باب حد المحاربين .
( وهم الذين يعرضون للناس في الصحراء جهرة ليأخذوا أموالهم فمن قتل منهم وأخذ المال قتل ) وإن عفا صاحب المال ( وصلب حتى يشتهر ودفع إلى أهله ومن قتل ولم يأخذ المال قتل ولم يصلب وإن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى في مقام واحد وحسمتا ) وخلي سبيله روي هذا عن ابن عباس Bهما وقيل يخير الإمام فيهم بين القتل والقطع والنفي لقوله سبحانه : { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض } 'سورة المائدة : الآية 33' و أو للتخيير وقيل : إن قتل قتل وإن أخذ المال قطع وإن قتل وأخذ المال فالإمام مخير بين قتله وصلبه وبين قطعه وقتله وبين أن يجمع له ذلك كله لأنه وجد منه ما يوجب القتل والقطع فأشبه ما لو زنى وسرق وعنه إذا قتل وأخذ المال قطع ثم قتل ثم صلب قال مالك : إذا قطع الطريق فإن رآه الإمام جلدا إذا رأى قتله وإن كان جلدا لا رأى له قطعه ولنا على أنه لا يقتل إذا لم يقتل قول النبي A : [ لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان أو زنى بعد إحصان أو قتل نفس بغير حق ] وأما أو فقد قال ابن عباس Bهما مثل قولنا فإما أن يكون توقيفا أو لغة وأيهما كان فهو حجة يدل على أنه بدأ بالأغلظ فالأغلظ وعرف القرآن فيما أريد به التخيير البداية بالأخف ككفارة اليمين وما أريد به الترتيب بدىء فيه بالأغلظ فالأغلظ ككفارة القتل يدل عليه أن العقوبات تختلف باختلاف الأجرام ولذلك اختلف حكم الزاني والقاذف والسارق وقد سوي بينهم مع اختلاف جناياتهم وبهذا نرد على مالك فإنه إنما اعتبر الجلد والرأي وهو على خلاف الأصول التي ذكرناها وقول أبي حنيفة لا يصح لأن القطع لو وجب بحق الله سبحانه لم يخير الإمام فيه كقطع السارق وكما لو انفرد بأخذ المال ولأن الحدود لله سبحانه إذا كان فيها قتل سقط ما دونه كما لو سرق وزنى وهو محصن وذكر العاقولي في معلقه أن أبا داود روى عن ابن عباس قال : [ وادع رسول الله A أبا بردة الأسلمي فجاء ناس يريدون الإسلام فقطع عليهم أصحابه فنزل جبريل عليه السلام بالحد فيهم أن من قتل وأخذ المال قتل ثم صلب ومن قتل ولم يأخذ المال قتل ومن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف ] وهو نص .
1620 - ـ مسألة : ( ولا يقطع إلا من أخذ ما يقطع به السارق ) لقوله A : لا قطع إلا في ربع دينار ولم يفصل .
1621 - ـ مسألة : ( ومن أخاف السبيل ولم يقتل ولا أخذ مالا نفي من الأرض ) لقوله سبحانه : { أو ينفوا من الأرض } 'سورة المائدة : الآية 33' قال ابن عباس : النفي في هذه الحالة يعني في حق من لم يقتل ولم يأخذ مالا ولكنه أخاف السبيل ونفيه تشريده عن الأمصار والبلدان فلا يترك يأوي إلى بلد لظاهر الآية فإن النفي الطرد والإبعاد وأما الحبس فهو إمساك وهما متنافيان .
1622 - ـ مسألة : ( ومن تاب قبل القدرة عليه سقطت عنه حدود الله وأخذ بحقوق الآدميين إلا أن يعفى له عنها ) لا نعلم في هذا خلافا ودليله قول الله سبحانه : { إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم } ' سورة المائدة : الآية 34' يسقط عنهم تحتم القتل والصلب والقطع والنفي ويبقى عليهم القصاص في النفس والجراح وغرامة المال والدية لما لا قصاص فيه ولأنه إذا قبل القدرة عليه فالظاهر أنها توبة إخلاص وأما التوبة بعد القدرة عليه فالظاهر أنها تقيه من إقامة الحد عليه فلا تفيده وأما حقوق الآدميين التي ذكرناها فيؤخذ بها ولا تسقط بالتوبة كما لو أخذ شيئا أو أتلف شيئا وهو غير محارب ثم تاب فإنه يلزم به إلا أن يعفو صاحبه