باب الغنائم وقسمتها .
( وهي نوعان : أحدهما الأرض فيخير الإمام بين قسمتها على الغانمين وبين وقفها على المسلمين ويضرب عليها خراجا مستمرا يؤخذ ممن هي في يده كل عام أجرا لها ) وهي الأرض التي فتحت عنوة وهي ما أجلى عنها أهلها بالسيف فحكمها أن الإمام مخير بين قسمتها بين الغانمين وبين وقفها على جميع المسلمين لأن كلا الأمرين قد ثبت فيه حجة عن رسول الله A فإن رسول الله A قسم نصف خيبر ووقف نصفها لنوائبه ووقف مكة ولم يقسمها ووقف عمر أرض الشام وأرض العراق ومصر ووافق على ذلك علماء الصحابة وأشاروا عليه بذلك وعنه تصير وقفا بنفس الاستيلاء عليها لاتفاق الصحابة على ذلك وعنه أن قسمتها متعينة ولا يجوز وقفها لأن النبي A فعل ذلك وفعله أولى من فعل غيره وهو قول مالك لقوله سبحانه : { اعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } 'سورة الأنفال : الآية 41' يفهم منها أن أربعة أخماسها للغانمين والرواية الأولى أولى لأن النبي A فعل الأمرين جميعا في خيبر ولأن عمر قال : لولا آخر الناس لقسمت الأرض كما قسم رسول الله A خيبر فقد وقفها مع علمه بفعل النبي A دل على أن فعله لذلك لم يكن متعينا كيف والنبي A قد وقف نصف خيبر ولو كانت للغانمين لم يكن له وقفها وإذا ثبت هذا فإنه إن وقفها فعليها الخراج يضرب عليها أجرة لها في كل عام على من هي في يده وإن قسمها بين الغانمين فلا خراج فيها وليس له أن يفعل شيئا من ذلك إلا إذا رآه مصلحة للمسلمين كما كان مخيرا في الأسارى لم يكن تخيير شهوة وإنما هو تخيير لما فيه المصلحة للمسلمين .
1675 - ـ مسألة : ( وما وقفه الأئمة من ذلك لم يجز تغييره ولا بيعه ) وكذلك ما فعله النبي A من وقف وقسمة فليس لأحد نقضه ولا تغييره وإنما الروايات فيما يستأنف فتحه وما قسم بين الغانمين فلا خراج عليه ولا بيعه لأن الوقف لا يجوز بيعه .
النوع ( الثاني ) من الغنائم ( سائر الأموال فهي لمن شهد الوقعة ممن يمكنه القتال ويستعد له من التجار وغيرهم سواء قاتل أو لم يقاتل على الصفة التي شهد الوقعة فيها من كونه فارسا أو راجلا أو عبدا أو مسلما أو كافرا ولا يعتبر ما قبل ذلك ولا بعده ) قال أحمد : إني أرى أن كل من شهد على أي حال كان يعطى إن كان فارسا ففارس وإن كان راجلا فراجل لأن أحمد Bه قال : الغنيمة لمن شهد الوقعة وقال أبو حنيفة : الاعتبار بدخول دار الحرب فإن دخل فارسا فله سهم فارس وإن نفق فرسه قبل القتال وإن دخل راجلا فله سهم راجل وإن استفاد فرسا فقاتل عليه ولنا أن الفرس حيوان يسهم له فيعتبر وجوده حالة القتال فيسهم له مع الوجود فيه ولا يسهم له مع العدم كالآدمي والأصل في هذا أن حاله عند استحقاق السهم حال مقتضى الحرب بدليل قول عمر : الغنيمة لمن شهد الوقعة ولأنها الحالة التي يحصل فيها الاستيلاء الذي هو سبب الملك بخلاف ما قبل ذلك فإن الأموال في أيدي أصحابها ولا يدري هل يظفر بهم أو لا ولأنه لو مات بعض المسلمين قبل الاستيلاء لم يستحق شيئا ولو وجد مدد في تلك الحال أو أسير فهرب أو كافر فأسلم فقاتل استحق السهم فدل على أن الاعتبار بحالة الإحراز فوجب اعتباره دون غيره .
1676 - ـ مسألة : ( ولا حق فيها لعاجز عن القتال بمرض أو غيره ) وذلك أنه إذا مرض في دار الحرب فلا يخلو إما أن يكون مرضا يسيرا لا يخرجه عن كونه من أهل القتال كالصداع والحمى لم يسقط سهمه وإن خرج عن كونه من أهل القتال كالزمن والأشل سقط سهمه لأنه ليس من أهل القتال والجهاد أشبه العبد .
1677 - ـ مسألة : ( ولا لمن جاء بعد تقضي الحرب من مدد أو غيره ) لقول عمر Bه : الغنيمة لمن شهد الوقعة فإذا جاء بعدها فلم يشهدها فلا سهم له ولأنه قد جاء وقد ملكت وصارت للغانمين الذين حضروها فلم يبق له فيها نصيب وروى أبو هريرة [ أن أبان بن سعيد وأصحابه قدموا على رسول الله A بخيبر بعد أن فتحها فقال أبان : اقسم لنا يا رسول الله فقال رسول الله A : اجلس يا أبان ولم يقسم له رسول الله A ] رواه أبو داود وروى سعيد عن طارق بن شهاب : إن أهل البصرة غزوا نهاوند فأمدهم أهل الكوفة فكتب في ذلك إلى عمر Bه فكتب عمر : إن الغنيمة لمن شهد الوقعة وروي نحو ذلك عن عثمان Bه في غزوة أرمينية ولأنه مدد لحق بعد أن تقضى الحرب أشبه ما لو جاء بعد القسمة أو بعد إحرازها إلى دار الإسلام .
1678 - ـ مسألة : ( ومن بعثه الأمير لمصلحة الجيش أسهم له ) وهذا مثل الرسول والدليل والطليعة والجاسوس يبعثون لمصلحة الجيش فهم شركاء الجيش فيما غنم وقد تخلف عثمان Bه يوم بدر فأجرى له رسول الله A سهمه من الغنيمة وعن ابن عمر : [ أن رسول الله A قام يوم الحديبية فقال : إن عثمان انطلق في حاجة لله وحاجة لرسوله وإني أبايع له فضرب له رسول الله A بسهم ولم يضرب لأحد غاب غيره ] ولأنه في مصلحتهم فاستحق سهما كالسرية ( ويشارك الجيش سراياه فيما غنمت وتشاركه فيما غنم ) في قول عامتهم وقد روي أن النبي A لما غزا هوازن بعث سرية من الجيش قبل أوطاس فغنمت السرية فاشرك بينها وبين الجيش قال ابن المنذر : وروينا أن النبي A قال : وترد سراياهم على قعدهم وفي تنفيل النبي A في البداءة الربع وفي الرجعة الثلث دليل على اشتراكهم فيما سوى ذلك ولأنهم جيش واحد وكل منهم رده لصاحبه فيشتركون كما لو غنم أحد جانبي الجيش .
1679 - ـ مسألة : ( ويبدأ بإخراج مؤنة الغنيمة لحفظها ونقلها وسائر حاجتها ) لأن أجرتهم منها والفاضل للغانمين كما يبدأ بأجرة العامل على الزكاة ( ثم يدفع الأسلاب إلى أهلها ) لأن صاحبها معين ( والأجعال لأصحابها ) كذلك ( ثم يخمس باقيها فيقسم خمسها خمسة أسهم ) يعني أنه يجعل الغنيمة كلها خمسة أسهم يأخذ منها سهما يقسمه خمسة أسهم وذلك لقوله تعالى : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } 'سورة الأنفال : الآية 41 ' فسهم الله ورسوله واحد لأن الدنيا والآخرة لله سبحانه وقد روي عن ابن عمر وابن عباس قالا : [ كان رسول الله A يقسم الخمس على خمسة : ( فسهم لله ورسوله يصرف في الكراع وهي الخيل والسلاح ومصالح المسلمين ) من سد الثغور ونحوه ( والخمس الثاني لذي القربى وهم ) أقارب النبي A ( من بني هاشم وبني المطلب ) ابني عبد مناف دون غيرهم لما روى جبير بن مطعم قال : ( لما قسم رسول الله A سهم ذوي القربى من خيبر بين بني هاشم وبني المطلب أتيت أنا وعثمان بن عفان رسول الله A فقلنا : يا رسول الله أما بنو هاشم فلا ننكر فضلهم لمكانك الذي وضعك الله به منهم فما بال إخواننا من بني المطلب أعطيتهم وتركتنا وإنما نحن وهم منك بمنزله واحدة فقال : إنهم لم يفارقوني - وفي رواية : لم يفارقونا - في جاهلية ولا إسلام وإنما بنو هاشم وبنو المطلب شئ واحد وشبك بين أصابعه ] رواه الإمام أحمد والبخاري فرعى لهم النبي A نصرتهم وموافقتهم بني هاشم في الجاهلية ويشترك الذكر والأنثى فيه لدخولهم في اسم القرابة وعن أحمد يسوى بين الذكر والأنثى فيه لدخولهم في اسم القرابة وعن أحمد يسوى بين الذكر والأنثى لأنهم أعطوا بسهم القرابة والذكر والأنثى فيها سواء فأشبه ما لو أوصى بثلثه لقرابة فلان ولأنه سهم من الخمس فيسوى فيه بين الذكر والأنثى كسائر سهامه وعنه ( للذكر مثل حظ الأنثيين ) لأنه سهم استحق بقرابة الأب شرعا ففضل فيه الذكر على الأنثى كالميراث ويدخل في ذلك الغني والفقير لأن النبي A أعطى قرابته الأغنياء كالعباس وغيره ولم يخص الفقراء لأنهما يدخلان في اسم القرابة فلا يختص أحدهما دون الآخر ( والخمس الثالث في اليتامى ) وهم الذين لا آباء لهم ولم يبلغوا الحلم قال أصحابنا : ولا يستحقون إلا مع الفقر وقال بعضهم هو للغني والفقير لأنه يستحق باسم اليتم وهو شامل لهما وقياسا له على سهم ذي القربى ووجه الأول أنه لو كان له أب ذو مال لم يستحق شيئا فإذا كان المال له كان الأولى أن لا يستحق شيئا لأن وجود المال له أنفع من وجود الأب ولأنهم صرف إليهم لحاجتهم لأن اسم اليتم يطلق عليهم في العرف للرحمة ومن كان إعطاؤه لذلك اعتبرت الحاجة فيه بخلاف ذوي القربى فإنهم استحقوا لقربهم من رسول الله A تكرمة لهم والغني والفقير في القرب سواء فاستووا في الاستحقاق ( والخمس الرابع في المساكين ) ويدخل فيهم الفقراء فهم صنفان في الزكاة وواحد ها هنا وفي سائر الأحكام ( والخمس الخامس في بني السبيل ) وهم المسافرون المنقطع بهم يعطى كل واحد منهم بقدر حاجته وما يوصله إلى بلده لأن الدفع إليه لأجل الحاجة فأعطى بقدرها .
1680 - ـ مسألة : ( ثم يخرج باقي الأنفال والرضخ ) ثم يقسم ما بقي بين الغانمين قال أحمد : النفل من أربعة أخماس الغنيمة وهو قول أنس بن مالك Bه لقوله سبحانه : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } 'سورة الأنفال : الآية41' وروى معن بن يزيد السلمي قال : [ سمعت رسول الله A يقول : لا نفل إلا بعد الخمس ] رواه أبو داود من حديث حبيب بن مسلمة عن النبي A فإنما نفلهم بعد الخمس وفي الرضخ وجهان : أحدهما : أنه من أربعة أخماس الغنيمة لأنه استحق بحضور الوقعة أشبه سهام الغانمين والثاني : أنه من أصل الغنيمة لأنه استحق لأجل المعاونة في تحصيل الغنيمة فأشبه أجرة النقالين .
1681 - ـ مسألة : ( وما بقي من أربعة أخماس الغنيمة يصير للغانمين للرجل سهم وللفارس ثلاثة أسهم ) وأجمعوا على أن أربعة أخماس الغنيمة للغانمين لقوله سبحانه : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } 'سورة الأنفال : الآية 41 ' فيفهم من ذلك أن الباقي للغانمين لأنه أضافها إليهم ثم أخذ منها سهما لغيرهم فبقي سائرها لهم كقوله : { وورثه أبواه فلأمه الثلث } 'سورة النساء : الآية 11' وقال عمر : الغنيمة لمن شهد الوقعة واتفقوا كلهم على أن للراجل سهما وللفارس ثلاثة أسهم إلا أبا حنيفة قال : للفارس سهمان وقد ثبت عن ابن عمر [ أن النبي A أسهم للفارس ثلاثة أسهم سهم له وسهمان لفرسه ] متفق عليه .
1682 - ـ مسألة : ( وإن كان الفرس غير عربي فله سهم ولصاحبه سهم ) وغير العربي هو البرذون وهو الهجين أيضا وقد حكي عن أحمد أنه قال : الهجين البرذون واختلفت الرواية عن أحمد في سهمه فقال الخلال : تواترت الروايات عن أبي عبد الله في سهام البرذون أنه سهم واحد واختاره أبو بكر وعنه أسهم للبرذون مثل سهم العربي سهمين واختاره الخلال لأن الله سبحانه قال : { والخيل والبغال والحمير لتركبوها } 'سورة النحل : الآية 8' وهذا من الخيل ولأنه حيوان ذو سهم فاستوى فيه العربي وغيره كالآدمي وحكى القاضي رواية أخرى عنه أنه لا يسهم له وحكى أبو بكر رواية رابعة أن البراذين إذا أدركت أسهم لها مثل الفرس لأنها عملت عمل العراب فأعطيت سهمها ودليل الأولى ما روى سعيد عن أبي الأقمر قال : أغارت الخيل على الشام فأدركت العراب من يومها وأدركت الكوادن ضحى الغد وعلى الخيل رجل من همدان يقال له المنذر بن أبي حمضة فقال : لا أجعل التي أدركت من يومها مثل التي لم تدرك فقال عمر هبلت الوادعي أمه أمضوها على ما قال وروى الجوزجاني عن أبي موسى أنه كتب إلى عمر بن الخطاب Bه : إنا وجدنا في العراق خيلا عراضا دكا فما ترى يا أمير المؤمنين في سهامها ؟ فكتب : تلك البراذين فما قارب العتاق منها فاجعل له سهما واحدا وألغ ما سوى ذلك وروي بإسناده عن مكحول [ أن النبي A أعطى الفرس العربي سهمين وأعطى الهجين سهما ] .
1683 - ـ مسألة : ( وإن كان مع الرجل فرسان أسهم لهما ولا يسهم لأكثر من فرسين ) لما روى الأوزاعي : [ أن رسول الله A كان يسهم للخيل وكان لا يسهم للرجل فوق فرسين وإن كان معه عشرة أفراس ] وعن أزهر بن عبد الله [ أن عمر كتب إلى أبي عبيدة أن أسهم للفرس سهمين وللفرسين أربعة ولصاحبها سهم فذلك خمسة أسهم وما كان فوق الفرسين فهي جنائب ] رواهما سعيد في سننه ولأن به إلى الثاني حاجة فإن إدامة ركوب واحد يضعفه ويمنعه القتال عليه فيسهم له كالأول بخلاف الثالث .
1684 - ـ مسألة : ( ولا يسهم لدابة غير الخيل ) كالجمل والبغل والحمار وعنه إذا غزا على بعير وهو لا يقدر على غيره أسهم له ولبعيره سهمان وعنه يسهم للبعير سهم ولم يشترط عجز صاحبه عن غيره ولقوله سبحانه : { فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب } 'سورة الحشر : الآية 6' والركاب الإبل ولأنه حيوان يجوز المسابقة عليه فيسهم له كالفرس واختار أبو الخطاب أنه لا يسهم له وهو قول أكثرهم قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن من غزا على بعير فله سهم راجل لأن النبي A لم يسهم لغير الخيل وقد كان معه يوم بدر سبعون بعيرا ولم تخل غزاة من غزواته A من الأبعرة بل كانت غالب دوابهم فلم ينقل أنه أسهم لها ولو أسهم لها لنقل ذلك ولأنه لا يتمكن صاحبه من الكر والفر فلم يسهم له كالبغل فأما ما عدا هذا من البغال والحمير والفيلة فلا يسهم له بغير خلاف وإن عظم غناؤها وقامت مقام الخيل لأن النبي A لم يسهم لها