باب التدبير .
وهو : تعليق العتق بالموت كقوله لرقيقه : إن مت فأنت حر بعد موتي .
سمي بذلك لأن الموت دبر الحياة وأجمعوا على صحة التدبير في الجملة وسنده حديث جابر : [ أن رجلا أعتق مملوكا عن دبر فاحتاج فقال رسول الله A : من يشتريه مني ؟ فباعه من نعيم بن عبدالله بثمانمائة درهم فدفعها إليه وقال : أنت أحوج منه ] متفق عليه .
ويعتبر كونه أى : التدبير .
ممن تصح وصيته فيصح من محجور عليه لسفه وفلس ومميز يعقله .
وكونه أي : التدبير في الصحة والمرض .
من الثلث نص عليه لأنه تبرع بعد الموت أشبه الوصية .
وصريحه وكنايته كالعتق و : أنت مدبر أو : قد دبرتك لأن هذا اللفظ موضوع له فكان صريحا فيه كلفظ العتق في الإعتاق .
ويصح مطلقا كـ : أنت مدبر ومقيدا كـ : إن مت في عامي هذا أو مرضي هذا فأنت مدبر فيكون ذلك جائزا على ما قال إن مات على الصفة التي قالها عتق وإلا فلا لأنه تعليق على صفة فجاز مطلقا ومقيدا كتعليقه على دخول الدار .
ومعلقا كـ إذا قدم زيد فأنت مدبر و : إن شفى الله مريضي فأنت حر بعد موتي ونحوه فإن وجد الشرط في حياة سيده فهو مدبر وإن لم يوجد حتى مات سيده بطلت الصفة بالموت لأنه يزول به الملك ولم يوجد التدبير لعدم شرطه قاله في الكافي .
ومؤقتا كـ : أنت مدبر اليوم أو سنة فيكون مدبرا تلك المدة إن مات سيده فيها عتق وإلا فلا ويجوز تدبير المكاتب لا نعلم فيه خلافا [ ويجوز كتابة المدبر ] رواه الأثرم عن أبي هريرة وابن مسعود وعن محمد بن قيس بن الأحنف عن أبيه عن جده : [ أنه أعتق غلاما له عن دبر وكاتبه فأدى بعضا وبقي بعض ومات مولاه فأتوا ابن مسعود فقال : ما أخذ فهو له وما بقي فلا شئ لكم ] رواه البخاري في تاريخه .
ويصح بيع المدبر وهبته لحديث جابر وقد سبق ولأنه إما وصية أو تعليق على صفة وأيهما كان لم يمنع البيع وما ذكر أن ابن عمر روى أن النبي A قال : [ لا يباع المدبر ولا يشترى ] فلم يصح ويحتمل أنه أراد بعد الموت أو على الإستحباب ولا يصح قياسه على أم الولد لأن عتقها بغير إختيار سيدها وليس بتبرع ويكون من رأس المال .
وباعت عائشة Bها مدبرة لها سحرتها فقد روى الدارقطني عن عمرة : [ أن عائشة أصابها مرض وأن بعض بني أخيها ذكروا شكواها لرجل من الزط يتطبب وأنه قال لهم : إنكم لتذكرون إمرأة مسحورة سحرتها جارية لها في حجر الجارية الآن صبي قد بال في حجرها فذكروا ذلك لعائشة فقالت : إدعوا لي فلانة الجارية لها فقالوا : في حجرها فلان صبي لهم قد بال في حجرها فقالت : إيتوني بها فأتيت بها فقالت : سحرتيني ؟ قالت : نعم قالت لمه ؟ قالت : أردت أن أعتق وكانت عائشة أعتقتها عن دبر منها فقالت : إن لله علي أن لا تعتقي أبدا أنظروا أسوأ العرب ملكة فبيعوها منه واشترت بثمنها جارية فأعتقتها ] ورواه مالك في الموطأ والحاكم وقال : صحيح وعنه : لا يباع إلا في الدين أو حاجة صاحبه [ لأن النبي A إنما باعه لحاجة صاحبه ] .
فإن عاد لملكه عاد التدبير لأنه علق عتقه بصفة فإذا باعه أو وهبه ثم عاد إليه عادت الصفة .
ويبطل التدبير .
بثلاثة أشياء : .
بوقفه لأن الوقف يجب أن يكون مستقرا .
وبقتله لسيده لأنه إستعجل ما أجل له فعوقب بنقيض قصده كحرمان القاتل الميراث .
وبإيلاد الأمة من سيدها لأن مقتضى التدبير العتق من الثلث والإيلاد : العتق من رأس المال ولو لم يملك غيرها فالإستيلاد أقوى فيبطل به الأضعف .
وولد الأمة الذي يولد بعد التدبير كهي أي : بمنزلتها سواء كانت حاملا به حين التدبير أو حملت به بعده لقول عمر وابنه وجابر : ولد المدبرة بمنزلتها ولا يعلم لهم في الصحابة مخالف ولأن الأم إستحقت الحرية بموت سيدها فتبعها ولدها كأم الولد بخلاف التعليق بصفة في الحياة والوصية لأن التدبير آكد من كل منهما .
وله وطؤها وإن لم يشترطه حال تدبيرها سواء كان يطؤها قبل تدبيرها أو لا روي عن ابن عمر : أنه دبر أمتين له وكان يطؤهما قال أحمد : لا أعلم أحدا كره ذلك غير الزهري ولعموم قوله تعالى : { أو ما ملكت أيمانهم } [ المؤمنون : 6 ] وقياسا على أم الولد .
و له .
وطء بنتها إن جاز بأن لم يكن وطئ أمها لتمام ملكه فيها واستحقاقها الحرية لا يزيد على استحقاق أمها .
ولو أسلم مدبر أو قن أو مكاتب لكافر ألزم بإزالة ملكه عنه لئلا يبقى ملك كافر على مسلم مع إمكان بيعه بخلاف أم الولد .
فإن أبى بيع عليه أي : باعه الحاكم إزالة لملكه عنه لقوله تعالى : { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } [ النساء : 141 ]