كتاب الرضاع .
1144 - ـ مسألة : ( حكم الرضاع حكم النسب في التحريم والمحرمية ) لقوله E في حديث ابن عباس : [ يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ] متفق عليه ( فمتى أرضعت المرأة طفلا صار ابنا لها وللرجل الذي ثاب اللبن بوطئه ) فإذا حملت من رجل ثبت نسب ولدها منه فثاب لها لبن فأرضعت به طفلا صار ولدا لهما في تحريم النكاح وإباحة النظر والخلوة وثبوت المحرمية وأولاده وإن سفلوا أولاد ولدهما وصارا أبويه وآباؤهما أجداده وجداته وإخوة المرأة وأخواتها أخواله وخالاته وإخوة الرجل وأخواته أعمامه وعماته لقوله سبحانه : { وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة } 'سورة النساء : الآية 23' نص على هاتين في المحرمات فدل على ما سواهما وروت عائشة [ أن النبي A قال : الرضاعة تحرم ما يحرم من الولادة ] وحديث ابن عباس قال : [ قال رسول الله A في ابنة حمزة : لا تحل لي يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وهي ابنة أخي من الرضاعة ] متفق عليه وروت عائشة [ أن أفلح أخا أبي القعيس استأذن علي بعدما أنزل الحجاب فقلت : والله لا آذن له حتى استأذن رسول الله A فإن أخا أبي القعيس ليس هو أرضعني ولكن أرضعتني امرأة أبي القعيس فدخلت على رسول الله A فقلت : يا رسول الله إن الرجل ليس هو أرضعني ولكن أرضعتني امرأة أخيه قال : إيذني له فإنه عمك تربت يمينك ] متفق عليه ولأن اللبن حدث للولد والولد ولدهما فكان المرضع بلبنه ولدهما .
1145 - ـ مسألة : ( فيحرم عليه ) يعني على المرتضع ( كل من يحرم على ابنها من النسب ) لذلك .
1146 - ـ مسألة : ( وإن أرضعت طفلة صارت بنتا لهما تحرم على كل من تحرم عليه ابنتهما من النسب ) .
1147 - ـ مسألة : ( والرضاع المحرم ما دخل الحلق من اللبن سواء دخل بارتضاع من الثدي أو وجور أو سعوط محضا كان أو مشوبا إذا لم يستهلك ) والوجور أن يصب اللبن في حلقه فيحرم لأنه ينشر العظم وينبت اللحم فأشبه الارتضاع وأما السعوط فهو أن يصب في أنفه فيحرم لأنه سبيل لفطر الصائم فكان سبيلا للتحريم بالرضاع كالفم وعنه لا يثبت التحريم بهما لأنهما ليسا برضاع وأما المشوب فهو كالمحض في نشر الحرمة إذا كانت صفات اللبن باقية فإن صب في ماء كثير لم يتغير به لم يثبت التحريم لأن هذا لا يسمى لبنا مشوبا ولا ينشر عظما ولا ينبت لحما وقال أبو بكر : قياس قول الإمام أحمد أن المشوب لا ينشر الحرمة لأنه وجور وقال أبو حامد : إن غلب اللبن حرم وإن غلب خلطه لم يحرم لأن الحكم للأغلب ويزول اسم المغلوب والأول أصح لأن ما تعلق به الحكم غالبا تعلق به مغلوبا كالنجاسة والخمر .
1148 - ـ مسألة : ( ولا يحرم إلا بشروط ثلاثة : أحدها أن يكون لبن امرأة بكرا كانت أو ثيبا في حياتها أو بعد موتها ) فلو ثاب للرجل لبن فأرضع به طفلا لم يتعلق به تحريم لأنه لم يخلق لغذاء المولود فلم يتعلق به تحريم كلبن البهيمة ولأنه لا تثبت به الأمومة بخلاف لبن المرأة فإنه خلق لغذاء الولد وتثبت به الأمومة سواء كانت بكرا أو ثيبا لأنه رضاع من امرأة فنشر الحرمة كما لو كان لها ولد ولأن لبن النساء خلق لتغذية الأطفال فيدخل في عموم قوله : { وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم } ' سورة النساء : الآية 23 ' وعنه لا ينشر الحرمة لأنه نادر أشبه لبن الرجل لأنه لم تجر العادة به لتغذية الأطفال أشبه لبن الرجال وإن ارتضع من امرأة ميتة نشر الحرمة كما لو ارتضع من حية .
1149 - ـ مسألة : ( فأما لبن البهيمة فلا يثبت الحرمة ) فلو ارتضع طفلان من بهيمة لم يصيرا أخوين وقال بعضهم : يصيران أخوين وليس بصحيح لأن هذا اللبن لا يتعلق به تحريم الأمومة فلا يتعلق به تحريم الأخوة لأنه فرع على الأمومة ولأن البهيمة دون الآدمية في الحرمة ولبنها دون لبنها في غذاء الآدمي فلم تتعلق الحرمة به .
1150 - ـ مسألة : ( فإن ثاب لبن لخنثى مشكل لم يثبت به التحريم ) لأنه لم يثبت كونه امرأة فلا يثبت التحريم مع الشك .
الشرط ( الثاني أن يكون في الحولين ) لقوله سبحانه : { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة } 'سورة البقرة : الآية 233' فجعل تمام الرضاعة حولين فيدل على أنه لا حكم لما بعدهما وعن عائشة [ أن رسول الله A دخل عليها وعندها رجل فتغير وجه رسول الله A فقالت : يا رسول الله إنه أخي من الرضاعة فقال رسول الله A : انظرن إخوانكن فإنما الرضاعة من المجاعة ] متفق عليه [ وعن أم سلمة قالت : قال رسول الله A : لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام ] أخرجه الترمذي وقال : حديث صحيح .
الشرط الثالث ( أن يرتضع خمس رضعات ) فصاعدا هذا الصحيح من المذهب وروي عن جماعة من الصحابة وعنه أن قليل الرضاع وكثيره يحرم لقوله : { وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة } 'سورة النساء : الآية 23 ' وقوله عليه السلام : [ يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ] وأنه فعل يتعلق به تحريم مؤبد فلم يعتبر فيه العدد كتحريم أمهات النساء وعنه لا يثبت التحريم إلا بثلاث رضعات لقوله عليه السلام : [ لا تحرم المصة ولا المصتان ] روته عائشة وروى عن أم الفضل بنت الحارث قال : [ قال نبي الله A : لا تحرم الإملاجة ولا الإملاجتان ] ووجه الرواية الأولى ما روى عن عائشة عن سهلة بنت سهيل [ أن النبي A قال لها : ارضعي سالما خمس رضعات فيحرم بلبنها ] وروي عن عائشة أنها قالت : [ أنزل في القرآن عشر رضعات معلومات فنسخ من ذلك خمس وصار إلى خمس رضعات يحرمن فتوفي رسول الله A والأمر على ذلك ] والآية تقول بها والسنة فسرت الرضاعة المحرمة وصريح ما رويناه يخص مفهوم ما رووه فيجمع بين الأخبار بحملها على الصريح الصحيح الذي رويناه .
1151 - ـ مسألة : ( ولبن الفحل محرم ) فإذا وطىء امرأة بنكاح فحملت وبان لها اللبن فأرضعت به طفلا أو طفلة صار المرتضع ابنا لها ولزوجها لأن اللبن هو من الحمل الذي هو منه ( وإن كان له امرأتان فأرضعت إحداهما بلبنه طفلا والأخرى طفلة صارا أخوين لأن اللقاح واحد وإن أرضعت إحداهما بلبنه طفلة ثلاث رضعات ثم أرضعتها الأخرى رضعتين صارت بنتا له دونهما ) لأنها ارتضعت من لبنه خمس رضعات فكمل رضاعها من لبنه فصار أبا لها كما لو أرضعتها واحدة منهن في أحد الوجهين وفي الآخر لا يصير أبا لها لأنه رضاع لم تثبت به الأمومة فلم تثبت به الأبوة كلبن البهيمة .
1152 - ـ مسألة : ( ولو كانت الطفلة زوجة له انفسخ نكاحها ) لأنها صارت ابنة له لكونها ارتضعت من لبنه خمس رضعات ( وعليه نصف مهرها يرجع به عليهما ) على قدر رضاعها يقسم بينهما ( أخماسا ) الأولى ثلاثة أخماس وعلى الثانية خمسان ( ولم ينفسخ نكاحهما ) لأن الأمومة لم تثبت لهما وعلى الوجه الآخر لا ينفسخ نكاح الصغيرة لما سبق في التي قبلها .
1153 - ـ مسألة : ( ولو أرضعت إحدى امرأتيه الطفلة خمس رضعات ثلاثا من لبنه واثنتين من لبن غيره وصارت أما لها ) لأنها أرضعتها خمس رضعات ( وحرمتا عليه على التأبيد ) الكبيرة لكونها أم زوجته والصغيرة لأنها بنت زوجته فهي ربيبته وحرمت الطفلة على الرجل الآخر لأنها ابنة زوجته ( وإن لم تكن الطفلة امرأة له لم ينفسخ نكاح المرضعة ) لأنها إنما انفسخ نكاحها في المسألة قبلها لأنها صارت أم زوجته وهذا المعنى مفقود فيما إذا لم تكن الطفلة امرأة له .
1154 - ـ مسألة : ( ولو تزوجت المرأة طفلا فأرضعته خمس رضعات حرمت عليه ) لأنه صار ابنا لها بالرضاع ( وانفسخ نكاحها ) لذلك ( وحرمت على صاحب اللبن تحريما مؤبدا لأنها صارت من حلائل أبنائه