باب الذكاة .
( يباح كل ما في البحر بغير ذكاة [ لقول رسول الله A في البحر : هو الطهور ماؤه الحل ميتته ] .
1348 - ـ مسألة : ( إلا ما يعيش في البر ) من دواب البحر ( فلا يباح حتى يذكى ) كالطيور والسلحفاة وكلب الماء قال أحمد : كلب الماء نذبحه ولا أرى بأسا بالسلحفاة إذا ذبحت وقال : السرطان لا بأس به فقيل له : يذبح ؟ قال : لا [ وروي عن النبي A قال : كل شئ في البحر مذبوح ] وروي [ عن النبي A قال : إن الله ذبح كل شئ في البحر لابن آدم ] وروي نحو ذلك عن أبي بكر وقد صح أن أبا عبيدة وأصحابه وجدوا على ساحل البحر دابة يقال لها العنبر ميتة فأكلوا منها شهرا وادهنوا حتى سمنوا ولا يذكى السرطان لأنه ليس له نفس سائلة .
1349 - ـ مسألة : ( ولا يباح من البري شئ بغير ذكاة ) لقوله سبحانه : { حرمت عليكم الميتة } - إلى قوله - { إلا ما ذكيتم } 'سورة المائدة : الآية 3' فيدل ذلك على اشتراط الذكاة في الحل ولأن غير المذكى يسمى ميتة والميتة حرام ولما أباح النبي ميتة البحر دل على تحريم غيرها وأن الذكاة شرط فيها .
1350 - ـ مسألة : ( إلا الجراد وشبهه ) فإنه يباح أكله بإجماع أهل العلم وقد قال عبد الله بن أبي أوفى : [ غزونا مع رسول الله A سبع غزوات نأكل الجراد ] وقد قال عليه السلام : [ أحلت لنا ميتتان ودمان ] فالميتتان السمك والجراد ولا فرق بين أن يموت بسبب أو غيره لأن النبي A قال : أحلت لنا ميتتان ولم يفصل ولأنه لو افتقر إلى سبب لافتقر إلى ذبح وذابح وآلة كبهيمة الأنعام .
1351 - ـ مسألة : ( والذكاة تنقسم ثلاثة أقسام : نحر وذبح وعقر ويستحب نحر الإبل وذبح ما سواها ) فالنحر هو أن يضربها بحربة أو نحوها في الوهدة التي بين أصل العنق والصدر وثبت [ أن النبي A نحر بدنة وضحى بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده ] متفق عليه وأما الذبح فهو عبارة عن قطع الودجين والحلقوم والمريء وذلك معلوم في الغنم والبقر والطيور وقد روي [ عن النبي A أنه قال : الذكاة في الحلق واللبة ] وروي ذلك عن عمر رواه سعيد والأثرم وسيأتي ذلك وأما العقر فهو في الصيد وما لا يقدر على تذكيته فيرميه بنشابة أو يطعنه برمح في أي موضع اتفق فيحل .
1352 - ـ مسألة : ( فإن ذبح ما ينحر أو نحر ما يذبح فجائز ) [ لقول النبي A لعدي : أمر الدم بما شئت ] وقالت أسماء : [ نحرنا فرسا على عهد رسول الله A فأكلناه ] وعن عائشة قالت : [ نحر رسول الله A في حجة الوداع بقرة واحدة ] ولأن ما كان ذكاة في حيوان كان ذكاة بحيوان آخر سائر الحيوانات .
1353 - ـ مسألة : ( ويشترط للذكاة كلها ثلاثة شروط : أحدها أهلية المذكي ) ولها ثلاثة شروط : الأول ( أن يكون عاقلا ) يعرف الذبح ليقصده فإن كان لا يعقل كالطفل والمجنون والسكران لم يحل ما ذبحه لأنه لا يصح منه القصد فأشبه ما لو ضرب إنسانا بسيف فقطع عنق شاة وكذلك لو وقعت الحديدة بنفسها على عنق شاة فذبحتها لم تحل والثاني أن يكون ( قادرا على الذبح ) ليتحقق منه فلو كان صبيا أو امرأة صح قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إباحة ذبيحة المرأة والصبي والثالث الدين فيشترط أن يكون ( مسلما أو كتابيا ) لأن الله سبحانه أحل لنا ما ذكيناه بقوله : { إلا ما ذكيتم } 'سورة المائدة : الآية 3' وأحل طعام أهل الكتاب بقوله تعالى : { وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم } 'سورة المائدة : الآية 5' معناه ذبائحهم كذا فسره العلماء ولأن المذكاة من جملة الأطعمة وأما غير الكتابي كالوثني فلا تحل ذبيحته ولا طعامه الشرط ( الثاني للذكاة أن يذكر اسم الله تعالى عند الذبح وعند إرسال الآلة في الصيد إن كان ناطقا وإن أخرس أشار إلى السماء ) فتشترط التسمية في حق كل ذابح مع العمد سواء كان مسالما أو كتابيا لقوله سبحانه : { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } 'سورة الأنعام : الآية 121' فإن لم يعلم أسمى الكتابي أم لا فذبيحته حلال لأن الله سبحانه أباح لنا أكل ما ذبحه الكتابي وقد علم أننا لا نقف على كل ذابح .
1354 - ـ مسألة : ( وإن ترك التسمية على الذبيحة ساهيا حلت ) لقوله عليه السلام : [ عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ] وقد روي عن ابن عباس أنه قال : من نسي التسمية فلا بأس وروى سعيد قال : قال رسول الله A : ذبيحة المسلم حلال وإن له يسم إذا لم يتعمد ولقوله سبحانه : { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } 'سورة الأنعام : الآية 121' محمول على من ترك عمدا بدليل قوله : { وإنه لفسق } 'سورة الأنعام : الآية 121' والناسي ليس بفاسق .
1355 - ـ مسألة : ( وإن تركها على الصيد لم يحل عمدا كان أو سهوا ) هذا تحقيق المذهب ونقل حنبل عن أحمد : إن نسي التسمية على الذبيحة والكلب أكل قال : الخلال سها حنبل في نقله فإن في أول مسألته إذا نسي وقتل لم يأكل ودليل الأولى قوله تعالى : { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } 'سورة الأنعام : الآية 121' وقال : { فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله } 'سورة المائدة : الآية 4' و [ قال النبي A : إذا أرسلت كلبك وسميت فكل قلت : وأرسل كلبي فأجد معه كلبا آخر ؟ قال : لا تأكل فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره ] متفق عليه وفي لفظ [ إذا خالط كلابا لم يذكر اسم الله عليها فأمسكن وقتلن فلا تأكل ] وفي حديث ثعلبة [ ما صدت بقوسك وذكرت اسم الله عليه فكل ] وقوله : [ عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان ] يقتضي نفي الإثم لأنه جعل الشرط المعدوم كالموجود بدليل ما لو نسي شروط الصلاة والفرق بين الصيد والذبيحة أن الذبح وقع في محله فجاز أن يسامح فيه بخلاف الصيد والأحاديث بخلاف هذا لا نعلم لها أصلا الشرط ( الثالث أن يذكي بمحدد سواء كان من حديد أو حجر أو قصب أو غيره إلا السن والظفر [ لقول النبي A : ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكله ما لم يكن سنا أو ظفرا ] متفق عليه .
1356 - ـ مسألة : ( ويعتبر في الصيد أن يصيد بمحدد أو يرسل جارحا فيجرح الصيد ) لأن الاصطياد قام مقام الذكاة والجارح آلة كالسكين وعقره الحيوان بمنزلة إفراء الأوداج [ قال النبي A : فإن أخذ الكلب ذكاته ] والصائد بمنزلة المذكي وكذلك السهم ينبغي أن يكون محددا فإن كان غير محدد كالمصطاح لم يحل أو قتل بالمعراض فإنه يحل ما أصاب بحده ولا يحل ما أصاب بعرضه لأن هذا كله من الموقوذة ( وكذا لو قتل الصيد بحجر أو بندق أو شبكة فمات فيها أو قل الجارح الصيد بصدمته أو بخنقه أو روعته لم يحل ) لأنه موقوذ .
1357 - ـ مسألة : ( وإن صاد بالمعراض كل ما قتل بحده ولم يأكل ما قتل بعرضه ) لذلك .
1358 - ـ مسألة : ( وإن نصب المناجل للصيد وسمى فعقرت الصيد أو قتلته حل ) لأنه قتل الصيد بحديدة على الوجه المعتاد فأشبه ما لو رماه بها ولأنه قصد قتل الصيد بما قد جرت العادة بالصيد به أشبه ما ذكرناه ولأن التسبب جرى مجرى المباشرة في الضمان فكذلك في الصيد و [ قال عليه السلام : كل ما ردت عليك يدك ]