كتاب الطلاق .
1234 - ـ مسألة : ( لا يصح الطلاق إلا من زوج مكلف مختار ) فإما غير الزوج فلا يصح منه لقوله عليه السلام : الطلاق لمن أخذ بالساق وروى الخلال بإسناده عن علي Bه [ أن النبي A قال : لا طلاق قبل نكاح ] فأما الصبي العاقل ففيه روايتان : إحداهما لا يقع طلاقه لقوله عليه السلام : [ رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبي حتى يحتلم ] ولأنه غير مكلف أشبه الطفل والثانية إن كان ابن عشر وعقل الطلاق صح منه لأنه عاقل أشبه البالغ ( وأما الطفل والمجنون والنائم والزائل العقل لمرض أو شرب دواء أو أكره على شرب الخمر فلا يقع طلاقه ) لقوله عليه السلام : [ رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق ] وغير الثلاثة مقيس عليهم .
1235 - ـ مسألة : ( إلا السكران ) فإنه يقع طلاقه إذا كان سكره بغير عذر والشارب لما يزيل عقله من غير حاجة ففيه روايتان : إحداهما يقع طلاقه لما روى أبو وبرة الكلبي قال : أرسلني خالد إلى عمر فأتيته في المسجد ومعه عثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن فقلت : إن خالدا يقول : إن الناس قد انهمكوا في الخمر وتحاقروا العقوبة فقال عمر : هؤلاء عندك فسلهم فقال علي : تراه إذا سكر هذى وإذا هذى افترى وعلى المفتري ثمانون فقال عمر : أبلغ صاحبك ما قال فجعلوه كالصاحي ولأنه إيقاع الطلاق من مكلف صادق ملكه فوجب أن يقع كالصاحي ويدل على تكليفه أنه يقتل بالقتل ويقطع بالسرقة والثانية لا يقع طلاقه وهو قول عثمان وقال ابن المنذر : هذا ثابت عن عثمان ولا نعلم أحدا من الصحابة خالفه قال الإمام أحمد : حديث عثمان أرفع شئ فيه وهو أصح يعني من حديث علي وحديث الأعمش عن منصور لا يرفعه إلى علي ولأنه زائل العقل أشبه المجنون والنائم ولأنه مفقود الإرادة أشبه المكره .
1236 - ـ مسألة : ( ويملك الحر ثلاث تطليقات والعبد اثنتين سواء كان تحته حرة أو أمة ) روي ذلك عن عمر وابنه وجماعة من الصحابة ولأن الله سبحانه خاطب الرجال بالطلاق فكان حكمه معتبرا بهم لأن الطلاق خالص حق الزوج وهو مما يختلف بالرق والحرية فكان اختلافه به لعدد المنكوحات ولأن الحر يملك أن يتزوج أربعا فملك طلقات ثلاثا كما لو كان تحته حرة وعنه أن الطلاق معتبر بالنساء فطلاق الأمة اثنتان حرا كان الزوج أو عبدا وطلاق الحرة ثلاثة حرا كان زوجها أو عبدا روي ذلك عن علي وابن مسعود ولما روت عائشة [ عن النبي A أنه قال : طلاق الأمة تطليقتان وقرؤها حيضتان ] ورواه أبو داود وابن ماجه ولأن المرأة محل الطلاق فيعتبر بها كالعدة والأولى أولى وحديث عائشة قال أبو داود رواية مظاهر بن أسلم وهو منكر الحديث وقد أخرجه الدارقطني عن عائشة قالت : [ قال رسول الله A : طلاق العبد اثنتان فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره وقرء الأمة حيضتان وتزوج الحرة على الأمة ولا تزوج الأمة على الحرة ] وهو نص .
1237 - ـ مسألة : ( فمن استوفى عدد طلاقه لم تحل زوجته حتى تنكح زوجا غيره نكاحا صحيحا ويطأها ) أما الحرة فلقوله سبحانه : { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } 'سورة البقرة : الآية 230' أطلق النكاح وإنما يحمل المطلق من كلام الله سبحانه على الصحيح لا على الفاسد ويجب أن يطأها أيضا لما روت عائشة [ أن رفاعة طلق امرأته فبت طلاقها فتزوجت بعده بعبد الرحمن بن الزبير فجاءت رسول الله A فقالت : إنها كانت عند رفاعة فطلقها ثلاث تطليقات فتزوجت بعده بعبد الرحمن ابن الزبير وإنما معه مثل الهدبة فتبسم رسول الله A وقال : لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك ] متفق عليه .
1238 - ـ مسألة : ( ولا يحل جمع الثلاث ) وهو إحدى الروايتين وهو طلاق بدعة وهو محرم روي ذلك عن عمر وعلي وجماعة من الصحابة فروي عن عمر أنه كان إذا أتى برجل طلق ثلاثا أوجعه ضربا وعن مالك بن الحارث قال : جاء رجل إلى ابن عباس فقال : إن عمي طلق امرأته ثلاثا فقال : إن عمك عصى الله وأطاع الشيطان فلم يجعل الله له مخرجا ولأنه تحريم للبضع بقول الزوج من غير حاجة فحرم كالظهار والرواية الأخرى أنه مكروه غير محرم [ لأن عويمرا العجلاني لما لاعن امرأته قال : كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله ] متفق عليه ولم ينقل إنكار رسول الله A عليه وفي حديث امرأة رفاعة أنها قالت : [ يا رسول الله إن رفاعة طلقني فبت طلاقي ] متفق عليه وفي حديث فاطمة بنت قيس أن زوجها أرسل إليها بثلاث تطليقات والأولى أولى وأما حديث المتلاعنين فغير لازم لأن الفرقة لم تقع بالطلاق وإنما وقعت بمجرد لعانها فلا حجة فيه وسائر الأحاديث لم يقع فيها جمع الثلاث بين يدي رسول الله A حتى يكون مقرا عليه على أن حديث فاطمة بنت قيس أنه أرسل إليها بتطليقة كانت بقيت لها من طلاقها وحديث امرأة رفاعة جاء فيه أنه طلقها آخر ثلاث تطليقات متفق عليه ولم يكن في شئ من ذلك جمع الثلاث .
1239 - ـ مسألة : ( ولا يحل طلاق المدخول بها في حيضها أو في طهر أصابها فيه ) لأنه طلاق بدعة محرم [ لما روي أن ابن عمر طلق امرأته وهي حائض فذكر عمر ذلك للنبي A فتغيظ عليه رسول الله A ثم قال : مره فليراجعها ثم يمسها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها قبل أن يمسها ] ) .
1240 - ـ مسألة : ( والسنة في الطلاق أن يطلقها في طهر لم يصبها فيه واحدة ثم يدعها حتى تنقضي عدتها ) أجمعوا على أن هذا مصيب للسنة مطلق للعدة التي أمر الله سبحانه بها قاله ابن المنذر وابن عبد البر ( فمتى قال أنت طالق للسنة وهي في طهر لم يصبها فيه طلقت ) في الحال لأنه وصف الطلقة بصفتها فوقعت في الحال ( وإن قال ذلك لها وهي في طهر أصابها فيه لم يقع حتى تحيض ثم تطهر ) لأن الطهر الذي جامعها فيه والحيض بعده زمن بدعة فإذا طهرت من الحيضة المستقبلة طلقت حينئذ لأن الصفة وجدت .
1241 - ـ مسألة : ( وإن قال ذلك لحائض لم يقع في الحال لأن طلاقها طلاق بدعة لكن إذا طهرت طلقت لأن الصفة وجدت حينئذ .
1242 - ـ مسألة : ( وإن قال لها أنت طالق للبدعة وهي حائض أو في طهر أصابها فيه طلقت ) وإن كانت في طهر لم يصبها فيه طلقت إذا أصابها أو حاضت وهذه المسألة عكس التي قبلها لأنه وصف الطلقة بأنها للبدعة فإن قال ذلك لحائض أو طاهر طهرا قد أصابها فيه وقع الطلاق لأنه وصف الطلقة بصفتها وإن كانت في طهر لم يصبها فيه لم يقع في الحال فإذا حاضت طلقت بأول جزء من الحيض وإن أصابها طلقت بالتقاء الختانين لأن ذلك وطء .
1243 - ـ مسألة : ( فأما غير المدخول بها والحامل التي تبين حملها والآيسة والصغيرة التي لم تحض فلا سنة لها ولا بدعة فمتى قال لها : أنت طالق للسنة أو للبدعة طلقت في الحال ) قال ابن عبد البر : أجمع العلماء أن طلاق السنة إنما هو للمدخول بها أما غير المدخول بها فليس لطلاقها سنة ولا بدعة إلا في عدد الطلاق لأن العدة تطول عليها بالطلاق في الحيض وترتاب بالطلاق في الطهر الذي جامعها فيه وينتفي عنها الأمران بالطلاق في طهر لم يجامعها فيه بخلاف غير المدخول بها فإنه لا عدة عليها بنفي تطويلها أو الارتياب فيها وكذلك ذوات الأشهر وهي الصغيرة التي لم تحض والآيسة لا سنة لطلاقها ولا بدعة لأنها لا تحمل فترتاب ولا تطول العدة بطلاقها وكذلك الحامل التي استبان حملها فهؤلاء الأربعة ليس لطلاقهن سنة ولا بدعة فإذا قال لإحداهن : أنت طالق للسنة أو للبدعة طلقت في الحال ولغت الصفة لأن طلاقهن لا يتصف بذلك فصار كأنه قال : أنت طالق ولم يزد وأما العدد فيكره له أن يطلق واحدة منهن ثلاثا لأنه لا يبقى له سبيل إلى الرجعة فطلاق السنة في حقهم واحدة ليكون له سبيل إلى الرجعة من غير أن تنكح زوجا غيره