باب حد الزنى .
الزنى : هو فعل الفاحشة في قبل أو دبر وهو من أكبر الكبائر قال الإمام أحمد : لا أعلم بعد القتل ذنبا أعظم من الزنى وأجمعوا على تحريمه لقوله تعالى : { ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا } [ الإسراء : 32 ] وعن عبد الله بن مسعود قال : [ سألت رسول الله A أي الذنب أعظم ؟ قال : أن تجعل لله ندا وهو خلقك قلت : ثم أي ؟ قال : أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك قلت : ثم أي ؟ قال : أن تزاني بحليلة جارك ] متفق عليه .
فإذا زنى المحصن وجب رجمه حتى يموت لحديث عمر قال : [ إن الله بعث محمدا A بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأتها وعقلتها ووعيتها ورجم رسول الله A ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل : ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى فالرجم حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت به البينة أو كان الحبل أو الإعتراف وقد قرأتها : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم ] متفق عليه [ ولأن النبي A : رجم ماعزا والغامدية ورجم الخلفاء بعده ] وهل يجلد قبله على روايتين إحداهما : يجب للآية [ وعن علي أنه ضرب سراخة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة وقال : جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله A ] رواه أحمد والبخاري وفي حديث عبادة [ والثيب بالثيب جلد مائة والرجم ] رواه مسلم وغيره والثانية : لا جلد عليه لما تقدم عن ابن مسعود ولأن النبي A [ رجم ماعزا والغامدية ولم يجلدهما ] وقال لأنيس [ فإن اعترفت فارجمها ] ولو وجب الجلد لأمر به قال الأثرم : سمعت أبا عبد الله يقول : في حديث عبادة : إنه أول حد نزل وإن حديث ماعز بعده وعمر رجم ولم يجلد ولا يجب الرجم إلا على المحصن بإجماع أهل العلم .
والمحصن هو من وطئ زوجته في قبلها بنكاح صحيح لا باطل ولا فاسد لأنه ليس بنكاح في الشرع .
وهما حران مكلفان فلا إحصان مع صغر أحدهما أو جنونه أو رقه لحديث : [ الثيب بالثيب جلد مائة والرجم ] رواه مسلم ولا يكون ثيبا إلا بذلك ولأن الإحصان كمال فيشترط أن يكون في حال الكمال وتصير الزوجة أيضا محصنة حيث كانا بالصفات المتقدمة حال الوطء ولا يشترط الإسلام في الإحصان [ لما روى ابن عمر أن النبي A أمر برجم اليهوديين الزانيين فرجما ] متفق عليه .
ولا خلاف بين أهل العلم في أن الزنى ووطء الشبهة لا يصير به أحدهما محصنا ولا نعلم بينهم خلافا في أن التسري لا يحصل به الإحصان لواحد منهما لكونه ليس بنكاح ولا تثبت فيه أحكامه .
وإن زنى الحر غير المحصن جلد مائة جلدة بلا خلاف لقوله تعالى : { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } [ النور : 2 ] وحديث عبادة مرفوعا : [ البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ] رواه مسلم .
وغرب عاما لما سبق روى الترمذي عن ابن عمر [ أن النبي A ضرب وغرب وأن أبا بكر ضرب وغرب وأن عمر ضرب وغرب ] .
إلى مسافة القصر لأن أحكام السفر من القصر والفطر لا تثبت بدونه قاله في الكافي وقال : وحيث رأى الإمام الزيادة في المسافة فله ذلك لأن عمر Bه غرب إلى الشام والعراق وإن رأى الزيادة على الحول لم يجز لأن مدة الحول منصوص عليها فلم يدخلها الإجتهاد والمسافة غير منصوص عليها فرجع فيها إلى الإجتهاد انتهى وتغرب امرأة مع محرم لعموم نهيها عن السفر بلا محرم وعليها أجرته ويغرب غريب إلى غير وطنه .
وإن زنى الرقيق : جلد خمسين جلدة بكرا أو ثيبا لقوله تعالى : { فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب } [ النساء : 25 ] والعذاب المذكور في القرآن : مائة جلدة فينصرف التنصيف إليه دون غيره والرجم لا يتأتى تنصيفه وعن عبد الله بن عياش المخزومي قال : [ أمرني عمر بن الخطاب في فتية من قريش فجلدنا ولائد من ولائد الإمارة خمسين خمسين في الزنى ] ورواه مالك .
ولا يغرب لأن تغريبه إضرار بسيده دونه [ ولأنه A لم يأمر بتغريب الأمة إذا زنت في حديث أبي هريرة وزيد بن خالد ] وقد سبق .
وإن زنى الذمي بمسلمة : قتل نص عليه لانتقاض عهده ولما روي عن عمر وتقدم في الجهاد .
وإن زنى الحربي : فلا شئ عليه من جهة الزنى لأنه مهدر الدم ولأنه غير ملتزم بأحكامنا .
وإن زنى المحصن بغير المحصن فلكل حده لحديث أبي هريرة وزيد بن خالد [ في رجلين اختصما إلى رسول الله A وكان ابن أحدهما عسيفا عند الآخر فزنى بامرأته ] وفيه [ وقال رسول الله A : وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها قال : فغدا عليها فاعترفت فرجمها ] رواه الجماعة .
ومن زنى ببهيمة عزر ولا حد عليه روي عن ابن عباس وهو قول مالك والشافعي لأنه لم يصح فيه نص ولا حرمة له والنفوس تعاف وعنه : عليه الحد لحديث ابن عباس مرفوعا : [ من وقع على بهيمه فاقتلوه واقتلوا البهيمة ] رواه أحمد وأبو داود والترمذي وضعفه الطحاوي وفي وجوب قتلها روايتان وكره أحمد أكل لحمها .
ولو تلوط بغلام لزمه الحد لحديث أبي موسى مرفوعا : [ إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان ] وعنه : حده الرجم بكل حال لأنه إجماع الصحابة فإنهم أجمعوا على قتله وإنما اختلفوا في الكيفية قاله في الشرح وعن ابن عباس مرفوعا : [ من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به ] رواه الخمسة إلا النسائي وفي حد من وقع على ذات محرمه بعقد أو غيره روايتان إحداهما : حده حد الزنى لعموم الآية والأخبار والثانية : يقتل بكل حال لما روى البراء قال : [ لقيت عمي ومعه الراية فقلت أين تريد ؟ قال بعثني رسول الله A إلى رجل تزوج امرأة أبيه بعده : أن أضرب عنقه وآخذ ماله ] حسنه الترمذي وروى ابن ماجه بإسناده مرفوعا : [ من وقع على ذات محرم فاقتلوه ] ولا يجوز للحاكم أن يقيم الحد بعلمه لأن ذلك يروى عن أبي بكر الصديق Bه .
وشرط وجوب الحد ثلاثة : .
أحدها : تغييب الحشفة أو قدرها لعدمها .
في فرج أو دبر لآدمي حي ذكر أو أنثى لحديث ابن مسعود : [ أن رجلا جاء إلى النبي A فقال : إني وجدت امرأة في البستان فأصبت منها كل شئ غير أني لم أنكحها فافعل بي ما شئت فقرأ عليه النبي A : { وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات } [ هود : 114 ] ] رواه النسائي وعن أبي هريرة في حديث الأسلمي : [ فأقبل عليه في الخامسة قال : أنكتها قال : نعم قال : كما يغيب المرود في المكحلة والرشأ في البئر ؟ قال : نعم وفي آخره فأمر به فرجم ] رواه أبو داود والدارقطني .
الثاني : انتفاء الشبهة لحديث عائشة مرفوعا : [ ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن كان له مخرج فخلوا سبيله فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة ] رواه الترمذي وذكر أنه قد روي موقوفا وأنه أصح وقال : وقد روي عن غير واحد من الصحابة : أنهم قالوا مثل ذلك وعن أبي هريرة مرفوعا : [ ادفعوا الحدود ما وجدتم لها مدفعا ] رواه ابن ماجه وقال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم : أن الحدود تدرأ بالشبهات .
الثالث : ثبوته إما بإقرار أربع مرات [ لأن ماعز بن مالك اعترف عند النبي A الأولى والثانية والثالثة فرده فقيل له : إنك إن اعترفت الرابعة رجمك فاعترف الرابعة فحبسه ثم سأل عنه فقالوا : لا نعلم إلا خيرا فأمر به فرجم ] روي من طريق عن ابن عباس وجابر وبريدة وأبي بكر الصديق حتى ولو كان الإقرار في مجالس [ لأن الغامدية أقرت عنده بذلك في مجالس ] رواه مسلم .
ويستمر على إقراره إلى تمام الحد فإن رجع أو هرب كف عنه .
وبه قال مالك والشافعي لقول بريدة : [ كنا أصحاب محمد A نتحدث أن الغامدية وماعزا لو رجعا بعد اعترافهما أو قال : لو لم يرجعا بعد اعترافهما لم يطلبهما وإنما رجمهما بعد الرابعة ] رواه أبو داود وفي حديث أبي هريرة [ فذكروا ذلك لرسول الله A أي أن ماعزا فر حين وجد مس الحجارة ومس الموت فقال رسول الله A هلا تركتموه ] رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وحسنه .
أو شهادة أربعة رجال عدول ويصفونه لقوله تعالى : { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء } [ النور : 4 ] الآية وقوله تعالى : { فاستشهدوا عليهن أربعة منكم } [ النساء : 15 ] فيجوز لهم النظر إليهما حال الجماع لإقامة الشهادة عليهما .
فإن كان أحدهم غير عدل حدوا للقذف لعدم كمال شهادتهم للآية ويشترط كونها في مجلس واحد وسواء جاؤوا جملة واحدة أو سبق بعضهم بعضا لأن عمر Bه لما شهد عنده أبو بكرة ونافع وشبل بن معبد على المغيرة بن شعبة بالزنى حدهم حد القذف لما تخلف الرابع زياد فلم يشهد ولو لم يشترط المجلس لم يجز أن يحدهم لجواز أن يكملوا برابع في مجلس آخر ولأنه لو جاء الرابع بعد حد الثلاثة لم تقبل شهادته ولولا اشتراط المجلس لوجب أن يقتل قاله في الكافي .
وإن شهد أربعة بزناه بفلانة فشهد أربعة آخرون أن الشهود هم الزناة صدقوا وحد الأولون فقط دون المشهود عليه لقدح الآخرين في شهادتهم عليه .
للقذف والزنى لأنهم شهدوا بزنى لم يثبت فهم قذفة وثبت عليهم الزنى بشهادة الآخرين .
وإن حملت من لا زوج لها ولا سيد : لم يلزمها شئ لأن عمر رضى الله عنه : [ أتي بامرأة ليس لها زوج قد حملت فسألها عمر فقالت : إني امرأة ثقيلة الرأس وقع علي رجل وأنا نائمة فما استيقظت حتى فرغ فدرأ عنها الحد ] رواه سعيد وعن علي وابن عباس : إذا كان في الحد لعل وعسى فهو معطل ولا خلاف أن الحد يدرأ بالشبهة وهي متحققة هنا وعنه : تحد إذا لم تدع شبهة اختاره الشيخ تقي الدين وعليه يحمل قوله : أو كان الحبل أو الاعتراف