص عليه فتجري مجراه .
1722 - ـ مسألة : ( ولا يتخذ في مجلس الحكم بوابا ) لأنه ربما منع صاحب الحاجة من الدخول عليه .
1723 - ـ مسألة : ( ويعدل بين الخصمين في الدخول عليه والمجلس والخطاب ) وروى عمر بن شيبة في كتاب القضايا بإسناده [ عن أم سلمة أن النبي A قال : من ابتلي بالقضاء بين المسلمين فليعدل بينهم في لفظه وإشارته ومقعده ولا يرفعن صوته على أحد الخصمين ما لا يرفعه على الأخر ] وفي رواية [ فليسو بينهم في النظر والمجلس والإشارة ] وفي كتاب عمر إلى أبي موسى [ ساو بين الناس في وجهك ومجلسك وعدلك حتى لا ييأس الضعيف من عدلك ولا يطمع الشريف في حيفك ] ولأن الحاكم إذا ميز أحد الخصمين على الآخر حصر وانكسر وربما لم يقم حجته فأدى ذلك إلى ظلمه إذا ثبت هذا فإنه يجلس الخصمين بين يديه لما روي [ أن النبي A قضى أن يجلس الخصمان بين يدي الحاكم ] رواه أبو داود ولأن ذلك أمكن للحاكم في الإقبال عليهما والنظر في خصومتهما