باب المضطر .
( ومن اضطر في مخمصة فلم يجد إلا محرما فله أن يأكل منه ما يسد به رمقه ) أجمع العلماء على إباحة الأكل من الميتة للمضطر وكذلك سائر المحرمات التي لا تزيل العقل والأصل فيه قوله سبحانه : { إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه } 'سورة البقرة : الآية 173' ويباح له أكل ما يسد به الرمق ويأمن معه الموت بالإجماع ويحرم عليه ما زاد على الشبع بالإجماع وفي الشبع روايتان : أحدهما لا يباح والثانية يحل له الشبع إختارها أبو بكر لما روى جابر بن سمرة [ أن رجلا نزل الحرة فنفقت عنده ناقة فقال : أسلخها حتى نقدد لحمها وشحمها ونأكله فقال : حتى أسأل رسول الله A فقال : هل عندك غني يغنيك ؟ قال : لا قال : فكلوها ولم يفرق ] رواه أبو داود ولأن ما جاز سد الرمق منه جاز الشبع منه كالمباح ودليل الأولى أن الآية الكريمة دلت على تحريم الميتة ثم استثنى منها ما ضطر إليه فإذا اندفعت الضرورة لم يحل له الأكل كحالة الابتداء ولأنه بعد سد الرمق غير خائف للتلف فلم يجز له الأكل كغير المضطر يحققه أنه بعد سد الرمق كهو قبل أن يضطر وثم لم يبح له الأكل هكذا هنا إذا ثبت هذا فإن الضرورة المبيحة هي التي يخاف منها التلف إن ترك الأكل قال الإمام أحمد : إذا كان يخشى على نفسه أن يتلف سواء كان من جوع أو يخاف إن ترك الأكل عجز عن المشى وانقطع عن الرفقة أو يعجز عن الركوب فيهلك .
1366 - ـ مسألة : ( وإن وجد متفقا على تحريمه ومختلفا فيه أكل من المختلف فيه ) لأنه أخف تحريما كالخنزير متفق على تحريمه والثعلب مختلف فيه والقنفذ وما شاكل ذلك .
1367 - ـ مسألة : ( فإن لم يجد إلا طعاما لغيره به مثل ضرورته لم يبح له أخذه ) لأن صاحب الطعام ساواه في الضرورة وانفرد بالملك فأشبه غير حال الضرورة .
1368 - ـ مسألة : ( وإن كان مستغنيا عنه أخذه منه بثمنه ) لأنه أمكن الوصول إليه برضا صاحبه قال القاضي : فإن لم يبعه إلا بأكثر من ثمن مثله فاشتراه بذلك لم يلزمه إلا بثمن مثله لأنه صار مستحقا له بقيمته فإن كان العوض معه دفعه إليه وإلا بقي في ذمته ولا يباح للمضطر من مال غيره إلا ما يباح له من الميتة قال أبو هريرة : [ قلنا يا رسول الله ما يحل لأحدنا من مال أخيه إذا اضطر إليه ؟ قال : يأكل ولا يحمل ويشرب ولا يحمل ] .
1369ـ - مسألة : ( فإن منعه منه أخذه قهرا وضمنه له متى قدر ) وذلك لأن صاحب الطعام إذا كان مستغنيا عنه لزمه بذله للمضطر لأنه يتعلق به إحياء نفس آدمي معصوم فلزمه بذله له كما يلزمه بذل منافعه في تخليصه من الغرق والحرق فإن لم يبذله له فللمضطر أخذه منه قهرا لأنه مستحق له دون مالكه فجاز له أخذه كعين ماله فإن احتيج في ذلك إلى قتال فله المقاتلة عليه ( فإن قتل المضطر فهو شهيد وعلى الآخر ضمانه ) بالقصاص أو الدية ( وإن آل آخذه إلى قتل مالكه فهو هدر ) كما قلنا في الصائل إذا قتله المصول عليه دفعا عن نفسه ولم يمكنه دفعه إلا بالقتل .
1370 - ـ مسألة : ( ولا يباح التداوي بمحرم ) لقوله عليه السلام : [ لا شفاء لأمتي فيما حرم عليها ] رواه الإمام أحمد في كتاب الأشربة ولفظه [ إن الله لم يجعل فيما حرم عليكم شفاء ] .
1371 - ـ مسألة : ( ولا يجوز شرب الخمر من عطش ) لأنه لا يروي .
1372 - ـ مسألة : ( ويباح دفع الغصة بها إذا لم يجد مائعا غيرها ) لأنه حالة ضرورة إذ لو لم يفعل ذلك لخاف الموت لأنها تقتل صاحبها