كتاب اللعان .
وهو مشتق من اللعن لأن كل واحد منهما يلعن نفسه في الخامسة واللعنة الطرد والإبعاد والأصل فيه قول الله سبحانه وتعالى : { والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم } 'سورة النور : الآية د' الآيات وروى سهل بن سعد [ أن عويم العجلاني أتى رسول الله A فقال : يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل يا رسول الله ؟ فقال رسول الله A : قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك فاذهب فأت بها قال سهل : فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله A فلما فرغا قال عويم : كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله A ] متفق عليه وحديث ابن عباس في لعان هلال بن أمية رواه أبو داود .
1305 - ـ مسألة : ( إذا قذف الرجل امرأته البالغة العاقلة الحرة المسلمة العفيفة بالزنا لزمه الحد إن لم يلاعن ) هذه الشروط هي شروط لوجوب الحد بالقذف فإنه لا يجب إلا باجتماعها فلو قذفها وهي صغيرة أو مجنونة أو كافرة أو فاسقة لم يجب عليه الحد لأن الحد لا يجب إلا بقذف المحصن وشروط الإحصان خمسة : العقل والحرية والإسلام والعفة وأن يكون كبيرا يجامع مثله وهذا إجماع وبه يقول جملة العلماء قديما وحديثا إلا داود فإنه أوجب الحد على قاذف العبد وابن المسيب وابن أبي ليلى قالا : إذا قذف ذمية لها ولد مسلم يحد والأول أصح لأن من لا يحد قاذفه إذا لم يكن له ولد لا يحد وله ولد كالمجنونة وفي اشتراط البلوغ عن الإمام أحمد روايتان : إحداهما يشترط لأنه أحد شرطي التكليف فأشبه العقل ولأن زنا الصبي لا يوجب حدا فلا يجب لا الحد بالقذف به كزنا المجنون والأخرى لا يشترط لأنه حر عاقل عفيف يتغير بهذا القول الممكن صدقه أشبه الكبير فعلى هذه الرواية لا بد أن يكون الكبير يجامع مثله وأدناه عشر سنين للغلام وللجارية تسع .
وللعان شروط لا يصح إلا بها : الأول أن يكون كل من زوجين عاقلين بالغين سواء كانا مسلمين أو كتابيبن أو رقيقين أو فاسقين أو كان أحدهما كذلك في إحدى الروايتين وفي الأخرى لا يصح إلا من زوجين مسلمين حرين عدلين لأن اللعان شهادة بقوله سبحانه : { ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم } 'سورة النور : الآية 6' وقال { فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله } 'سورة النور : الآية 6' وإن كانت المرأة ممن لا يحد بقذفها لم يجب اللعان لأنه يراد لإسقاط الحد ولا حد ها هنا فينتفي اللعان ودليل الأولى عموم قوله سبحانه : { والذين يرمون أزواجهم } ' سورة النور : الآية 6' الآية ولأن اللعان يمين فلا يفتقر إلى ما شرطوه كسائر الأيمان و [ دليل أنه يمين قول النبي A : لولا الأيمان لكان لي ولها شأن ] وأنه يفتقر إلى اسم الله تعالى ويستوي فيه الذكر والأنثى وأما تسميته شهادة فلقوله في يمينه أشهد بالله فسمي شهادة وإن كان يمينا كما قال الله سبحانه : { إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله } 'سورة المنافقون : الآية 1' ولأن الزوج يحتاج إلى نفي الولد فشرع له طريقا إلى نفيه كما لو كانت زوجته ممن لا يحد بقذفها الشرط الثاني أن يقذفهما بالزنا لقوله سبحانه : { والذين يرمون أزواجهم } 'سورة النور : الآية 6' الآية يعني بالزنا وهذا رام لزوجته .
1306 - ـ مسألة : ( وإن كانت زوجته ذمية أو أمة فعليه التعزيز إن لم يلاعن ) لأن الإسلام والحرية من شرائط القذف الموجب للحد ولم يوجدا وإنما يجب عليه التعزيز وله إسقاطه باللعان كما له إسقاط الحد باللعان وشرع اللعان ها هنا لإسقاط التعزيز ولنفي الولد إن كان ثم ولد .
1307 - ـ مسألة : ( ولا يعرض له حتى تطالبه زوجته ) يعني : لا يعرض للزوج بإقامة الحد عليه ولا طلب اللعان منه حتى تطالبه زوجته بذلك لأن ذلك حق لها فلا يقام من غير طلبها كسائر حقوقها .
1308 - ـ مسألة : ( وصفة اللعان أن يبدأ الزوج فيقول : أشهد بالله إني لمن فيما رميت به امرأتي هذه من الزنا ويشير إليها وإن لم تكن حاضرة سماها ونسبها حتى يكمل ذلك أربع مرات ثم يوقف عند الخامسة فيقال له : اتق الله فإنها الموجبة وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة فإن أبى إلا أن يتم فليقل : وأن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رميت به امرأتي هذه من الزنا ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا ثم توقف عند الخامسة وتخوف كما خوف الرجل فإن أبت إلا أن تتم فلتقل : وإن غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماني به زوجي هذا من الزنا ثم يقول الحاكم : قد فرقت بينكما فتحرم عليه تحريما مؤبدا ) ودليل هذا قوله سبحانه : { والذين يرمون أزواجهم } 'سورة النور : الآية 6' الآيات ولما روى ابن عباس [ أن هلال بن أمية قذف امرأته فقال رسول الله A : أرسلوا إليها فجاءت فقال لهلال : اشهد فشهد أربع شهادات بالله أنه لمن الصادقين فلما كانت الخامسة قال له : اتق الله فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب فقال : والله لا يعذبني الله عليها كما لم يجلدني عليها فشهد الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ثم شهدت مثله وقيل لها مثله ففرق رسول الله A بينهما ] .
1309 - ـ مسألة : ( وإن كان بينهما ولد فنفاه انتفى عنه ) لما [ روى ابن عمر أن رجلا لاعن امرأته فانتفى من ولدها ففرق رسول الله A بينهما وألحق الولد بالأم ] ( وسواء كان حملا أو مولودا ) وقال أبو بكر : ينتفي عنه الولد بزوال الفراش وإن لم يذكره في لعانه وكذلك حملها ينتفي وإن لم يذكره واشترط الخرقي في نفي الولد أن ينفيه في اللعان فإن لم يذكره أفاد اللعان لأنه لم ينتف باللعان الأول وهو اختيار القاضي لأن من سقط حقه باللعان كان ذكره فيه شرطا كالزوجة واشترط الخرقي أيضا في الحمل أن لا ينتفي حتى ينفيه وضعها له ويلاعن وينفي الولد في اللعان لأن الحمل غير مستيقن لجواز أن يكون ريحا فيصير نفيه مشروطا بوجوده ولا يصح تعليق اللعان بشرط ودليل الأول أن هلال بن أمية لاعن زوجته وهي حامل فلم ينقل عنه تعرض للحمل بنفي ولا غيره فنفاه عنه النبي A قال ابن عبد البر : الآثار الدالة على هذا كثيرة ولأن الحمل مظنون بأمارات ظاهرة تدل عليه ولهذا ثبت للحامل أحكام تخالف فيما للحامل من النفقة والفطر في الصيام وغير ذلك ويصح استلحاق الحمل فكان كالولد بعد وضعه وهذا أقرب إلى الصواب لموافقته الأحاديث [ فإن هلالا لاعن امرأته وهي حامل ولهذا قال النبي A : انظروها فإن جاءت به كذا وكذا فهو لهلال وإن جاءت به كذا وكذا فهو الذي رميت به ] ولم يعد لعانها عند وضعه إذ يبعد أن يكون أعاد لعانها فلم ينقل .
1310 - ـ مسألة : ( فإن أقر بالولد أو وجد منه ما يدل على الإقرار به لم يكن له نفيه بعد ذلك ) لأنه أقر لولده بحق فلم يكن له جحده كما لو بانت منه وإن أقر بتوأمه كان إقرارا بالآخر إذ لا يمكن أن يعلم الذي له منها فإذا نفى الآخر كان رجوعا عن إقراره فلا يقبل وإن هنىء به فسكت كان إقرارا به وكذا إن هنىء به فأمن على الدعاء أو قال رزقك الله مثله لزمه الولد لأن ذلك جواب الراضي في العادة