كتاب الشهادات .
أجمعوا على قبول الشهادة في الجملة لقوله تعالى : { واستشهدوا شهيدين من رجالكم } [ البقرة : 282 ] الآية وقوله : { وأشهدوا ذوي عدل منكم } [ الطلاق : 2 ] وقوله : { وأشهدوا إذا تبايعتم } [ البقرة : 282 ] وحديث : [ شاهداك أو يمينه ] ولدعاء الحاجة إليها لحصول التجاحد قال شريح : القضاء جمر فنحه عنك بعودين - يعني : الشاهدين - وإنما الخصم داء والشهود شفاء فأفرغ الشفاء على الداء .
تحمل الشهادة في حقوق الآدميين فرض كفاية لقوله تعالى : { ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا } [ البقرة : 282 ] قال ابن عباس وقتادة والربيع : المراد به : التحمل للشهادة وإثباتها عند الحاكم .
وأداؤها فرض عين لقوله تعالى : { ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه } [ البقرة : 283 ] وإن كان الحاكم غير عدل : لم يلزمه الأداء قال أحمد في رواية ابن الحكم : كيف أشهد عند رجل ليس عدلا لا يشهد ؟ وقال في رواية ابنه عبد الله : أخاف أن يسعه أن لا يشهد عن الجهمية وعن أبي هريرة مرفوعا : [ يكون في آخر الزمان أمراء ظلمة ووزراء فسقة وقضاة خونة وفقهاء كذبة فمن أدرك منكم ذلك الزمان فلا يكونن لهم كاتبا ولا عريفا ولا شرطيا ] رواه الطبراني .
ومتى تحملها وجبت كتابتها لئلا ينساها .
ويحرم أخذ أجرة وجعل عليها ولو لم تتعين عليه في الأصح لأنها فرض كفاية ومن قام به فقد قام بفرض ولا يجوز أخذ الأجرة ولا الجعل عليه : كصلاة الجنازة .
لكن إن عجز عن المشي إلى محلها .
أو تأذى به : فله أخذ أجرة مركوب لأنه لا يلزمه أن يضر نفسه لنفع غيره لحديث [ لا ضرر ولا ضرار ] .
ويحرم كتم الشهادة للآية .
ولا ضمان لأنه لا تلازم بين التحريم والضمان .
ويجب الإشهاد في عقد النكاح خاصة لأنه شرط فيه فلا ينعقد بدونها .
ويسن في كل عقد سواه من بيع وإجارة وصلح وغيره لقوله : { وأشهدوا إذا تبايعتم } [ البقرة : 282 ] وحمل على الإستحباب لقوله تعالى : { فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته } [ البقرة : 283 ] .
ويحرم أن يشهد إلا بما يعلمه لقوله تعالى : { إلا من شهد بالحق وهم يعلمون } [ الزخرف : 86 ] قال المفسرون : هو ما شهد به عن بصيرة وإيقان وقال ابن عباس [ سئل النبي A عن الشهادة فقال : ترى الشمس ؟ قال : على مثلها فاشهد أو دع ] رواه الخلال .
والعلم إما برؤية أو سماع فالرؤية تختص بالفعل : كقتل وسرقة وغصب وعيوب مرئية في نحو مبيع ونحوها .
والسماع ضربان : .
ا - سماع من مشهود عليه : كعتق وطلاق وإقرار ونحوها فيلزمه الشهادة بما سمع من قائل عرفه يقينا كما في الكافي .
2 - وسماع بالإستفاضة بأن يشتهر المشهود به بين الناس فيتسامعون به بإخبار بعضهم بعضا قال في الشرح : وأجمعوا على صحة الشهادة بالإستفاضة على النسب واختلفوا فيما سواه فقال أصحابنا تجوز في تسعة أشياء : النكاح والملك المطلق والوقف ومصرفه والموت والعتق والولاء والولاية والعزل وقال أبو حنيفة : لا تقبل إلا في النكاح والموت .
ولنا : أن هذه تتعذر الشهادة عليها غالبا بمشاهدتها أو مشاهدة أسبابها فجازت كالنسب قال مالك : ليس عندنا من يشهد على أجناس أصحاب رسول الله A إلا بالسماع وقال : السماع في الأجناس والولاء جائز قيل لأحمد : أتشهد أن فلانة امرأة فلان ولم تشهد ؟ قال : نعم إذا كان مستفيضا : فأشهد أن فاطمة بنت رسول الله وأن خديجة وعائشة زوجتاه وكل أحد يشهد بذلك من غير مشاهدة ولا تقبل الإستفاضة إلا من عدد يقع العلم بخبرهم وقيل : تسمع من عدلين وهو قول المتأخرين من الشافعية انتهى وقال الشيخ تقي الدين : أو ممن تطمئن إليه النفس ولو واحدا .
ومن رأى شيئا بيد إنسان يتصرف فيه مدة طويلة : كتصرف الملاك من نقض وبناء وإجارة وإعارة : فله أن يشهد له بالملك في قول ابن حامد لأن تصرفه فيه على هذا الوجه بلا منازع دليل صحة الملك فجرت مجرى الإستفاضة .
والورع أن يشهد باليد والتصرف لأنه أحوط خصوصا في هذه الأزمنة ولأن اليد قد تكون عن غصب وتوكيل وإجارة وعارية فلم تختص في الملك فلم تجز الشهادة به مع الإحتمال قاله في الكافي