باب الدعاوى والبينات .
الدعوى لغة : الطلب واصطلاحا : إضافة الإنسان إلى نفسه استحقاق شئ في يد غيره أو في ذمته والمدعي : من يطالب غيره بحق والمدعى عليه : المطالب ويقال أيضا : المدعي : من إذا ترك ترك والمدعى عليه : من إذا ترك لا يترك والبينة : العلامة كالشاهد فأكثر وأصل هذا الباب حديث ابن عباس مرفوعا : [ لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه ] رواه أحمد ومسلم .
ولا تصح الدعوى إلا من جائز التصرف أي : حر مكلف رشيد .
وإن تداعيا عينا لم تخل من أربعة أحوال : .
1 - أن لا تكون بيد أحد ولا ثم ظاهر يعمل به .
ولا بينة لأحدهما .
فيتحالفان ويتناصفانها لاستوائهما في الدعوى وليس أحدهما أولى بها من الآخر لعدم المرجح .
وإن وجد ظاهر يرجع أنها .
لأحدهما عمل به فيحلف ويأخذها فلو تنازع الزوجان في قماش البيت ونحوه : فما يصلح لرجل فهو له وما يصلح لها فلها ولهما فلهما .
2 - أن تكون بيد أحدهما فهي له بيمينه لما تقدم ولحديث [ شاهداك أو يمينه ليس لك إلا ذلك ] ولأن الظاهر من اليد الملك فإن كان للمدعي بينة حكم له بها .
فإن لم يحلف قضي عليه بالنكول ولو أقام بينة لجواز أن يكون مستند بينته رؤية التصرف ومشاهدة اليد ولعدم حاجته إليها وفي شرح المنتهى قلت : بل هو محتاج إليها لدفع التهمة واليمين عنه انتهى وقال في الشرح وإن كان لأحدهما بينة حكم له بها ولم يحلف وهو قول أهل الفتيا وقال شريح والنخعي : يحلف انتهى ولأن البينة حجة صريحة في إثبات الملك لا تهمة فيها فكانت أولى من اليمين التي يتهم فيها قاله في الكافي .
3 - أن تكون بيديهما كشئ : كل ممسك ببعضه فيتحالفان ويتناصفانه لا نعلم فيه خلافا قاله في الشرح لحديث أبي موسى [ أن رجلين اختصما إلى رسول الله A في دابة ليس لأحدهما بينة : فجعلها بينهما نصفين ] رواه الخمسة إلا الترمذي .
فإن قويت يد أحدهما كحيوان : واحد سائقه والآخر راكبه فللثاني بيمينه لأن تصرفه أقوى ويده آكد وهو المستوفي لمنفعة الحيوان .
أو قميص : واحد آخذ بكمه والثاني لابسه : فللثاني بيمينه لما تقدم .
وإن تنازع صانعان في آلة دكانهما : فآلة كل صنعة لصانعها كنجار وحداد بدكان فآلة النجارة للنجار وآلة الحدادة للحداد بيمينه حيث لا بينة عملا بالظاهر .
ومتى كان لأحدهما بينة فالعين له لحديث الحضرمي والكندي .
فإذا كان لكل منهما بينة به وتساوتا من كل وجه تعارضتا وتساقطتا لأن كلا منهما تنفي ما تثبته الأخرى .
فيتحالفان ويتناصفان ما بأيديهما لحديث أبي موسى [ أن رجلين ادعيا بعيرا على عهد رسول الله فبعث كل منهما بشاهدين فقسمه النبي A بينهما ] رواه أبو داود .
ويقترعان فيما عداه أي : فيما ليس بيديهما أو بيد ثالث لا يدعيه .
فمن خرجت له القرعة فهو له بيمينه روي عن ابن عمر وابن الزبير وبه قال إسحاق وأبو عبيد : ذكره في الشرح كما لو لم يكن لواحد منهما بينة لحديث أبي هريرة [ أن رجلين تداعيا عينا لم يكن لواحد منهما بينة فأمرهما رسول الله A أن يستهما على اليمين أحبا أم كرها ] رواه أبو داود وروى الشافعي عن ابن المسيب [ أن رجلين اختصما إلى رسول الله A في أمر فجاء كل واحد منهما بشهود عدول على عدة واحدة فأسهم النبي A بينهما ] .
وإن كانت العين بيد أحدهما : فهو داخل والآخر خارج وبينة الخارج مقدمة على بيعة الداخل لحديث : [ البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه ] وفي لفظ : [ واليمين على من أنكر ] رواه الترمذي وحديث : [ شاهداك أو يمينه ] وعن ابن عباس [ أن النبي A قضى باليمين على المدعى عليه ] متفق عليه .
لكن لو أقام الخارج بينة أنها ملكه والداخل بينة أنه اشتراها منه : قدمت بينته .
أي : الداخل .
هنا لما معها من زيادة العلم لشهادتها بأمر حدث على الملك خفي على الأولى كما لو ادعى بدين وأقام به بينة فقال المدعى عليه : أبرأني وأقام بينة بذلك : قدمت لما معها من زيادة العلم .
أو أقام أحدهما بينة أنه اشتراها من فلان وأقام الآخر بينة كذلك عمل بأسبقهما تاريخا لإثباتها أنه اشتراها من مالكها ولمصادفة التصرف الثاني ملك غيره فوجب بطلانه فإن لم يعلم التاريخ أو اتفق : تساقطتا لتعارضهما وعدم المرجح .
4 - أن تكون بيد ثالث فإن ادعاها لنفسه حلف لكل واحد يمينا لأنهما اثنان كلاهما يدعيها .
فإن نكل أخذها منه مع بدلها أي : مثلها إن كانت مثلية وقيمتها إن كانت متقومة لتلف العين بتفريطه وهو ترك اليمين للأول أشبه ما لو أتلفها .
واقترعا عليهما أي : العين وبدلها لأن المحكوم له بالعين غير معين .
وإن أقر بها لهما اقتسماها نصفين .
وحلف لكل واحد يمينا بالنسبة إلى النصف الذي أقر به لصاحبه لأنه يدعيه له كما لو أقر بها لأحدهما فإنه يحلف للآخر .
وحلف كل واحد لصاحبه على النصف المحكوم له به كما لو كانت العين بيديهما ابتداء .
وإن قال : هي لأحدهما وأجهله فصدقاه على جهله به .
لم يحلف لتصديقهما له في دعواه .
وإلا يصدقاه .
حلف يمينا واحدة لأن صاحب الحق منهما واحد غير معين .
ويقرع بينهما فمن قرع حلف وأخذها نص عليه [ لحديث أبي هريرة السابق ]