باب الأمان .
( ومن قال لحربي : قد أجرتك أو أمنتك أو لا بأس عليك ونحو هذا فقد أمنه ) وذلك أن من أعطى الأمان حرم قتله وماله والتعرض له فأما صفة الأمان فالذي ورد به الشرع لفظتان : أمنتك وأجرتك لقوله سبحانه : { وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله } 'سورة التوبة : الآية 6' وقال عليه السلام لأم هانىء : [ قد أجرنا من أجرت وأمنا من أمنت ] وقال : [ من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ] وفي معنى ذلك لا تخف ولا بأس عليك فقد روي أن عمر Bه قال للهرمزان : لا بأس عليك تكلم فلما تكلم أمر عمر بقتله فقال أنس : ليس لك إلى ذلك سبيل قد أمنته فدرأ عنه القتل رواه سعيد وغيره وقال عمر : إذا قلتم لا بأس أو لا تذهل أو مترس فقد أمنتموهم فإن الله يعلم الألسنة وفي رواية : إذا قال الرجل للرجل لا تخف أو مترس فقد أمنه وهذا كله لا نعلم فيه خلافا فأما إن قال له قف أو ألق سلاحك فقال أصحابنا : هو أمان لأن الكافر يعتقده أمانا فكان أمانا كقوله أمنتك ويحتمل أنه ليس بأمان لأن لفظه لا يشعر به وهو يستعمل للإرهاب والتخويف فأشبه ما لو قال لأقتلنك .
1688 - ـ مسألة : ( ويصح الأمان من كل مسلم بالغ عاقل مختار ذكرا كان أو أنثى حرا أو عبدا ) وهو قول أكثرهم وروي ذلك عن عمر Bه وقال أبو حنيفة : لا يجوز أمان العبد إلا أن يكون مأذونا له لأنه لا يجب عليه الجهاد فلا يصح أمانه كالصبي ولأنه مجلوب من دار الحرب فلا يؤمن أن ينظر لهم في تقديم مصلحتهم ولنا ما روي عن النبي A أنه قال : [ ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا ] رواه البخاري ( الحديث 307 ] وقال عمر : العبد المسلم رجل من المسلمين ذمته ذمتهم رواه سعيد ولأنه مسلم مكلف أشبه الحر وأما التهمة فتبطل بما لو أذن له في القتال فإنه يصح أمانه وأما المرأة فيجوز أمانها في قولهم جميعا وأما الصبي المميز ففيه روايتان قال أبو بكر : يصح أمانه رواية واحدة لأنه مسلم مميز فأشبه البالغ وحمل رواية المنع على من لم يعقل وفارق المجنون فإنه لا تمييز له .
1689 - ـ مسألة : ( ويصح أمان آحاد الرعية للجماعة اليسيرة ) كالواحد والعشرة والقافلة والحصن الصغير لما روى فضيل بن يزيد الرقاشي قال : جهز عمر بن الخطاب جيشا فكنت فيهم فحضرنا موضعا فرأينا أنا سنفتحها اليوم فجعلنا نقبل ونروح فبقي عبد منا فراطنهم وراطنوه فكتب لهم الأمان في صحيفة وشدها على سهم ورمى بها إليهم فأخذوها وخرجوا فكتب بذلك إلى عمر فقال : العبد المسلم رجل من المسلمين ذمته ذمتهم رواه سعيد فإذا صح من العبد فالحر أولى ولا يصح لأهل بلدة ورستاق وجمع كثير لأن ذلك يفضي إلى تعطيل الجهاد والافتئات على الإمام ( ويصح أمان الأمير للبلد الذي أقيم بإزائه ) لأنه نائب الإمام فيه ( ويصح أمان الإمام لجميع الكفار ) لأنه متولي ذلك يفعل ما يرى فيه المصلحة .
1692 - ـ مسألة : ( ومن دخل دارهم بأمانهم فقد أمنهم من نفسه ) لأنهم إنما أعطوه الأمان مشروطا بأمنه إياهم من نفسه وترك خيانتهم وإن لم يكن ذلك مذكورا فهو معلوم في المعنى ولا يصلح في ديننا الغدر وقد قال عليه السلام : المؤمنون عند .
شروطهم .
1691 - ـ مسألة : ( وإن خلوا أسيرا منا بشرط أن يبعث إليهم مالا معلوما لزمه الوفاء لهم به ) لأن الله سبحانه قال : { وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم } 'سورة النحل : الآية 91' ولأن النبي A صالح أهل الحديبية على رد من جاءه فوفى لهم وقال : إنا لا يصلح في ديننا الغدر ولأن في الوفاء مصلحة للأسارى وفي منعه مفسدة في حقهم لأنهم لا يأمنون بعده أسيرا والحاجة داعية إلى ذلك فلزم الوفاء به كما يلزم الوفاء بعقد الهدنة .
1692 - ـ مسألة : ( فإن شرطوا عليه أن يعود إليهم إن عجز عنه لزمه العود ) في إحدى الروايتين لأن النبي A عاهد أهل الحديبية على رد من جاء مسلما فرد أبا جندل وأبا بصير وقال : إنا لا يصلح في ديننا الغدر والرواية الأخرى لا يرجع لأن الرجوع إليهم معصية فلم يلزم بالشرط كما لو كان امرأة وكما لو شرط شرب الخمر أو قتل مسلم .
1693 - ـ مسألة : ( إلا أن تكون امرأة فلا ترجع إليهم ) لأن في رجوعها إليهم تسليطا لهم على وطئها حراما وقد منع الله ورسوله رد النساء إلى كفار قريش بعد صلحه على ردهن في قصة الحديبية وهي مشهورة رواه أبو داود وغيره وفيها : فجاء نسوة مؤمنات فنهاهم الله أن يردوهن بقوله : { فلا ترجعوهن إلى الكفار } 'سورة الممتحنة : الآية 10'