كتاب الحدود .
وهي : العقوبات المقدرة شرعا في المعاصي لتمنع من الوقوع في مثلها وحدود الله : محارمه لقوله تعالى : { تلك حدود الله فلا تقربوها } [ البقرة : 187 ] وحدوده أيضا : ما حده وقدره كالمواريث وتزوج الأربع وما حده الشرع لا يجوز فيه زيادة ولا نقصان لقوله تعالى : { تلك حدود الله فلا تعتدوها } [ البقرة : 229 ] .
لا حد إلا على مكلف أي : بالغ عاقل لحديث [ رفع القلم عن ثلاثة ] رواه أبو داود والترمذي وحسنه ولا حد على نائم لذلك ولا على مكره لحديث : [ عفي لأمتي عن الخطإ والنسيان وما استكرهوا عليه ] رواه النسائي وروى سعيد في سننه عن طارق بن شهاب قال : أتي عمر Bه بامرأة قد زنت قالت : إني كنت نائمة فلم أستيقظ إلا برجل قد جثم علي فخلى سبيلها ولم يضربها وروي : أنه أتي بامرأة استسقت راعيا فأبى أن يسقيها إلا أن تمكنه من نفسها فقال لعلي : ما ترى فيها ؟ قال : إنها مضطرة فاعطاها شيئا وتركها .
ملتزم لأحكام الإسلام من مسلم وذمي بخلاف حربي ومستأمن .
عالم بالتحريم لما روي عن عمر وعلي أنهما قالا : لا حد إلا على من علمه وروى سعيد بن المسيب قال : ذكر الزنى بالشام فقال رجل : زنيت البارحة قالوا : ما تقول ؟ قال : ما علمت أن الله حرمه فكتب بها إلى عمر فكتب إن كان يعلم أن الله حرمه فحدوه وإن لم يكن علم فأعلموه فإن عاد فارجموه وكذا إن جهل عين المرأة : مثل أن يزف إليه غير زوجته فيظنها زوجته أو يدفع إليه غير جاريته فيظنها جاريته أو يجد على فراشه امرأة يحسبها زوجته أو جاريته فيطأها فلا حد عليه لأنه غير قاصد لفعل المحرم ولحديث : [ ادرؤوا الحدود بالشبهات ما استطعتم ] .
وتحرم الشفاعة وقبولها في حد لله تعالى بعد أن يبلغ الإمام .
لقوله A : [ فهلا قبل أن تأتيني به ] وعن ابن عمر مرفوعا [ من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فهو مضاد لله في أمره ] رواه أحمد وأبو داود [ ولأن أسامة بن زيد لما شفع في المخزومية التي سرقت غضب النبي A وقال : أتشفع في حد من حدود الله ؟ ! ] رواه أحمد ومسلم بمعناه .
وتجب إقامة الحد ولو كان مقيمه شريكا في المعصية لوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يجمع بين معصيتين .
ولا يقيمه إلا الإمام أو نائبه سواء كان الحد لله تعالى كحد الزنى أو لآدمي كحد القذف لأنه يفتقر إلى الإجتهاد ولا يؤمن فيه الحيف فوجب تفويضه إليه [ ولأنه A كان يقيم الحدود في حياته وكذا خلفاؤه من بعده ] ونائبه كهو لقوله A : [ واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها فاعترفت فرجمها ] و [ أمر برجم ماعز ولم يحضره ] وقال في سارق أتي به [ اذهبوا به فاقطعوه ] .
والسيد على رقيقه القن روي ذلك عن ابن مسعود وابن عمر وقال ابن أبي ليلى : أدركت بقايا الأنصار يجلدون ولائدهم في مجالسهم الحدود إذا زنين وروى سعيد : أن فاطمة حدت جارية لها ولقوله A : [ أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم ] رواه أحمد وأبو داود و [ عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني قالا : سئل رسول الله A عن الأمة إذا زنت ولم تحصن قال : إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو بضفير ] قال ابن شهاب : لا أدري بعد الثالثة أو الرابعة متفق عليه .
وتحرم إقامته في المسجد لحديث حكيم بن حزام : [ أن النبي A نهى أن يستقاد بالمسجد وأن تنشد الأشعار وأن تقام فيه الحدود ] رواه أحمد وأبو داود والدارقطني بمعناه .
وأشده : جلد الزنى فالقذف فالشرب فالتعزير لأنه تعالى خص الزنى بمزيد تأكيد بقوله : { ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله } [ النور : 2 ] فاقتضى مزيد تأكيد ولا يمكن ذلك في العدد فيكون في الصفة ولأن ما دونه أخف منه في العدد فكذا في الصفة .
ويضرب الرجل قائما لأنه وسيلة إلى إعطاء كل عضو من الجسد حظه من الضرب .
بالسوط أي : بسوط لا خلق نص عليه لأنه لا يؤلم ولا جديد لئلا يجرح وروى مالك عن زيد بن أسلم مرسلا : [ أن رجلا اعترف عند النبي A فأتي بسوط مكسور فقال : فوق هذا فأتي بسوط جديد لم تكسر ثمرته فقال : بين هذين ] ولا يبالغ في ضرب لأن القصد أدبه لا هلاكه وقال الإمام أحمد : لا يبدي إبطه في شئ من الحدود وعن علي Bه قال : ضرب بين ضربين و سوط بين سوطين ولا يمد ولا يربط ولا يجرد من الثياب لعدم نقله وقال ابن مسعود Bه : ليس في ديننا مد ولا قيد ولا تجريد .
ويجب اتقاء الوجه والرأس والفرج والمقتل كالفؤاد والخصيتين لئلا يؤدي إلى قتله أو ذهاب منفعته وقال علي Bه : اضرب وأوجع واتق الرأس والوجه وقال : لكل من الجسد حظ إلا الوجه والفرج .
وتضرب المرأة جالسة لقول علي Bه : تضرب المرأة جالسة والرجل قائما .
وتشد عليها ثيابها وتمسك يداها لأنه أستر لها وفي حديث الجهنية : [ فأمر بها رسول الله A فشدت عليها ثيابها ] الحديث رواه أحمد ومسلم وأبو داود .
ويحرم بعد الحد حبس نص عليه .
وإيذاء بكلام كالتعبير لنسخه بمشروعية الحد .
والحد كفارة لذلك الذنب الذي أوجبه نص عليه لخبر عبادة وفيه : [ ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به فهو كفارة له ] متفق عليه .
ومن أتى حدا ستر نفسه ولم يسن أن يقر به عند الحاكم لحديث : [ إن الله ستير يحب الستر ] ومن قال لحاكم : أصبت حدا لم يلزمه شئ ما لم يبين نص عليه .
وإن اجتمعت حدود لله تعالى من جنس واحد : بأن زنى أو سرق أو شرب الخمر مرارا : .
تداخلت فلا يحد سوى مرة حكاه ابن المنذر : إجماع من يحفظ عنه من أهل العلم لأن الغرض الزجر عن إتيان مثل ذلك في المستقبل وهو حاصل بحد واحد وكالكفارات من جنس .
ومن أجناس فلا تتداخل كبكر زنى وسرق وشرب الخمر ويبدأ بالأخف فالأخف : فيحد أولا لشرب ثم لزنى ثم لقطع وإن كان فيها قتل : بأن كان الزاني في المثال محصنا استوفي القتل وحده لقول ابن مسعود Bه : [ إذا اجتمع حدان أحدهما : القتل أحاط القتل بذلك ] رواه سعيد ولا يعرف له مخالف من الصحابة ولأن الغرض الزجر ومع القتل لا حاجة له