باب المكاتب .
الكتابة شراء العبد نفسه من سيده بمال في ذمته وإذا ابتغاها العبد المكتسب الصدوق من سيده استحب له إجابته إليها لقوله سبحانه : { والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا } 'سورة النور : الآية 33 ' .
1059 - ـ مسألة : ( ويجعل المال عليهم منجما ) نجمين فصاعدا لأن عليا Bه قال : الكتابة على نجمين والإيتاء من الثاني وقال ابن أبي موسى : يجوز فيه نجم واحد لأنه عقد شرط فيه التأجيل فجاز على نجم واحد كالسلم ولأن القصد بالتأجيل إمكان التسليم عنده ويحصل ذلك في النجم الواحد والأحوط نجمان فصاعدا لقول علي Bه ولأنه أسهل على المكاتب ويجب أن تكون النجوم معلومة ويعلم في كل نجم قدر المؤدى وأن يكون العوض معلوما بالصفة لأنه عوض في الذمة فوجب فيه العلم بذلك كالسلم .
1060 - ـ مسألة : ( فمتى أدى ما كوتب عليه أو أبرىء منه عتق ) لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده [ أن النبي A قال : المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ] رواه أبو داود ومفهومه أنه إذا أدى جميع ما عليه أنه لا يبقى عبدا وأنه يصير حرا بالأداء وقال أصحابنا : إذا أدى ثلاثة أرباع كتابته وعجز عن الربع عتق لأنه حق له فلا تتوقف حريته على أدائه كأرش جناية لسيده عليه وإن أبرأه سيده عتق لأنه لم يبق عليه شئ .
1061 - ـ مسألة : ( ويعطى مما كوتب عليه الربع لقوله سبحانه : { وآتوهم من مال الله الذي آتاكم } ' سورة النور : الآية 33 ' وروي عن علي Bه ) أن النبي A قال في هذه الآية : يحط عنه ( الربع ) أخرجه أبو بكر وهذا نص وروي عن علي Bه موقوفا عليه ويخير السيد بين وضعه عنه وبين أخذه منه ودفعه إليه لأن الله تعالى نص على الدفع عليه فنبه به على الوضع عنه لكونه أنفع من الدفع لتحقق النفع به في الكتابة .
1062 - ـ مسألة : ( والمكاتب عبد ما بقي عليه درهم ) لحديث عمرو بن شعيب ( إلا أنه يملك البيع والشراء ) بإجماع من أهل العلم لأن عقد الكتابة لتحصيل العتق لا يحصل إلا بأداء عوضه ولا يمكنه الأداء إلا باكتساب والبيع والشراء من جملة الاكتساب بل قد جاء في بعض الآثار إن تسعة أعشار الرزق في التجارة .
1063 - ـ مسألة : ( وله السفر ) قريبا كان أو بعيدا قال شيخنا : وقياس المذهب أن له منعه من سفر تحل نجوم الكتابة قبله كقولنا في منع الغريم من السفر الذي يحل عليه الدين قبل قدومه منه ولم يذكر أصحابنا هذا بل قالوا له السفر مطلقا ( وله كل ما فيه مصلحة ماله ) من الإجارة والاستئجار والمضاربة وأخد الصدقة لأنه غارم .
1064 - ـ مسألة : ( وليس له التبرع إلا بإذن سيده ) لأن ذلك إتلاف المال على سيده فإن أذن له السيد جاز لأنه حقه .
1065 - ـ مسألة : ( وليس له التزوج ) لما روي [ عن النبي A أنه قال : أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو عاهر ] رواه أبو داود ولأن عليه في ذلك ضررا لأنه يحتاج إلى أن يؤدي المهر والنفقة من كسبه وربما عجز فرق فرجع إليه ناقص القيمة فإن أذن له سيده صح إجماعا ( وليس له التسري إلا بإذن سيده ) لأن ملكه غير تام ولأن على السيد ضررا في ذلك لأنه ربما أحبلها وعجز وترجع إليه ناقصة لأن الحبل عيب في بنات آدم فإن أذن له سيده جاز لأنه يجوز للعبد القن التسري بإذن سيده فالمكاتب أولى .
1066 - ـ مسألة : ( وليس لسيده استخدامه ) لأنه يشغله بذلك عن التكسب ولأن منافعه صارت مملوكة له بعقد الكتابة فلا يملك السيد استيفاءها .
1067 - ـ مسألة : ( ولا يملك أخذ شئ من ماله ) كما لا يملك ذلك من الأجنبي ( ومتى أخذ شيئا منه أو جنى عليه أو على ماله فعليه غرامته ) لذلك .
1068 - ـ مسألة : ( ويجري الربا بينهما كالأجانب ) لأنه في باب المعاوضة كالأجنبي ولهذا لكل واحد منهما الشفعة على الآخر فيكون بيعه لسيده درهما بدرهمين كبيعه ذلك لأجنبي وهو الربا المحض .
1069 - ـ مسألة : ( إلا أنه لا بأس إن يعجل لسيده ويضع بعض كتابته ) مثل إن كاتبه على ألف في نجمين إلى سنة ثم قال : عجل لي خمسمائة حتى أضع عنك الباقي جاز ذلك وقال الشافعي Bه : لا يجوز لأنه بيع ألف بخمسمائة وهو ربا الجاهلية ولهذا لا يبيعه درهما بدرهمين ولنا أن مال الكتابة غير مستقر وليس بدين صحيح فيحمل على أنه أخذ بعضا وأسقط بعضا والدليل على أنه غير مستقر وليس بدين صحيح فيحمل على أنه أخذ بعضا وأسقط بعضا والدليل على أنه غير مستقر أنه معرض للسقوط بالعجز ولا تجوز الكفالة به ولا الحوالة عليه ولا تجب فيه زكاة بخلاف الدين على الأجنبي فإنه دين حقيقي والذي يحقق هذا أن المكاتب عبد للسيد وكسبه ينبغي أن يكون له وذكر ابن أبي موسى أن الربا لا يجري بين المكاتب وسيده لأنه عبد في الأظهر عنه .
1070 - ـ مسألة : ( وليس له وطء مكاتبته ) إلا أن يشترط في قول أكثرهم لأن الكتابة عقد أزال ملك استخدامها ومنع ملك عوض منفعة البضع فيما إذا وطئت بشبهة فأزال حل وطئها كالبيع فإن اشترط وطئها فله ذلك لقوله A : [ المؤمنون عند شروطهم ] ولأنه شرط منفعتها فصح كما لو شرط استخدامها ( فإن وطئها ولم يشترط فلها عليه المهر ) ولا تخرج بالوطء على الكتابة لأنه عقد لازم فلم ينفسخ بالمطاوعة على الوطء كالإجارة ويجب لها المهر لأنه عوض منفعتها فوجب لها كعوض بدنها ولأن المكاتبة في يد نفسها ومنافعها لها ولو وطئها أجنبي كان لها المهر فكذلك السيد .
1071 - ـ مسألة : ( وكذلك الحكم في وطء ابنتها ) لذلك ( فإن ولدت منه صارت أم ولد له ) لأنها مملوكته علقت بجزء في ملكه وولده حر لأنه من مملوكته ولا يجب عليه قيمته لأنها ولدته في ملكه ولا تبطل كتابتها لأنه عقد لازم من جهة سيدها وقد اجتمع لها سببان يقتضيان العتق أيهما سبق صاحبه ثبت حكمه لأنه لو وجد منفردا ثبت حكمه وانضمام غيره إليه يؤكده ولا ينافيه ( فإن أدت عتقت ) بالكتابة ( وما فضل من كسبها له ) وإن عجزت وردت في الرق بطل حكم الكتابة ويبقى لها حكم الاستيلاد منفردا كما لو استولدها من غير مكاتبة ( وتعتق بموته ) وما في يدها لورثة سيدها .
1072 - ـ مسألة : ( ويجوز بيع المكاتب ) لما روي [ عن عائشة Bها أن بريرة جاءتها فقالت : يا أم المؤمنين إني كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية فأعينيني على كتابتي فقال النبي A لعائشة : اشتريها ] متفق عليه ولأنه سبب يجوز فسخه فلم يمنع البيع كالتدبير .
1073 - ـ مسألة : ( ويكون في يد مشتريه مبقي على ما بقي من كتابته فإن أدى عتق ) كما لو أدى إلى سيده الذي كاتبه ( وولاؤه لمشتريه ) [ لأن النبي A قال لعائشة : اشتريها فإن الولاء لمن أعتق ] .
1074 - ـ مسألة : ( وإن عجز فهو عبد ) لمشتريه كما لو عجز وهو في يد سيده وعنه لا يجوز بيع المكاتب لأن سبب العتق ثبت له على وجه لا يستقل السيد برفعه فيمنع البيع كالاستيلاد والأول أصح للخبر .
1075 - ـ مسألة : ( وإن اشترى المكاتبان كل واحد منهما الآخر صح شراء الأول ) لأنه أهل للشراء والبيع فحل له أشبه ما لو اشترى عبدا ( ويبطل شراء الثاني ) لأنه لا يصح أن يملك سيده إذ لا يكون مملوك مالكا لأنه يفضي إلى تناقض الأحكام إذ كل واحد منهما يقول لصاحبه أنا مولاك ولي ولاؤك فإن عجزت صرت لي عبدا وفي هذا تناقض وإذا تنافى أن تملك المرأة زوجها ملك اليمين مع بقاء ملكه في النكاح عليها فها هنا أولى .
1076 - ـ مسألة : ( فإن جهل الأول منهما بطل البيعان ) لأن العقد الصحيح فيهما مجهول فبطلا كما لو زوج الوليان وجهل السابق منهما فسد النكاحان .
1077 - ـ مسألة : ( وإن مات المكاتب بطلت الكتابة ) لفوات محل الاستحقاق ويصير كما لو تلف الرهن أو العين المستأجرة فإن العقد يبطل كذا ها هنا .
1078 - ـ مسألة : ( وإن مات السيد قبل المكاتب فهو على كتابته يؤدي إلى الورثة ) لأن الحق انتقل إليهم كما لو مات المؤجر .
( وولاؤه لمكاتبه ) لأن العتق والولاء لمن أعتق .
1079 - ـ مسألة : ( والكتابة عقد لازم ليس لأحدهما فسخها ) لأنها عقد معاوضة لا يقصد منه المال أشبه النكاح أو كان لازما كالبيع .
1080 - ـ مسألة : ( فإن حل نجم فلم يؤده فلسيده تعجيزه ) لأن العوض تعذر في عقد معاوضة ووجد غير ماله فكان له الرجوع فيها كما لو باع سلعة فأفلس المشتري قبل نقد ثمنها وعنه لا يعجز حتى يحل نجمان لأن ما بينهما محل لأداء الأول فلا يتحقق عجزه حتى يحل الثاني وعنه لا يعجز حتى يقول قد عجزت لأنه يحتمل أن يتمكن من الأداء فيما بعد النجوم .
1081 - ـ مسألة : ( وإذا جنى المكاتب بدىء بجنايته ) قبل كتابته لأن مال الجناية حق مستقر ومال الكتابة غير مستقر لما سبق .
1082 - ـ مسألة : ( وإن اختلف هو وسيده في الكتابة ) فالقول قول من ينكرها لأن الأصل معه ( وإن اختلفا في قدر عوضها ) فالقول قول السيد لأنهما اختلفا في عوضها فأشبه ما لو اختلفا في عقدها وعنه القول قول العبد لأن الأصل عدم الزيادة المختلف .
فيها وعنه يتحالفان لأنهما اختلفا في قدر العوض فيتحالفان كما لو اختلفا في ثمن المبيع فإذا تحالفا قبل العتق فسخ العقد إلا أن يرضى أحدهما بما قال صاحبه وإن كان التحالف بعد العتق رجع السيد على العبد بقيمته ويرجع العبد بما أداه إلى سيده وإن اختلفا في وفاء مالها فالقول قول السيد لأن الأصل معه .
1083 - ـ مسألة : ( وإن اختلفا في التدبير أو الاستيلاد فالقول قول السيد ) لذلك