فصل في آداب القاضي .
ويسن كون الحاكم قويا بلا عنف لئلا يطمع فيه الظالم .
لينا بلا ضعف لئلا يهابه المحق .
حليما لئلا يغضب من كلام الخصم فيمنعه الحكم .
متأنيا لئلا تودي عجلته إلى ما لا ينبغي .
متفطنا متيقظا لا يؤتى من غفل ولا يخدع لغرة ذا ورع ونزاهة وصدق .
عفيفا لئلا يطمع في ميله بإطماعه .
بصيرا بأحكام الحكام قبله ليسهل عليه الحكم وتتضح له طريقه قال علي Bه لا ينبغي للقاضي أن يكون قاضيا حتى تكمل فيه خمس خصال : عفيف حليم عالم بما كان قبله يستشير ذوي الألباب لا يخاف في الله لومة لائم وقال عمر بن عبد العزيز : سبع خلال إن فات القاضي منها واحدة فهي وصمة : العقل والفقه والورع والنزاهة والصرامة والعلم بالسنن والحلم .
ويجب عليه العدل بين الخصمين في لحظه ولفظه ومجلسه والدخول عليه لحديث أم سلمة أن النبي A قال : [ من ابتلي بالقضاء بين المسلمين فليعدل بينهم في لحظه وإشارته ومقعده ولا يرفعن صوته على أحد الخصمين ما لا يرفعه على الآخر ] رواه عمر بن أبي شيبة في كتاب قضاة البصرة وكتب عمر إلى أبي موسى واس بين الناس في وجهك ومجلسك وعدلك حتى لا ييأس الضعيف من عدلك ولا يطمع شريف في حيفك وجاء رجل إلى شريح وعنده السري فقال : أعدني على هذا الجالس إلى جنبك فقال للسري : قم فاجلس مع خصمك قال : إني أسمعك من مكاني قال : قم فاجلس مع خصمك فإن مجلسك يريبه وإني لا أدع النصرة وأنا عليها قادر .
إلا المسلم مع الكافر : فيقدم دخولا ويرفع جلوسا لحرمة الإسلام ولما روى إبراهيم التيمي [ أن عليا رضى الله عنه حاكم يهوديا إلى شريح فقام شريح من مجلسه وأجلس عليا فيه فقال علي Bه : لو كان خصمي مسلما لجلست معه بين يديك ولكن سمعت رسول الله A يقول : لا تساووهم في المجالس ] .
ويحرم عليه أخذ الرشوة لحديث ابن عمر قال : [ لعن رسول الله A الراشي والمرتشي ] صححه الترمذي ورواه أبو هريرة وزاد [ في الحكم ] ورواه أبو بكر في زاد المسافر وزاد [ والرائش ] وهو : السفير بينهما وكذا الهدية لحديث أبي حميد الساعدي مرفوعا : [ هدايا العمال غلول ] رواه أحمد وقال عمر بن عبد العزيز : كانت الهدية فيما مضى هدية وأما اليوم فهي رشوة قال في الفروع : وقال كعب الأحبار قرأت في بعض ما أنزل الله على أنبيائه : الهدية تفقأ عين الحكم وقال الشاعر : .
( إذا أتت الهدية دارقوم ... تطايرت الأمانة من كواها ) إلا ممن كان يهاديه قبل ولايته بشرط أن لا يكون له حكومة فيباح قبولها لانتفاء التهمة واستحب القاضي التنزه عنها لأنه لا يأمن أن تكون لحكومة منتظرة ويكره أن يباشر البيع والشراء بنفسه لئلا يحابى فيجري مجرى الهدية وروى أبو الأسود المالكي عن أبيه عن جده مرفوعا : [ ما عدل وال اتجر في رعيته أبدا ] وقال شريح : شرط علي عمر حين ولاني القضاء أن لا أبيع ولا أبتاع ولا أرتشي ولا أقضي وأنا غضبان فإن احتاج لم يكره لأن أبا بكر الصديق قصد السوق ليتجر فيه حتى فرضوا له ما يكفيه .
ولا يسار أحد الخصمين أو يضيفه أو يقوم له دون الآخر لأنه إعانة له على خصمه وكسر لقلبه وروي عن علي Bه [ أنه نزل به رجل فقال : ألك خصم ؟ قال : نعم قال : تحول عنا فإني سمعت رسول الله A يقول : لا تضيفوا أحد الخصمين إلا ومعه خصمه ] .
ويحرم عليه الحكم وهو غضبان كثيرا لحديث أبي بكر مرفوعا : [ لا يقضين حاكم بين اثنين وهو غضبان ] متفق عليه .
أو حاقن أو في شدة جوع أو عطش أو هم أو ملل أو كسل أو نعاس أو برد مؤلم أو حر مزعج قياسا على الغضب لأنه في معناه لأن هذه الأمور تشغل قلبه ولا يتوفر على الإجتهاد في الحكم وتأمل الحادثة .
فإن خالف وحكم في حال من هذه الأحوال .
صح إن أصاب الحق [ لأن النبي A حكم في حال غضبه في حديث مخاصمة الأنصاري والزبير في شراج الحرة ] رواه الجماعة .
ويحرم عليه أن يحكم بالجهل أو هو متردد فإن خالف وحكم : لم يصح ولو أصاب الحق لحديث بريدة مرفوعا : [ القضاة ثلاثة : واحد في الجنة واثنان في النار فأما الذي في الجنة : فرجل عرف الحق فقضى به ورجل عرف الحق فجار في الحكم : فهو في النار ورجل قضى للناس على جهل : فهو في النار ] رواه أبو داود وابن ماجه .
ويوصي الوكلاء والأعوان ببابه بالرفق بالخصوم وقلة الطمع لئلا يضروا بالناس .
ويجتهد أن يكونوا شيوخا أو كهولا من أهل الدين والعفة والصيانة ليكونوا أقل شرا فإن الشباب شعبة من الجنون .
ويباح له أن يتخذ كاتبا يكتب الوقائع وقيل : يسن [ لأن النبي A استكتب زيد بن ثابت ومعاوية بن أبي سفيان وغيرهما ] ولأن الحاكم يكثر اشتغاله ونظره في أمر الناس فيشق عليه تولي الكتابة بنفسه .
ويشترط كونه مسلما مكلفا عدلا لقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم } [ آل عمران : 118 ] الآية وقال عمر : لا تؤمنوهم وقد خونهم الله ولا تقربوهم وقد أبعدهم الله ولا تعزوهم وقد أذلهم الله ولأن الكتابة موضع أمانة فاشترط لها العدالة .
ويسن كونه حافظا عالما لأن فيه إعانة على أمره وكونه جيد الخط عارفا لئلا يفسد ما يكتبه بجهله وكونه ورعا نزها كيلا يستمال بالطمع وقال ابن المنذر : يكره للحاكم أن يفتي في الأحكام كان شريح يقول : أنا أقضي ولا أفتي